وإذا عدوت ذلك التقسيم الأساسي وجدت أن الفارق العملي الوحيد الذي بين العرب المولدين هو ما يقوم على البحث في سكان كل قطر يسكنه العرب، وهذا ما نفعله حينما نصف بالتتابع عرب جزيرة العرب وسورية ومصر وإفريقية والصين، وصفات هؤلاء النفسية، لا صفاتهم الجثمانية، هي أكثر ما نبحث فيه، مع أن نشر صورنا الفوتوغرافية أنفع في تمثل هذه الأمثلة من أي بيان مفصل كان. (5-1) عرب جزيرة العرب
عرب البقاع الوسطى من جزيرة العرب، ولا سيما الأعراب، هم، مع اختلاطهم بأناس من الزنوج، أكثر العرب مشابهة لأجدادهم الأقدمين، وهم الذين سنبدأ بالبحث فيهم.
ويتألف من الأعراب، الذين يظن الكثيرون أن جزيرة العرب لا تشتمل على غيرهم، عرق جليف بعيد من التمدن عاطل من أي تاريخ كان، ونحن إذا ما استثنينا الدين نرى أنه لم يتبدل فيهم شيء منذ ألوف السنين، وعلى من يود أن يعرف ما كانوا عليه منذ ثلاثة آلاف سنة أن ينظر إلى حاضرهم، وهم الذين لم يطرأ على ما وصفهم به هيرودتس أو التوراة شيء، وهم الذين قدر عليهم ألا يتحولوا، وإذا كان من فضل البقاع الخصبة، كاليمن، أن تنشئ أهل حضر، فإن رمال الصحراء القاحلة لا تصلح لغير الأعراب.
شكل 2-5: عرب من مصر العليا (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف بالقرب من طيبة).
وسكان البدو من العرب مقسمون، في كل زمن، إلى قبائل صغيرة تخضع كل واحدة منها لشيخ أو أمير، ويقتصر سلطان هذا الشيخ أو الأمير، تقريبا، على قيادة المحاربين في الغزوات، وتقسيم الغنائم، والصدارة في بعض الحفلات.
والغزو وتربية الحيوانات هما كل ما يعتني به الأعراب، ولا نهاية لما يشتعل بين القبائل العربية من الحروب لأتفه الأسباب، ما عملت بمبدأ الثأر والقصاص الإسرائيلي القائل: إن العين بالعين والسن بالسن والنفس بالنفس، وما تبع كل حادث قتل يقع بينها حادث قتل مثله انتقاما، ولا ترضى القبيلتان العربيتان المتعاديتان بالدية بدلا من القصاص إلا بعد أن ينهكهما الجهد ويعتريهما الوهن.
وتنشأ عيوب أهل البدو من العرب ومحاسنهم عن طراز حياتهم، قال هيردر:
لا يزال الأعراب محافظين على طبائع أسلافهم البدوية، وهم، على ما في الأضداد من غرابة، يتصفون بسفك الدماء وحقنها، وباعتقاد الخرافات وردها، وبالإيمان والإلحاد، وهم، على ما يظهر، ذوو فتوة خالدة يقدرون بها على القيام بجليل الأعمال عندما يؤمنون بمبدأ جديد، وهم أحرار كرام شم الأنوف غضاب مقاديم، يجمعون في مثالهم بين الفضائل والمساوئ الخاصة بقومهم.
والأعرابي نشيط، ويعود نشاطه إلى وجوب كسب عيشه بنفسه، وهو صبور، ويرجع صبره إلى ما لا محيص عنه من احتمال الآلام والمحن، وهو محب للحرية، والحرية هي الأمر الوحيد الذي اتفق له أن يتمتع به، وهو محارب، ويحارب حاقدا كل من يحاول استعباده، وهو قاس على نفسه صارم ولوع بالانتقام في الغالب.
ونرى الأعراب متماثلين في أمور العز والشرف؛ لتماثل أحوالهم ومشاعرهم، ويقوم فخرهم على السيف والقرى والبلاغة، فبحد السيف يصونون حقوقهم، وبالقرى يتجلى كرم أخلاقهم، وبالبلاغة يحسمون ما لا يقدر عليه السلاح من الخصام.
अज्ञात पृष्ठ