فقال سرور بسخرية: أقاربنا الأغنياء، وهبهم الله مالا لا يعد وخسة لا تدانى.
وكان عمرو يتحرج من العنف لأكثر من سبب؛ لهدوء طبعه من ناحية، ولزواج حامد ابنه من شكيرة بنت محمود بك، وعامر من عفت بنت عبد العظيم باشا، ولكنه لم يخف رأيه عن خاله أحمد بك وهو يتعشى معه في السراي، فقال له أحمد باسما: علم الله أن قلبي معكم ولكنه رأي محمود!
فقال عمرو آسفا: الميدان تحت بيتنا يموج بالمظاهرات كل يوم، والهتاف بسقوط الخونة يتصاعد إلى السماء.
فقال أحمد: أصحاب المصالح لا يحبون الثورات يا ابن أختي.
والواقع أن أحمد هو الذي تعرض للنقد لاختلاطه بالناس ليل نهار، أما محمود فكان أكثر وقته منغمسا في عمله في العزبة. ونتيجة للولاء المعلن في تلك الفترة الحرجة فاز الأخوان برتبة البكوية في عيد الجلوس، وسر بها الرجلان سرورا فاق كل تصور. وأولم أحمد وليمة دعا إليها جميع الأقارب نساء ورجالا، من آل عمرو وسرور وداود، وبدت السراي في حلة لا تبدو بها إلا في الأفراح. وغاص أحمد في حياته الخاصة حتى قمة رأسه، ولم يأذن لهموم الوطن بالتسلل إلى خلوته وتكدير صفوها. ولكن بتقدم الزمن ونمو الأبناء جاءته المتاعب من حيث لم يحتسب. لم يوافق ابنه الأكبر على الوضع الذي اختاره لنفسه تحت وصاية أخيه. وخاض نزاعا طويلا عنيدا مع أمه أولا ثم مع أبيه ثانية. ولم يعف أباه من ملاحقته حتى وعد باسترداد حقه الذي نزل عنه بمحض اختياره. ومن تلك الشرارة اندلعت النيران في أركان الأسرة المتحدة. انتهز أحمد فرصة زيارة محمود للقاهرة لبعض شأنه وفاتحه في الموضوع على استحياء، وختم حديثه كالمعتذر قائلا: الأولاد كبروا ولهم رأيهم!
أدار محمود ما سمع في رأسه طويلا وهو يتلقى من الغضب أمواجا هادرة. كان قد تطبع بسلطة غير محدودة، ومارس في السراي هيبة تجاوزت أسرته إلى أسرة أخيه الوديع الطيب. كانت فوزية هانم تهابه وتصدع بأوامره على حين تناقش زوجها مناقشة الند للند. وكان ابنا أحمد يلتزمان أمامه حدود الأدب والطاعة على حين يتعاملان مع أبيهما بالحب والمرح والحرية. وأفلت الزمام من يدي محمود فقال لأخيه: يا لك من رجل ضعيف! كيف سمحت لابنك بهذا العبث؟!
فاستاء أحمد ولم يشأ أن يفرط في احترام أبنائه له فقال: لا ضرورة للكلمات القارصة يا أخي.
فسأله بوحشية: هل تشكون في ذمتي؟
فبادر يقول: معاذ الله، ما هو إلا حقي في تولي شئوني بنفسي. - حقك في تدمير نفسك بنفسك بوحي من حماقة أولادك؟
فقال عابسا: الله المستعان.
अज्ञात पृष्ठ