فرفضت ذلك بإصرار قائلة: كلا، لست أنانيا على الإطلاق. - أناني بكل معنى الكلمة، وبسبب أنانيتي شجعتك وأوهمتك فتمادينا إلى ما لا نهاية، لن أغفر لنفسي ذلك أبدا. - لم تفعل إلا ما هو نبيل وطيب! - لا تدافعي عني، لعلك تساءلت كثيرا متى يتكلم هذا الرجل، ماذا يريد مني؟ حتى متى نتلاقى ونفترق بلا تقدم حقيقي، هل يتسلى بي؟! - لم أظن بك سوءا قط! - أنا نفسي طرحتها مرات عديدة، ولكن غلبني الاستسلام الوهمي للسعادة فلم أحسم الأمر قبل أن يستفحل، وكم صممت على مصارحتك بالحقيقة ثم أضعف وأستسلم!
تساءلت بصوت يدل على الخيبة: تصارحني بماذا؟ - آه .. لم لم أعرض عليك الزواج؟
اختلجت عيناها وهي تسمع الكلمة المحبوبة، نظرت إليه بإشفاق، تحولت عنه متطلعة للمجهول وكأنها تصلي صلاة صامتة لدفع البلاء. - طبعا ساءلت نفسك عن ذلك وإلا فما معنى الحياة؟
أطرقت كأن رغبتها في معرفة المزيد قد فترت لعدم توقعها أي خير، أما هو فواصل قائلا: إني مريض .. - لا ..
ندت عنها بخوف صادق فقال: لا أصلح للزواج!
حدقت فيه بذهول فمضى: لا يغرنك منظري فمرضي ليس في القلب أو الصدر ولكنه يعوق تماما عن الزواج ..
أطرق كالمحزون فسمع تنهدة حادة مزقت قلبه. أوشك أن يتحرر من كافة التزاماته وأن يكب على قدميها بشفتيه وأن يمضي بها إلى المأذون، ولكن القوة الأخرى صدته وجمدته. - لم أهمل، ذهبت إلى أكثر من طبيب، لم أفقد الأمل، ولولا ذلك لصارحتك من زمن بعيد، ولكن لا فائدة، لا يجوز أن أستأثر بك أكثر من ذلك وإلا قضيت على مستقبلك إلى الأبد! - ولكن كيف أستقبل الحياة بدونك؟ - أنت صغيرة، جرح الشباب سريع الالتئام. - لا أصدق، إنه كابوس. - لا يجوز التمادي في الخطأ بعد ذلك. - لا أصدق .. - كل مصيبة غير متوقعة فهي لا تصدق ولكن الحياة تبدو أحيانا سلسلة من المصائب غير المتوقعة، ولكن عليك أن تهتدي إلى سبيلك قبل ضياع الفرصة ..
فتمزق صوتها بالجزع وهي تسأله: ماذا تريد؟ - أن نكف عن السير في طريق مسدود! - لا أستطيع. - لا بد مما ليس منه بد، فمن الجنون أن نستمر ..
وتجنب النظر إليها. كان قد نفذ خطته حتى النهاية بنجاح وإحكام. وبنجاحها الوحشي وجد نفسه في الفراغ منفردا بعذاب أليم، مكللا بعار الجحيم، بلا إيمان ولا عزاء. وقال لنفسه إنه لا نجاة له إلا بالجنون. الجنون وحده هو الذي يتسع للإيمان والكفر، للمجد والخزي، للحب والخداع، للصدق والكذب، أما العقل فكيف يتحمل هذه الحياة الغريبة؟ .. كيف يشيم ألق النجوم وهو مغروس حتى قمة رأسه في الوحل؟!
وبكى طويلا في الليل ..
अज्ञात पृष्ठ