हक्ध तकल्लम नसर अबू ज़ैद
هكذا تكلم نصر أبو زيد (الجزء الأول): من نص المصحف إلى خطابات القرآن
शैलियों
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا ، خصوم المعتزلة قالوا: إن الله هو الذي يتصرف في كل شيء، إن ربنا إذا أراد أن يهلك قرية فهو الذي يأمر المترفين أن يفسقوا من أجل أن يدمرها، وهنا واضح أنه في نوع من الحتمية، القدرية الحتمية. المعتزلة طبعا ارتبكوا كثيرا، فقالوا إن «أمر» هنا، ليست من أمر يأمر، إنما أمر يعني أكثر عددهم، ولما يكثر المترفين، يفسقوا، لكنهم لم يحلوا المشكلة؛ لأن ربنا هو الذي أمرهم في النهاية. ففي النهاية فيه حتمية، وفيه جبر، لكن بتحليل الخطاب هنا الآية تهديد، «مود» الخطاب تهديد، ولا يمكن أن يؤخذ أن القرآن يطرح قضية لاهوتية، فهنا غاب في الجدل السجالي بين اللاهوتيين، غاب إدراك ما يسمى نوع الخطاب.
كثير من النماذج القرآنية لا بد أن ننظر على نمط الخطاب، هل هو وصفي، هل هو تهديدي، هل هو وعدي، هل هو ابتهالي؟ ابتهال بمعنى
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة ... إلخ القرآن مليء بالنصوص الابتهالية، المتحدث فيها الإنسان وليس الله، هذا جانب.
إني أبحث عن: من المتكلم، ومن المتكلم هنا ؟ ليس كما يقول بعض الناس إني أقول إن القرآن له مؤلفون كثيرون، لا، لكن ما هو الصوت؟ وكلمة صوت ليست بالضرورة بالمعنى الذي يفهمه الناس. عندي تعدد في الأصوات في القرآن، عندي الصوت المقدس، طبعا موجود، موجود أحيانا بصيغة المفرد
إنني أنا الله لا إله إلا أنا ، وموجود في بعض الأحيان بصيغة الجمع. لكن موجود في معظم الأحيان أيضا بصيغة الغائب، وموجود بصيغة المخاطب في الابتهالات، وضمير المتكلم موجود في القرآن. إذن أنا عندي نص متعدد الأصوات. صوت المجتمع موجود في هذا النص ليس كنوع من الاقتباس، ولكن كنوع من إعادة الإنتاج، كل اتهامات المشركين وأهل الكتاب التي قالوها ضد محمد موجودة في القرآن.
هذا معناه أن هذه البنية بنية خطاب. الخطاب: أن المتحدثين يخاطب بعضهم بعضا بأنماط مختلفة من الحديث، هذا معنى الخطاب وهو أعقد من النص. إحنا عارفين إن القرآن كان ظاهرة متداولة قبل أن يوضع في كتاب. السؤال هنا: ألا يجب أن نعود إلى الظاهرة المتداولة؟ وليس معنى هذا أننا نقول: نلغي المصحف. بعض الناس تفهم الكلام بطريقة بشعة، كأنك تقول نلغي المصحف، لا طبعا. أنا أتكلم عن الدراسة، الدراسة تراعي الظاهرة التي يسميها أركون - محمد أركون - الظاهرة القرآنية. الظاهرة القرآنية ظاهرة شفاهية، ظاهرة مكونة من خطابات في سياقات مختلفة لمخاطبين مختلفين ليس فقط المخاطب من مكة والمدينة، لكن حتى داخل مكة فيه أكثر من مخاطبين، وداخل المدينة فيه أكثر من مخاطبين. ردود أفعال المخاطبين منعكسة في النص. كل هذه الحيوية أفقدها إذا نظرت للقرآن كنص، أو لو نظرت للقرآن أنه إما أوامر بالفعل أو أوامر بعدم الفعل، فيختصر القرآن في حلال وحرام ... إلخ.
عندي جانب من الخطاب القرآني مهمل تماما من الدارسين المسلمين، وهو الجانب المرتبط بصورة الكون، يعني صورة الكون والسماء والأرض والجبال، كلها صور كونية مطروحة في القرآن في سياقات خطابية مختلفة لا تدرس. يعني كيف أن القرآن حول الظاهرة الطبيعية إلى علامات بالمعنى السيموطيقي مثلا. لا توجد دراسات من هذا النوع، إحنا معنيين بحاجات غريبة جدا جدا، نتصور أن الإسلام مختصر فيها، وبالتالي لا نستطيع أن نصل إلى ما يسمى رؤية العالم في القرآن؛ لأنها محتاجة إلى أن ندرس القرآن من خلال هذا التجلي الخطابي باستمرار. أنا أعتقد أن التعامل مع القرآن كخطاب بيكشف درجة عالية من الغنى والخصوبة مفتقدة في التعامل مع القرآن كنص، ويحرر القرآن من كثير من المعاني التي فرضت عليه طوال تاريخ التفسير من خلال صراعات سياسية وصراعات اجتماعية بين الجماعات الإسلامية المختلفة. المسلمون ليسوا كتلة واحدة وعمرهم ما كانوا كتلة واحدة، ولا حتى الصحابة كانوا كتلة واحدة. وهذا كله مشكلة أنك تقول إن الصحابة لم يكونوا كتلة واحدة. كل ما أقرأ القرآن أكتشف أنه حتى بين الجيل الأول تيارات واتجاهات، وليس فقط المنافقين والمؤمنين والكافرين وأهل الكتاب، وإنما حتى داخل المؤمنين فيه أصوات مختلفة، تحليل الخطاب ممكن يكشف عنها.
أدركت أنا بالضبط ما معنى ما يقوله دكتور نصر أبو زيد عن الفرق بين النص وبين الخطاب؛ فعندما جلست لتفريغ هذا التسجيل معه، لكي يكتب كنص، فأنا أحول خطابه المنطوق إلى نص. فلهذا الحوار سياق يمكن أن يشعر القارئ ببعض منه سواء في الحوار ذاته أو ما أشير إليه أنا من سياق بكلماتي. لكن النص لا يظهر هذا السياق. فمثلا لا يظهر النص أن الحوار تم على أجزاء وأماكن مختلفة خلال نفس اليوم، أو أن أبو زيد كان في زيارة قصيرة إلى نيويورك، وبرودة الطقس وتأثير البرد على نبرة صوت أبو زيد. ولا يدرك قارئ النص مدى إرهاق أبو زيد من فرق التوقيت بين أوروبا وأمريكا، قد يدرك القارئ من النص أنه ألقى محاضرة عن تيار الإصلاح في الفكر الإسلامي، باللغة الإنجليزية منذ ليلتين، لكن لن يدرك أنه ألقى محاضرة في جامعة كولومبيا بعدها بيوم عن «الجدل بين مفكري العرب والمسلمين الأوائل وبين اللاهوتيين المسيحيين»، وأنه على موعد بعد ساعة من بداية حوارنا، وأن جزءا من الحوار كان في مدخل الفندق، وصوت ماكينة التنظيف تنظف غرفته، ونحن ننتظر ونتحدث . قد لا يكون لكل هذا صلة، ولا تأثير لها على معاني النص، لكن كل هذا كان في وعيي وأنا أحاوره.
لكن الجانب الذي أدركته بشدة هو صوتي أنا وتدخلي في كتابة النص وفي تشكيل معانيه؛ فرغم أنه كلام نصر أبو زيد كخطاب منطوق، فأنا حين كتبته نصا فأنا الذي اخترت مكان الفاصلة والنقطة، واخترت بداية الجملة ونهايتها، واخترت بداية ونهاية الفقرة، وكل هذا يشكل في معاني الكلام هنا، بل أنا استبدلت كلمات بكلمات لكي يستقيم النص بخلاف الكلمة التي نطقها أبو زيد في التسجيل؛ مما يشكل ويغير في المعاني. لاحظت أيضا أننا حينما نتحدث، نكرر كثيرا في الكلمات والعبارات، وفي الأفكار أيضا؛ لأننا نعتمد على الذاكرة في حالة الشفاهية، ويقل هذا التكرار حينما نكتب.
ودكتور نصر أبو زيد له «لازمة» لفظية في كلامه يكررها باستمرار في حديثه: «واخد بالك»، يكررها تقريبا نهاية كل جملة مفيدة أو فقرة، لم أكتب أيا منها في النص. واستخدام كلمة «مش» دائما في اللهجة المصرية غيرت بعضها، واستبدلت بعضها لتتناسب مع الكتابة. صيغة السؤال الذي طرحته عليه وجدت أن السؤال يمكن أن يصاغ بطريقة أفضل تتوافق مع نص مكتوب، وكنت في حيرة: هل أغير في كلمات السؤال، دون أن تغير في المعنى أو أتركها كما هي؟ فرغم أن هذا خطاب دكتور أبو زيد إلا أنه نصي، إن كان صوته هو الظاهر والواضح، فبطريقة أو أخرى صوتي موجود، فأدركت ماذا يعني بالأصوات والخطابات في القرآن، ومدى التحول في المعنى بالانتقال من خطاب إلى نص، والعكس. ونعود إليه، وإلى خطابه. - ما الهدف للانتقال من نص إلى خطاب؟ - كشف المعنى في سياقه التاريخي، وبالتالي يمكن الوصول إلى: هل هذا المعنى في سياقه التاريخي قادر على مخاطبة العصر الذي نعيش فيه وإلى أي حد؟ ما هي الصلة بين المعنى التاريخي وبين المغزى المعاصر؟ ولا تبقى المسألة مزاج المفسر؛ مفسر تقدمي فيخرج كل شيء تقدميا؛ مفسر ماركسي فيطلع كل حاجة ماركسي، مفسر محافظ؛ يعني إخضاع القرآن للأيديولوجيا، هذا هو تاريخنا . إنما النظر للقرآن في بنيته التاريخية وتكوينه وشكله هو الذي قد يحمي القرآن من أن يصبح موضوعا للسجال الأكاديمي، أو هو على الأقل الأمل المنوط به.
अज्ञात पृष्ठ