وشى صوتها بالإعجاب فقبلها مرة ثانية. - ولم يحظ أحد في حارتنا بذلك ..
جميع أقرانه يعملون في شتى الحرف. يرمقونه - إذا مر - بالإعجاب وأحيانا بالحسد. ما أجدره بأن يسر لولا شعوره الحاد القاسي بطول الطريق وعناده! - أنت الأفندي الوحيد!
فقال بهدوء: لا قيمة لذلك خارج حارتنا. - الخارج لا يهم، أما حارتنا فهي حارة الكارو!
فقبلها للمرة الثالثة وقال: لا تتكلمي عن الكارو إلا بالاحترام .. - صدقت، أنت شهم ..
وقد قبض على أبيها في المعركة التي قبض فيها على أخيه فدخل السجن ومات فيه بسببها، ولكن تلك الأحداث تعد من الأمجاد التي يطيب بها ذكر الحارة. ولكن سيدة تدور حول نقطة واحدة لغرض واضح، ولا جدوى من تجاهله؛ فها هي تسأل: وماذا بعد ذلك؟
إنه يدرك لهفتها على كلمة يطيب بها الفؤاد ويسعد. ويعلم أيضا أن سعادته لن تقل عن سعادتها بحال إن لم تزد. إنه يحب هذه الفتاة كما تحبه ولا غنى له عنها. ولكنه يخاف. عليه أن يفكر ألف مرة. وليراجع ورقة العمل المريرة. ليتمل طويلا الحياة التي تقف أمامه مرحبة ومتحدية معا. - ماذا تعنين يا سيدة؟ ..
فأجابت معاندة في خفة: لا شيء! - لا يجوز أن ننسى أننا صغيران .. - أنا؟!
قالتها باحتجاج عذب أشارت به إشارة مليحة إلى أنوثتها الصارخة.
فقال مداعبا: إنما قصدت نفسي .. - أطلق شاربك فهذا ما ينقصك.
أخذ مزاحها مأخذ الجد وفكر بأن ذلك قد ينفعه حقا في نضاله؛ فمن ذا الذي يتصور موظفا كبيرا بلا شارب؟!
अज्ञात पृष्ठ