إلى آخرها محفورة بالذهب في الزجاج، ورأيت جوهرة حمراء ملصقة في القاف التي في قوله تعالى:
حتى زرتم المقابر ، فسألت عن ذلك، فقيل لي إنه كانت للوليد بنت، وكانت هذه الجوهرة لها، فماتت فأمرت أمها أن تدفن هذه الجوهرة معها في قبرها، فأمر الوليد بها فصيرت في قاف المقابر من
ألهاكم التكاثر * حتى زرتم المقابر ، ثم حلف لأمها أنه قد أودعها المقابر فسكتت.
وكان في المسجد أئمة ومدرسون، وقراء يقرءون بالأصوات الحسنة، وجماعة من المعلمين يلقنون الصبيان القرآن، ومعلمون للخط.
وقد وصف بعض أهالي دمشق ذلك المسجد فقال: «جامع المحاسن، كامل الغرائب، معدود من إحدى العجائب، قد زور بعض فرشه بالرخام، وألف على أحسن تركيب ونظام، وفوق ذلك فص أقداره متفقة وصنعته مؤتلفة، بساطه يكاد يقطر ذهبا ويشتعل لهبا، وهو منزه عن صور الحيوان إلى صنوف النبات وفنون الأغصان، لكنها لا تجنى إلا بالأبصار، ولا يدخل عليها الفساد كما يدخل على الأشجار والثمار، بل باقية على طول الزمان، مدركة بالعيان في كل أوان، لا يمسها عطش مع فقدان القطر، ولا يعتريها ذبول مع تصاريف الدهر.»
فقد كان مسجد دمشق من أعجب ما صنع في الدنيا، حتى قال بعض السلف: «ما ينبغي لأحد أن يكون أشد شوقا إلى الجنة من أهل دمشق؛ لما يرونه من حسن مسجدهم.»
وهذا مما يدل على سرعة إيغال العرب في الحضارة حتى بذوا فيها أهل عصرهم سرعة لم يعهد لها نظير في تواريخ الأمم المتحضرة.
ولم يزل ذلك المسجد على تلك الصورة التي تملأ العين حسنا وبهاء إلى أن أشعلت فيه النيران سنة 461ه؛ فأذهبت بعض بهجته.
ومما يروى أن عمر بن عبد العزيز لما ولي ملك بني أمية قال: «إني أرى في أموال مسجد دمشق كثرة أنفقت في غير حقها، فلو استدركت ما أنا مستدرك منها فيرد إلى بيت المال، لكنت أنزع هذا الرخام والفسيفساء، وأنزع هذه السلاسل وأصير بدلها حبالا.» فاشتد ذلك على أهل دمشق، فأبلغوه إعظام الروم لهذا المسجد، فترك ما هم به.
هذا ما كان عليه مسجد دمشق، وتلك حاله، غير أن الذي يؤسفنا ويؤلمنا أن هذه الصفات البديعة لا يوجد منها الآن شيء مذكور، اللهم إلا ما كان من آثارها التي تدل عليها.
अज्ञात पृष्ठ