Glimpses from the Wonders of Our Civilization
مقتطفات من كتاب من روائع حضارتنا
प्रकाशक
دار الوراق للنشر والتوزيع،بيروت
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
प्रकाशक स्थान
المكتب الإسلامي
शैलियों
ـ[مقتطفات من كتاب من روائع حضارتنا]ـ
المؤلف: مصطفى بن حسني السباعي (المتوفى: ١٣٨٤هـ)
الناشر: دار الوراق للنشر والتوزيع، بيروت، المكتب الإسلامي
الطبعة: الأولى، ١٤٢٠ هـ - ١٩٩٩ م
عدد الأجزاء: ١
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
_________
(تنبيه): هذا الكتاب الإلكتروني هو مقتطفات من المطبوع وليس المطبوع نفسه
بسم الله الرحمن الرحيم (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ). آل عمران - ١١٠ توحيد المفاهيم العمل الطلابي العمل الطلابي عمل رائد، يمثل ذروة الوعي بقضايا الأمة، وطليعة كل تحرك إيجابي لمصلحتها .. ولذا وجب العناية به وتسديده وإرشاده. وكما هو الحال دائما، فإن العمل الصحيح ينطلق من مفاهيم قويمة وأفكار ناضجة، تهدي العاملين إلى الطريق الصحيح وتقوم أي إعوجاج وتجبر كل تقصير .. غير أن الامتداد الكبير للعمل الطلابي عبر الزمان والمكان، وانتشار كوادره في أرجاء الدنيا وفي أجيال متتابعة، بالإضافة إلى صعوبة التواصل بين الكوادر العاملة في العمل الطلابي .. هذا الامتداد الواسع والصلات الصعبة أتاح الفرصة لتباين الآراء واختلاف المصطلحات وتنوع المفاهيم، بحيث أصبحت هذه الظاهرة خطرا حقيقيا يحيق بالعمل الطلابي على مستوى العالم. وحتى لا يترك هذا العمل الهام لاجتهادات محلية قد تصيب وقد تخطئ، أو لتجارب مبتسرة قد تعبر عن كامل الصورة وقد تقصر .. وحتى لا تخضع المفاهيم الأساسية في العمل لتفسيرات متباينة، فينشأ الخلاف وتتسع رقعته .. حتى لا يحدث ذلك كله، كان لا بد من العمل على توحيد المفاهيم الأساسية بين العاملين .. والاتفاق على تعريفات واضحة لما يطلق من كلمات ومصطلحات وأقوال، قد يفهمها الجميع بشكل متباين، حسب الثقافات والمجتمعات والبيئات المختلفة. سلسلة توحيد المفاهيم وعليه فقد بادر اتحاد المنظمات الطلابية إلى إصدار سلسلة من الكتب تحت مسمى (سلسلة توحيد المفاهيم)، وتم تقسيم المفاهيم المراد توحيدها بين العاملين في المجال الطلابي إلى أربع مجموعات يتضمن كل منها عددًا من المفاهيم. أولا- المفاهيم الدعوية ١ - بين الحق والباطل - عبد الكريم زيدان. وهو بحث في سنة الله الكونية في التدافع بين الحق والباطل وكيفية تسخير هذه السنة لصالح العمل. ٢ - الشورى ودورها في إصلاح الفرد والمجتمع. ٣ - العمل الجماعي (أهميته ومشروعيته). ٤ - بشائر النصر. ٥ - فقه الأولويات في ضوء القرآن والسنة - د. يوسف القرضاوي. ٦ - من روائع حضارتنا - د. مصطفى السباعي. ٧ - الإسلام ... والتعامل مع الآخر. ثانيا- المفاهيم التربوية ٨ - جدد حياتك - محمد الغزالي. ٩ - آداب السلوك في الإسلام. ثالثا- المفاهيم الإدارية ١٠ - إدارة الوقت. رابعا- المفاهيم السياسية ١١ - القدس والتحدي الحضاري. ١٢ - ماذا بعد أحداث سبتمبر؟ ١٣ - كيف تواجه الأمة المسلمة التحدي الصهيوني؟ مقدمة الكتاب ضمن سلسلة توحيد المفاهيم الدعوية والتربوية والإدارية والسياسية، التي نقدمها للشباب والطلاب في أنحاء العالم، نقدم اليوم كتاب من روائع حضارتنا للأستاذ الدكتور مصطفى السباعي .. وهو من أهم الكتب التي كتبت في موضوعه .. ويوم نشرها كاتبها كان يقصد أن يلفت الأنظار إلى هذه الروائع كدليل على استطاعتنا بناء حضارة أكمل وأسمى من هذه الحضارة، وأن نذكر الجيل الجديد من أبناء أمتنا بواجبهم في بناء حضارة إنسانية كريمة كما بنى آباؤهم أمثالها، وهذا أنسب الأوقات لمثل هذا التذكير، فأمتنا تدخل الآن باب التاريخ من جديد دخولًا كريمًا فيه كل تحضر وانطلاق لبناء مستقبل أفضل وأكمل، وفي أمتنا بقايا من سجايا الآباء والأجداد، فإذا سمعت حديث أمجادهم وآثارهم وحضارتهم هزّها ذلك هزًا عنيفًا ودفعها إلى العمل دفعًا حثيثًا. ونحن بدورنا .. نعيد نشر هذا الكتاب ليكون دليلًا حضاريًا لإخواننا وأبنائنا الطلبة في أنحاء العالم .. فالعمل الطلابي اليوم هو ذروة الوعي بقضايا الأمة، وطليعة كل تحرك إيجابي لإعادة بنائها .. وهو يحتاج إلى توجيه وتذكير وحسن إعداد .. وتقوم سلسلة توحيد المفاهيم بهذا الدور. والحمد لله رب العالمين. مصطفى محمد الطحان ٢٦/ ٩/٢٠٠٦م
مقدمة المؤلف الحمد لله رب العالمين وصلى الله على باني أنبل حضارة عرفها التاريخ سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الذين بنوا أصرح تلك الحضارة الشامخة بدمائهم وجهودهم فكان لهم الفضل على كل من نَعِمَ بخيراتها إلى يوم الدين. وبعد فموضوع هذا الكتاب هو أحاديث أذعتها من محطة إذاعة دمشق في الفترة الواقعة بين ٢٠ من المحرم ١٣٧٥هالموافق ٨ من أيلول (سبتمبر) ١٩٥٥م عرضت فيها نماذج من الجوانب الرائعة في حضارتنا، وهي جوانب لا تزال تأخذ بألباب كل باحث منصف، ولم أتقصّ كل مظاهر الروعة في حضارتنا ولا قصدت تحليلها علميًا، لأنني كنت أتحدث إلى جماهير المستمعين ممن يتفاوتون في المستوى الفكري والثقافي، وكان يهمني أن يصغى إليها أولئك الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، من صفوة شبابنا ورجال الفكر المؤمن بكرامتنا على الله وعلى التاريخ، ولم يتسع لي الوقت لمتابعة هذه الأحاديث، إذ كنت أستعد للسفر في رحلة علمية إلى ديار الغرب تمت عام ١٩٥٦م، وقد كنت أود أن أتحدث عن روائع كثيرة، منها تلك النماذج الإنسانية للروحانية الإيجابية في تاريخ حضارتنا، ممن كانوا على قدر كبير من الإيمان بالله، والاتباع للحق، والسمو في النفس، والإشراق في الروح، والجمال في الخلق، والرحمة للناس، والعدل في الحكم، هذا مع مساهمتهم في صميم الحضارة ووجودهم في صميم الحياة، سواء كانوا ملوكًا أم علماء، أو زهادًا، أم فلاسفة، أم قوادًا، أم حكامًا، أم تجارًا، رجالًا ونساءً، شيوخًا وشبابًا، أغنياء وفقراء، إنها نماذج للكمال الإنساني الذي لم يكن يعيش في خيال الفلاسفة والحكماء، بل كان يعيش على ظهر الأرض مع أهل الأرض. هذه الروحانية الإيجابية بأمثلتها الرائعة هي مما تفردت به حضارتنا عن سائر الحضارات قديمها وحديثها، فلقد عرف التاريخ رجالًا روحانيين في الأمم المختلفة وخاصة في أمم الشرق الأقصى، ويعيش اليوم أناس تغلب عليهم النزعة الروحية الصافية، ولكن هؤلاء وأولئك كانوا سلبيين مع الحضارة، مترفعين عن المساهمة فيها، يعيشون في الأديرة ورؤوس الجبال، أو في المغاور والصحارى، أما نماذجنا الروحية في تاريخ حضارتنا فقد كانوا يخوضون معركة بناء الحياة بكل ما تتطلبه المعركة من عمل وجهد وتضحية وفداء، وهذا هو سر الروعة في هذه النماذج الروحية العجيبة في تاريخ الحضارات. والقصد اليوم من نشر هذه الأحاديث أن نلفت الأنظار إلى هذه الروائع كدليل على استطاعتنا بناء حضارة أكمل وأسمى من هذه الحضارة، وأن نُذكر الجيل الجديد من أبناء أمتنا بواجبهم في بناء حضارة إنسانية كريمة كما بنى آباؤهم أمثالها، وهذا أنسب الأوقات لمثل هذا التذكير، فأمتنا تدخل الآن باب التاريخ من جديد دخولًا كريمًا فيه كل تحفز وانطلاق لبناء مستقبل أفضل وأكمل، وفي أمتنا بقايا من سجايا الآباء والأجداد فإذا سمعت حديث أمجادهم وآثارهم وحضارتهم هزّها ذلك هزًا عنيفًا ودفعها إلى العمل دفعًا حثيثًا. فلا تُسمعوه ما أقول فإنه شجاع متى يُذكر له الطعن يشتق ولسنا نقصد من عرض هذه الروائع الادعاء بأن كل ما في حضارتنا جميل ومشرق، فليس في التاريخ حضارة ليست لها هفوات، وإنما القصد أيضًا أن نثبت أن الجوانب الإنسانية الخالدة في حضارتنا أقوى وأجمل، وأن نرد بذلك على افتراء الذين يزعمون لحضارتنا كل عيب ونقيصه، ويتعمدون أن يحذفوها من قائمة الحضارات الأصلية، وأن نحبط بذلك كيد الذين يعملون على أن يصرفوا أنظار جيلنا الحديث عن روائع آثارنا الحضارية، ليجذبوهم إلى حضارة تكشفت مقاتلها للناس، وإلى تاريخ أمم إن كانت لها صفحة واحدة من الفضائل، فإن لها آلاف الصفحات من النقائص والرذائل، وهذا هو هدف الاستعمار الذي يسعى إليه جاهدًا، وذلك هو صنيع أذنابه ودعاته الذين ما برحوا على تمجيد حضارته عاكفين. وإذا كنت قد عرضت في هذا الكتاب (نماذج) من روائع حضارتنا فإني لأرجو أن يتم الدارسون لتاريخ حضارتنا ما بدأته من عرض هذه الروائع، بشكل أتم وبحث أوفى وبيان أبلغ وأنصع، لإعطاء جيلنا الحاضر صورة حقيقية كاملة الروعة عن هذه الحضارة التي كانت تشع النور وتبعث الحياة في القرون الوسطى، فلا حاضر لأمة تجهل ماضيها، ولا مستقبل لأمة تنكر خصائصها وفضائلها، وهي مما تتصل بالحضارة بأوفى سبب وأقوى نسب، وإذا كان الوقوف على الماضي للبكاء عليه والنحيب، هو شغل الكسالى العاطلين، فإن تجاهله وازدراءه مع ما يفيض به من خير واسع ونور رحيب، هو شأن الحاقدين أو الجاهلين. ومن الخير أن نستفيد من كنوزنا في بناء نهضتنا العتيدة، لتكون النهضة مأمونة العواقب، غنية بما يمد لها من أسباب النجاح والبقاء، واضحة الملامح فيما تهدف إليه من كرامة وهناء، متصلة أمجادها بأمجاد الماضي، لتتصل أمجاد المستقبل بأمجادها، فيستمر الموكب، وتنسجم الحلقة ويكتمل البناء. والله من وراء القصد وهو ولي التوفيق مصطفى حسني السباعي
بسم الله الرحمن الرحيم (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ). آل عمران - ١١٠ توحيد المفاهيم العمل الطلابي العمل الطلابي عمل رائد، يمثل ذروة الوعي بقضايا الأمة، وطليعة كل تحرك إيجابي لمصلحتها .. ولذا وجب العناية به وتسديده وإرشاده. وكما هو الحال دائما، فإن العمل الصحيح ينطلق من مفاهيم قويمة وأفكار ناضجة، تهدي العاملين إلى الطريق الصحيح وتقوم أي إعوجاج وتجبر كل تقصير .. غير أن الامتداد الكبير للعمل الطلابي عبر الزمان والمكان، وانتشار كوادره في أرجاء الدنيا وفي أجيال متتابعة، بالإضافة إلى صعوبة التواصل بين الكوادر العاملة في العمل الطلابي .. هذا الامتداد الواسع والصلات الصعبة أتاح الفرصة لتباين الآراء واختلاف المصطلحات وتنوع المفاهيم، بحيث أصبحت هذه الظاهرة خطرا حقيقيا يحيق بالعمل الطلابي على مستوى العالم. وحتى لا يترك هذا العمل الهام لاجتهادات محلية قد تصيب وقد تخطئ، أو لتجارب مبتسرة قد تعبر عن كامل الصورة وقد تقصر .. وحتى لا تخضع المفاهيم الأساسية في العمل لتفسيرات متباينة، فينشأ الخلاف وتتسع رقعته .. حتى لا يحدث ذلك كله، كان لا بد من العمل على توحيد المفاهيم الأساسية بين العاملين .. والاتفاق على تعريفات واضحة لما يطلق من كلمات ومصطلحات وأقوال، قد يفهمها الجميع بشكل متباين، حسب الثقافات والمجتمعات والبيئات المختلفة. سلسلة توحيد المفاهيم وعليه فقد بادر اتحاد المنظمات الطلابية إلى إصدار سلسلة من الكتب تحت مسمى (سلسلة توحيد المفاهيم)، وتم تقسيم المفاهيم المراد توحيدها بين العاملين في المجال الطلابي إلى أربع مجموعات يتضمن كل منها عددًا من المفاهيم. أولا- المفاهيم الدعوية ١ - بين الحق والباطل - عبد الكريم زيدان. وهو بحث في سنة الله الكونية في التدافع بين الحق والباطل وكيفية تسخير هذه السنة لصالح العمل. ٢ - الشورى ودورها في إصلاح الفرد والمجتمع. ٣ - العمل الجماعي (أهميته ومشروعيته). ٤ - بشائر النصر. ٥ - فقه الأولويات في ضوء القرآن والسنة - د. يوسف القرضاوي. ٦ - من روائع حضارتنا - د. مصطفى السباعي. ٧ - الإسلام ... والتعامل مع الآخر. ثانيا- المفاهيم التربوية ٨ - جدد حياتك - محمد الغزالي. ٩ - آداب السلوك في الإسلام. ثالثا- المفاهيم الإدارية ١٠ - إدارة الوقت. رابعا- المفاهيم السياسية ١١ - القدس والتحدي الحضاري. ١٢ - ماذا بعد أحداث سبتمبر؟ ١٣ - كيف تواجه الأمة المسلمة التحدي الصهيوني؟ مقدمة الكتاب ضمن سلسلة توحيد المفاهيم الدعوية والتربوية والإدارية والسياسية، التي نقدمها للشباب والطلاب في أنحاء العالم، نقدم اليوم كتاب من روائع حضارتنا للأستاذ الدكتور مصطفى السباعي .. وهو من أهم الكتب التي كتبت في موضوعه .. ويوم نشرها كاتبها كان يقصد أن يلفت الأنظار إلى هذه الروائع كدليل على استطاعتنا بناء حضارة أكمل وأسمى من هذه الحضارة، وأن نذكر الجيل الجديد من أبناء أمتنا بواجبهم في بناء حضارة إنسانية كريمة كما بنى آباؤهم أمثالها، وهذا أنسب الأوقات لمثل هذا التذكير، فأمتنا تدخل الآن باب التاريخ من جديد دخولًا كريمًا فيه كل تحضر وانطلاق لبناء مستقبل أفضل وأكمل، وفي أمتنا بقايا من سجايا الآباء والأجداد، فإذا سمعت حديث أمجادهم وآثارهم وحضارتهم هزّها ذلك هزًا عنيفًا ودفعها إلى العمل دفعًا حثيثًا. ونحن بدورنا .. نعيد نشر هذا الكتاب ليكون دليلًا حضاريًا لإخواننا وأبنائنا الطلبة في أنحاء العالم .. فالعمل الطلابي اليوم هو ذروة الوعي بقضايا الأمة، وطليعة كل تحرك إيجابي لإعادة بنائها .. وهو يحتاج إلى توجيه وتذكير وحسن إعداد .. وتقوم سلسلة توحيد المفاهيم بهذا الدور. والحمد لله رب العالمين. مصطفى محمد الطحان ٢٦/ ٩/٢٠٠٦م
مقدمة المؤلف الحمد لله رب العالمين وصلى الله على باني أنبل حضارة عرفها التاريخ سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الذين بنوا أصرح تلك الحضارة الشامخة بدمائهم وجهودهم فكان لهم الفضل على كل من نَعِمَ بخيراتها إلى يوم الدين. وبعد فموضوع هذا الكتاب هو أحاديث أذعتها من محطة إذاعة دمشق في الفترة الواقعة بين ٢٠ من المحرم ١٣٧٥هالموافق ٨ من أيلول (سبتمبر) ١٩٥٥م عرضت فيها نماذج من الجوانب الرائعة في حضارتنا، وهي جوانب لا تزال تأخذ بألباب كل باحث منصف، ولم أتقصّ كل مظاهر الروعة في حضارتنا ولا قصدت تحليلها علميًا، لأنني كنت أتحدث إلى جماهير المستمعين ممن يتفاوتون في المستوى الفكري والثقافي، وكان يهمني أن يصغى إليها أولئك الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، من صفوة شبابنا ورجال الفكر المؤمن بكرامتنا على الله وعلى التاريخ، ولم يتسع لي الوقت لمتابعة هذه الأحاديث، إذ كنت أستعد للسفر في رحلة علمية إلى ديار الغرب تمت عام ١٩٥٦م، وقد كنت أود أن أتحدث عن روائع كثيرة، منها تلك النماذج الإنسانية للروحانية الإيجابية في تاريخ حضارتنا، ممن كانوا على قدر كبير من الإيمان بالله، والاتباع للحق، والسمو في النفس، والإشراق في الروح، والجمال في الخلق، والرحمة للناس، والعدل في الحكم، هذا مع مساهمتهم في صميم الحضارة ووجودهم في صميم الحياة، سواء كانوا ملوكًا أم علماء، أو زهادًا، أم فلاسفة، أم قوادًا، أم حكامًا، أم تجارًا، رجالًا ونساءً، شيوخًا وشبابًا، أغنياء وفقراء، إنها نماذج للكمال الإنساني الذي لم يكن يعيش في خيال الفلاسفة والحكماء، بل كان يعيش على ظهر الأرض مع أهل الأرض. هذه الروحانية الإيجابية بأمثلتها الرائعة هي مما تفردت به حضارتنا عن سائر الحضارات قديمها وحديثها، فلقد عرف التاريخ رجالًا روحانيين في الأمم المختلفة وخاصة في أمم الشرق الأقصى، ويعيش اليوم أناس تغلب عليهم النزعة الروحية الصافية، ولكن هؤلاء وأولئك كانوا سلبيين مع الحضارة، مترفعين عن المساهمة فيها، يعيشون في الأديرة ورؤوس الجبال، أو في المغاور والصحارى، أما نماذجنا الروحية في تاريخ حضارتنا فقد كانوا يخوضون معركة بناء الحياة بكل ما تتطلبه المعركة من عمل وجهد وتضحية وفداء، وهذا هو سر الروعة في هذه النماذج الروحية العجيبة في تاريخ الحضارات. والقصد اليوم من نشر هذه الأحاديث أن نلفت الأنظار إلى هذه الروائع كدليل على استطاعتنا بناء حضارة أكمل وأسمى من هذه الحضارة، وأن نُذكر الجيل الجديد من أبناء أمتنا بواجبهم في بناء حضارة إنسانية كريمة كما بنى آباؤهم أمثالها، وهذا أنسب الأوقات لمثل هذا التذكير، فأمتنا تدخل الآن باب التاريخ من جديد دخولًا كريمًا فيه كل تحفز وانطلاق لبناء مستقبل أفضل وأكمل، وفي أمتنا بقايا من سجايا الآباء والأجداد فإذا سمعت حديث أمجادهم وآثارهم وحضارتهم هزّها ذلك هزًا عنيفًا ودفعها إلى العمل دفعًا حثيثًا. فلا تُسمعوه ما أقول فإنه شجاع متى يُذكر له الطعن يشتق ولسنا نقصد من عرض هذه الروائع الادعاء بأن كل ما في حضارتنا جميل ومشرق، فليس في التاريخ حضارة ليست لها هفوات، وإنما القصد أيضًا أن نثبت أن الجوانب الإنسانية الخالدة في حضارتنا أقوى وأجمل، وأن نرد بذلك على افتراء الذين يزعمون لحضارتنا كل عيب ونقيصه، ويتعمدون أن يحذفوها من قائمة الحضارات الأصلية، وأن نحبط بذلك كيد الذين يعملون على أن يصرفوا أنظار جيلنا الحديث عن روائع آثارنا الحضارية، ليجذبوهم إلى حضارة تكشفت مقاتلها للناس، وإلى تاريخ أمم إن كانت لها صفحة واحدة من الفضائل، فإن لها آلاف الصفحات من النقائص والرذائل، وهذا هو هدف الاستعمار الذي يسعى إليه جاهدًا، وذلك هو صنيع أذنابه ودعاته الذين ما برحوا على تمجيد حضارته عاكفين. وإذا كنت قد عرضت في هذا الكتاب (نماذج) من روائع حضارتنا فإني لأرجو أن يتم الدارسون لتاريخ حضارتنا ما بدأته من عرض هذه الروائع، بشكل أتم وبحث أوفى وبيان أبلغ وأنصع، لإعطاء جيلنا الحاضر صورة حقيقية كاملة الروعة عن هذه الحضارة التي كانت تشع النور وتبعث الحياة في القرون الوسطى، فلا حاضر لأمة تجهل ماضيها، ولا مستقبل لأمة تنكر خصائصها وفضائلها، وهي مما تتصل بالحضارة بأوفى سبب وأقوى نسب، وإذا كان الوقوف على الماضي للبكاء عليه والنحيب، هو شغل الكسالى العاطلين، فإن تجاهله وازدراءه مع ما يفيض به من خير واسع ونور رحيب، هو شأن الحاقدين أو الجاهلين. ومن الخير أن نستفيد من كنوزنا في بناء نهضتنا العتيدة، لتكون النهضة مأمونة العواقب، غنية بما يمد لها من أسباب النجاح والبقاء، واضحة الملامح فيما تهدف إليه من كرامة وهناء، متصلة أمجادها بأمجاد الماضي، لتتصل أمجاد المستقبل بأمجادها، فيستمر الموكب، وتنسجم الحلقة ويكتمل البناء. والله من وراء القصد وهو ولي التوفيق مصطفى حسني السباعي
अज्ञात पृष्ठ