نعم، ولولا مداورات هذا الهمام لنفذ.
أحدهما (مداعبا) :
وهل يداور الهمام؟ أراك تعلمت من أستاذك المداورات.
هو :
مداورة دفع الشر ليست بشر، ولا بد من أن نحارب الأعداء بسلاحهم، فالأخلاق ببواعثها تسمو وتنحط، والأمور بمقاصدها تعلو وتسفل، وإنما الأعمال بالنيات، فلا مندوحة لكما من تمثيل دور الجنون، ثم دور البرء منه بعد أن يخرج المشعوذ الشيطان.
ثم أخذ في تمرينهما على تمثيل هذين الدورين، يساعده الخادم الشهم، وقد أتقناهما بسرعة أعجب بها التلميذ، فهنأهما، وأكد لهما بأنهما جديران بأن تعقد عليهما الآمال.
الثاني :
ولكن هل يخدع الأستاذ المشعوذ بهذا التمثيل، على علو كعبه في العلم والتفكير، على ما فهمنا منك؟
هو :
قد يتمرس المرء بالخداع، وتتلبس به نفسه لدرجة يلتبس عليه بها الأمر، فينخدع هو نفسه، ولا سيما إذا مس الانخداع غرورا في النفس، أو جشعا في القلب، أو طمعا يعلق به آماله، ألا ترى من يخدع الناس بالدعاوة للطغاة ينتهي بأن ينخدع هو نفسه بهم؟ ألم يصنع الإنسان الوثن من حجر أو خشب أو تمر بيديه، ثم أخذ يعبده مع العابدين؟ ألا نزال نحن نعبد أوثانا نكونها نحن، ثم ننخطف إليها انخطاف المتصوفين؟! لا يزال الناس غافلين، وعلينا أن نعي أولا، ثم نعيد الناس لوعيهم، فيجدون أنفسهم، فتستمر تقدمية الحياة.
अज्ञात पृष्ठ