وتسارع أم إبتسام قائلة: إبتسام تحت أمره يا ست عيشة.
ويقول توفيق: أخاف أن يزعل أحمد أفندي علي.
وتقول عيشة: لا يريد بنته يا سي توفيق. وأنا ماذا بيدي؟ إنه رجل ولا أستطيع أن أخبره. ويفكر توفيق أفندي فلا يطيل التفكير إذ ما تلبث أم إبتسام أن تقول له: نميل بخت بنتنا يا سي توفيق. شرع الله عند غيرك.
ويقول توفيق أفندي: على بركة الله يا ست عيشة، مبروك، وتقول عيشة: مبروك عليكم إن شاء الله.
وبعد أيام قليلة تقصد عيشة إلى توفيق وتقول: العين بصيرة واليد قصيرة يا سي توفيق.
وما هي إلا أيام أخرى قليلة حتى يكون في يد عيشة ثلاثة أفدنة هذه المرة لا فدانان، وتتكرر الخطبة ويتكرر الفسخ، وعائشة سعيدة بتجارتها لاهية بعض الشيء عن رأس مال التجارة مجدي، حتى أصبحت لا تراه إلا ليفسخ خطبة أو يعلن خطبة. وهكذا تمتع مجدي بحريته وتعرف على أصدقاء، بل إنه تعرف على صديقات، وتطورت المعرفة والصداقة؛ فهو يدخل إلى أمه يوما ويجلس صامتا بعض الحين، وتسأله عيشة: ما لك يا مجدي؟ - لا شيء يا أمه. - أنت على غير عادتك. - أمه. - نعم. - لقد تزوجت. - ماذا؟! - بالأمس. - وتبهت عيشة ثم تقول: أهي غنية؟ - موظفة معي لا تملك إلا المرتب.
وتنظر إليه مليا، ثم لا تلبث أن تقول: الأمر لله، منه العوض وعليه العوض، حسبي الله ونعم الوكيل.
ملالة
ملالة تملأ وقتي، تملأ يومي وليلي، تملأ أمسي وغدي. أي جديد في هذه الحياة؟ وماذا في الجديد إذا جاء؟ كيف أزيل عن نفسي هذه الملالة؟ أحس طعمها في فمي كريها شائها، وأحسه يتمشى في دمائي رتيب الخطوة، رتيب النغمة. أغير ما أغير من حياتي، وأفعل ما أشاء أن أفعل، وما تشاء لي أفكاري، المحدودة التي لازمتني ولا أذكر متى، وأفعل ما يشاء لي عقلي، هذا الذي لا جدة فيه ولا طرافة، فإذا كل ما أفعله مكرر ولا يزيل عني الملالة، ولا ينشلني من وهدة الخمول، الذي يحيط بي إحاطة لا مخرج لي منها ولا مفر.
زوجتي في البيت، تزوجتها منذ عشرين عاما ونيف، وظللت أراها في كل يوم، في كل لحظة هي هي في الصباح والمساء، هي هي في الشباب والكهولة، ما تغير منها إلا الجمال الذي ولى، لتحل مكانه خطوط من السن، وتجاعيد من الكبر، وترهل من الحمل. جاءت بالبنين والبنات. لعلني فرحت بالولد الأول، ثم ماذا بعد ذلك، ملالة، ملالة، لم تلد زوجتي إلا الملالة والصراخ، ثم كبرت الملالة وكبر الصراخ فإذا هو مطالب، وطنين من الإلحاح. مطالب معقولة لا عيب فيها، إلا أنها مكررة لا جديد فيها ولا ابتكار، بل إنها تزيد ملالتي ملالة، وتزيد ضيقي ضيقا، فأنا من الملالة في بحرين.
अज्ञात पृष्ठ