جعل منهم ومن الغوركها أحسن الجنود في الجيش الإنجليزي، ومن وقفوا أنفسهم منهم على أمور الزراعة فأكثر الهنود صبرا وعملا، وتقع جميع أراضي وادي السند الصالحة للزراعة بأيديهم، وفيهم يتجلى أرقى زمر الهند الزراعية.
ومن الجات أناس كثيرون حبسوا أنفسهم على التجارة فيمارسونها ببراعة، ويعرف هؤلاء التجار بالملتانيين، نسبة إلى مدينة ملتان التجارية الواقعة بين البنجاب والسند، وليس هؤلاء بمعروفين في الهند وحدها، بل اشتهروا في جميع مدن آسيا الوسطى؛ حيث يسيحون للتجارة على مقياس واسع، ولإذاعة أهم الأخبار وإشاعة أنباء الحرب.
وفي الهند، في البنجاب كما في ضفاف الغنج وفي الدكن، ترى الصيارفة والمرابين والماليين من المارواريين، أي من جات ماروار الواقعة في جنوب البنجاب والتي هي جزء من راجبوتانا، وكلمة «المارواري» في الهند مترادفة هي وكلمة «اليهودي» في البلدان الأخرى، فهؤلاء المرابون الذين يدينون لآجال مختلفة يغتنون على حساب فقراء الهندوس المرهقين بضروب الضرائب، فترى الناس يخشون أولئك ويحقدون عليهم في كل مكان، ولا أجد، لوصفهم، أحسن من أن أقتطف بضع جمل من كتاب طريف دبجه حديثا يراع أحد هندوسي برودة السيد ملباري عن أهالي كجرات، ففي كجرات كما في جميع أقسام الهند يظهر المارواري بمظهر صاحب الأمر والنهي، فإذا ما أثرى تزوج وعاد إلى مسقط رأسه ليقضي فيه بقية حياته. قال السيد ملباري:
لا يقوم المارواري بعمل لا يدر عليه ربحا مائة في المائة، ويحب المارواري الإدانة لآجال بعيدة، والمارواري يدين ويدين إلى أن يصبح المدين قبضته، فإذا ما أفلس هذا المدين حمله على السرقة، فبذلك يحط المارواري ضحاياه كما يخرب بيوتهم، وليس نصف عواهر بمبي إلا من أخوات هؤلاء الضحايا وأزواجهم اللائي عرفن المارواري فاشترين منه بضعة أرطال من السكر لآجال، فأسفر ذلك عن سقوطهن خلقا وخلقا، والمارواري، مع كونه من أتباع وشنو، لا يحترم آلهته، ويفضل دينارا حاملا صورة الملكة على أكثر هذه الآلهة حرمة.
ولا يتعاطى جميع الجات الزراعة والتجارة والمراباة، فبعض الجات ظل من شباه البرابرة والبدويين، ومن الممكن أن يلصق بالجات زراع البنجاب وتجارهم المعروفون ببنجار الهند الذين هم إخوان النور بأوروبا كما يظهر، ويزاول أولئك ما يزاول نور أوروبا من المهن، ويتصفون مثلهم بالجمال الفطري، ويتجولون من بلد إلى بلد ومن كوخ إلى كوخ وينزلون، إذا ما حلوا بمكان، في عرباتهم، ويعرضون للبيع صغير المتاع، ويغنون ويرقصون، ويقصون الأقاصيص. (5) سكان الهند وراجبوتانا
إذا ما نزل المرء من البنجاب إلى مجرى السند بلغ السند حيث يكثر الجات والمسلمون والسك والجينيون، ويتألف عنصر السكان الآخر الأساسي من البلوجيين الذين هم شعب جبلي مشابه للشعب المقيم ببلوجستان المجاورة للسند، فالبلوجيون هؤلاء من المسلمين السنيين، ويقسمون إلى عدة قبائل، فإحدى هذه القبائل تدعي بأنها من العرب ويتجلى فيها المثال السامي، وقبيلة أخرى منها لا يندر وجود ذوي شعور شقر فيها، وقبيلة ثالثة منها تعد نتيجة توالد أناس من البلوجيين والجات.
وتتكلم الشعوب التي تسكن وادي السند، على العموم، بلغات من أصل سنسكرتي، وأهم هذه اللغات هي: البنجابية والسندية والماروارية، فلا تجد فروقا كبيرة بينها.
وراجبوتانا هي القطر الواسع الممتد من السند إلى مداخل أغرا ومن جنوب البنجاب إلى ممالك مراتها الممتدة من برودة إلى غواليار، وتشتمل صحراء تهار الكبرى على النصف الغربي من راجبوتانا حيث تغدو وتروح قبائل من شباه الوحوش، ويشق النصف الشرقي من راجبوتانا عدة مجار تنبسط بين أوديتها هضاب وتقوم عليها جبال، وسلسلة آراولي هي أهم هذه الجبال، ومن جنوب سلسلة آراولي هذه ينفصل إلى الجنوب الغربي شاهق آبو الجليل.
وما في راجبوتانا من شذوذ أرض، كالذي ذكرنا، حال دون امتزاج عروقها مثلما وقع في وادي الغنج ووادي السند المبسوطين، فقد ظلت هذه العروق مختلفة اختلاف الأودية والهضاب والجبال، ففي ضفاف الأنهر تتجمع أكواخ الجات التورانيين والزراع، وعلى الهضاب تقوم صياصي
28
अज्ञात पृष्ठ