الحضارة الآرية، فذكرها بطليموس سنة 140 بعد الميلاد باسم قنوجيا، وكانت المملكة التي اتخذتها عاصمة لها في زمن هيوين سانغ تمتد من كشمير إلى آسام ومن نيبال إلى نربدا.
وتقع قنوج في غرب أغرا، وتبعد من نهر الغنج بضع كيلو مترات، وأجمعت الأنباء على مدح جلالها، وأعجب السلطان محمود الغزنوي بها أيما إعجاب وقتما هجم عليها سنة 1016 من الميلاد فرآها حينما دنا منها، على رواية فرشتة، «مدينة تناطح السماء بحصونها ومبانيها جديرة بأن تفتخر بأنها لا نظير لها.»
ولم يبق من هذه العاصمة القديمة التي كان طولها خمس كيلو مترات، على قول هيوين سانغ، حجر ينبئنا بتاريخها، وبلغ خراب مبانيها التي كانت قائمة قبل الغزو الإسلامي مبلغا لم يقدر كننغهم معه أن يجد طللا منها على ما قام به من بحث واستقصاء، وكل ما استطاع كننغهم أن يلاحظه من قديم في مدينة قنوج القديمة هو كتابة يرجع تاريخها إلى سنة 1136 ميلادية، أي إلى ما بعد الفتح الإسلامي بزمن طويل، وما تراه فيها من المباني فجميعه أقيم في العصر الإسلامي وإن بني بعضه من أنقاض المباني الهندوسية القديمة.
وقنوج هي من كبريات العواصم القديمة التي لا نعرف تاريخها إلا من بعض الروايات المبهمة وبعض الكتابات، ولا يجوز أن يعزى إلى خيال الأدباء وحده ما وصفت به عظمة هذه العواصم بعد أن شاهدنا بقايا بعضها الذي نجا من التخريب كمدينة كهجورا مثلا.
كانت قنوج وكهجورا ومهوبا وغيرها من المدن المشهورة، التي لم يبق منها سوى الاسم أو الأطلال، عواصم لدول قوية، وأشهر هذه العواصم ما كان يملكها ملوك من العرق الراجبوتي الذي لا نزال نرى منه أسرا مالكة فحافظ على نظمه وعاداته إن لم يصن استقلاله، ومن المحزن أن بدأنا نعلم تاريخ الراجبوت بعد أن أخذوا يتصادمون هم والمسلمون ، أجل، استطاع المسلمون أن يخربوا عواصمهم وأن يدحروهم إلى مناطق راجبوتانا الجبلية الوعرة، غير أنهم لم يخضعوا لهم إلا ظاهرا.
ذلك العصر الذي دام من زمن خلفاء أشوكا إلى زمن النهضة البرهمية فإلى المغازي الإسلامية هو، إذن، كالعصر الذي جاء قبله غموضا، فلولا ما بقي من مبانيه لجهلنا أمره تقريبا. (4) العصر البرهمي الجديد
ليس لدينا وثائق تاريخية عن عصر النهضة البرهمية أو العصر البرهمي الجديد، فالنقود والمباني هي المصادر الوحيدة التي يرجع إليها في تنوره.
ومن المحتمل أن شرع نفوذ البرهمية القديمة، الذي لم يغب تماما، يبدو أيام آل كبتا الذين بسطوا سلطانهم على شمال الهند في القرن الخامس من الميلاد، ففي نقود ملوك قنوج ودهلي ومهوبا ذكر للعودة إلى المعتقدات القديمة، وفي القرن الخامس والقرن السادس لم ينفك نجم البدهية عن الأفول، فلما حل القرن السادس ندر شيد مبان بدهية، ولما حل القرن الثامن غابت البدهية عن الوجود تقريبا، وسندرس في فصل آت سر هذا الغياب مستندين في ذلك إلى المباحث التي قمنا بها في الهند.
وأخذ يظهر مذهب جديد اسمه الجينية حينما بدأ ذلك الماضي المظلم ينجلي، ولكن معظم الهند قد شطر بين ديانة وشنو وديانة شيوا، ولم يعد حد النظر محافظة البرهمية الجديدة على الآلهة القديمة، فما بين هذه الديانة الجديدة والديانة القديمة من فرق عظيم جدا؛ فالبرهمية الجديدة هي، بالحقيقة، مزيج من قديم المذاهب الويدية والمعتقدات البدهية ومختلف الخرافات الأجنبية.
ولم يقطع عصر البرهمية الجديدة التي خلفت البدهية في الهند في القرن السابع أو القرن الثامن من الميلاد بفعل الغزوات الإسلامية، فالهند، وإن خضعت لأتباع النبي وكثير من الهندوس وإن رضوا بالإسلام دينا كما يدل عليه وجود خمسين مليون مسلم في الهند، حافظ معظم أهاليها على دينهم القديم، ولا يزالون يزاولون شعائره حتى الآن. (5) العصر الإسلامي
अज्ञात पृष्ठ