حرف الواو
حرف الياء
حديث الصباح والمساء
حديث الصباح والمساء
تأليف
نجيب محفوظ
حرف الألف
أحمد محمد إبراهيم
في السماء زرقة صافية، وعلى الأرض تغفو ظلال أشجار البلخ، وأديم الميدان العتيق يشرق بنور الشمس، ويتلقى من الحارات هديرا لا ينقطع؛ ميدان بيت القاضي يضم قسم الشرطة الحديث، وبيت العدل والمال القديم، وتطؤه أقدام حافية، وشباشب مزخرفة، ومراكيب ملونة، وحوافر الخيل والحمير والبغال. ويطلع أحمد على ذلك الملعب الواسع فسرعان ما ينسى بيته الأصلي؛ بيت والديه بحارة الوطاويط. كان ابن أربعة أعوام عندما حمل إلى بيت جده لأمه بميدان بيت القاضي ليؤنس وحدة خاله قاسم الذي كان يكبره بعام ونصف عام. خلا البيت بعد زواج البنات والصبيان فلم يبق فيه إلا عمرو أفندي الأب وراضية الأم، وآخر العنقود قاسم. لم يعرف قاسم أخواته صدرية ومطرية وسميرة وحبيبة، وأخويه عامر وحامد إلا كضيف عابر مع أمه أو أبيه، يزورهم، كما يزور فروع أسرته في ميدان خيرت أو سوق الزلط أو العباسية الشرقية. وفي بيت شقيقته مطرية بحارة الوطاويط أحب ابنها أحمد حبا فاق حبه للجميع. وكان لأحمد أخ أكبر يدعى شاذلي وأخت في اللفة تدعى أمانة ولكنه خص أحمد بكل قلبه. وكانت مطرية تحب قاسم كأبنائها فأهدته إليه ليعيش في كنف جديه ويؤنس وحدته في بيت كبير خال من الأنيس. ولم يرتح محمد أفندي إبراهيم - أبو أحمد - لذلك كما لم ترتح له أمه - حماة مطرية - ولكنهما لم يعترضا مصممين على أن يسترداه حال بلوغه السن المناسبة لدخول الكتاب. وجهل قاسم تلك النية المبيتة فنعم بالصحبة في صفاء لا يشوبه كدر. وكان أحمد كأنه آية في الجمال، مورد البشرة ملون العينين ناعم الشعر خفيف الروح، يتبع خاله كظله في أرجاء الميدان، يشاهدان ألعاب الحاوي، وعربة الرش، وطابور جنود الشرطة، ويستقبلان معا عم كريم بياع الدندورمة، ويتابعان بشيء من الخوف مواكب الجنازات، وكانت الرائحة والغادية من الجارات تنظر إلى أحمد وتتساءل: من هذا الولد الجميل؟
فيجيب قاسم باعتزاز: أحمد ابن أبلة مطرية.
अज्ञात पृष्ठ