مقدمة
الجزء الأول من غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة جمع الإمام الحافظ رشيد الدين أبي الحسين يحيى بن علي بن عبد الله القرشي المصري العطار المالكي وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين ورضي الله عن أصحاب رسول الله أجمعين والحمد لله رب العالمين آمين بسم الله الرحمن الرحيم وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت الحمد لله حق حمده وصلواته وسلامه على محمد نبيه وعبده وعلى آله وصحبه من بعده وبعد فهذه أحاديث مخرجة من صحيح الإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري الحافظ ﵁ وقعت شاذة عن رسمه فيه ذكرها الإمام أبو عبد الله محمد بن علي التميمي المازري ﵀ في كتابه المسمى بالمعلم ونص على أنها وقت في كتاب مسلم مقطوعة الأسانيد
1 / 115
وعدها أربعة عشر حديثا ونبه على أكثرها في مواضعها من كتابه إلا أنه لم يبين صفة انقطاعها ولا ذكر من وصلها كلها من أئمة الرواة فربما توهم الناظر في كتابه ممن ليس له عناية بالحديث ولا معرفة بجمع طرقه أنها من الأحاديث التي لا تتصل بوجه ولا يصح الاحتجاج بها لانقطاعها وقد رأيت غير واحد يلهج بذكرها ويظنها على هذه الصفة وليس الأمر كذلك بل هي متصلة كلها والحمد لله من الوجوه الثابتة التي نوردها فيما بعد إن شاء الله وهذا القول الذي قاله الإمام أبو عبد الله المازري إنما أخذه فيما قيل من كلام الحافظ أبي علي الغساني الأندلسي فإنه جمعها قبله وعدها كذلك أيضا إلا أنه نبه على اتصال بعضها ولم يستوعب ذلك في جميعها ولعل المازري ﵀ إنما ترك التنبيه على اتصالها لاكتفائه بما ذكره أبو علي الحافظ على أنهما قد خولفا في إطلاق تسمية المقطوع على أحاديث منها ولم يسلم لهما ذلك فيها على ما يأتي بيانه في موضعه إن شاء الله وقد استخرت الله سبحانه وجمعتها في هذا الجزء لنفسي ولمن شاء الله أن ينتفع بها وأضفت إليها ما وقع لي في صحيح مسلم من جنسها مما لم يعده الحافظ أبو علي في جملتها وبينت وجوه اتصالها كلها وسميت من وصلها من الثقات المعتمد على قولهم في هذا الشأن ومن أخرجها في كتبه من أئمة الحديث مستعينا في ذلك كله بالله ﷿ ومستمدا هدايته وإرشاده وتوفيقه إلى الصواب وإسعاده وهو حسبي ونعم الوكيل
1 / 116
الحديث الأول
قال الإمام أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري ﵀ في كتاب الطهارة وروى الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن عبد الرحمن بن هرمز عن عمير مولى ابن عباس أنه سمعه يقول أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار مولى ميمونة زوج النبي ﷺ حتى دخلنا على أبي
1 / 117
الجهم بن الحارث بن الصمة الأنصاري فقال أبو الجهم أقبل رسول الله ﷺ من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه رسول الله ﷺ حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه ويديه ثم رد عليه قلت هكذا أخرجه مسلم في صحيحه مقطوعا وهو حديث صحيح ثابت متصل في كتاب البخاري وغيره من حديث الإمام أبي الحارث الليث بن سعد بن عبد الرحمن المصري الفقيه عن جعفر بن ربيعة بن شرحبيل المصري أخرجه الأئمة الثقات البخاري وأبو داود والنسائي في مصنفاتهم متصلا من حديثه فرواه البخاري عن يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري عنه وابن بكير هذا من شرط مسلم فإنه احتج بحديثه وروى عن أبي زرعة الرازي وعن غير واحد
1 / 118
عنه ورواه أبو داود عن عبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه عن جده وعبد الملك هذا من ثقات المصريين روى عنه مسلم في صحيحه عدة أحاديث من روايته عن أبيه عن جده ورواه النسائي عن الربيع بن سليمان عن شعيب بن الليث بن سعد عن أبيه والربيع بن سليمان هذا هو المرادي صاحب الإمام الشافعي ﵀ مشهور من ثقات المصريين وأكابرهم وقد أخبرنا به من طريق البخاري الشيخ المحدث الثقة أبو القاسم هبة الله بن علي بن مسعود بن ثابت الأنصاري الخزرجي ﵀ قراءة عليه في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وخمس مائة بمصر أنا الشيخ أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال السعيدي النحوي قراءة
1 / 119
عليه وأنا أسمع أخبرتنا الحرة الصالحة المجاورة أم الكرام كريمة بنت أحمد بن محمد بن حاتم المروزية بقراءتي عليها بمكة شرفها الله سنة ست وخمسين وأربع مائة أنا أبو الهيثم محمد بن مكي بن محمد الكشميهني الأديب أنا أبو عبد الله محمد بن يوسف بن مطر الفربري أنا الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفي البخاري قراءة عليه وأنا أسمع غير مرة ثنا يحيى بن بكير ثنا الليث عن جعفر بن ربيعة عن الأعرج قال سمعت عميرا
1 / 120
مولى ابن عباس قال أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي ﷺ حتى دخلنا على أبي الجهيم بن الحارث بن الصمة الأنصاري فقال أبو الجهيم أقبل النبي ﷺ من نحو بئر جمل فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه النبي ﷺ حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم رد ﵇ هكذا أورده البخاري في صحيحه فثبت اتصاله وصح الاحتجاج به ووقع في هذا الحديث وهم في صحيح مسلم وهو قوله أقبلت أنا وعبد الرحمن بن يسار وصوابه عبد الله بن يسار كما أوردناه من صحيح البخاري آنفا وكذلك هو في كتابي أبي داود والنسائي أيضا عبد الله بن يسار على الصواب وهو أخو
1 / 121
عطاء وسليمان وعبد الملك بني يسار مولى ميمونة زوج النبي ﷺ وأبو جهيم هذا اسمه عبد الله بن الحارث بن الصمة الأنصاري قاله أبو مسعود الدمشقي وخلف بن محمد الواسطي الحافظان ولم يسمه الكلاباذي
1 / 122
ولا أبو عمر بن عبد البر وذكر الحافظ أبو الفضل المقدسي وغيره أنه يقال له أبو جهم أيضا والله ﷿ أعلم
الحديث الثاني
قال مسلم ﵀ في كتاب الصلاة في إحدى الروايات عنه حدثنا صاحب لنا ثنا إسماعيل بن
1 / 123
زكرياء عن الأعمش وعن مسعر وعن مالك بن مغول عن
1 / 125
وعن مسعر وعن مالك بن مغول عن الحكم بهذا الإسناد مثله يعني
1 / 126
الحكم بن عتيبة قال سمعت ابن أبي ليلى قال لقيني كعب بن
1 / 127
عجرة فقال ألا أهدي لك هدية خرج علينا رسول الله ﷺ فقلنا قد عرفنا كيف نسلم عليك الحديث قلت وهذا الحديث مما اتفق الأئمة الحفاظ على صحته وثبوته وأخرجه البخاري ومسلم وأبو داود
1 / 128
والترمذي والنسائي وابن ماجه في كتبهم من طرق ثابتة عن الحكم بن عتيبة بإسناده المذكور متصلا وقول مسلم ﵀ في بعض طرقه حدثنا صاحب لنا لا يسمى مقطوعا عند أكثر المحدثين لأن المقطوع في اصطلاحهم ما لم يتصل سنده وكان في رواته من دون التابعين من لم يسمعه ممن فوقه كرواية مالك بن أنس عن
1 / 129
عبد الله بن عمر ورواية الثوري عن جابر بن عبد الله ونحو ذلك وهو نوع من المرسل إلا أنهم قصروا المرسل على التابعين إذا أرسلوه عن النبي ﷺ ولم يذكروا فيه الصحابي وقول أبي علي إن ما تقدم ذكره يسمى مقطوعا هو قول الحاكم أبي عبد الله بن البيع النيسابوري والذي عليه الأكثر من علماء الرواية وأرباب النقل أن قول الراوي حدثنا صاحب لنا وحدثني غير واحد وحدثني من سمع فلانا وحدثت عن فلان ونحو ذلك معدود في المسند لأنه لم ينقطع له سند وإنما وقعت الجهالة في أحد رواته كما لو سمي ذلك الراوي وجهل حاله على أنه لم يقع كذلك في كتاب مسلم إلا من طريق أبي العلاء ابن ماهان عن أبي بكر الأشقر عن
1 / 130
القلانسي عن مسلم ووقع في روايتنا من طريق أبي أحمد الجلودي عن إبراهيم بن محمد بن سفيان عن مسلم مسمى غير مبهم ونحن نورده من صحيح مسلم كما رويناه ليتضح اتصاله أخبرنا به جماعة من شيوخنا قراءة عليهم قالوا أنا الشريف أبو المفاخر الماموني قراءة عليه ونحن نسمع أنا الإمام أبو عبد الله الفراوي ح وأخبرنا عاليا الشيخ أبو الحسن المؤيد بن محمد بن علي
1 / 131
الطوسي ﵀ إذنا وكتابة من نيسابور أنا الإمام فقيه الحرم أبو عبد الله محمد بن الفضل الصاعدي الفراوي قراءة عليه وأنا أسمع أنا أبو الحسين عبد الغافر ابن محمد الفارسي أنا أبو أحمد محمد بن عيسى بن عمرويه الجلودي أنا أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن سفيان الزاهد ثنا الإمام الحافظ أبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري ثنا محمد بن مثنى ومحمد بن بشار واللفظ لابن مثنى قالا ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن الحكم قال سمعت ابن أبي ليلى قال لقيني كعب بن عجرة فقال ألا أهدي لك هدية خرج علينا رسول الله ﷺ فقلنا قد عرفنا كيف نسلم عليك
1 / 132
فكيف نصلي عليك قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد قال ثنا زهير بن حرب وأبو كريب قالا ثنا وكيع عن شعبة ومسعر عن الحكم بهذا الإسناد مثله وليس في حديث مسعر ألا أهدي لك هدية قال حدثنا محمد بن بكار قال ثنا إسماعيل بن زكرياء عن الأعمش
1 / 133
وعن مسعر وعن مالك بن مغول كلهم عن الحكم بهذا الإسناد مثله واللفظ للماموني يقول قلت فهذه طرق هذا الحديث في صحيح مسلم متصلة كلها من الوجه الذي أوردناه عنه فثبت اتصاله من جميع طرقه في كتاب مسلم والحمد لله وقد قال الحاكم أبو عبد الله بن البيع الحافظ وقد يروى الحديث وفي إسناده رجل غير مسمى وليس بمنقطع يعني إذا روي ذلك الحديث من وجه آخر وسمي ذلك الرجل فيه كما وقع في إسناد هذا الحديث قال فهذا النوع من المنقطع الذي لا يقف عليه لا الحافظ الفهم المتبحر في الصنعة والله أعلم قلت وقد وقع لي هذا الحديث أعلى من طريق الصحيح بدرجتين كأني سمعته من عبد الغافر الفارسي ﵀ وهو ما أخبرنا به أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد البغدادي بقراءتي في منزله بدمشق أخبركم أبو منصور
1 / 134
عبد الرحمان بن محمد بن عبد الواحد الشيباني قراءة عليه وأنت تسمع ببغداد فأقر به ثنا القاضي الشريف أبو الحسين محمد بن علي بن محمد بن المهتدي بالله من لفظه وكتابه ثنا أبو حفص عمر بن إبراهيم بن أحمد إملاء ثنا أبو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ثنا علي يعني ابن الجعد أنا شعبة
1 / 135