ولهذا لا نسأل عنه سؤالنا عن خصلة واحدة أو خصال محدودة، كما لا نسأل عن الألوان والأصباغ على هذا الأسلوب.
فمن ضيق النظر إلى الحب أن يقول قائل: إنه ينطفئ بالاتصال بين الجسدين، أو إنه يستلزم الاتصال ولا يذكو بغيره.
ومن ضيق النظر أن يقال: إن الحب يكون عذريا أو لا يكون، أو يستدل عليه بهذه الصلة ولا يستدل عليه بصلة سواها.
لأن الحب قد وجد بين الجنسين قبل أن توجد الأواصر الاجتماعية التي تحرم الاتصال بين الرجل والمرأة بغير عقد مشروع.
فإذا سئل عن الحب العذري فليس السؤال: هل يوجد أو لا يوجد، وهل هو مشروط في طبيعة الحب أو غير مشروط فيها؟ وإنما السؤال: هل المحبان قد غلبت عليهما نزعة الفطرة، أو غلبت عليهما آداب الجماعة أو أوامر الدين؟ وقد يستتبع هذا السؤال سؤالا تاليا وهو: هل جمحت الغريزة بصاحبها، أو لا تزال في قبضة العنان التي يقدر عليها الأقوياء، أو يقدر عليها بعض الضعفاء إذا هان أمر الجماح؟
وعلى هذا يوجد الحب العذري ولا يوجد، ويعهد في بيئة ولا يعهد في بيئة غيرها، ولا يعدو أن يكون لونا من ألوان الحب يستطاع في علاقات وتنوء به الطاقة في غيرها من العلاقات.
وكذلك السؤال عن الحب: هل هو سعادة أو هو شقاء؟ فقصارى القول فيه أنه هو حب سواء قلت حب شقي أو حب سعيد، فإذا اتفقت جوانبه الكثيرة فهو أقرب إلى السعادة وإن كان لا يستغني عن قلق يغليه ويعيد الأمن به والسكون إليه بعد المخافة عليه، وإذا افترقت جوانبه الكثيرة فهو أقرب إلى الشقاء، وإن كان هذا الشقاء لا يخلو من دواعي الإغراء والإعزاز؛ لأنه هو التكاليف التي تقوم بها قيم الشعور.
ولكنه - لكثرة عناصره - أقرب إلى الشقاء منه إلى السعادة؛ لأنه عرضة لافتراق الهوى في النفس الواحدة حين تتناقض الرغبة والكرامة، أو تتناقض أسباب الألفة وأسباب النفور، وعرضة لافتراق الهوى بين نفسين اثنين لا تزول الحواجز بينهما كل الزوال وإن أفرطا في المودة والوفاء، وعرضة لافتراق الهوى بين تينك النفسين وبين البيئة التي يعيشان فيها، وعرضة لافتراق الهوى من تقادم العهد وتبدل الإحساس وتجدد العلاقات التي يتعرض لها كل هؤلاء.
وإنما كان له هذا الشأن الأكبر بين العواطف الإنسانية؛ لأنه هو العاطفة التي تنفذ إلى جميع العواطف والتجربة التي تمتحن بها النفس في جميع طواياها، والشعور الذي تتأهب له بنيتان وطويتان بكل ما أودع فيهما من نوازع الجنس العريقة في أعمق جذور الحياة من الخلية الأولى إلى فطرة الإنسان.
ولا يقال إن امرءا عرف نفسه وسبر أغوار ضميره ما لم يسبرها في هذه العاطفة مرات؛ لأنها لا تتغلغل إلى أنحاء الضمير جميعا من نوبة واحدة ولا تزال لكل نوبة رسالتها التي تحملها إلى قرار في أغوار الضمير لم يكن بالمعروف ولا بالميسور، وقد تطلع المرء على أخس ما فيه كما تطلعه على أنبل ما فيه.
अज्ञात पृष्ठ