ولم يسر الساحر بضع خطوات حتى هرع إليه تلميذه، وقد كان في القاعة يؤانس الزائرين، وأسر في أذنه أن بعضا من رجال الدولة ومن الوجهاء والحكام أتوا للسلام عليه، وهم في انتظاره منذ وقت طويل، فابتسم الساحر ابتسامة خبيثة ماكرة وخاطب تلميذه بقوله: أي منذ شرفني جلالة الملك بالخلوة معه، أيوه، إن هؤلاء هم الشمامون، فاستغرب التلميذ الكلمة، وسأله: ما معنى كلمة «الشمامون»؟ وردت في كلامه، فابتسم الساحر وقال: سأعلمك عن معناها في جلسة السهرة، أما الآن فقل لهم: إن الأستاذ قد دخل غرفته ليؤدي صلاة الشكر لله تعالى، ثم يعود إليكم. وانتبه لكل ما يقول هؤلاء لتنبئني خبرهم بالتفصيل، فإنك ستشاهد العجب العجاب، فلا تعلق أنت على كلامهم بشيء مطلقا.
عاد التلميذ إلى مقعده في القاعة، وأبلغ من كان من رجال الدولة ووجهاء العاصمة وحكام المملكة بأن الأستاذ سيجتمع بهم بعد أن يؤدي صلاة الشكر لربه، فما سمع هؤلاء هذه العبارة، حتى اهتز المجلس وجدا وإعجابا، وقالوا بصوت واحد: الله الله! نفعنا الله ببركته، ومتعنا بطول حياته، ثم استولت على المجلس لحظات صمت وقور قطعه أحدهم ويظهر أنه كان أعظمهم مكانة بقوله: إن رجال الله يشغلون بربهم فلا يقدمون على عبادته أي عمل، فأكد آخر بأنهم مشغولون بالله عن الناس، فثبت من بجانبه هذا الرأي بقوله: إنهم أحباب الله يا أخي، وهل يشغل قلب الحبيب بسوى حبيبه؟ فإذا في آخر القاعة رجل يتواجد فيهتز طربا ذات اليمين وذات الشمال ويردد ما عناه الشاعر بقوله:
ما أحسن الدين والدنيا إذا اجتمعا
وأقبح الكفر والإفلاس بالرجل
ولكن الجالس في الزاوية المقابلة رد عليه بقوله: ما لك وللدنيا الآن؟ فهل لرجال الله بها أي مأرب؟ إن أستاذنا الجليل أعظم من أن يفكر فيها، أو أن يخدع بسراب مظاهرها، فوالله لولا وجود هؤلاء ينصرفون لعبادة الله أمثال أستاذنا الجليل لما رزقنا الله في هذه الحياة، فنحن إنما نرزق ببركتهم. نعم نعم، أحسنت والله يا أخي. بهذا عبر الجار عن استحسانه لقول جاره وهو يهز رأسه هزات متزنة متوالية إشارة للتصديق على كل ما قيل مع الإعجاب الشديد، فانبرى لهم رجل كان يتصدر القاعة بجانب ذاك الذي افتتح الحديث، وأخذ يتكلم بصوت أجش عريض، ودون أن يفارقه سمت الوقار قال: إن أهل التقى والورع هم السعداء وحدهم، وإنما يسعد غيرهم بتقربه إليهم، فوجود أستاذنا الجليل التقي الورع القديس في هذه العاصمة سيكون، ولا شك مصدر سعادة للجميع.
وهنا تطور أحد الحاضرين تطورا صوفيا، فأخذه الحال وأنشد يقول بعد تنهد عميق، وكأنه في حالة الغيبوبة ما معناه:
لي سادة من عزهم
أقدامهم فوق الجباه
إن لم أكن منهم فلي
في حبهم عز وجاه
अज्ञात पृष्ठ