مقدمة في اسم الديوان
الكروانيات
غزل ومناجاة
صفات وتأملات
متفرقات
هجاء
رثاء
تذييل في اسم الديوان
مقدمة في اسم الديوان
الكروانيات
غزل ومناجاة
صفات وتأملات
متفرقات
هجاء
رثاء
تذييل في اسم الديوان
هدية الكروان
هدية الكروان
تأليف
عباس محمود العقاد
مقدمة في اسم الديوان
كان الربيع وتلاه الصيف، وكانت لياليهما السواحر الحسان، وكان هتاف الكروان الذي لا ينقطع من الربيع إلى الخريف، ولا يزال يتردد حتى يسكته الشتاء. وأكثر ما يسمعه السامع في حوافي مصر الجديدة حيث أسكن وحيث يكثر هذا الطائر الغريب؛ لأنه يألف أطراف الصحاري على مقربة من الزرع والماء، كأنه صاحب صومعة من تلك الصومعات التي كان يسكنها الزهاد بين الصحراء والنيل؛ فله من مصر الجديدة مرتاد محبوب.
ولي بالكروان ألفة من قديم الأيام، نظمت فيه القصيدة النونية التي أقول في مطلعها:
هل يسمعون سوى صدى الكروان
صوتا يرفرف في الهزيع الثاني
وأودعتها الجزء الأول من الديوان.
ثم أعادني طائف من طوائف النفس إلى النظم فيه، فاجتمعت عندي قصائد عدة في مناجاته. وكأنني كنت أعارضه وأساجله بكثير من القصائد الأخرى التي اشتملت عليها هذه المجموعة، فصح على هذا المعنى أن يسمى الديوان كله «هدية الكروان».
ولوصف الكروان وشرح طباعه ومشاربه مقام آخر غير هذا المقام؛ فأما غناؤه فقد تقال فيه كلمة هنا؛ لأننا نتكلم عما فيه من شعر يوحي الشعر، فليس أصلح لهذا الكلام من صدر ديوان.
تسمعه الفينة بعد الفينة في جنح الليل الساكن النائم البعيد القرار، فيشبه لك الزاهد المتهجد الذي يرفع صوته بالتسبيح والابتهال فترة بعد فترة، ويشبه لك الحارس الساهر الذي يتعهد الليل بالرعاية بين لحظة ولحظة، وينطلق بالغناء في مفاجأة منتظرة أو انتظار مفاجئ، فلا تدري، أهي صيحة جذل أم هي صيحة روعة وإجفال؟ ولكنك تشعر بالجذل والروعة والإجفال تتقارب، وتتمازج في نفسك حتى لا تتفرق، كأنك تصغي إلى طفل يرتاع وهو جذلان، ويجذل وهو مرتاع! ويطلب الخطر ويشتهيه؛ لأن للخطر في حسه طرافة وحركة، فهو من عالم التفاؤل والإقبال لا من عالم التشاؤم والنكوص.
ويطلع عليك بهتافه من هنا ومن هناك، وعن اليمين وعن الشمال، وعلى الأرض وفوق الذرى، فيخيل إليك أنك تستمع إلى روح هائم لا يقيده المكان ولا يعرف المسافة، أطلقوه في الدنيا على حين غرة، فسحرته فتنة الدنيا وخلبته محاسن الليل، فهو لا يعرف القرار ولا يصبر في مطار. فأنت تتلقى من صوت هذا الطائر الأليف النافر عالما من معان وأشجان يتجاوب فيه تقديس المصلي القانت، وحدب الحارس الأمين، وروح الطفولة، ومناجاة الخطر المقبول، وهيام الروح المنهوم بالحياة والجمال؛ عالم لا نظير له فيما نسمع من غناء الطير بهذه الديار.
ومن العجيب أنك لا تقرأ صدى للكروان فيما ينظم الشعراء المصريون، على كثرة ما يسمع الكروان في أجوائنا المصرية من شمال وجنوب!
وأعجب منه أنك لا تقرأ فيما ينظمون إلا مناجاة البلابل وأشباهها على قلة ما تسمع في هذه الأجواء!
فكأنما العامة عندنا أصدق شعورا من الشعراء؛ لأنهم يلقبون المغني بالكروان ولا يلقبونه بالبلبل، فيصدرون عن شعور صادق ويتحدثون بما يعرفون.
وليس عن تعصب منا للوطن نؤثر الكروان على البلبل وما إليه؛ لأن التعصب الوطني على هذه الصورة حماقة لا معنى لها في الشعر والشعور، ولكننا نؤثره لأن الإعجاب به صحيح يصدر من الطبع الصادق. أما الإعجاب بالطير الذي لا نسمعه، فذاك محاكاة منقولة تصدر من الورق البالي وتؤذي النفس كما يؤذيها كل تصنع لا حقيقة فيه، وأخف موقع له في نفوسنا أن يضحكها ويغريها بالسخرية، كذلك الأصم الذي أراد أن يخفي صممه في مجلس الغناء، فأوصى صاحبه أن يغمزه كلما وجب الصياح والاستحسان، فلما نام وراحوا يوقظونه آخر الليل قام يصيح ويستحسن ولا سماع هناك ولا سامعين!
وإذا لم يشعر الشاعر بتغريد الطير على اختلافه، فبماذا عساه يشعر؟! إن الطير المغرد هو الشعر كله؛ لأنه هو الطلاقة والربيع والطرب والعلو والتعبير والموسيقية. فمن لم يأنس به لم يأنس بما في هذه الدنيا من طبيعة شاعرة، ولم يختلج له ضمير بما في الحياة من فرح وجيشان وتعبير.
والطير بعد هو حجة الطبيعة لشعر الإنسان وغناء الإنسان، فهو عند الشاعر وثيقة لا يعرض عنها ولا يفلتها من يديه، فإذا قال الجفاة الجامدون: إن الشعر لغو في الحياة، قال الشاعر: إن التعبير الموسيقي عنصر من عناصر الطبيعة، وإن الطير يغني ويهتف، وإن الطير يفرغ للغناء وحده إذا شبع وأمن، كأن الغناء والتعبير عن الشعور هما غاية الحياة القصوى، لا ينساها الحي إلا لعائق يشغله ويغض من حياته.
والجفاة الجامدون يقولون كثيرا عن الشعر في الزمن الأخير، يقولونه على الرغم من هذا الشعر الذي تفيض به الطبائع الحية، ولا سيما الأحياء المغردة الطائرة، ويقولونه على الرغم من ملازمة الشعر لكل أمة ولكل قبيلة ولكل لغة، فلو كان شيئا عارضا في الحياة الإنسانية لما وجد حيث توجد الحياة الإنسانية، ولو كانت الموسيقية نافلة في الدنيا لما وجدت في أمة الطير، وإذا وجدت في لسان الطائر فلماذا تحرم على لسان الإنسان؟ ولماذا يكون الكلام الإنساني وحده بمعزل عن الأوزان والأشجان؟
فبين الطائر المغرد والشاعر الشادي محالفة طبيعية لا تحنث فيها الطير، ولا تقصر في إسداء حصتها الخالدة، والشعر مهما أسلف من ثناء على الطير وتمجيد للتغريد لن يوفي كل دينه، ولن يستنفد كل حصته، فلتكن «هدية الكروان» بعض الهدايا التي يتصل بها السبب بين عالم الطير وعالم الشعراء.
عباس محمود العقاد
الكروانيات
هتفات الكروان
1
بالليل تترى
ومعاني الربيع نورا وعطرا
وجمال الحياة حبا وحسنا
وشبابا يفيض عطفا وبشرا
بت أصغي لها، وأقبس منها
ثم ترجمتها لمن شاء شعرا
الكروان المجدد
قبل عشرين سنة نظم صاحب الديوان قصيدة «الكروان»، وفيها هذه الأبيات:
هل يسمعون سوى صدى الكروان
صوتا يرفرف في الهزيع الثاني؟
من كل سار في الظلام كأنه
بعض الظلام، تضله العينان
يدعو إذا ما الليل أطبق فوقه
موج الدياجر، دعوة الغرقان
ما ضر من غنى بمثل غنائه
أن ليس يبطش بطشة العقبان
إن المزايا في الحياة كثيرة
الخوف فيها والسطا سيان •••
يا محيي الليل البهيم تهجدا
والطير آوية إلى الأوكان
يحدو الكواكب وهو أخفى موضعا
من نابغ في غمرة النسيان
قل يا شبيه النابغين إذا دعوا
والجهل يضرب حولهم بجران
كم صيحة لك في الظلام كأنها
دقات صدر للدجنة حان
هن اللغات ولا لغات سوى التي
رفعت بهن عقيرة الوجدان
إن لم تقيدها الحروف فإنها
كالوحي ناطقة بكل لسان
أغنى الكلام عن المقاطع واللغى
بث الحزين وفرحة الجذلان
وفي هذا العام نظم صاحب الديوان القصيدة التالية؛ ليقول فيها: إن ما سمعه من الكروان أولا غير ما سمعه آخرا، وإن الكروان يجدد معانيه لسامعيه فترة بعد فترة على خلاف ما يسبق إلى الظن بلغة الطير.
وهذه هي القصيدة:
زعموك غير مجدد الألحان
ظلموك، بل جهلوك، يا كرواني
قد غيرتك، وما تغير شاعرا
عشرون عاما في طراز بيان
أسمعتني بالأمس ما لا عهد لي
بسماعه في غابر الألحان
ورويت لي بالأمس ما لم تروه
من نغمة وفصاحة ومعان •••
شكواي منك، وإن شكرتك، إنه
سر تصر به على الكتمان
شكري إليك، وإن شكوتك، إنه
سر تؤخره لخير أوان
كنز يصان فهات من حباته
ذخر القلوب وحلية الآذان •••
أنا لا أراك؟! وطالما طرق النهى
وحي، ولم تظفر به عينان
أنا في جناحك حيث غاب مع الدجى
وإن استقر على الثرى جثماني
أنا في لسانك حيث أطلقه الهوى
مرحا، وإن غلب السرور لساني
أنا في ضميرك حيث باح فما أرى
سرا يغيبه ضمير زماني
أنا منك في القلب الصغير، مساجل
خفق الربيع بذلك الخفقان
أنا منك في العين التي تهب الكرى
وتضن بالصحوات والأشجان
طر في الظلام بمهجة لو صافحت
حجر الوهاد لهم بالطيران
تغنيك عن ريش الجناح وعزمه
فرحات منطلق الهوى نشوان
فرحات دنيا لا يكدر صفوها
بالمين غير سرائر الإنسان •••
علمتني بالأمس سرك كله؛
سر السعادة في الوجود الفاني
سر السعادة نفرة ومحبة
فيكم تؤلف نافر الأوزان
الكون أنتم في صميم نظامه
وكأنكم فيه الطريد الجاني
أنتم سواء كالصديق وبينكم
بعد كما يتباعد الخصمان
لا يحمل الطيار وزر العاني
حمل ابن آدم عثرة الإخوان
لا عالم منكم ولا متعلم
كلا! ولا متقدم أو وان
متشابهين على الحياة فكلكم
ساري ظلام، هاتف بأغان
متفرقين على المقام ودأبكم
عند الرحيل تجمع القطان
وكأنما نسخت لكل نسخة
من هذه الأجواء والأوطان
فهو الشريك على نصيب واحد
وهو الوحيد فما له من ثان
ذخر الطبيعة منه تعطون الحجى
لا من سباق بينكم ورهان •••
أنتم بني الطير المسبح في الدجى
فيكم كهانة صالح الكهان
بعتم كرى الغافي وطيب رقاده
وبه اشتريتم يقظة اليقظان
قل ما اشتهيت القول يا كرواني
في لهو ثرثار وحلم رزان
سأعيش مثلك لي وللدنيا معا
وأقول مثلك: كيف يزدوجان؟
وأظل تزدحم الحياة بمهجتي
أبدا ويجتنب الزحام مكاني
في عزلة أنا والحبيب تؤمنا
دنيا الجمال، ونحن منفردان
الليل يا كروان
الليل يا كروان
بشراك طاب الأوان
بشراك؟ بل أنت بشرى
تهفو لها الآذان
سهران في الليل شاد
فكلنا سهران
وإن تكن أنت حلما
فكلنا وسنان
وسنان لم يسه قلب
له ولا أجفان
النوم في الصيف وزر
وفي الهوى كفران •••
الليل يا كروان
ما أنت والنسيان
حاشاك ما أنت ساه
عنه، ولا كسلان
الليل ذكرى وأنت ال
مذكر اليقظان
لكنما أنت روح
وهل لروح مكان؟
بينا يقال قريب
كأنه الوجدان
إذا به في صداه
كأنه كيوان
2
إن كان في السمع طيف
فأنت يا كروان
صوت ولا جثمان
لحن ولا عيدان
كأنه هاتف في
فضائه حيران
أو رجع صوت قديم
يعيده الحسبان •••
الليل يا كروان
فأين منك البيان؟
ليل الطبيعة صمت
وأنت فيه لسان
وظلمة الليل سر
فاقرأه يا ترجمان
ما في الظلام ظلام الح
ياة لو يستبان
إلا صياح اشتياق
تروضه ألحان
نصف الحياة اضطراب
ونصفها أوزان
3 •••
الليل والصيف والحب
كلهن أوان
وأنت منهن طرا
على وعود تصان
خذ صمتهن وصغه
شدوا له سريان
غص في قرار الدياجي
فللدجى شطآن
واستقبل النجم علوا
إن النجوم حسان
وخذ من الصيف نارا
لا يعتليها دخان
وارقص مع الحب دورا
دارت له الأكوان
في الأرض بيتك ثاو
وفي السماء افتنان
وبين ذلك ملهى
للحب، بل ميدان
واللهو في الحب، فاعلم
كالحرب يا كروان
عليك من ذا ومن ذا
يا ابن الليالي أمان
شادي الغرام له من
سكر الغرام ضمان
الليل يا كروان
والعالم الغفلان
ونسمة الصيف تسري
وفي يديك العنان
والصبح أول مرسى
يرتاده الركبان
ألا تزاور
4
عنه
في الرحلة الربان؟!
وما ارتضاه ولكن
ما الزمان زمان
فاملأ من الليل نفسا
عزيزة لا تهان
لا هتفة فيه تبقى
إلى غد أو أذان
الليل يا كروان!
الصبح يا كروان!
سؤال الكروان
حذار البأس أو حب الجمال
هتافك في الدجى يا ابن الليالي؟
ومن يقظات نفس فيك نشوى
تعاف النوم أم من سوء حال؟
وعندك للنجوم هوى قديم
أو انك كاره للصبح قال؟
وهذا الطير ينعم في ضحاه
فما لك في النعيم بلا مثال؟
أضل الطير - ويحك - عن هداه
أو انك أنت وحدك في ضلال؟!
وأين من الضلال هتاف حر
تنزه عن نشوز وابتذال؟ •••
وقالوا: ما شدا الكروان إلا
ليسأل عرسه قوت العيال
وقالوا: تسرق الأعشاش عمدا
على كسل وضعف في الخصال
وإنك بالتراب شبيه حال
وبالديدان منهوم مغال
سألت، وما أرى لك من جواب
سوى اللحن الشجي على سؤالي
سأسمع منك أنغام الليالي
وأسمع عنك أشتات المقال
ولا آلوك إصغاء ووصفا
كلا الأمرين من همي وبالي
أبا الكروان - يا مظلوم - تدعى
وأنت عن الكرى المحبوب سال؟!
بحسبك أنهم كذبوا جهرا
وأنك صادق الهتفات عال
وأنك مفرد في الطير لحنا
وما استفردت في تلك الخلال
إذا شابهتها في النقص حينا
فأين المشبهاتك في الكمال؟
غن يا كروان
قم غن يا كروان غن
وتمن في الدنيا ومني
وأمن دجاك وإن عرف
تك في الحياة قليل أمن
فيم المخافة يا سمي
ر الليل أو فيم التجني؟
لا أنت جزل في الصحا
ف ولست في قفص تغني
كلا ولا في خافقي
ك الحائلين بريق حسن
والصقر نام وأنت وح
دك تمدح الدنيا وتثني
لك كل ما دون الكوا
كب من سماك الليل مبني
فأمن زمانك أو فخف
فالطبع دون الرأي يغني
إني إخالك لو أمن
ت لما هتفت لنا بلحن
ما أحب الكروان!
ما أحب الكروان!
هل سمعت الكروان؟ •••
موعدي يا صاحبي يوم افترقنا
حيث كانت جيرة أو حيث كنا
هاتف يهتف بالأسماع وهنا
5
هو ذاك الكروان، هو هذا الكروان! •••
الكراوين كثير أو قليل
عندنا أو عندكم بين النخيل
ثم صوت عابر كل سبيل
هو صوت الكروان، في سبيل الكروان •••
لي صدى منه فلا تنس صداك
هو شاديك بلا ريب هناك
فإذا ما عسعس الليل دعاك
ذاك داعي الكروان، هل أجبت الكروان؟ •••
مفرد لكنه يؤنسنا
ساهر لكنه ينعسنا
صدحت في نفسه أنفسنا
فتسامعنا سواء، وسمعنا الكروان! •••
واحد أو مائة ترجعه
عندنا أو عندكم مطلعه
ذاك شيء واحد نسمعه
في أوان وبيان، هو صوت الكروان •••
واحد بين عصور وعصور
نحن نستحيي به تلك الدهور
لم يفتنا غابر الدنيا الغرور
في أوان الكروان، ما أحب الكروان!
على الجناح الصاعد
حادي الظلام على جناح صاعد
يا أرض أصغي، يا كواكب شاهدي!
يا آنسين بصحبة من وجدهم
نصوا المسامع للأنيس الواجد
يا ساهدين على انفراد في الدجى
ردوا التحية للفريد الساهد
المستعز بعرسه وكأنه
منها نجي مغاور وفراقد
لهجت طيور بالضحى وتكفلت
بالليل حنجرة المغني الخالد
يحدو ويشدو لا مساعد حوله
أبدا، وما هو آمن لمساعد
أنا صائد لصداك، لست بصائد
لك أنت يا كروان، فأمن صائدي
بينا أقول: هنا، إذا بك من هنا
في جنح هذا الليل أبعد باعد
وددت يا كروان لو ألقيت لي
صوتين منك على مكان واحد
إن كنت تشفق أن أراك فلا تزل
في مسمعي وخواطري وقصائدي
عاهدت هذا الصيف لست بواهب
سمعي سواك، فهل تراك معاهدي؟!
من كان قد أغنى الطبيعة كلها
مغني عن شاد سواه وشائد
ألف صدى
ألف صدى لهاتف
منفرد على الذرى؟
أم ألف شاد رددت
هتافها مكررا؟
أم ذاك روح أطلقو
ه في الدنى محيرا
فرادها مستغربا
وطافها مستبشرا
فلا يقال مقبل
حتى يقال أدبرا؟
هن كراوين الليا
لي أو فقل هو الكرا
6
لا نقص إن قلت ولا
مزيد في أن تكثرا
باركها من بارك الخل
د وما قد أثمرا
شدو الآمن الخائف
يا صاحب الليل غام الليل أو سفرا
ولف ظلماءه أو أطلع القمرا
ما أنت بالليل مفتونا، ولا كلفا
بالنجم، أو بظلام الليل حين سرى
وإنما أنت مفتون بعزلته
وبالأمان الذي تلقاه مستترا
وبالحبيب الذي يدعوك مرتفعا
في ساحة الليل، أو يدعوك منحدرا
إذا شدوت فما أدري، أذو كلف
ناغى الهوى أم نذير فاجأ الخطرا؟
سيان يا كرواني القلب مستعرا
بالشوق أو بضرام الخوف مستعرا
إن كان شدوك أمنا فاشد في دعة
أو لا، فلا زلت مذعور السرى حذرا!
لمن الفضل؟
كروان الليل رتل للهوى
آية الحمد ... وحمد الفطن
هو أغراك بشدو وثنى
لك سمع العاشق المفتتن
لك إلف من تستوحي، ولي
أنا إلف وحيه ينطقني
أنت لولا نفحة من حبه
ساكن عندي، وإن لم تسكن
صامت الفن، أخا الفن، وإن
صدحت ألحانه في أذني
غار حبي منك فاسمع إنني
عنه أروي كل شيء حسن
وله الفضل ومنه الوحي لا
منك في كل مقال بين
ألحقنا المقطوعات الآتية بهذا الباب؛ لأنها تشبهه وتتصل ببعض أبياته:
القماري العارفة
ملأت داري القماري غناء
ويحها! هل يكشف الطير الغطاء؟
عرفت عندي ربيعا بعد ما
رهبت من ظلمة الدار الشتاء
عرفتني العام، أم كانت هنا
كل عام تمنح الدار الولاء؟
لم أكن أحفلها حتى إذا
صدح الحب تسمعت الغناء!
ببغاء
7
ببغاء ترنمت
بمديح البلابل
أين منا بلابل
مسرعات المراحل
في سماوات موطن
ليس منها بآهل
بالكراوين عامر
والقماري حافل
ناج ما أنت سامع
يا أسير الأوائل
اسل عن عاجل بذي
صحبة غير عاجل
ما اشتغال بمورد
لست منه بناهل
وانصراف عن الذي
أنت منه بساحل
أنت عندي بذا وذا
جاهل أي جاهل
ناقل لهفة الصدى
8
أو شبيه بناقل
في الكراوين غنية
عن نشيد البلابل
والقماري ما لها؟
أصغ واسمع، وسائل
إن تعداك قولها
فالتمس وصف قائل
شدو لا نوح
شدو القماري لا نوح القماري
هل يعبر الحزن بالشادي الصباحي؟
أو الربيعي في أنس وفي أمل
وفي غرام على الإلفين مطوي؟
يا حسنها من بشيرات على دعة
كأنها أمنت فوت الأماني
محببات إلى الإنسان تألفه
وتعتلي من ذراه كل علوي
تهوى الديار، وفي الآفاق مطلعها
ما بالها؟ هل سباها حسن إنسي؟
وللأناسي حسن لا أبوح به!
هل تعرف الطير ما حسن الأناسي؟
غنت لزهر وسلسال ولو رشفت
زهر المباسم جنت بالأغاني
أولى لقمرينا ألا يحوم على
يأس الهوى بين إنسي و«طيري»
غرد على الدور يا قمري في دعة
واسلم هنالك من باك ومبكي
واتل الرجاء على هذا وذاك، ولا
تسألهما عن جوى في القلب مخفي
حسب المغاني التي يبكي الحزين بها
من سلوة، أن فيها شدو قمري
شفاعة للغراب
حي الغراب الفجر بالنعيب
تحية التهليل والترحيب
وافتر نور الفجر كالمجيب
في غير ما لوم ولا تثريب
لهاتف ناداه من قريب •••
ما ذنب ذاك الناعب المسكين
ألا يحيي النور باليقين؟
تحية العصفور والشاهين
ألا تدين كلها بدين؟
فما له يعذل كالرقيب؟! •••
شفاعة الأنوار والأحباب
في الأسود المهجور في الخراب
ما الصيدح الهاتف بالعجاب
أصدق حبا لك من غراب
فاعذره يا فجر على التشبيب •••
أسمعه والطير في أوان
وقبلة الصبح، وقد ناجاني
صوت حبيبي بادي الحنان
لذلك الموعود بالحرمان
وما له في الحسن من نصيب! •••
أمنت منه لوعة الفراق
وكل غاق عنده وقاق
فلا يزل ينعم بالإشفاق
من الرياض الفيح والآفاق
ومنك يا فجر، ومن حبيبي
عادات الغراب
بئس الغراب وإن ذكرت بصوته
عطف الحبيب عليه كل صباح
أبدا يقاطع كل شاد حوله
كمعطلي الإنشاد في الأفراح
فإذا شدا الكروان أتبع شدوه
بصياح شؤم منه أو بنواح
وإذا ترنمت القماري انبرى
ما بين تنعاب وخفق جناح
حسدا ولؤما، أو غرورا لم يزل
دأب الحسود وديدن الملحاح
لا عاد فرع كان ينعب فوقه
فرمته فأس الحاطب المجتاح
نعب على عشه
هدموا دار الغراب
وابتلوه بالخراب
قطعوا الدوحة قطعا
ورموها في التراب
ليت شعري من هنا النا
عب يا رب النعاب
لست بالمأمون فاذهب
غير مبكي الذهاب
أنت آذنت بخوف
في هوانا وارتياب
لم تصن عهدا لمن حا
طك بالعطف العجاب
لحبيب بات يرثى
لك من سخر الصحاب
فامض في غير وداع
وانأ في غير اقتراب
وخذ الغربان طرا
مؤنسات في الركاب
من ذوات العش في النف
س وفي هذي الرحاب
رب شك هو في الأنف
س شر من غراب!
سحر الطير
كل إلف له من الطير إلف
هكذا تجمل الحياة وتصفو
أمل يرتقى، وحب يناجى
ولسان يشدو، وقلب يرف
بك خف الجناح يا أيها الط
ير، وما كنت بالجناح تخف
لطف روح أعار جنبيك ريشا
فمن الروح لا من الريش لطف
ليس ينميك للسماء جناح
بل غناء عن الضياء يشف
إن مضى الناس يعجبون قديما
كيف تعلو؟ عجبت كيف تسف؟!
ثقلة في الحياة لم ينج طبع
من عراقيها ولم يخل عرف
غزل ومناجاة
ارتجال المنى
منني أطيب المنى يا حبيبي
فالمنى وحدهن منك نصيبي
إن يفتنا منالها لم تفتنا
نظرة من خيالها المرقوب •••
منني، بل دع المنى يا حبيبي
فشقائي في الموعد المكذوب
هان فقد المنى التي لم تعدنا
وافتقاد الموعود جد صعيب •••
أعطني! أعطني إذن يا حبيبي
غير ما ناكث ولا مستجيب
أعطني صفوك ارتجالا ودعنا
من مطال بالوعد أو تقريب
فارتجال المنى أحب لنفس
شبعت من روية التجريب
متى!
1
متى يا عيون يعود الضياء؟
متى يا رياض يعود الربيع؟
متى تأمرين؟ متى تأذنين؟
متى تقبلين دعاء الشفيع؟ •••
متى يرجع الغائب المرتجى
إلى صدر أم براها السقام؟
متى يهبط النوم تحت الدجى
لعينيك يا ساهرا لا ينام؟ •••
متى يطلع النجم للتائهين؟
وقد غرقوا في ليالي الخطوب
متى يجمع الشط تلك السفين؟
وقد عاث فيها الخضم الغضوب •••
متى يأذن الجائعون الظما
ء في الماء يطفئ حر الصدى؟
وفي الزاد يبقى ذماء الحيا
ة، وفي الخمر يعلو بها مصعدا؟ •••
متى؟ إي وربك قل لي: متى؟!
وسلهم عن اليوم والموعد
فقد يقبل الزائر المرتجى
ولا من ملاق له في غد؟! •••
إليك مثال السؤال العجيب
وأنت بأحلى مثال تجود
عشية تبسم عند الودا
ع وتسأل: في أي يوم أعود!
جمال يتجدد
كلما قلت لي: الربيع جميل
قلت: حقا. وزاد عندي جمالا
عجبا لي، بل العجيبة عندي
صور الكون كم يسعن كمالا
خلتني قد وعيتهن عيانا
وتتبعت من وعوها خيالا
شاعرا عاشقا وقارئ كتب
قرأ الكتب دارسا، فأطالا
فإذا نظرة بلحظك تبدي
صورا ما طرقن عندي بالا
بعداد الأنوار في أعين الحب
ب نعد الأكوان والأجيالا
النبض
رأوا فما عرفوا، كلا ولا عجبوا
ولا دروا بالذي أرجو وأرتقب
كأنما أنا من أمسي ومن غده
لم يختلف قط لي شجو ولا طرب
في مهجتي أمل فاضت بشائره
فما لهم حجبوا عنه، وما حجبوا!
فلو تشيم ضياء القلب أعينهم
لأبصروا فيه عين الشمس تقترب
كالفجر تسري على مهل طلائعه
أو موكب النصر يدنو وهو يصطخب
الحمد لله! لا شاموا ولا نظروا
ولا درى جاهل منهم ولا أرب
لو أبصروا الموعد الموموق مقتربا
لجفلته إذن من لؤمهم ريب
وهب للشر منهم عسكر لجب
إن يطلبوه لخير عزهم طلب
يا أيها الناس قروا في مضاجعكم
إني وحقكم أسوان مكتئب!
أسوان مكتئب لا الحسن يفرحني
ولا الحبيب له في فرحتي أرب
وهاكم النبض جسوه، أعندكم
تحت الأضالع قلب خافق يثب
كلا وحقكم! لا كان حقكم
إلا اليمين التي يحلو بها الكذب!
اليوم الموعود
يا يوم موعدها البعيد ألا ترى
شوقي إليك، وما أشاق لمغنم؟
شوقي إليك يكاد يجذب لي غدا
من وكره، ويكاد يطفر من دمي
أسرع بأجنحة السماء جميعها
إن لم يطعك جناح هذي الأنجم
ودع الشموس تسير في داراتها
وتخطها قبل الأوان المبرم
ما ضر دهرك إن تقدم واحد
يا يوم من جيش لديه عرمرم •••
لي جنة يا يوم أجمع في يدي
ما شئت من زهر بها متبسم
وأذوق من ثمراتها ما أشتهي
لا تحتمي مني ولا أنا أحتمي
وتطوف من حولي نوافر عصمها
ليست بمحجمة ولست بمحجم
وتلذ لي منها الوهاد لذاذتي
بتصعد في نجدها وتسنم
لم آس بين كرومها وظلالها
إلا على ثمر هناك محرم
فكأنما هي جنة في طيها
ركن تسلل من صميم جهنم
أبدا يذكرني النعيم بقربها
حرمان مزءود
2
وعسرة معدم
وأبيت في الفردوس أنعم بالمنى
وكأنني من حسرة لم أنعم •••
يا يوم موعدها ستبلغني المنى
وتتم لي الفردوس خير متمم
لا غصن رابية تقصر راحتي
عنه، ولا ثمر يعز على فمي
سأظل أخطر كالغريب بجنتي
حتى أثوب على قدومك، فاقدم!
فأبيت ثم إذا احتواني أفقها
لم أنه عن أمل ولم أتندم
فرحى بصبحك حين تشرق شمسه
فرح الضياء سرى لطرف مظلم •••
أمعيرتي خلد السماء سماحة
صونيه عن وله صيانة مكرم
رفقا بخلدك أن تشوبي صفوه
إن لم تري رفقا بمهجة مغرم
ضياء على ضياء
على وجنتيه ضياء القمر
نظيران يستبقان النظر
جمعتهما أنا في لثمة
أو البدر قبله فابتدر؟
فما زال يلحظه جهرة
ويغمزه من وراء الشجر
ويزعمها قبلة من أخ
ففيم إذن قطفها في حذر؟!
ولو شئت ظللت وجه الحبي
ب ولو شئت كللته بالزهر
ولكن كرمت فخذ يا قمر
من الزاد ما تشتهي في السفر •••
سها الليل عنا وعن بدره
وهز الحبيب حنين السهر
فقال، وقد فاض منه الرضى
وسر بفيض رضاه وسر:
على مثل هذا تطيب الحيا
ة، وفي مثل هذا يروق السمر
فقلت: أجل ما أحب الحيا
ة، وأنت شفيع لها مدخر
لأجلك يصفو لها من صفا
وباسمك يعذرها من عذر
شعر وشعر
أمن شعر؟ نعم! شعر وشعر
وخفق في الجوانح لا يقر
فمني الوزن في خفقات قلبي
ومنك الوحي والحسن الأغر
وتسألني، كأنك لست تدري!
وما لي غير ما أوحيت سر
وأحرى بي سؤالك عن قصيدي
فما لي فيه - بل لك أنت - أمر:
أأنظم في غد أم لات نظم
على ما ترتضيه ولات نثر؟
وعن شفتيك لا شفتي أروي
عشية يلتقي ثغر وثغر
فلقني أجبك ولا تسلني
سؤال الشمس: هل سيلوح فجر؟
3
الثوب الأزرق
الأزرق الساحر بالصفاء
تجربة في البحر والسماء
جربها «مفصل » الأشياء
لتلبسيه بعد في الأزياء
مجود الإتقان والرواء
ما ازدان بالأنجم والضياء
ولا بمحض الزبد الوضاء
زينته بالطلعة الغراء
ونضرة الخدين والسيماء
ولمعة العينين في استحياء
إن فاتني تقبيله في الماء
وفي جمال القبة الزرقاء
فلي من الأزرق ذي البهاء
يخطر فيه زينة الأحياء
مقبل مبتسم الأضواء
مردد الأنغام والأصداء
وقبلة منه على رضاء
غنى عن الأجواء والأرجاء
وعن شآبيب من الدأماء
4
وعنك يا دنيا بلا استثناء
يوم
ذهب الليل ودار الملوان
5
وشدا قبل الصباح الكروان
وتحداه الغدافي
6
الذي
تبسط الرفق عليه والحنان
ومشى الصبح على مهل كمن
يطرق الدار على غير أمان
وتلمست هنا تغريدة
في فمي تصدح في هذا الأوان
قبلة منك هي الفجر، وفي
طيها تبدو ثناياه الحسان
عن شمالي كلما ولى دجى
وسرى فجر، وحنت شفتان
وتراءت نظرة ناعسة
عند أخرى، فتلاقت نظرتان •••
بان ليلي! لا تسلني: كيف بان؟
أنت تدري، فاغتفر عي البيان
كلما يممت داري قلت لي:
أجناحان لنا أم قدمان؟!
فأتيت الدار لا أحسبها
قربت قط، ودوني خطوتان
لم أكن أطلبها، ويحي! ولا
أطلب المهرب منها حيث كان
أين أمضي؟ أين تحدوني الخطا؟
ضاقت الدار، وضاق المشرقان
راعني نقص بعيني ويدي
وفمي الصادي، وقلبي، واللسان
خلتني بدلت منها غيرها
ولو استبدلها الخطب لهان
أهزيع منك يا ليل مضى؟
أمضى نصف؟ أما ينشطران؟
بان ليلي! لا تسلني: كيف بان؟
حاطك الله من الليل وصان
إي وربي بان لكن بعدما
نفدت ساعات عمري في ثمان
لا زمان حيثما لاقيتني
فإذا فارقتني كان الزمان •••
طلع الصبح حزينا عاطلا
أتراه كان بالقرب يزان؟
وسرت أنفاسه يا حسرتا!
أين أنفاسك يا زين الحسان؟
نسمات الصبح أورت
7
كبدي
فحجبت الأنف عنها والعيان
وتمشيت إلى كتبي على
مضض مني، وللكتب أوان
يا أبا الطيب لا تهرف! ويا
صاحبي الرومي ما هذا الرطان؟!
شعراء الشرق والغرب أما
تملكون الصمت يوما في عنان؟!
أو فهاتوا الشعر لي صرفا بلا
أحرف في الطرس منه أو معان
أفرغوه جملة في خاطري
ليس لي بالطرس والدرس يدان
رب شعر شاقني لما تكد
شفتا قائله تنفرجان •••
وتجلى الباب لي عن زائر
من أودائي كأنا أخوان
فتعلمت ولبي شارد
كيف يكسى الود ثوب الشنآن
8
قال لي: «الأفق جميل» قلت: لا
بل دميم. قال: زاه. قلت: قان!
قال: زيد. قلت: حاشا. فانثنى
نحو عمرو. قلت: كلا، بل فلان!
فمضى يعجب مني سائلا:
أسلام؟ قلت: بل حرب عوان •••
ذهب اليوم وما أحلكه
كان من يوم نماه النيران
لم يكن في صبحه أو ليله
حظ عين، أو لسان، أو جنان
ذاك يوم يا حبيبي واحد
وغد منه غني عن بيان
الحب المثال
كأني مثال وحسنك تمثالي
عجائب حب ما خطرن على بال
فما أتمنى فيك معنى أريده
من الحسن إلا وافق الحسن آمالي
وأحلام قلب فيك تسري كأنها
خوالق أيدي الفن في الذهب الغالي
تجول بأشكال الخيال وتنثني
وقد أسعدت منك العيان بأشكال
إذا ما تمشت فيك معنى لمستها
محاسن أعطاف ورقة أوصال
إذا اقترحت عيني فأنت مجيبها
فهل منك أو مني صياغة تمثالي؟
وما اقترحت إلا كما اقترح المنى
غني على وفر من الوقت والمال
9
فما فيك من نقص ولكنما الهوى
نوازع شتى لا تقر على حال
فيا قدرة الحب المبارك أبدعي
لكل حبيب في الصبا ألف سربال
وأجمل من صوغ الدمى صوغ دمية
لها زينتاها من حياة وإقبال
ساعي البريد
هل ثم من جديد
يا ساعي البريد؟ •••
لو لم يكن خطابي
في ذلك الوطاب
لم تطو كل باب
يا ساعي البريد •••
ما ذلك التنسيق
والجمع والتفريق
والقفز والتعويق
يا ساعي البريد؟! •••
كسوتك الصفراء
والخطوة العرجاء
يمشي بها الرجاء
يا محنة الجليد! •••
لو لم تكن جمالا
في مشية العجالى
صغنا لك التمثالا
من جوهر فريد •••
لا أحسب الساعات
في حاضر وآت
إلا على الميقات
ميقاتك الوئيد •••
في شرفتي أبتكر
غيرك لا أنتظر
وإن سعى لي القمر
يا ساعي البريد •••
كم لهفة نسيتها
أماتني مميتها
لقيتها! لقيتها
يا ساعي البريد •••
جددت لي انتظاري
وقلة اصطباري
عن طلعة القطار
وطلعه النضيد •••
أكرم به من ثمر
منتظر مدخر
في كل يوم مزهر
مبتدئ معيد •••
يا طائفا بالدور
كالقدر المقدور
بالخير والثبور
في ساعة البريد •••
في لمحة تنتشر
منك المنى والعبر
وأنت ماض تعبر
كالكوكب البعيد •••
كن أبدا مريدي
بالخبر السعيد
وبابتسام العيد
يا ساعي البريد
عجب الساعي
عجب «الساعي» الذي كنت له
أبدا في شرفتي منتظرا
إن من تحضر لي أخباره
أيها الساعي، بخير حضرا
ألق إن شئت وطابا حافلا
لا أبالي لحظة إن صفرا
الطريق الآن لا أرقبه
لأرى وجهك، لكن لأرى ...
ولك الشكر، ولي العذر، فلا
تظهر الآن، فها قد ظهرا
لا تذكرني نواه بعدما
كنت تروي عنه ذكرا عطرا
الليلة الفطيم
بكت الليلة الفطيم شجاها
ما بكاء الفطيم بين الثدي
الثدي الحسان تبغي رضاها
ما لثغر الفطيم غير رضي؟
لو أرادت لكان عند مناها
كل صدر، وكل نهد شهي
أمها! أمها! وليس سواها
ذات صدر على الشفاه ندي •••
ليلتي، ليلتي الحزينة صبرا
ليس هذا الفطام بالأبدي
سوف تروين من أميمك ثغرا
فارضعي الآن من دموع الشجي
واذرفي هذه المدامع غزرا ...
هل يضير البكاء عين الصبي؟
من أذاب الشقاء عينيه شهرا
في ارتقاب النعيم غير شقي
قبلة بغير تقبيل
بعد شهر، أنلتقي بعد شهر،
بين جيش من النواظر مجر؟
10
لم يحولوا - وحقهم - بين روحي
نا، وإن ألزموهما طول صبر
تمت القبلة التي نشتهيها
كلها، غير ضم ثغر لثغر
تم منها شوق، ورف شفاه
وهوى نية، وخفقة صدر
الحلم السالب
سبق الكرى يوم اللقاء فنلته
في غفوة تغفي العيون لكي ترى
حلم على اليقظات جار فليته
في جوره أبدا يعود مكررا
لم يظلم اليقظات فهي إذا وفت
بلقائه، سلبته من حلم الكرى
ما وعده إلا سعادة حالم
فالنوم كان به أحق وأجدرا
والحلم المنتقم
لما تمليت في الرؤيا محاسنه
هتفت لليل والظلماء والحلم
هذا انتقام الكرى من بطء موعده
وللكرى ربة مشكورة النقم
يغار من طيفه الساري فيمطلني
كأنما قال لي بالمطل: لا تنم!
في البعد والقرب
لن يطيب البعد يوما لن يطيبا
هن علي اليوم إن كنت حبيبا
لا تكن نارا من الشوق ولا
دمعة حرى، ولا قلبا كئيبا
لا تكن صحراء في البعد وقد
كنت لي في القرب بستانا رطيبا
إن تغب شمسا فأوص النوم بي
قبل أن تعرض عني أو تغيبا •••
يا حبيبي، بل فكن ما كنت لي
صانك الله بعيدا وقريبا
واجعل الأنس نصيبي فإذا
غبت عني فاجعل السهد نصيبا
كن نعيما وعذابا، ومنى
تملأ النفس، وحرمانا مذيبا
هكذا الحب دواليك فمن
لم يكنه، لم يكن قط حبيبا
قراءة
على كتفي تمشي بعينيك في الطرس
عجولا إلى شعري حريصا على لمسي
كأنك لم تحمد مدى الصوت وحده
فسابقته بالعين حينا وبالحس
وعانقتني تستوعب الشعر حيثما
سرى في ثنيات الجوانح والنفس
هنالك أدري أن للشعر مجلسا
إلى جانب العرش السماوي والكرسي
تسلم
تسلم هذه الدنيا
كما خلفتها عندي
وحاسبها على قرب
بما تجني على البعد •••
تسلم هذه الشم
س التي تؤنس أو تهدي
لقد كانت هداها الله
مكسالا من المهد
تجوب الأفق في جهد
وما تسرع بالجهد
وكانت تحجب الأنوا
ر أو تبدي فلا تجدي
وكانت شعلة حرى
من اللوعة والوجد •••
تسلم هذه الأطيا
ر واسألها عن العهد
تغني الآن فاسألها
أغنت قط لي وحدي؟
وإن غنت فهل كا
ن سوى نوح لها معد؟
وإن أعدت فهل تعدي
بغير الشجو والسهد؟
نعم سلها جزاها الله:
أين تحية الورد؟
وأين تحية الإلف؟
وأين تحية الفرد؟
لقد كانت لحاها الله
تطويها على عمد
فسلها: فيم تطويها
وفيم تضن أو تسدي؟ •••
تسلم أنجم الليل
بلا عد ولا حد
تسلمها وكاشفها
بما تخفي وما تبدي
وسلها: كيف ضلتني
وما ضلت عن القصد؟
وفيم تغامز منها
إذا حيرني قيدي؟
نعم قيدي الذي في النف
س لا في صفحة الجلد
أهزلا تهمس الأنج
م أم تهمس عن جد؟! •••
تسلم زهرك المحبو
ب في السهل وفي النجد
تراه ضاحك العين
تراه ناضر الخد
فسله: ما عراه أم
س حتى لاذ بالرشد
فلا يلهو ولا يوصي
بغير الهم والزهد
فما عن لومه في ذا
ك يا مولاه من بد! •••
تسلم هذه الدنيا
كما خلفتها عندي
بحمد الله تلقاها
كما تلقاك بالحمد
فخذها راضيا عنها
وعني وعن الود
وعلمها إذا ما عدت
لا عدت إلى البعد
أمانا في مغيب من
ك أو في محضر رغد
فما تسمع لي قولا
إذا ناجيتها وحدي!
الفنجان
أتؤمن بالفنجان! لا يا صديقتي
بثغرك لا الفنجان أصدق إيماني
إذا هو أعطاني السعادة فلتكن
نبوءتها في الكأس أو سؤر
11
فنجان
وإن يكن المغزى هناك خرافة
فثغرك صدق في ابتسام وتبيان
في كوثري من رضاب معطر
وفي جوهري من ثناياه فتان
قربى
تقربي لله بالدعاء
وأنت قربى الأرض للسماء
ليس مكان في السماء كلها
عن شاعر أو عاشق بناء
رب صلاة علمت مصليا
إجابة الصلاة والرجاء
ورفعت من طينة الأرض إلى
عرش الضياء سلم ارتقاء
كأس وضوء
هنا - ويا حسن ما ضمت هنا - قدح
تغوي قلوب العطاشى أي إغواء
في كل قطرة ماء ههنا أثر
من قالب الحسن في روح وأعضاء
مرت بقدك تحكيه، وربما
حكى الوضوء جمال الروح في الماء
فلو تعود كما لامستها رسمت
مثالك المفتدى في مهجة الرائي
تطهرت بك لما أن طهرت بها
عند المصلى، وزادت حسن إيماء
وصافحت منك تقوى الروح في جسد
يغزو التقاة بأشواق وأهواء
هذي خلاصة إنسان مقدسة
ليست خلاصة أعناب وصهباء
أمخطئ أنا إن أحسست في كبدي
شوقين من نشوة فيها وإرواء؟
فكم أغالب من إغراء سكرتها
ما لا يغالبه ظمآن صحراء
تنازع الدين والغي الهيام بها
وقربت بين إسعاد وإشقاء
فليت شاربها يدري أحصته
عند الخضيراء أم عند الحميراء؟
12
خوفي - ويا طول خوفي - أن تمزقني
كلتاهما يوم إحيائي وإحصائي!
رقية السهر
تجلت آية الكرسي
ي، ما أعلاه كرسيا!
أظل سباتها عيني
ي حين لمست عينيا
أترقين من السهد
وما أبغي له رقيا؟
سرورا بك هجراني ال
كرى المحبوب والرؤيا
دعي الرقية للسهد ال
لذي يدعونه نأيا
وللنوم الذي ألقا
ك فيه حين لا لقيا
المنديل
تعاشق لحمة
13
وسدى
ورفرف خافقا غردا
وآخت طرتاه
14
يدا
على عهد الهوى ويدا
وقبل النسج كم ساغ الص
صفاء سحابة وندى
وناغى الطير صاحبه
على شجراته، وشدا
وعاشت في الرضى شجرا
ته مخضرة أبدا
فيا منديل لا تبرح
بعهد الحب منعقدا
عريق أنت يا مندي
ل روحا فيه أو جسدا
إذا صنت الوديعة لي
فلا بدعا ولا فندا
وإن تحفظ أمانتها
حفظتك أنت مجتهدا
سنسأل عن شذاك غدا
وبعد غد، وإن بعدا
فصن سر السؤال لنا
ولا تخبر به أحدا •••
من الكتان يا نسا
ج، فانسج كل ما خلدا
وعى خلد الفراعين
وزان عروشهم أمدا
ومن يرض الحرير به
بديلا ساء ما اعتقدا
فماذا تنسج الديدا
ن من ذكرى لمن سعدا؟
وما الديدان والذكرى؟
ومن ذكر اسمها جمدا!
15
هو الكتان يا نسا
ج، فانسج منه منفردا •••
بيوم كان للمندي
ل قدس لحمة وسدى
وقدس قبله من أن
بت الكتان أو حصدا
وقدس مثله من قا
م عند النول أو قعدا
وقدس كل من نادى
به في السوق، أو شهدا
حلم اليقظة
أين مضى الحلم الذي
كنت أراه ههنا
إذا صحوت والتفت
ت عن شمالي موهنا
16 •••
كنت إذا ما قطعت
نومي صحوات السهر
غبطت عيني وأغ
ضيت عن النوم النظر •••
وكان عندي حلما
في يقظة الليل المديد
أسمع من أنفاسه
نسمة فردوس بعيد •••
أسعد مما في الكرى
من راحة ومن أمل
ومن خيال لا يحد
د ومعان لا تمل •••
فالآن أبشر يا كرى!
كل جفوني الآن لك
حتى أعود فأرى
في جانبي ذاك الملك
ليلة
بيني وبينك ليلة
يا ليلة القرب الأمين
يا حبذا لو تسرعي
ن، وحبذا لو تطفرين!
وإذا أتيت فحبذا
لو تلبثين فتخلدين!
عروس الليالي
عروس الليالي تهبط اليوم من عل
وتدنو على طول النوى والتدلل
سرت بين شرق من ضياء ومغرب
وبين جنوب من ضياء وشمأل
كأني أراها من دهور بعيدة
لطول اشتياق وجهها وتأملي
فيا ليلة القدر المؤمل أقبلي!
تعالي أقبل منك كل مقبل
خذي لك جثمانا يضمك عاشق
قليل لديه صورة المتخيل
وتيهي بوجه من صباحك مشرق
وميلي بفرع من مسائك مسبل
سأبديك شعرا يملأ السمع شدوه
إذا ضنت الدنيا بجسم ممثل
ثرثارة
أراك ثرثارة في غير سابقة
فهات ما شئت قالا منك أو قيلا
ما أحسن اللغو من ثغر نقبله
إن زاد لغوا لنا زدناه تقبيلا
ثروة النصيب
منيتني بالثروة الجلل
وبنيت لي دارا على عجل
وإذا «النصيب» أصابني احتفلت
داري بحسنك كل محتفل
حسبي إذا عز البناء غدا
في ساحة بالسهل والجبل
دور تؤسسها وتعمرها
في ساحتين: الحب والأمل
قرنفلك
قرنفلك الذي يحكيك حسنا
أتعلم أنه يحكيك سمتا؟
17
تعدد لونه فتجنبوه
على حذر، ولم تحذره أنتا
له عطر شبيه هواك فرد
وألوان من الإحساس شتى
النجوم السواغب
أرى أعينا قد وصوصت في سمائها
أتلك النجوم الناظرات سواغب؟
موائد حب تشتهيها ودونها
مصاعب لا تجتازها وغياهب
نعمت بها في ليلتي، وهي فوقنا
تمد لها ألحاظها وتراقب
ومسكينة هذي الكواكب في الدجى
ومسكينة تلك الورود الشواحب
فهاك خذي من سؤر ما أنا شارب
ثمالة كأسي كلها يا كواكب
وخذ يا نسيم الليل عشرين قبلة
وخذ مثلها يا روض إنك غاضب
غني أنا بالحب، عاش الذي به
غنيت، وإني إن غنيت لواهب!
النيل الغاضب
أساهم
18
يا نيل؟ لست أدري
أم ناقم يا نيل طول هجري؟
فرب شهر مر بعد شهر
وعام سوء بعد عام شر
ولا بشفع زرت أو بوتر •••
لاقيتني يا نيل والحبيبا
كما تلاقي طارقا غريبا
وزدتنا كيدا لنا مريبا،
أغريت يا نيل بنا الرقيبا
يكاد يحصي سره وسري •••
وكيف يا نيل إليك حجي
ولم أكن أخاف أو أرجي؟
بل كيف يهديني إليك نهجي
وقد هوى نجمي وضل برجي؟!
وعز قرباني ولاح عذري؟ •••
ذاك الذي كنت معي تراه
غيري إليك ربما دعاه
فقد هداني كاهن سواه
إليك يرعاني كما أرعاه
بعد ضلال في الهوى وخسر •••
يا نيل أما الآن فالمزار
عندي له المنسك
19
والشعار
فلا يغيب في الدجى نهار
أو ينجلي عن بدرنا السرار
إلا سرينا لك حين يسري •••
يا نيل فاشغل حولنا العيونا
إذا وردناك مسبحينا
تلك عيون تكره السكونا
ومن يحبون ويسعدونا
لا رضيت عني ولا عن بدري
نجوى النجوم
بحسبي الأنجم الزهر
فلا شمس ولا بدر
ترينا عزلة النجوى
ففيها للهوى سر
وفي لمحتها همس
كما يبتسم الثغر
كهمس الشيخ قد سر
بأحفاد له سروا:
خذوا الدنيا خذوا الدنيا
وغروا العيش واغتروا
دريت الحكمة الكبرى
فأدراكم هو الغر •••
بحسبي الأنجم الزهر
فلا صبح ولا فجر
سواحر تنبئ الأحبا
ب، والليل لها سفر
رصين صوت نجواها
وديع حولها الدهر
لها ستر وما للشم
س أو بدر الدجى ستر
لها الشكر فقد سرت
حبيبي، ولها الفخر!
كلماتي
كلماتي! كلماتي!
صدق الوعد فهاتي
هل معيني وحيك الصا
دق أو وحي اللغات؟
أنا أستأديك
20
ما لم
تبلغيه بأداة
من معان تتعالى
عن لسان ولهاة
21
فاسألي الأرباب عن تل
ك المعاني الخالدات
أو سلي الصمت فكم صم
ت له علم ثقات
ينتهي شأو الأحادي
ث إليه والرواة
وبه لاذ هداة
عرفوا وحي النجاة •••
انظري يا كلماتي
وأصيخي في أناة
ما ضياء ثم في الأف
ق، وفي كل الجهات
لا من الأرض ولا من
دارة الأفلاك آت
لا تراه غير عيني
وهو ملء الكائنات
هل يرى الدنيا امرؤ لم
ير منه قبسات؟
كلماتي أنت في وا
د من التيه شتات
22
اسألي الأرباب عنه
أو سلي الصمت وهاتي •••
كلماتي ما تقولي
ن إذن يا كلماتي
ما نعيم يمنح الكف
ف غذاء المهجات؟
تقصر الألباب عنه
وهو بعض اللمسات
في يدي أدعوه خصرا
تارة أو زهرات
في فمي أدعوه ثغرا
تارة أو قبلات
وفؤادي؟ ما اسم ما في
ه إذن يا كلماتي
اسألي الأرباب عنه
أو سلي الصمت وهاتي •••
نشوات تلك؟ لا بل
تلك فوق النشوات
يقظات تلك؟ لا بل
تلك غير اليقظات
بلغت منها مداها
وارتقت مرتفعات
تسلس اليقظة للوص
ف وتصغي وتؤاتي
فإذا جازت مداها
لزمت صمت السبات
كلماتي! ما تقول
ين إذن يا كلماتي؟
اسألي الأرباب عنها
أو سلي الصمت وهاتي •••
لحظة تمنح قلبي
كل هاتيك الهبات؟
لحظة ترفع عمري
حقبا متصلات؟
رب عمر طال بالرف
عة لا بالسنوات
لحظة؟ لا بل خلود
لاح بين اللحظات
كالسماوات تراها
من شباك الحلقات
رب آباد تجلت
من كوى
23
مختلفات
وقطيرات زمان
ملأت كأس حياة
وإذا ما طغت الكأ
س فقل في السكرات!
سكرة تغشى وأخرى
تغتلي بالصحوات
هكذا بتنا رفيقي
ن لزيمي لثمات
غائب غاف، وصاح
لحفيف الهمسات
كلماتي! ما تقولي
ن إذن يا كلماتي
اسألي الأرباب عنا
أو سلي الصمت وهاتي •••
أين أملاك على أب
راجها المطلعات؟
تصقل الآفاق في اللي
ل وتجلو النيرات
لا أرى الدنيا على نو
ر الليالي الغابرات
أين؟ لا بل ندع الدن
يا وراء الحجرات
نورنا الليلة مصبا
ح وليد اللمحات
غض جفنيه حياء
من غضيض النظرات
شفقيا أو فقل إن
شئت فجري السمات
عسجدا بارك حسنا
عسجدي البركات
سبحت عيني ونفسي
ويدي في غمرات
في كنوز منهما أي
كنوز مغنيات
ثروة أنفق منها
لحياتي ومماتي
ولبعثي يوم أن تب
عث في الطرس وصاتي
كلماتي! ما أراك ال
يوم إلا خاذلاتي
عنك أغنتني كنوزي
وكنوزي مهلماتي •••
سمعتني كلماتي
واستعادت دعواتي
ثم قالت في حياء
كالعذارى الخفرات:
باح لي الصمت ولكن
فاتني أي فوات
قال: ساموك عسيرا
في التمني يا بناتي
ارجعي، ثم أعيدي
ثم عودي صاغيات
مرة أو عشرات
وإذا اسطعت مئات
ما بدرس واحد تو
فين هاتيك الصفات
هكذا يا شاعري أل
همني الصمت فهات
هاتها وافرح بإحسا
ني وراقب حسناتي
لا يبوح الصمت إلا
درجات درجات •••
كلماتي! صدق الصم
ت، أجل يا كلماتي
غير أني لا أعيد ال
أمس إلا بصلاة
مرجع الأمر لمن ضم
مت رجائي وشكاتي
يملك العودة من أح
يا من الأرض الموات
فابعثي الصمت إليها
في خشوع وتقاة
ربما أعطت وإن لم
تسألي يا كلماتي
يوم يبحث عن ذكراه
يوم بحثنا عن تاريخه لنحتفل بذكراه، فإذا اليوم الذي خطر فيه هذا الخاطر هو يوم الذكرى بعينه، فكانت مصادفة من أعجب المصادفات:
لم يطوه الزمن الماضي ولا احتجبت
في ذمة العام بعد العام سيماه
خلناه في الغيب منسيا فذكرنا
بنفسه اليوم في إلهام نجواه
قمنا لنبحث عنه في صحائفنا
فكان ميلاده ميعاد ذكراه
يا يوم أول لقيا بيننا عرضت
ثم انطوى عهدها حتى بعثناه
نعم بعثناه في حب إذا ذهبت
مزية العمر لم تذهب مزاياه
مبارك يوم عيد في عواقبه
لم يسه عنا وما كنا لننساه
لما بحثنا لنلقاه ونذكره
إذا به باحثا عنا لنلقاه!
سر من الله في روحين ما برحا
من قبل لقياهما يرعاهما الله
هبوط النفس
إذا هبطت نفسي فلم تبلغ الذرى
من الحب فارفعها، وكن أنت عاذرا
فللحب أوج في العلا قلما ارتقى
بنو الأرض إلا مرتقى منه نادرا
وددت لو اني لا أفارق أوجه
ولا أستوي في الأرض، لو كنت قادرا
ولكنها حرب مع الدهر لم يزل
بها القلب مقهورا هناك وقاهرا
فلا تحسب القلب المشرد غاضبا
ولا عاتبا، واحسبه أسوان حائرا
وإن تك يوما في الصعود مؤازري
أكن لك يوما في الصعود مؤازرا
ولست على مثواي في الأرض نادما
إذا كنت لي نجما على الأفق سافرا
سحر السراب
هذا سرابك جنة تغري
يا فاتني بالقرب والذكر
صحراء بعدك ما خلت أبدا
من كوثر في أفقها يجري
لكنه يغري وليس به
ري، وعندك لجة النهر
وإذا السراب خلت كواثره
من مائها لم تخل من سحر
فافتن بذاك وذاك يصف لنا
أمن المقيم، ولهفة السفر
24
عالمنا
في الحب والشعر والإخلاص عالمنا
دعنا من العالم الموبوء بالدنس
إذا نظرت حوالينا فلست ترى
إلا السموات في مرأى وملتمس
هجو
هجوتك في بيتين جهدي فلا تخف
وسلني، فإني قائل لك بيتين
أقول: رعاك الله إنك محنة
وطول عناء حين تغرب عن عيني
وقلت - وما أتممت بيتين: إنني
شقي بما ألقاه منك على البين
هجو آخر
هذا الدلال علاما؟
أكان حتما لزاما؟!
تغيب عني فيمسي
يومي من الدهر عاما
وإن سمحت بقربي
قصرت لي الأياما
تزهى بهذا، فهلا
خشيت فيه الملاما؟
الوساوس
أنا ساهر والليل دامس
ويل المحب من الوساوس
ومن الغد الخافي وما
من زحفه المأمون حارس
ومن الذي بالأمس كا
ن، وريبه في الصدر هامس
ومن الذي تخفيه تل
ك الأعين السود النواعس
ترنو إليك وخلفها
في القلب سر عنك خانس
ودع الغياب ومن يجا
لس في الغياب ومن يؤانس
ودع الحفول ومن يرا
قص في الحفول ومن يلامس
يا لهفتا إن قيل لا
ه بينهم أو قيل عابس!
هذا وذاك كلاهما
راض به قلبي وبائس •••
لا تنأ عني إن لي
في كل نأي ألف هاجس
هي من شياطين الظلا
م وأنت مثل الصبح شامس
أشرق عليها ينصرف
منها المسالم والمشاكس
لا ضير عندي أن تعي
ش إذا انجلى ليل الوساوس
رجاء اللقاء
رجائي بأن ألقاك بدد وحشتي
فكيف إذا أمسيت أنت مؤانسي؟!
أراك فتنجاب الوساوس كلها
وأنت إذا ما غبت كل وساوسي
شكوك العاشق
رأى ابنا في الكرى زهقا
فهب مروعا قلقا
يضم وليده ثقة
وينسى أنه وثقا
ويخفق قلبه فزعا
ويفزع كلما خفقا
إذا ما خاف ذو شغف
فذاك المارد انطلقا •••
كذاك الشك في قلبي
إذا ما طاف أو طرقا
أكذبه، ويحزنني
كأن نذيره صدقا
فديتك لا تعدي الحز
ن من ذنبي ولا الفرقا
فما لي بالخيال يد
إذا ما خال أو خلقا
يوسوس لي فأسمعه
كذلك كل من عشقا!
صفقة مغبونة
أراني في غرامك لا أجازى
وإن جازيتني حبا بحب
ألم يسع الزمان الرحب قلب
وهبتكه، وقلبك غير رحب؟
فكيف وعند قربك لي شريك
وما لك من شريك عند قربي؟
جهلت الحب إن أعطيت قلبا
يقيم على الوفاء، بنصف قلب
بلدي
أمحل الدهر واطرد
لا خميس ولا أحد
لا انتظار لموعد
أو هيام بمن وعد
كل أيامنا تسا
وين في الوسم والعدد
صبحها مثل ليلها
والتقى أمسها بغد
تنقص العمر كلها
وبها العمر لم يزد
25
لم تزد ماضيا وقد
نقصت مقبل الأمد
قد رجعنا كما بدأ
نا فما الخوف والكمد؟
كان لي الحزن موطنا
فتباعدت، فابتعد
ثم عدنا فهل ترى
واجدا خاف ما وجد
بلدي أنت بي أب
ر، فلا بنت ولا بلد
ميناء قلب
نم قرير العين والنفس فما
لك في قلبي سوى الحب الطهور
أنا إن لم أكرم الصاحب في
غيبة، إني إذن جد كفور •••
أنت مينائي إذا البحر طغى
واكفهر الليل، واستعصى العبور
هب به بعض صخور أترى
أنقض الأسوار حولي والجسور؟!
لا وحبي! بل قصاراي إذن
أنني أعرف هاتيك الصخور
فإذا جاورتها جاوزتها
غافرا ما شئت، والحب غفور
بل أراني شاكرا لا غافرا
وشبيهان غفور وشكور •••
نم قرير العين والخاطر يا
أكرم الأحباب في الدنيا الغرور
لا تخف في الغد شرا من أخ
ود لو ينجيك من ماضي الشرور
في أمان أنت مني وأنا
في أمان منك، والدهر يدور
أنا أدرى بك من نفسك يا
طاهر النية في كل الأمور
إنما تخطئ من حب إذا
أخطأ الإنسان من غش وزور
ويح قلبي أنا إن أحزنت من
هو في الحب على الحزن صبور
كم قسا مني وكم جار الهوى
والهوى منك رحيم لا يجور
لك من عطف شفيع دائم
وشفيعي عندك الوجد الثئور
نم قرير العين والخاطر لا
قر ذو ضغن ولا نام غيور
خل جهل الناس في ظلمائه
واجل لي حبك نورا فوق نور
فوق الحب
صاحبي من سروره وسروري
في صفاء الزمان يلتقيان
وصديقي من استجد سرورا
من سروري، وإن تناءى مكاني
وحبيبي من قلبه كيفما كا
ن، وقلبي في الشجو يستويان
فالذي يرتضي العذاب لأرضى
كيف أدعوه؟ ما اسمه في البيان؟
ذاك فوق الحبيب إن كان فوق ال
حب شيء يرجى من الإنسان
ذاك فيه من صبغة الله سر
جل عن صبغة الوجود الفاني
سريان روح
لا تسلني متعب أنت فما
تتعب الأرواح في عليا السماء
بجناحين من الحب ومن
حسنك الخافق، ينقاد الفضاء
طرت لا أشكو المدى من تعب
حين صاحبتك في ذاك المساء
لم أكن ألمس أرضا إنما
كنت أسري حين أمشي في ضياء
توكيد
أحدث نفسي بالفراق وأخشاه
كما تقذف الأم الوليد لتلقاه
26
هو الشيء لا تدري بفرط وجوده
ولا حبه إلا إذا غاب مرآه
جواز الحياة
قالت: جوازك؟ قلت: هاك!
حب أنال به رضاك
فدخلت في خدر الحيا
ة وراء ألفاف الشباك
أبرز جوازك تقتسم
دار الحياة على اشتراك
أو لا فأنت ببابها
أبدا تحوم بلا فكاك
الخرافة الصادقة
دعني أثوب إلى العراف أسأله
فالحب علمني صدق الأساطير
جلا عجائب دنيا لا نظير لها
في زعم مختلق أو وهم مسحور
فإن أبت مؤمنا بالسحر لا عجب
هذا هو السحر في حسي وتفكيري
علم الحب
إذا ساءت الدنيا ففي الحب مهرب
وتحسن دنيا من أحاط به الحب
فبالحب تدري الحسن والقبح عندها
وفي الحب علم لا تعلمه الكتب
الثوب الرشيد
فرحات قلبك بالجديد
من فرحة الطفل السعيد
أخجلت بالثوب الرشي
ق وأنت صاحبه الفريد؟
هو لا يعاد فما لقد
ك من معيد في القدود
خل الحياء لمن يلو
مك واحل أنت كما تريد
أولى بالاستحياء من
عذل الجمال على المزيد
كل الثياب لمن يزي
ن ثيابه عف حميد
فافرح بحلتك الجمي
لة فالجميل هو الرشيد
لو ترتدي ثوب الوقا
ر وهيبة العمر المديد
للبستها فرحا بها
كالطفل في الزي الجديد
عمر شعر
شعري القديم عشقته وحفظته
وحييت فيه حقيقة وخيالا
وجديد شعري إن نظمت فإنما
لك بت أنظمه، وفيك توالى
فكأن حبي كان عندي كله
رهنا بحسنك مبدأ ومآلا
فاحرص على قلب أباحك ماضيا
منه وحاضره والاستقبالا
الحياء في الحب
صن من حيائك ما يذكرنا على
طول التآلف أننا جسمان
واخلع حياءك يوم ينسى أننا
قلب تفرد ما له من ثان
الحب أجمع حين تعلم سره
في ذلك التذكار والنسيان
قلب يرفرف في جوار قرينه
لا القلب مبتعد، ولا هو فان
متفرقين ليعطيا، فإذا التقى
حظاهما فسروره ضعفان
ويلذ بالثمر الجديد كلاهما
كالحور تحت عرائش الرضوان
عتاب
أيها المانع الرسائل عني
هل يكون الوفاء كتبا بكتب؟
هب ردودي أبطأن عنك، فقل لي :
من أقال البريد من كل ذنب؟!
لا التحدي ولا التشاغل يرضى
من حبيب معاتب، أو محب
ضامن أنت إن تسلفت عذري
حسن ظن بالود، أو حسن عتب
لقاء شجي
هل عجب في الحب برح الأسى
بعد ابتهاجي بلقاء الحبيب؟
هاتيك نفسي استجمعت نفسها
فابسط لها عذر اللبيب الأريب
لا تجمع الأنفس أجزاءها
ما بين ناب حولها أو مجيب
إلا أطالت نظرات لها
فيما بدا منها وفيما يغيب
يا رحمة للقلب من نشوة
يشابه النشوان فيها الكئيب
مولد أو نشوء وارتقاء
زانك الله بصفو
وسلام يا شتاء
طال بي فكر الليالي
أوما فيك عزاء؟
قال لي: هاك فخذها
زهرة مني إليك
ذات حسن وحياء
ولها فضل لديك
وسمت بالفكر
27
فاقبس
فكرة في راحتيك
قلت: حقا يا شتاء
هي حسن وحياء
غير أني، وهي صمت،
ليس لي فيها عزاء •••
قال: يرضيك إذن شا
د من الطير مجيد
هو للجنة
28
يدعى
وله منها نشيد
يعشق النيل وإن لم
يك فيه بوليد
قلت: حقا يا شتاء
هو حسن وغناء
غير أني، وهو صوت،
ليس لي فيه عزاء •••
قال: يرضيك إذن سا
ر من البرق بشير
يصدع الظلماء، يزجي
عارض الغيث، ينير
فيه من قلبك نبض
ومن اللمح سمير
قلت: دعني يا شتاء
من شعاع في فضاء
أئذا جاد بغيث
كان لي فيه عزاء •••
قال: والشمس؟ فما ظن
نك بالشمس ذكاء
29
كلما عدت بها سب
بح عشاق السماء
فيك منها لمحة حر
رى وطهر وضياء
قلت: حقا يا شتاء
هي نور ورجاء
غير أني، وهي صبح،
ما عزائي في المساء؟ •••
قال لي: أنفدت كنزي
كله بين يديك
غير ذخر من بني الإن
سان أبقيه عليك
فيه من صبح ومن لي
ل قصارى غايتيك
أتراه؟ قلت: حقا
هو في الدنيا العزاء
هو حب وحياة
وربيع يا شتاء •••
من بني الإنسان في ذا
ت شتاء ولدا
زينة للعين واللب
ب وللقلب بدا
طاهر كالمزنة البي
ضاء صاف كالندى
كبنات الروض مفتن
ن الحلى جم الحياء
وارف كالظل محي
في شذاه كالهواء •••
يا شتائي فيم إخفا
ؤك ذاك السر عني؟
أي روض؟ أي برق
أي شمس فيك أعني؟
أنا مستغن به عن
ها فماذا عنه يغني؟
قد تعلمت وأتقن
ت أفانين السخاء
منذ عشرين وخمس
من سني الدهر سواء •••
ثم عندي كل ما تع
طي إذا تم العطاء
وجميل كل بدء
ينتهي خير انتهاء
وجميل زهرك النا
مي على هذا النماء
صدق العلم وقال ال
حب: حقا يا شتاء
سنة الزهر نشوء
في المعاني وارتقاء
إساءة مشكورة
إليك مني الشكر حتى على
إساءة اللقيا غداة السفر
أغضبني منك فأنجيتني
من لوعة الهجر وطول السهر
إذا التوى الصبر على عاشق
تعرض العتب له فاصطبر
ما ذاكر اللجة ريا له
كذاكر اللجة فيها الخطر
ولهفة الظامئ ترياقها
أن ينظر الغصة فيما انتظر
عروس الشعر - في البعد
عروس شعري أجيدي
في البعد نظم القصيد
فيم السكوت؟ أما من
وحي؟ أما من نشيد؟
أوحي ثغر لثغر
أو لا صدى من بعيد؟!
أما سمعت ببرق
مستحدث أو بريد؟
وناقل من أثير
وسكة من حديد
بشرى إذن ألف بشرى
بيوم قرب سعيد
إلى المزاهر هزي
أوتارها من جديد
ورنمي واستعدي
ورتلي واستعيدي
صنوف حب
عرفت من الحب أشكاله
وصاحبت بعد الجمال الجمال
فحب المصور تمثاله
عرفت! وحب الشباب الخيال •••
وحب القداسة لم أعده
وحب التصوف لم يعدني
وفي كل حب ورى زنده
سمات من المؤمن الدين •••
وحب المزخرف والمنتقى
وحب المجرد والعاطل
وحب الجماح، وحب التقى
وحب المجدد والناقل •••
وحب الثقات وحب الصحا
ب، وحب الطبيعة في حسنها
وحب الرجاء وحب العذا
ب، على يأس نفسي من حزنها •••
وحب التي علمتني الهوى
وحب التي أنا علمتها
ومن أستمد لديها القوى
ومن بالقوى أنا أمددتها •••
وحب الجياع صحاف الطعام
وحب الظماء كئوس الشراب
وحب الكفاح وحب السلام
وحب الضلال وحب الصواب •••
صنوف من الحب لا تلتقي
وفيك التقى لبها المحتوى
فلولا هدى نورها الأسبق
لما كنت كفئا لهذا الهوى
صفات وتأملات
ليالي رأس البر
مناظر من سحر الجمال أراها
ولولا سناها قلت: كنت أراها
تلوح كذكرى حالم يستعيدها
لعمق معانيها، وبعد مداها
فمن عالم النسيان فيها مشابه
وفيها من السلوى جميل رضاها
ليال برأس البر تندى وداعة
ورقة أشجان، وطاب نداها
وداعة ذات الدل شاب فؤادها
شوائب من هجر، فراض صباها •••
ليال برأس البر طاب نداها
وشفت دياجيها ورق سناها
هنا النيل ساج طال في الدهر سيره
وطالت مرامي نبعه فسلاها
هنا البحر ثوار الدهور على الكرى
ويطغى فلا يحمي النفوس كراها
إذا استرسلت أصداؤه في اطرادها
ترسلت الأحلام ملء مناها
هنا عالم السلوى، هنا العالم الذي
تحس الليالي فيه همس خطاها
هنا العالم المشهود ذكرى قديمة
وذكراك دنيا لا تزال تراها
فلولا حياتي في عروقي أحسها
لقلت: نعيم الغابرين طواها •••
جمالك - رأس البر - في زي ناسك
إذا ضاحك العين الضحوك شجاها
لياليك - رأس البر - في صومعاتها
مناسك ضلت في الظلام هداها
صحابك - رأس البر - أطياف نائم
تساوى لديها صبحها ودجاها
عناها الذي يعني النيام من الرؤى
ولم أر جهدا في الحياة عناها
حياتك - رأس البر - طفل مجدد
سقته ثدي الخالدات جناها
فلا تحرمينا رشفة الخلد كلما
فنينا، وكم تفني الجسوم نهاها
بحسبي من أبناء آدم إن صفا
لنا العيش يوما، أن تكف أذاها
شرفة مصر - في رأس البر
ينتهي البر ههنا
أو هنا البدء أولا
نحن في باب شرفة
إن تكن مصر منزلا
نترك الأرض خلفنا
ونرى البحر مقبلا
كالذي يهجر الديا
ر إذا ارتاض واختلى
مصر من خلفنا ولا
مصر من صوبنا ولا ...
حبذا «الرأس» شرفة
ومصيفا وموئلا
فرجة النفس كلما
عافت الأرض والملا
خبر الربيع
يا أيها الورق المخضر في شجر
عهدي وما فيه من ذي خضرة أثر
من أين أقبلت؟ بل من أين أقبل في
عيدانك العوج ذاك العطر والزهر
إنا سألنا، ولو عاد السؤال إلى
فحوى الضمائر لم نعرفه يا شجر
سلنا بحقك من أين استجد لنا
هذا السرور الذي في القلب ينتشر
كلاهما طارق طاف الربيع به
على براق من الأنوار ينحدر
سله فإن لم يجب فانعم بمقدمه
وافرح به، وانتظره حين ينتظر
إذا أجاب بأزهار مفتحة
وبالسرور، فحسبي ذلك الخبر
الوجود! لا تنازع الوجود
ليس السر الأكبر هو تنازع الوجود، بل السر الأكبر هو الوجود نفسه، كيف كان وما الذي يبعث إلى التنازع فيه؟ فتعليل أطوار الحياة بالتنازع تعليل بشيء يحتاج هو نفسه إلى تعليل. وأنت لا تعطيني الكنز إذا وصفت لي صراع الطامعين فيه، وكذلك لا تعرفني سر الحياة وكنزها المخبوء إذا وصفت لي تنازع البقاء. «نزاع بقاء» فصلوه وعددوا
وراموا به سر الوجود فأبعدوا
أيوجد مخلوق ليحمي نفسه
من الخلق؟ أم يبغي الحمى حين يوجد؟
هو السر كل السر أنك كائن
وأنك تبغي الكون
1
والكون مجهد
فلا تحص ألوان النزاع فإنما
هنا السر والكنز الذي عنك يوصد
أمعطي كنزا إن عرضت لناظري
صراعا على أعتابه يتجدد؟
تجربتي
تجربتي! أين أنت تجربتي؟
يا كتبي! أين أنت يا كتبي؟!
لم تمنعي دمعة تؤججها
في القلب نار العذاب والغضب
إليك عني! فلست مانعة
حزني، وقد تمنعيني طربي
وقد تشوبين لي الصفاء وما
تصفين عيشي من كدرة الريب
لهفي على غرة أعيش بها
غفلان، والفاجعات عن كثب
2
لهفي على جنة أهيم بها
مقهقها بين فادح النوب
قربان القرابين
ما في القرابين ولا الأعياد
أبر في اللب وفي الفؤاد
من يوم حب بالحياة شاد
مدخر منتظر الميعاد
تبذله للموت والحداد
رعيا لمن باتوا على وساد
من الثرى في غير ما رقاد
وقطعوا في القبر كل زاد
الفن الحي أو الحياة الفنية
خذ من الجسم كل معنى، وجسم
من معاني النفوس ما كان بكرا
حبذا العيش يبدع الفكر جسما
نجتليه، ويبدع الجسم فكرا
ويرى الفن كالحياة حياة
ويرى للحياة فنا وشعرا
ضل من يفصل الحياتين جهلا
واهتدى من حوى الحياتين طرا
عمر السعادة
إن السعادة هي الكفاية، والاكتفاء بدء التحول والاستغناء، فكأنما السعادة تغرينا بالتحول عنها حين نملكها، فإن لم تغرنا بذلك فهي كالنور الذي ينبسط على الحياة فيرينا منها أخفى العيوب ، فتخلق لنا أسبابا كثيرة للنفور من الدنيا بعد أن كانت تلك الأسباب خافية علينا؛ إذ نحن نريد الدنيا أبدا رفيعة جميلة كما صورتها لنا السعادة، ولو لم تصورها لنا على ذلك المثال لقنعنا من الدنيا بالقليل.
ثق بالرهان على عمر الزجاج ولا
تثق بعمر سعيد طال أو قصرا
لعل أسعد حي أنت مصبحه
يموت قبل نزول الليل منتحرا
وفي السعادة ما يغري بفرقتها
إن الكفاية تكفي من رأى ودرى
وربما شوهت دنياك أجمعها
إذا رأيت بها عيبا، وإن صغرا
العراف
من عهود مجهولة وديار
هي أخفى من عمره مستقرا
حمل اللحية التي تنسج الده
ر، وتبديه للنواظر شعرا
هو غيب فكيف لا يعلم الغي
ب؟ ودهر فكيف يجهل دهرا؟
خلفه للزمان سر، فهل يط
وي غد من أمام عينيه سرا؟
في خفايا المجهول عاش فسله
عن خفايا المجهول ينبئك جهرا
التقديس
عارف التقديس رو
حي، وإن قدس جسما
ومهين الجسم جسمي
ي، وإن كان «برهما»
أنت بالتقديس تسمو
لا بما قدست تسمى
وهي الأعين لا النو
ر التي تجلو، وتعمى
يوم شتاء
يوم بيت لا يوم خوض الدياجي
فانج ما بين صفحة وسراج
وجمال من النفوس يناجى
في أسارير وجهه ويناجي
مستهلين والطبيعة غضبى
وكلانا من هولها الصعب ناج
نتحدى الرياح والليل والأه
وال طرا بصفحة من زجاج!
فإذا ما يروع منها ويضني
نتلقاه ههنا بابتهاج
كالذي يشهد الكوارث فنا
من فنون التمثيل والإخراج
السرور
منع السرور حذار قلبي قبله
ألا يتم، وبعده التنغيصا
ويزيدني كلفا به وضنانة
ألا يباح - إذا أبيح - رخيصا
القديس
إن يجهل الناس ما القديس في خلق
فأنت وحدك قديس السموات
لا مانح الخير كل الخلق تحمده
أو مانح الخير مجزيا بجنات
أو مانح الخير يرويه ويرسله
في حاضر من سواد الناس أو آت
منحت خيرك تأبى أن يذاع، وقد
تخشى عقوبته في يوم ميقات
منحته من سخاء لا جزاء له
إلا مسرة وهاب المسرات
تلك القداسة حقا لا قداسة من
يزدان بالعرف في سمت وإخبات
3
تلك القداسة من نور وإن سترت
كأنها الذنب في ليل الخطيئات
نسختان
خذ من رجائك نسختين ولا تصن
أبدا رجاءك في كتاب
4
واحد
فإذا التوت إحداهما عن قصدها
لم تخطئ الأخرى سبيل القاصد
العزاء جملة
غنيت عن العزاء، وهل عزاء
لمن قبل المصاب رأى المصابا
تسلفت الفجائع في ارتقاب
وحسبي أن أهونها ارتقابا
لقد هانت خطوبي حين باتت
حياتي كلها خطبا عجابا
فإن شئتم فعزوا في حياتي
مجازفة، ولا تحصوا الحسابا
مناجاة الدنيا
يقول الحي: إن كانت غاية الحياة موت فالدنيا هي الخاسرة، والحي لا يشعر بخسارة فقد الحياة.
وتقول الدنيا: إن حيا يجيء يغنيها عن حي يروح، وبذلك تبقى ينابيع الحياة، فلا خسارة عليها.
ويقول صوت خالد لا هو صوت الأحياء ولا هو صوت الدنيا: إن الفناء يصيب الدنيا كما يصيب الأحياء، فليس هناك عنصر مكتوب له أن يفني أبدا أو يفنى أبدا، وإنما كل كائن له دور في الإفناء ودور في الفناء.
إن تكن غاية سعي الحي موت
فيك يا دنيا، فأنت الخاسرة
أو يكن بعد فناء الميت عيش
فيك يا دنيا فأنت العامرة
نحن إن عدنا إليك الخاسرون •••
قالت الدنيا: بحي بعد حي
أنا أستبقي ينابيع الحياة
فامكثوا في نفوسا أو ترابا
ما على الحالين عندي من شكاة
إن ذهبتم فكما كنت أكون •••
قال صوت ليس بالدنيا ولا
هو بالناس ولا غيرهما
فيه منها ثم منهم أثر
ثم من شيء سرى بينهما
كلنا نحن حياة ومنون
كلنا يفنى ويفني ويصون
كلنا مفترقون، كلنا متحدون!
متفرقات
إلى الأستاذ مكرم
1
يا من أسى جرح مصر في ضمائرها
جراح جسمك تأسو مصر شكواها
إذا شكا مكرم فدته أمته
كما رعاها وحياها وفداها
الله والنيل قد صانا وقد عرفا
من ليس يعرف إلا النيل والله
تهنئة
ولدي في البيان والأدب
تلك قربى من أكرم القرب
كن أبا واستمع نداءك من
كل نجل بذلك اللقب
فإذا حفك البنون بما
شئت من بهجة ومن لعب
وإذا ما بلغت في عقب
فوق ما قد بلغت في نسب
وإذا ما ارتقيت في رتب
أبدا ترتقي إلى رتب
كان لي الفخر أن دعوتك: يا
ولدي، أو دعوتني بأبي
إن في حافظ
2
لمفخرة
لذويه وصحبه النجب
تقريظ
لك شعر يحكي سريرة نفس
ركبت من صراحة ونقاء
جبلت كالفراش في أمة الطي
ر خفوقا بين الندى والضياء
واستوت في الحياة فوق جناح
مستطار الخطى رقيق الغشاء
فتعهد حدائق الشعر والبس
حلل الروض، واطلع في السماء
وانشد النور في جوائك واطلب
بعدها الشمس في رحيب الفضاء
أنت يا طاهر
3
الفؤاد جدير
من محبيك بالرضا والثناء
لك يوم موف بأجمل سعي
وغد مقبل بخير رجاء
أسود يلتحي
أليس كفى هذا السواد فزدته
سواد غراب في لحاك معلق؟
سريت برأس لا حدود لوجهه
فما زال فيه الليل بالليل يلتقي
ألا فانتظر حتى تشيب فقد ترى
سوادك محفوفا بأبيض مشرق
وأخلق أن يرتادك الشيب حالكا
على حالك، لو كان يجري بمنطق
نبوءة
4
أو وسواس
يا نبيي العزيز! أنت نبي
غلبته وساوس الشيطان!
غلبته الشكوك لا عن بيان
ناطق بالهدى، ولا برهان
موجسا من خيانة في ثنايا الغي
ب، والغيب صارم الكتمان
دله حدسه عليها وما دل
ل على موضع لها أو زمان
أو على آثم جناها وأخفى
سرها عن رقيبه اليقظان
قل لنا السر كله يا نبيي
أو فها نحن في الهوى سيان
أعرف الناس خائنين فهلا
زدت شيئا علي في العرفان
يا نبيي، فاشرح لنا أنت ما قد
كان، لا ما يكون في الإمكان
البيلا
5
البيلا. البيلا. البيلا
ما أحلى «سلب البيلا» •••
هاتوا البيلا واسقوني
هاتوا البيلا. داووني
الطب «وديني» يوصيني
بالبيلا، تحيا البيلا!
البيلا. البيلا. البيلا
ما أحلى البنت البيلا! •••
ما لي وما للشيكولاتا
تمشي لي تاتا تاتا
بطل مثلي هيهاتا
بالحلوى ينسى البيلا
البيلا. البيلا. البيلا
أبدا لا أنسى البيلا •••
يوم رضاعي خدعوني
بالبيلا لم يرووني
من ثدي لا تسقوني
اسقوني، اسقوني البيلا
البيلا. البيلا. البيلا
هاتوا لي كأس البيلا •••
أخطف كأسي بالكفين
خطف المفطوم الثديين
إن أغمض عينيه الثنتين
فتحت عيني البيلا
البيلا. البيلا. البيلا «نور العينين» البيلا •••
بالبيلا كنت حكيما
أرضى بالمر عليما
طمعا في الصبر وفيما
يحلو من وعد البيلا
البيلا. البيلا. البيلا
ما أحلى وعد البيلا! •••
قالوا السكران العربيد!
عربيد أنا بالتأكيد
أرقص، وأغني، وأجيد
في ساعة «سلب البيلا»
البيلا. البيلا. البيلا
غنوا في نخب البيلا •••
لقبي في صحبي «هما»
ظلموني في اسمي ظلما
إن نادوا البيلا يوما
أغلط في اسمي والبيلا
يحيا «هما» والبيلا
البيلا. البيلا. البيلا
هجاء
هجاء الدهر
أباسم تغني؟
لعنت شر لعن
وإن عداك مثني
خذ الثناء مني
يا دهر وامض عني •••
كن عابسا قطوبا
أو ضاحكا طروبا
ما أشبه الموهوبا
عندك والمسلوبا
إليك! دعني دعني •••
ما أقبح اللئيما!
مبتسما كظيما
أدنى إليه سيما
أن يبتلى دميما
يعوي ولا يغني •••
أمانحي السرورا؟
خذه وبن مدحورا
لو لم أكن موتورا
أشكو الأذى المقدورا
ما شاقني بحسن •••
أين الجمال أينا؟
كل الجمال منا
إن شئت لا إن شئنا
فقر أنت عينا
وخلنا في أمن!
خنزير أعجف
فيه خنزيرية ظاهرة
ما نفاها عنه ذاك العجف
هو خنزير ولكن شأنه
جسد في وضعه منحرف
اللؤم خالد
يا عصبة اللؤم مهلا بعض غيرتكم
فاللؤم لا ينقضي إن لم تجلوه
سيخلد اللؤم في الدهر اللئيم وإن
أذله أهله - لؤما - وملوه
رثاء
نصيب الحي والميت
يا صديقي لنا البكاء
ولك الموت والسلام
عندنا النور والعناء!
عندك النوم والظلام!
ليس يأسى أخو فناء
بل أخ بعده إقام •••
أتبع الصحب في القبور
ببكائي، وما اهتديت
أنا لو دام لي الشعور
بعد موتي لما بكيت
عالم كله غرور
عشت ما عشت أو قضيت •••
هالك كل ما يكون
تستوي النفس والصفاة
فلمن تحصد المنون
ولمن تزرع الحياة؟
بدأت حكمة الجنون
وانتهت حكمة الهداة
رفيق الصبا
1
رفيق الصبى المعسول أبكيك والصبا
وما كان أغلى ما بكيت وأطيبا
وآذن فيك الصبر أن لا يعينني
وآذن فيك الحزن أن يتغلبا
أألقاك عند النيل إن عدت في قنا
وأرعاك عند الجسر إن سرت مغربا؟
ونستنشد الأشعار في كل ليلة
ونطلب في كل الأحاديث مطلبا
ونحسب أن الله لم يخلق امرءا
على الأرض إلا كي يقول ويخطبا
ونحصي على الدهر البريء ذنوبه
وما كان إلا مازحا حين أذنبا
أألقاك؟ بل هيهات قد حالت المنى
فأقرب منها أن أصافح كوكبا
إذا عدت أستحيي الشبابين في قنا
وجدتك رسما في التراب مغيبا
وساءلت عنك الصحب: أين مزاره؟
وأذريت دمعا عند قبرك صيبا •••
عجيب لعمري موت كل محبب
إلينا، وقد كان التعجب أعجبا
حسين! عرفت الموت فيك غريبة
وما تعرف الدنيا سوى الموت مذهبا
أمن هو في ذكري فتى العمر ينطوي
كما طوت الأسقام شيخا معذبا؟
نعم ينطوي الشبان والشيب في الردى
ورب فتي في الردى فات أشيبا
وسيان في عقبى الطريقين من مشى
على عصويه من عياء، ومن حبا
عهدتك في شرخ الصبى ناضر الصبى
وفاجأني الناعي فأجفلت مكذبا
ألا ليته لم يعرف الصدق عمره
ولم يك إلا كاذب الظن مغربا •••
رفاق حسين أبنوه وأطنبوا
فما يخطئ الباكي سجاياه مطنبا
لقد كان ميمون النقيبة صالحا
وكان أمين السر والجهر طيبا
وكان عفيف القول لا يقرب الأذى
ولا يذكر الإخوان إلا تحببا
وكان على كنز القناعة آمنا
وإن قصر المسعى بدنياه أو نبا
إذا استمرأت مرعى الخيانة أنفس
تحرج منها معرضا وتحوبا
وكان عزيز النفس في غير جفوة
ولا صلف منه، إذا صد أو صبا
وكان سميرا يملك السمع كلما
تبسط في أسماره وتشعبا
أديبا يصوغ الشعر والنثر فطرة
ويؤثر في الآداب من كان معربا
أليفا وفيا لا يفارق صاحبا
ولا منزلا إلا انثنى فتقربا
أحب قنا واستعذب العيش في قنا
فلم يغره عيش، وإن كان أعذبا
لئن ذكر الوافون عهد ولائه
لما ذكروا إلا الوفي المهذبا •••
رفاق حسين أسهبوا فيه واذكروا
رفيقا له يعتاده الحزن مسهبا
على كثب منه اجتمعتم فليت لي
مكانا من الجمع القنائي مكثبا
كأني وقد فارقته قبل يومه
سمعت له نعيين يوم تغيبا •••
إذا ما رثى المحزون إلف شبابه
رثى قلبه شطرا من القلب مخصبا
وودع من عهديه في العمر قبلة
أخف على الرواد زادا وأرحبا
إذا جازها أودى بمختار عيشه
ولم يبق إلا ما اتقى وتهيبا •••
أليف الصبى لا تشك في الموت وحشة
فما زال ركب الموت أحفل موكبا
تعاقبت الأجيال تحت لوائه
وإن بعدوا دارا وعهدا ومأربا
وما الزمن المحضور إلا بقية
من الزمن الماضي تلاقت لتذهبا
عليك سلام الله حتى يظلنا
سلام أظل الناس شرقا ومغربا
تذييل في اسم الديوان
جاءني - بعد أن نشرت مقدمة هذا الديوان في الصفحة الأدبية بالجهاد - استفهام من بعض الأدباء، يسألني فيه بلهجة لا تخلو من الاعتراض: هل يحرم إذن على الشاعر المصري أن يذكر البلبل وما إليه؟ وهو سؤال لا محل له؛ لأنني لم أحرم ذكر البلبل على الشعراء المصريين، وإنما قلت: «من العجيب أنك لا تقرأ صدى للكروان فيما ينظم الشعراء المصريون على كثرة ما يسمع الكروان في أجوائنا المصرية من شمال وجنوب! وأعجب منه أنك لا تقرأ فيما ينظمون إلا مناجاة البلابل وأشباهها على قلة ما تسمع في هذه الأجواء.»
فالذي يلام عليه الشاعر أن يدع طائرا مغردا جميل التغريد، لا شك في وجوده وكثرته في الأجواء المصرية، ثم يجعل شعره من هذا النحو وقفا على فصائل من الطير توجد عندنا في بقاع محدودة أو لا توجد إلا أيام الهجرة العارضة.
فالطائر المعروف باسم البلبل يقيم عندنا بين الفيوم وبني سويف ويتفرق على قلة في أنحاء الصعيد، وقلما يصل إلى القاهرة والأقاليم الشمالية.
أما الطائر الذي يقرءون عنه في الآداب الأوروبية أو الفارسية ويحسبونه «البلبل» فليس هو البلبل المصري «أولا»، ولكنه إما أن يكون العندليب أو الهزاز أو فصيلة أخرى، وهذه الفصائل - بعد - مهاجرات يندر أن تنطلق بالغناء على سجيتها أثناء الهجرة المصرية.
فمن التقليد المعيب أن نخص العنادل والبلابل بالوصف والإعجاب ونهمل الكروان وهو مقيم في جميع أجوائنا، ومنه فصائل ترود بلادنا كما يرودها غيرها، ولا يفهم من ذلك إلا أن الناظم يطرب على المحاكاة ولا يفقه لماذا يكون الطرب لغناء الأطيار؟
अज्ञात पृष्ठ