40

فليس لنا أن نقول له إنك أهملت ما كشف العلم الحديث من علوم وفنون، فالعلم الحديث يقرر أن الجنس هو المحرك الأول للوجود والملون الأول للأخلاق والبواعث القلبية والنفسية، وأنت تقسو على الجنس وتغالي في قمعه وتهذيبه، وتغالي في عدم الاعتراف بسلطانه وجبروته.

وليس لنا أن نعترض عليه بأن الحياة هي القوة، والتوثب للمجد، والتطاول والتفاخر بالمال والجاه، وما إلى المال والجاه من متاع وسلطان.

وليس لنا أن نقلل من شأن أخلاقيات الغزالي؛ لأن روح الزهد والقناعة تترقرق واضحة بين أسطرها، وعطر المحبة والعبادة يتضوع من شمائلها وأعطافها.

الأخلاق عند الغزالي نشيد لم يترك وجهة من وجهات الحياة إلا ألقى عليها النور والرحمة والإيمان والسلام.

الأخلاق لديه صفات مثالية، أو إن شئت فهي محاولة صادقة لإنشاء إنسانية فاضلة وخلق مجتمع بشري سعيد.

أسلوبه وطريقته

يقول العلامة ماكدولاند: «إن الغزالي في وعظه وأخلاقياته وتعاليمه النفسية عاد فأدخل عنصر الخوف، فقد جعل في كتابه «المنقذ من الضلال» وغيره من الكتب يؤكد وجوب إلقاء الرعب والوجل في النفوس العامة، مناديا بأن الأمر لم يعد يستوجب الملاينة والمصانعة والرفق والتأميل والتفاؤل؛ بل لقد وجب أن تبين للناس حقيقة الجحيم وعذابها الأليم، فقد أحسها هو في نفسه وشعر بها في أعماقه، وقد رأيناه كيف تجرد من المتع، وأخضع النفس للزهد والنسك والحرمان، وجعل الخوف من النار الباعث الأكبر على هدايته واجتنابه الضلال والهوى».

كانت طريقة الغزالي التي ترمي إلى التهويل وإلقاء الرعب في القلوب ملائمة لعصره الذي لم يعد الأمر فيه - كما يقول ماكدولاند - يستوجب المصانعة والملاينة، ذلك العصر الذي أسرف على نفسه في الشكوك والأوهام، وأسرف على نفسه في الترف والملاذ، وأسرف على نفسه في التنابذ والخصام، فقاوم الغزالي تلك الروح المسرفة العابثة بأسلوب ملتهب حار يبرق فيه التهديد والوعيد، وتتمثل فيه أهوال العقاب والثواب.

وأسلوب الغزالي فوق عنفه وقسوته يخفق على القرطاس نابضا بالحياة، ويتسلل إلى القلوب مناجيا الضمائر والأحاسيس، حتى ليشعر قارئ الغزالي بروح يتكلم في أعماق، ويحس شخصية الغزالي تناجيه وتلازمه، وتسيطر على أفكاره واتجاهاته.

والغزالي كاتب مصور بارع الخيال، يمتلك في يسر وبساطة حاسة الخيال الفني؛ فهو فنان في أخيلته، فنان في تصويره، فنان في أمثلته وتشبيهاته.

अज्ञात पृष्ठ