فقال حسن: «إنها لذكرى حسنة، ولكننا لا نستطيع الخوض في هذا الموضوع ونحن على قارعة الطريق.»
قال سليمان: «هلم بنا إلى مكان لنقضي فيه بقية هذا اليوم، فإني أحسبه من أسعد أيامي؛ لأنه يذكرني بأيام النصر وإن كنا الآن في ...» وقطع كلامه لئلا يسمعه أحد.
ثم نهضا، فابتاع حسن جعبة وضع النبال فيها، وسار وقد شغل بصديقه عن تذكر القباء وهو لم يتعود حمله. •••
كان سليمان هذا صديقا لحسن تعارفا منذ الصبا، وكان مقيما مع أبيه بالكوفة مع دعاة الحسين، فلما قدم الحسين الكوفة في أهله كان هو وأبوه من الذين تخلفوا عن نصرته، ولما قتل الحسين في سهل كربلاء وقتل أهله معه أصبح سليمان وأبوه من التوابين الذين ندموا على تخلفهم عن نصرة الحسين وقاموا بعد قتله للمطالبة بدمه، فلما جاء المختار بن أبي عبيد الثقفي إلى الكوفة يدعو الناس إلى بيعة عبد الله بن الزبير، انضم التوابون إليه فقتلوا قتلة الحسين، ثم طمع المختار في الأمر، وأرسل عبد الله بن الزبير أخاه مصعب لمحاربته، وكان حسن مع مصعب، فلما غلب مصعب المختار وقتله تفرقت رجاله، فانحاز بعضهم إلى مصعب ومنهم سليمان وأبوه، وقد ائتلف قلبا حسن وسليمان. وكان سليمان يعجب بأخلاق حسن، فلما جاء عبد الملك بن مروان وحارب مصعبا بالكوفة وقتله وتفرق رجاله، سار حسن مع عبد الملك، وجاء سليمان وأبوه إلى المدينة فأقاما بها.
فلما تلاقيا بالمدينة على هذه الصورة أنس به سليمان وأحب البقاء معه، فدعاه إلى منزله وقال له: «إن أبي يسر بلقياك.» فتذكر حسن أبا سليمان فقال: «فاتني أن أسأل عن أبيك، كيف هو؟ وما الذي يعمله الآن؟»
قال: «إنه في خدمة طارق بن عمر عامل هذه المدينة من قبل عبد الملك بن مروان.»
قال: «وهل هو يخدمه عن رضى؟»
قال: «أراه راضيا بخدمته، وكثيرا ما أظهرت عدم رضائي بخدمة هؤلاء القوم الذين قتلوا الحسين، وكنا بالأمس نجرد السيوف عليهم ونطالبهم بدم المقتولين، ولكنني رأيته راضيا فسكت عنه. ولعل له عذرا.»
وكانا يتكلمان وهما ماشيان حتى وصلا إلى بيت سليمان، ولم يكن أبوه في البيت، فمكثا هناك وتناولا الغداء معا وقد سر كل منهما بلقاء صديقه، فلما كان العصر نهض حسن واعتذر باضطراره إلى الذهاب لوداع ليلى الأخيلية في بيت سكينة بنت الحسين، وهو إنما كان يرجو أن يستطيع مشاهدة سمية؛ لأن بيتها بجانب بيت سكينة.
فألح عليه سليمان أن يؤجل سفره إلى الغد، ولكنه اعتذر شاكرا، فقال سليمان: «إذا لم يكن بد من سفرك فإني أرافقك في أوائل الطريق؛ لأنك إذا خرجت من المدينة عند الغروب لا تسير الليل كله، فإذا رضيت برفقتي فإني أصاحبك إلى العقيق فنمكث هناك ساعة أتملى من حديثك ثم نفترق.»
अज्ञात पृष्ठ