والنساء - ويا لغرابة هذا! - أكثر جرأة في هذه الأمور من الرجال؛ ولذلك ما أسرع ما قالوها لأنفسهن ولزوجة فرج التي كانت قد تركت الدار وذهبت تعدد على فاطمة وتبكي ، ولعمتها! وحين قالوا لفاطمة نفسها غضب وجهها وبهت بشدة وارتجفت فتحات أنفها وصدرت عن عينيها دمعات قليلة، أقل من محتويات الليمونة إذا عصرتها وهي خضراء، وصرخت فيهن أن شيئا مثل هذا لا يمكن أن يحدث، وأنه والمصحف الشريف، لم يلمسها، فقلن لها: ما دام خايفة من الكشف يبقى لازم حصل حاجة، ومرة واحدة امتلأت خدود فاطمة بدفقة دم ولم تستطع النطق، هي التي كانت تظن نفسها، ويؤكد لها الناس أنها لا تعرف معنى الخجل.
ولو أن هذا حدث في قرية لحاول الأهل أن يتستروا على ابنتهم، ولكن الأمر يحدث في عزبة، الكل يعرف كل شيء عن الكل، ولا داعي للإخفاء، وهكذا أصبح هم العزبة من صغيرها لكبيرها أن تعرف إن كانت فاطمة قد جرى لها ما لا بد أن كان سيجري لها، وداخت فاطمة حتى إنهم رشوا على وجهها ماء وشمموها بصلة، داخت من هول المسألة، ومن إحساسها بأنها متهمة بأعيب عيب، وأن جميع أهل العزبة يناقشون أعز خصوصياتها، هي الأنثى الملكة الحلوة، يناقشونه عيانا بيانا وعلى مرأى ومسمع من أخيها وأهلها، وكل هؤلاء الذين كانوا يحبونها وتحبهم، ويدللونها وتتدلل عليهم.
وطلبت من حلقة النساء أن يرحمنها.
وسكتن جميعا ورحن يرقبنها بعيون ذابلة كان قد غادرها الشك وامتلأت بيقين، كالعيون، ذابل وحزين.
وحينئذ قالت فاطمة بوجه جامد متحجر بينما دفقة الدم التي تصاعدت إلى وجهها تنسحب وتسقط إلى أقدامها، قالت: أنا مستعدة.
وفي تلك اللحظة كان فرج قد داخ من كثرة شرب المعسل على الريق، وكان رأسه منكسا ويده تسند جبهته، ولولا أنه رجل لحسب الناس أنه أرملة تبكي وتنتحب.
ولم يكن في العزبة من يفهم في هذه الأمور إلا صابحة الماشطة، وهي لم تكن ماشطة محترفة، كانت تمتلك ماكينة خياطة قديمة تدار باليد، وكانت تخيط أثواب النساء والرجال على حد سواء، وكانت متقدمة في السن، ولكنها تبدو صغيرة ووجهها أبيض، وشكلها طيب حنون كشكل أي أم، ولكنها حين تتكلم يفضح صوتها ما تخفيه ملامحها، فتحس أنها امرأة مجربة عركت الحياة بنسائها ورجالها على حد سواء، وحينئذ لا تطمئن إليها.
وحين أبدت فاطمة استعدادها كان مفروضا أن يبعثن في طلب صابحة الماشطة، ولكنهن ترددن، فهن يردن معرفة الحقيقة، وصحيح أن صابحة تفهم في هذه الأمور وستعرف حتما كل شيء، ولكنها قد لا تقول الحقيقة؛ إذ هي متهمة في نظر الرجال والنساء وحتى الأطفال، فهي صحيح الخياطة الوحيدة في العزبة، وهي التي تفصل للجميع أثوابهم، إلا أن مسألة وجودك في منزلها، حتى ولو رآك الناس وأنت تقيس الجلباب، مسألة لا يستريح لها كل من يراك؛ إذ من المعروف أن صابحة ليس لديها مانع من أن تصنع من نفسها وبيتها ستارا قد يلتقي وراءه الرجل بالمرأة؛ حيث هناك سبب وجيه لوجود كليهما معا، ولكن أحدا لم ير بعينه شيئا، وقد يكون هذا صحيحا، وقد يكون مجرد إشاعات باطلة، ولكن الثابت أن صابحة فيها شك، وممكن أن تعرف ولا تقول، وممكن أن تقول خلاف ما تعرف.
وقالت امرأة فرج: «ما فيش إلا الست أم جورج.»
ووافقت النساء في الحال، فأم جورج هي الست الوحيدة في العزبة، وهي أيضا الوحيدة المتعلمة التي تجيد القراءة والكتابة، ثم إنها من البندر، ولا بد أن أهل البنادر يعرفون كل ما لا يعرف فيه أهل العزب والقرى والفلاحين.
अज्ञात पृष्ठ