وما كان من انقسام منطقة البنجاب إلى عدة دويلات مستقلة متنافسة يسر للإسكندر بدء فتحه للهند، والإسكندر حضر إلى الهند على رأس جيش مؤلف من 120000 مقاتل، وكانت نواة هذا الجيش من الإغريق وسياجه من الفرس، وكان لديه أدلاء من الهنود، وكان على اتفاق مع رؤساء لسكان البلاد الأصليين ولا سيما مع ملك تاكشيلا الواقعة بين نهر السند ونهر جهيلم الذي كان يعرف بنهر هيداسبس.
زحف الإسكندر من بقطريان إلى مدينة كابل ثم سار إلى الهند فعبر نهر السند فاعترض له بورس ملك ما بين هيداسبس وجناب فهزم هذا الملك، ثم حالفه تاركا له مملكته؛ فخضع له إذ ذاك عدة ملوك ولا سيما ملك كشمير.
ثم زحف الإسكندر بعد عدة وقائع ضد رؤساء من الأهالي إلى نهر هيفاس «المعروف اليوم بنهر بياس»، فلم يوافقه جيشه على السير إلى ما وراءه، فأقام على ضفافه اثني عشر هيكلا تذكاريا؛ لتكون علائم على نهاية الغزو، فلما عاد إلى ضفاف هيداسبس أنشأ أسطولا فنزل به إلى حيث يصب في نهر السند، ولم يفتأ الإسكندر يحارب إلى وصل إلى بتيالة الواقعة على مصب نهر السند فأرسل أسطوله إلى الخليج الفارسي بقيادة نيارك وسار على الشاطئ، ثم قسم جيشه إلى فيلقين فأعاد أحدهما من طريق كرمان إلى بلاد فارس بقيادة كراتر ورجع بالآخر من طريق جدروزيا «السند»، ثم وصل ذلك الأسطول إلى الخليج الفارسي، وتلاقى الإسكندر وكراتر فأقيمت الأعياد ابتهاجا بالعودة من الغزو.
ولو نظرنا إلى غزوة الإسكندر من ناحية الفتح لقلنا إنها غير ذات نتائج لتلاشي الحاميات الإغريقية التي تركها في الهند في بضع سنين، بيد أنه كان لتلك الحملة نتائج طيبة لوصلها أوروبا بالهند لأول مرة.
اغتنم الملك الهندوسي جندر غبتا «المعروف لدى الإغريق بساندرو كوطوس» فرصة رجوع الإسكندر، وكان ابنا لأحد زعماء البنجاب الذين شتت الإسكندر شملهم، فوسع رقعة مملكته في شمال الهند بالتدريج، منكلا بالحاميات الإغريقية جاعلا باتلي بوترا «بتنة الجديدة» عاصمة لمملكة مغدها، ولم يلبث أن ذاع صيته فأرسل نيكاتور السلوقي، الذي ملك بعد وفاة الإسكندر سورية وبلاد بابل والولايات الواقعة بين نهر الفرات ونهر السند، حوالي سنة 300 قبل الميلاد، سفيرا إلى بلاطه اسمه ميغاستين، فأقام هذا السفير الإغريقي زمنا طويلا بباتلي بوترا، فمن القصة التي ألفها هذا السفير فانتهى إلينا جزء منها اطلعنا، لأول مرة، اطلاعا صحيحا على طبائع الهندوس وعاداتهم في ذلك الزمن.
ولم تقتصر علاقات الإغريق بالهندوس على غزوة الإسكندر ولا على سفارة ميغاستين، فاليوم نعلم، مع سكوت المؤرخين، وذلك من النقود وبقايا المباني التي انتهت إلينا، أن خلفاء الدولة الإغريقية البقطريانية التي أقامها نيكاتور السلوقي فتحوا البنجاب وشادوا عدة ممالك ووصلوا إلى مترا، وأن أفاقا اسمه ميناندر أسس سنة 126 قبل الميلاد مملكة بين نهر جمنة ومصب نهر نربدا.
والنقوش والنصمات
2
والنقود هي كل ما انتهى إلينا من تلك الممالك الإغريقية في الهند، فمنها نعلم أن هذه الممالك زالت أمام مغازي الشيث حوالي الميلاد، وأن هذه المغازي بدأت في القرن الذي جاء قبل الميلاد، وأن الشيث استولوا على شمال الهند الغربي فأقاموا مملكة اشتملت على بقطريان وضفاف السند والبنجاب وقسم من راجبوتانا، وأن أجل هذه المملكة كان قصيرا ما احتمل طرد الشيث من الهند في أوائل القرن الأول من الميلاد.
ولندع جانبا هذا الجزء الغامض من تاريخ الهند الذي بعثته المباحث الحديثة ولنأت إلى جندر غبتا وخلفائه.
अज्ञात पृष्ठ