التسامح الذي يرى معه أن في كثرة المذاهب الدينية سير البشرية إلى الكمال المطلق فيوجب احترامها جميعها.
كانت الحيوانات محل احترام في المجتمع البرهمي؛ لتجلي الروح العليا فيها بعض التجلي أيضا، ولأنها صور لآدميين تقمصوا فيها، في الغالب، بسبب آثامهم، بيد أنه كان لا يرى كبير حرج في قتلها، فكان الصيد من وسائل تسلية الملوك والأكشترية، ثم وضع أشوكا حدا لذلك فجاء في مرسوم له ما يأتي:
أجل، إن مئات الحيوانات تذبح في كل يوم لأغراض محمودة وإن من الجائز ذبحها لغاية مفيدة، ولكن تبين النية والغاية إذ يبدو صعبا فإن من الخير أن يكف عن ذبحها، ومن ثم يجب ألا يذبح حيوان فيما بعد.
واتخذت وسائل لبلوغ رفاهية الحيوانات والآدميين، فجاء في تلك المراسيم:
ستنقل الأعشاب والأشجار المثمرة التي تفيد الناس والحيوانات وتزرع في الأماكن التي لا تكثر فيها، وستحفر الآبار وتغرس الأشجار في الطرق العامة؛ ليستفيد منها الناس والحيوانات.
وفي البرهمية الأولى نص على أن الناس يولدون مرتين، والطوائف الثلاث الأولى وحدها هي التي كانت تدعى للتمتع بنعم الدين وسماع المواعظ، فكان يصب في أذني الشودري الذي يستمع إلى وعظ برهمي أو إلى قراءة الكتب المقدسة زيت حار، فإليك ما قاله أشوكا في ذلك:
سيعظ الواعظون البراهمة المحاربين والسائلين والمحرومين وغيرهم من غير عائق، ليدخلوا السرور إلى من يريد ويحلوا وثاق من هو موثق ويحرروا كل أسير، وسيحمل الواعظون جوامع الكلم ومبادئ البر إلى إخواني وأخواتي، ويشدوا أزر كل تقي، وينقذوا كل شقي في أرجاء دولتي.
وفي مراسيم أشوكا أروع مبادئ التسامح، فقد جاء فيها:
يقوم أصل مذهبنا وجوهره على أن تتبع دينك ولا تسب دين غيرك أو تحط من قدره، وأن تحترم الأمور الدينية مع ما بين العقائد من الاختلاف؛ لما في ذلك من زيادة إيمانك ونمو يقين غيرك، ففي كل دين نواح طيبة يحسن التمسك بها، ولا شيء، عند الآلهة المحبوبة، يعدل زيادة الإيمان ونمو الكمال الذي هو هدف جميع الأديان.
ولم تبق البدهية، على ما يظهر، دين الدولة زمنا طويلا كما كانت في عهد أشوكا، فلم يكد قرن واحد يمضي على وفاة هذا الملك حتى رجع بعض خلفه إلى البرهمية، وظلت البدهية، مع ذلك، دين الشعب المسيطر في ستة قرون أو سبعة قرون، فكانت زاهرة حينما ساح الحاج الصيني فاهيان في الهند من سنة 399 إلى سنة 414 بعد الميلاد، ثم زار الحاج الصيني هيوين سانغ الهند بعد ذلك التاريخ بقرنين فأبصر الانحطاط الذي آلت إليه البدهية، وشاهد في كل مكان هجر الناس لمعابدها وأديارها وتداعي هذه المباني، فلما انقضى ألف سنة على عهد أشوكا كانت البرهمية قاهرة للبدهية نهائيا، وكانت البدهية غائبة، كديانة، عن الهند، ولم تكن البدهية لتأفل كمبدأ أدبي، فلا تزال ذات نفوذ إلى أيامنا، وهي التي أوجبت ظهور البرهمية الجديدة التي هي ديانة الهندوس الحاضرة فندرسها في الفصل الآتي.
अज्ञात पृष्ठ