فبهذا جميعه قد يحصل الإنسان على لذة قصوى في مسير حياته؛ إذ يشاهد ذاته محلولا من جميع وثاقات الأكدار والآلام الأدبية والطبيعية، ومنقطعا عن كل عالم العبوديات اللازمة والمتعدية.
وإذا تحركت به الأميال إلى مخالطة أشباهه بالنوعية، فعليه باختيار من حسن وطاب واجتناب من قبح وخبث . على أنه بذاك تنفسد الفطرة السليمة التي هي أصلية في الإنسان؛ وبهذا تصلح وتجود وتسمو إلى أوج الكمال.
وإذا اتفق وجوده في مركز بعيد عن دائرة المخالطة الحسنة فعليه بالانفراد بذاته ومخالطة العوالم المحيطة بحواسه حيثما ينال لذات لا مزيد عليها ويغتني بها عما سواها.
فإن الإنسان المثقف لا يدرك لذة أعظم اعتبارا من تلك الملذات التي يدركها عندما ينشر شراع التعقل لسفينة أفكاره، ويطلقها في بحور هذه الموجودات لدى مهب أرياح الحوادث.
هناك نرى غزالة العالم تبرز يومئذ من كناس المشارق الذهبية ناشرة أنوار بهجتها على وجه السماء حيثما تعود كافة الخليقة مستبشرة بلقاها وتخطراتها؛ فالجبال تتمنطق بمناطق لجينية، وترفع قممها الغاطسة في غمرات الظلام فاتحة باعاتها لاعتناق طفحات الضوء. والمياه تتموج بلمعان الأشعة المنبعثة من لدن أبي الأنوار كأنها متسربلة بدروع نارية. والأشجار تمرجح رءوسها لدى بشائر النسيم كذي طرب متموجة بأكاليلها العسجدية ذات المنظر البديع. والأزهار تبتسم إزاء وجه الطبيعة نافحة بأطيابها التي تذهب مبشرة سائر الخلائق بثوران حركة الحياة. والأطيار تغرد وتصيح مهللة ومكبرة على أدواحها العديدة ومنازلها المتفرقة، وسائر الحيوانات تأخذ بالحركة والانتعاش.
هناك نشاهد هذه الغزالة
3
مائلة على خط الزوال بوجه يقدح شررا، حتى إذا ما بلغت الطفل
4
وأوشكت الفراق صبغت بدموعها الدموية وجنات المغرب وغارت في كهف الأفق، سادلة على المسكونة ستار الظلام، تاركة العالم في حالة سكون الموت، منهضة الخمود العميق في جميع البنية الآلية، سالبة من جميع المواد المظلمة ما أفاضته عليها من الصور الجلية حيثما تتبلبل الأرض مع السماء، وتضيع الجبال في الأودية، ولا يعود يقال سوى: ما هذا السكوت العظيم؟
अज्ञात पृष्ठ