ولا وجه للمقابلة بينها، كما لا وجه للمقابلة بين كلام وكلام؛ لأنهما مركبان من حروف متشابهة، فحب هذا الإنسان لا يشبه حب ذاك الإنسان، وما يشاهد من محب في عنفوان هواه لا يلزم على وجه من الوجوه أن يشاهد من سائر المحبين.
إنما العنصر الذي لا تخلو منه عاطفة الحب بالغة ما بلغت ألوانه ودواعيه هو تميز شخصية بين سائر أفراد الجنسين؛ حيث لا يوجد رجل مميز بين الرجال وامرأة مميزة بين النساء فلا حب ولا علاقة ولكنها شهوة كشهوة الطعام يشبعها كل غذاء، ولذة كلذة الحس من متاع اللمس والسمع والرؤية ولو في جماد.
ولا يزال الأمر في حدود الاستحسان والروعة والرغبة في الحب حتى تمتاز بين أفراد الجنس شخصية لا تغني عنها شخصية أخرى، وإن شاركتها في مجمل صفاتها أو زادت عليها في محاسنها. فإذا امتازت هذه «الشخصية» فذلك هو الحب وذلك هو الغرام، وفي اسمه بالعربية شرح لأطواره وشروطه وأولها الألفة واللجاجة والعكوف.
وقد يولد الحب من النظرة الأولى.
ولكنه ينمو بعد ذلك - لا محالة - حتى يستوفي نموه بعد التمييز والألفة والافتنان في صور الخيال.
وإنما يولد الحب من نظرة واحدة إذا استولى بتلك النظرة على حاسة الجمال أو أثار الغريزة أو أذكى حمية الغيرة والشوق إلى الحيازة والاحتجان، ولكنه لا يكون أقوى الحب حتما؛ لأنه ولد على عجل أو جاش في النفوس قويا من نظرة واحدة، فربما أبطأ الحب وسرى في الضمير غير محسوس به ولا ملتفت إليه، ثم يشعر به المحب يوما، فإذا هو أقوى من كل حب تثيره المفاجأة وتعجل به النظرة الخاطفة.
ودأب الحب في ذلك كدأب الخوالج الإنسانية في أطوار السرعة والزوال، وأطوار الأناة والبقاء.
وقد يلتقي الرجل بالمرأة فيعرض عنها وينفر منها، ثم يلتقي بها في حالة غير تلك الحالة فيألفها ويتعشقها ويصمد على هواها؛ لأن المعول في هذه الحالات على الابتداء وتسلسل البواعث الأخرى، فإذا حسنت البداءة تبعتها البواعث التالية في نسق مقبول حتى تبلغ مداها.
ولو كان الحب شيئا واحدا لما اختلف وقعه بين نظرة ونظرة وبين مقابلة ومقابلة وبين الرجل في آونة من الزمن والرجل نفسه في غير تلك الآونة.
هو في عناصره كألوان الطيف الشمسي لا تنطبق على عدها أصابع اليدين، ولا تكفي أرقام الحساب كلها لإحصاء ما يتألف منها ويتفرع عليها من الظلال والشيات والأصباغ.
अज्ञात पृष्ठ