إن فوز الفرس كان مقدمة لأمر أكبر خطرا وأعظم شأنا، وأعني به ثورة البلاد الجنوبية على الديانة النصرانية، وهي ثورة أضاعت على الروم تسعة أعشار أملاكهم الجغرافية في آسيا وأفريقيا وجزء من أوروبا كما قلنا.
فقد كان النزاع الديني بلغ منتهاه بين القسطنطينية ورومية من جهة، وبين صفرونيوس بطريرك أورشليم من جهة أخرى، وصفرونيوس هذا هو الذي سلم بيت المقدس إلى عمر بن الخطاب فيما بعد، وفي ذلك الوقت كان قد ظهر النبي الأمي ودعا العرب إلى توحيد الله، وجاءهم بالإسلام والقرآن، فدانوا له واتبعوا ملته، ثم ذهب إلى الرفيق الأعلى بعد أن أكمل الله للمسلمين دينهم، وأتم عليهم نعمته، ورضي لهم الإسلام دينا، ذلك هو الدين الذي يدين به ثلث أهل الأرض.
ولسنا في مقام شرح الإسلام وأصوله الحكمية وقواعده الفلسفية؛ فإن ذلك مما لا يدخل ضمن دائرة البحث في هذا الدرس، وإنما نقول إن الوسائل قد تمهدت لقيامه للأسباب التي أشرنا إلى بعضها، وهي دينية، ولأسباب تدعونا الحاجة إلى الإلمام بها بطريق الإيجاز.
دولة الروم
إن هذه الدولة قد اضطربت أمورها قبيل ظهور الإسلام، وظهرت فيها أمراض اجتماعية بسبب الاختلاف الذي بلغ منتهاه بين ذوي السلطة فيها، سواء كان من جهة الدين، أو من جهة السياسية والعمران، وقد شاعت عند ظهور الإسلام نبوة غريبة تداولتها الألسن في كل مكان، وهي أن دولة الروم ستسقط على يد الأمم المختونة؛ فاضطهد هرقل اليهود اضطهادا شديدا وأبادهم جميعا، حتى لم يبق في ممالك الروم بمصر والشام منهم إلا من فر واختفى، وقد نجا جماعة منهم بالهرب إلى بلاد العرب؛ لأنهم كانوا ساعدوا الفرس على النكاية بالنصارى.
ولقد أشرنا في تضاعيف هذا البيان إلى ما وصلت إليه الشامات والعراق وآسيا الصغرى في عهد الدولة الرومية عند ظهور الإسلام من الفوضى بسبب الاختلافات الدينية والاضطرابات السياسية، وأما شمال أفريقيا فقد نازلها القوط
Goths
بعد أن جازوا بحر الزقاق، المعروف الآن ببوغاز جبل طارق، في سنة 620 للميلاد؛ أي قبل الهجرة النبوية بثلاث سنين، وتملك القومس (الكونت) يليان
Julien
بلاد سبتا، وهو الذي مهد للمسلمين فتح الأندلس، وبعد ذلك بقليل استقل بملك سبيطلة من أعمال تونس الآن - واسمها الإفرنكي القديم
अज्ञात पृष्ठ