بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
وَبِه نستعين
الْحَمد لله رَافع من أسْند أمره إِلَيْهِ بِصَحِيح وداده.
وخافض من خلا علمه عَن الْحسن وَانْقطع للْمُنكر بعناده. أَحْمَده حَيْثُ خصنا بالاتصال العالى بِلَا اضْطِرَاب فى إِسْنَاده، وفهمنا طرق السّنة فى طى نشرها بإرشاده، وأشكره رَجَاء الاندراج فى سلسلة أولى الْعَمَل الصَّالح الْمُوَافق لمراده وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، وَحده لَا شريك لَهُ، الْعَزِيز الْفَرد، القاهر فَوق عباده.
وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله، الماحى (لِلْخلقِ) الْموضع بِقُوَّة جهاده، والموضح لكل مُخْتَلف غَرِيب بجده واجتهاده. صلى الله وَسلم عَلَيْهِ وعَلى أَصْحَابه وتابعهم مِمَّن لم يُوصف بشذوذ وَلَا تَدْلِيس، باعتماده صلى الله عَلَيْهِ صَلَاة وَسلَامًا دائمين بدوام أماد الدَّهْر وأباده [] فَإِن الْكتاب الْمُسَمّى ب " الْهِدَايَة فى علم الرِّوَايَة " نظم الْعَلامَة الأثرى ابْن الجزرى، مِمَّن أحسن ناظمه فى ترتيبه وَوَضعه وتلخيصه وَجمعه؛ لكنه غير غنى عَن شرح يبين خفيه وَيقرب قصيه، فَلذَلِك التمس منى [عَلامَة] من أَخذ عَنى، وضع شرح عَلَيْهِ، يرجع فى وَقت قِرَاءَته وإقرائه إِلَيْهِ، لَيْسَ بطويل مُمل، وَلَا قصير مخل يتبصر بِهِ الطَّالِب الْمُبْتَدَأ، ويستمد مِنْهُ الْمُنْتَهى، عِنْد إِشَارَة المهتدى فأجبته لذَلِك طلبته، واستدللت بقرائن الصَّحِيحَة على إخلاص نِيَّته وسميته (الْغَايَة فى شرح الْهِدَايَة) نفع الله بذلك قارئه وسامعه وكاتبه وجامعه والناظر فِيهِ، والمقتبص من جواهره ولآليه، إِنَّه قريب مُجيب الدُّعَاء.
1 / 55
مُقَدّمَة النَّاظِم
(١ - (ص) يَقُول راجى عَفْو ربه رؤوف ... مُحَمَّد ابْن الجزرى السّلف)
(ش) عبر الْمُضَارع دون الْمَاضِي ليسلم من الِاعْتِرَاض بانه عِنْد وَضعه غير مقول وَإِن واجيب عَن فَاعله عَن النَّاظِم أَيْضا فى قَوْله الآتى رتبتها وزدتها ونظمتها [وراجى] اسْم فَاعل مَأْخُوذ من الرَّجَاء ضد الْخَوْف، وَهُوَ عَن بِمَعْنى التوقع وَالْأَصْل فِيمَا يُمكن يرتضى حُصُوله مَا فِيهِ مَسَرَّة، [الْعَفو] وَهُوَ التجاوز عَن الذَّنب وَترك الْعقَاب عَلَيْهِ وَأَصله المحو والطمس، وفى أَسْمَائِهِ تَعَالَى الْعَفو وَهُوَ من أبنية الْمُبَالغَة، يُقَال عَفا يعفوا عفوا، فَهُوَ عاف، وعفو [الرب] الْمَالِك، وَهُوَ الله ﷾، وَلَا يذكر لغيره إِلَّا مَعَ التقيد بِالْإِضَافَة، كرب الدَّار، وَرب الثَّوْب، وَرب النَّاقة، وَأما النهى الْوَارِد على أَن يَقُول الْمَمْلُوك لسَيِّده ربى مَعَ إِضَافَته، فَيحْتَمل أَن يكون للتنزيه أَو عَن الإبصار مِنْهُ، واتخاذ اسْتِعْمَاله عَادَة لَا عَن ذكره فى الْجُمْلَة لقَوْله تَعَالَى حِكَايَة عَن يُوسُف ﵇: ﴿اذْكُرْنِي عِنْد رَبك﴾ وَقَوله: ﴿ارْجع إِلَى رَبك﴾، وَقَوله ﵇ إِن من أَشْرَاط السَّاعَة: " [أَن] تَلد [/ ٤] الْأمة ربتها "
1 / 56
وَيحْتَمل غير ذَلِك كَمَا بسط فى مَحَله على أَن بَعضهم خص بالتقييد مَا لَا تعبد عَلَيْهِ من سَائِر الْحَيَوَانَات والجمادات وَمِنْه الْأَمْثِلَة الَّتِي قدمتها لَكِن يخدش فِيهِ كل الْأَدِلَّة الْبَيِّنَة، بل قد قيل عَن نبى الله يُوسُف ﵇ أَنه خاطبه على الْمُتَعَارف عِنْدهم وعَلى مَا كَانُوا يسمونه بِهِ،
[والروؤف] هُوَ الرَّحِيم بعباده العطوف عَلَيْهِم بألطافه، والرأفة فى الأَصْل أرق من الرَّحْمَة قَالَ فى " الصِّحَاح ": هِيَ أَشد الرَّحْمَة، قَالَ ابْن الْأَثِير وَلَا تكَاد تقع فى الْكَرَاهَة بِخِلَاف الرَّحْمَة فقد تقع فى الْكَرَاهَة للْمصْلحَة وَهُوَ فى النّظم كَرجل وَبِه قرئَ فى السَّبع قَالَ جرير:
(يرى للْمُسلمين عيه حَقًا ... كَفعل الْوَالِد الرؤوف الرَّحِيم)
وَلَا يتزن بإشباعه، واختصاصه بِالذكر دون غَيره من أَسمَاء الْجلَال وَالْعَظَمَة هُوَ الْأَنْسَب وَإِن كَانَ ذَاك أبلغ،
[مُحَمَّد] هُوَ بدل من فَاعل يَقُول، وَهُوَ النَّاظِم ابْن الْجَزرِي، بِالرَّفْع وصف لَهُ، أَو بدل، وَهُوَ نِسْبَة لبلد مَعْرُوف يُقَال لَهُ: جَزِيرَة ابْن عمر بِبِلَاد الْمشرق، بِالْقربِ من بِلَاد الْموصل، فعلى هَذَا أثبت الْألف [/ ٤] فى ابْن؛ لوُقُوعه بَين علم وَصفَة، أما إِذا وَقع بَين علمين فَلَا، و[السّلف]
بِفَتْح الْمُهْملَة وَاللَّام وفى آخرهَا فَاء نِسْبَة إِلَى السّلف لانتحال مَذْهَبهم وَنَقله، وَقد انتسب
1 / 57
لذَلِك من الروَاة جمَاعَة مِنْهُم من الْمُتَأَخِّرين الْأُسْتَاذ أَبُو إِسْحَاق إِبْرَاهِيم بن عمر بن إِبْرَاهِيم الجعبري الخليلي، فَإِنَّهُ كَانَ يكْتب ذَلِك بِخَطِّهِ وَسُئِلَ عَنهُ فَقَالَ: نِسْبَة إِلَى طَرِيق السّلف سلفيا، بِضَم الْمُهْملَة، وسلفيا بِكَسْرِهَا أَيْضا، لَكِن مَعَ سُكُون اللَّام، وقاف بدل الْفَاء كَمَا بَين، وَلَا بَأْس بنبذة من أَخْبَار النَّاظِم، فَأَقُول: هُوَ الْعَلامَة شيخ الْقُرَّاء قاضى الْقَضَاء شمس الدّين أَبُو الْخَيْر مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ بن يُوسُف الْعُمْرَى الدِّمَشْقِي ثمَّ الشِّيرَازِيّ الشَّافِعِي، عرف بِابْن الجزرى. كَانَ أَبوهُ تَاجِرًا، وَمكث أَرْبَعِينَ سنة لم يرْزق ولدا، وَحج وَشرب من مَاء زَمْزَم، وَسَأَلَ الله أَن يرزقه ولدا عَالما؛ فولد لَهُ النَّاظِم بعد صَلَاة التَّرَاوِيح من لَيْلَة السبت خَامِس عشر شهر رَمَضَان، سنة إِحْدَى وَخمسين وَسَبْعمائة بِدِمَشْق، وَنَشَأ بهَا؛ فَسمع من أَصْحَاب الْفَخر ابْن البُخَارِيّ، وارتحل إِلَى مصر وَدخل إسكندرية، وبعلبك واليمن وَغَيرهَا [/ ٥] حَتَّى وصل إِلَى بِلَاد الْعَجم وَالروم، وسمرقند، وشيراز، واعتنى بِالْحَدِيثِ وَكتب الطباق بِالْقِرَاءَةِ وفَاق فِيهَا، وَولى مشيخة الصلاحية بِبَيْت الْمُقَدّس وقتا، والتوقيع بِدِمَشْق ثمَّ الْقَضَاء؛ لكنه عزل قبل وُصُوله إِلَيْهَا، وَكَذَا ولى الْقَضَاء بشيراز، وَبنى بِكُل مِنْهُمَا للقراء مدرسة وَنشر علما وانتفع بِهِ فى الْآفَاق، خُصُوصا شيراز، وَالروم فى الْقرَاءَات والْحَدِيث، وسارت تصانيفه تقدم عِنْد الْمُلُوك وجاور بِكُل من الْحَرَمَيْنِ، وَأخذ عَنهُ أهلهما، وَقدم بِآخِرهِ الْقَاهِرَة فازدحم النَّاس أَيْضا عَلَيْهِ. وَأخذ عَنهُ الْأَعْيَان، وفى أَصْحَابنَا الْآن فَمن فَوْقهم غير وَاحِد مِمَّن أَخذ عَنهُ، وَلما دخل شَيخنَا الْيمن حدث عَنهُ بكتابه " الْحصن الْحصين " لتنافسهم فى تَحْصِيله واغتباطهم بِهِ حَتَّى انهم رُبمَا رووا كِتَابه " الْعدة " بِخمْس وسائط إِلَيْهِ، وَوَصفه شَيخنَا بِالْحِفْظِ، وَأَشَارَ إِلَى أَنه لم يكن لَهُ فى الْفِقْه بديل، فنه الَّذِي مهر فِيهِ الْقرَاءَات، مَعَ عمل فى الحَدِيث ونظم يسير وَخط دَقِيق مَعَ التَّقَدُّم فى السن، قَالَ: وَكَانَ مثريا وشكلا حسنا فصيحا بليغا. انْتَهَت إِلَيْهِ رئاسة علم [/ ٦] الْقرَاءَات فى الممالك، انْتهى. وَمن تصانيفه: " النشر فى الْقرَاءَات الْعشْر "، و" طيبَة النشر فى الْقرَاءَات الْعشْر " و"
1 / 58
نظم فى ألف بَيت "، و" طَبَقَات الْقُرَّاء " أَجَاد فِيهَا، و" الْحصن فى كَلَام سيد الْمُرْسلين "، وَهُوَ فى غَايَة الِاخْتِصَار وَالْجمع، وَكَذَا من شُيُوخه ابْن أميلة، وَالصَّلَاح بن أبي عَمْرو، وَابْن الشيرجى، والمنجى، والعماد بن كثير، والكمال بن حبيب، وَغَيرهم. وَكَانَ يذكر أَن ابْن الخباز تلميذ النووى أجَاز لَهُ وَتكلم فى هَذَا لَكِن قَالَ شَيخنَا إِنَّه لَا يظنّ بِهِ.
وَبِالْجُمْلَةِ، فقد انْتفع النَّاس بِهِ وبتصانيفه. مَاتَ بشيراز فى ربيع الأول سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وثمان مائَة، وَدفن بداره الذى بناها هُنَاكَ بالقراء وعظمة الرزية بِمَوْتِهِ رَحْمَة الله وإيانا. آمين
(٢ - (ص) الْحَمد لله على هدايته ... إِلَى حَدِيث الْمُصْطَفى وسنته)
(ش) [الْحَمد] هُوَ الثَّنَاء بِاللِّسَانِ على الْجَمِيل من نعْمَة وَغَيرهَا، تَقول: حمدت الرجل على إنعامه، وحمدته على حسنه وشجاعته، وَهُوَ بِخِلَاف الشُّكْر لِأَنَّهُ على النِّعْمَة خَاصَّة، وَيكون بِالْقَلْبِ وَاللِّسَان [/ ٧]، والجوارح، وَهُوَ مَرْفُوع بِالِابْتِدَاءِ، أَو خبر
1 / 59
الظّرْف الذى هُوَ لله، وَاللَّام للاختصاص. بِمَعْنى أَنه مُسْتَحقّ الْحَمد لما ترادف علينا من نعمه الَّتِي من جُمْلَتهَا الْهِدَايَة إِلَى الحَدِيث النَّبَوِيّ وَهُوَ فى تَعْلِيقه الْحَمد بِالنعَم مَعَ أَنه تَعَالَى مُسْتَحقّ الْحَمد لذاته مشير إِلَى أَن حمدنا لَا يكون إِلَّا شكرا إِذْ هُوَ لَا يَنْفَكّ عَن نعْمَة، ومتعلقه مَحْذُوف، أى ثَابت أَو مُسْتَقر، أَو نَحْو ذَلِك.
وَبَدَأَ النَّاظِم بِالْحَمْد تأسيا بِالْكتاب الْعَزِيز، وَعَملا بقوله [ﷺ]: " كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله فَهُوَ أقطع ". وَلَا يُقَال: أَنه لم يبْدَأ بِهِ لكَونه ثَانِي الأبيات لكَونه التَّعْرِيف بالقائل لَا يُنَافِيهِ، وَقد كتب [ﷺ] فِيمَا يرْوى عَنهُ: " من مُحَمَّد رَسُول الله إِلَى فلَان: سَلام عَلَيْك فإنى أَحْمد الله إِلَيْك.
1 / 60
و[الْهِدَايَة] الدّلَالَة إِلَى الْمَطْلُوب بِرِفْق وفى ذكره إِشَارَة لما لقب بِهِ النَّاظِم أرجوزته الَّتِي قرب فِيهَا كثيرا من اصْطِلَاح أهل الحَدِيث وَمن أَسْمَائِهِ الهادى، وَهُوَ الَّذِي بصر عباده طَرِيق مَعْرفَته حَتَّى أقرُّوا بربوبيته، وَهدى كل مَخْلُوق إِلَى مَا لَا [/ ٨] بُد مِنْهُ فى بَقَائِهِ، ودوام وجوده.
[الحَدِيث] أَصله ضد الْقَدِيم، وفى الإصطلاح مَا أضيف إِلَى النَّبِي [ﷺ] قولا أَو فعلا أَو تقريرًا أَو صفة، حَتَّى الحركات والسكنات فى الْيَقَظَة وَالنَّوْم،
[والمصطفى] الْمُخْتَار بَين أَبنَاء جنسه، وَالْمرَاد بِهِ صَاحب الشَّرْع أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد [ﷺ] إِذْ هُوَ خُلَاصَة خلق الله طرا، وأرفعهم فى الْعَالمين ذكرا وَقدرا،
، [السّنة] أَصْلهَا الطَّرِيقَة تَقول: فلَان على سنة فلَان، إِذا كَانَ تَابعا لطريقه، وَهِي هُنَا عبارَة عَمَّا صدر عَنهُ [ﷺ] قولا، وفعلا وتقريرا، والعطف للْبَيَان إِن كَانَ الحَدِيث مرادفا للسّنة أَو للأخص على الْأَعَمّ إِن كَانَ الحَدِيث أَعم، وَكَذَا إِن أَرَادَ السّنة العلمية وَفِيه حسن المطلع الْمُؤَذّن بِالْمَقْصُودِ
(٣ - (ص) صلى عَلَيْهِ رَبنَا وسلما ... وزاده هِدَايَة وسلما)
(ش) قصد النَّاظِم الْإِخْبَار والإنشاء، ليَكُون فى الْإِنْشَاء مقتديا بِمَا روى فى بعض طرق الحَدِيث الْمَاضِي وَهُوَ " كل أَمر ذِي بَال لَا يبْدَأ فِيهِ بِحَمْد الله، وَالصَّلَاة على فَهُوَ أَبتر " أَي ممحوق من كل بركَة [/ ٩]
[الصَّلَاة] من الله ﷿ على نبيه [ﷺ] مَعْنَاهَا الثَّنَاء عَلَيْهِ عِنْد مَلَائكَته كَمَا فى الصَّحِيح - البُخَارِيّ - عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ الْقشيرِي: هُوَ تشريف وَزِيَادَة تكرم.
1 / 61
[وَالسَّلَام] فى الأَصْل السَّلامَة، يُقَال: سلم يسلم سَلاما وسلامة، وَهُوَ من أَسْمَائِهِ تَعَالَى وَقيل للجنة: دَار السَّلَام، لِأَنَّهَا دَار السَّلَام من الْآفَات، وَجمع بَين الصَّلَاة وَالسَّلَام لتصحيح النووى بِكَرَاهَة إِفْرَاد إِحْدَاهمَا عَن الآخر وخصهما النَّاظِم فى بعض تصانيفه بِمَا يَقع فى الْكتب مثل: قَالَ النَّبِي [ﷺ]، وَأمر رَسُول الله [ﷺ] . لكَونه حذف الرِّوَايَة، أما إِذا ذكر رجلا النَّبِي [ﷺ] فَقَالَ: اللَّهُمَّ صل عَلَيْهِ مثلا، فَلَا أَحسب الْكَرَاهَة وَهُوَ حسن، لَكِن قيد شيخى عدمهَا بِمن لم يفعل ذَلِك ديدنا وَهُوَ أحسن وَقَوله [وزاده] إِن قصد بِهِ الْإِخْبَار فَقَط فَلَا كَلَام أَو مَعَ الْإِنْشَاء فيأتى استشكال دُعَاء الْقَارئ لَهُ [ﷺ] بِزِيَادَة الشّرف مَعَ الْعلم بِكَمَالِهِ فى سَائِر أَنْوَاع الشّرف وَأجَاب عَنهُ شيخى بِمَا [/ ١٠] حَاصله إِن الداعى للمعلم الأول وَهُوَ الشَّارِع [ﷺ] نَظِير جَمِيع ذَلِك فَزِيَادَة الشّرف بِالنّظرِ لهَذَا، فَإِن كَانَ شرفه مُسْتَقرًّا يعْنى وَفضل الله لَا يتناهى وَلَعَلَّ سلف الداعى مَا ورد فى القَوْل عِنْد رُؤْيَة الْكَعْبَة من قَول: " اللَّهُمَّ زد هَذَا الْبَيْت تَشْرِيفًا وتعظيما " فقد قَالُوا فى الصَّلَاة عَلَيْهِ ثَمَرَتهَا عَائِدَة على الْفَاعِل، ومؤذنة بالمحبة على أَنه يحْتَمل أَن يكون وزاده؛ بِمَعْنى فى أمته هدى وسلامة، وَيُؤَيِّدهُ أَنه وَقع فى بعض نسخ النّظم [وزادنا] وَهُوَ ظَاهر.
وفى [سلما] التَّجْنِيس التَّام، فَالْأول من السَّلَام، وَالثَّانِي من السَّلامَة.
(٤ - (ص) وَبعد، أَن خير شئ يقتفا ... بعد الْقُرْآن لحَدِيث المصطفا)
(ش) أما [بعد] وَهِي كَمَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج وَغَيره مَبْنِيَّة على الضَّم لِأَنَّهَا من الظروف المقطوعة على الْإِضَافَة المنوى معنى مَا بعْدهَا، والإتيان بِمَا فى الْخطب والمراسلات مُسْتَحبّ، وَاخْتلف فى أول من قَالَهَا فَقيل: يَعْقُوب، وَقيل: لؤى، وَقيل: دَاوُد؛ وَأَنَّهَا فصل الْخطاب الذى أعطية، وَقيل: يعرب بن قحطان وَقيل [/ ١١] كَعْب بن لؤى
1 / 62
وَقيل: سحبان بن وَائِل وَقيل: قيس بن سَاعِدَة، وَورد فى كل من الْأَقْوَال مَا يشْهد لَهُ وَلَكِن قَالَ شيخى: إِن أشبههَا دَاوُد قَالَ: وَيجمع بَينه وَبَين غَيره بِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ للأولية النهضة والبقية بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعَرَب خَاصَّة ثمَّ يجمع بَينهمَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقَبَائِل.
و[الاقتفاء] الأتباع يُقَال: قفوته وقفيته واقتفيته أَي تَبعته واقتديت بِهِ.
و[الْقُرْآن] بِالْهَمْز، وَقد يحذف بعد نقل الْحَرَكَة لما قبله تَخْفِيفًا، وَهِي قِرَاءَة ابْن كثير وَبِه يتزن الْبَيْت وَهُوَ فى الأَصْل الْجمع وكل شَيْء جمعته فقد قرأته وسمى الْقُرْآن قُرْآنًا لِأَنَّهُ جمع الْقَصَص وَالْأَمر والنهى، والوعد والوعيد، والآيات والسور، بَعْضهَا إِلَى بعض وَهُوَ مصدر كالغفران والكفران.
وفى الِاصْطِلَاح: " اللَّفْظ الْمنزل على مُحَمَّد [ﷺ] المعجز عَن الْإِتْيَان بِسُورَة من مثله الْمَنْقُول إِلَيْنَا نقلا متواترا بِلَا شُبْهَة وَهُوَ اسْم للنظم أَو الْمَعْنى "، وَقَوله: روينَا عَن وَكِيع قَالَ: سَمِعت سُفْيَان وَهُوَ الثَّوْريّ يَقُول: مَا أعلم على وَجه الأَرْض من الْأَعْمَال شَيْئا أفضل من طلب الحَدِيث [/ ١٢] وَلمن أَرَادَ بِهِ وَجه الله تَعَالَى إِن النَّاس يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فى طَعَامه وشرابهم. وَعَن بشر بن الْحَارِث أَنه قَالَ: لَا أعلم على وَجه الأَرْض عملا أفضل من طلب الحَدِيث لمن اتَّقى الله وَحسنت نِيَّته فِيهِ. والْآثَار فى هَذَا الْمَعْنى كَثِيرَة.
1 / 63
[حَدِيث الْمُصْطَفى] لَا يخْتَص بأقواله بل استعملوه لأعم مِنْهَا وَمن الْفِعْل وَالتَّقْدِير كَمَا تقدم.
(٥ - (ص) يحملهُ عدُول كل خلف ... عَمَّن مضى من خلف وَسلف)
(ش) أَشَارَ النَّاظِم بذلك إِلَى مَا ورد من حَدِيث أُسَامَة بن زيد وَجَابِر بن سَمُرَة، وَابْن عمر وَابْن مَسْعُود وعَلى وَأبي أُمَامَة وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهم من الصَّحَابَة ﵃ عَنهُ [ﷺ] أَنه قَالَ: " يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عَدو لَهُ ينفون عَنهُ تَحْرِيف الغالين وانتحال المبطلين وَتَأْويل الْجَاهِلين " وَهُوَ من جَمِيع طرقه ضَعِيف كَمَا صرح بِهِ الدَّارَقُطْنِيّ وَأَبُو نعيم وَابْن عبد الْبر لَكِن يُمكن أَن يتقوى بتعددها وَيكون حسنا كَمَا جزم بِهِ العلائي لَا سِيمَا وَيشْهد لَهُ كتاب عمر إِلَى أَبى [/ ١٣] مُوسَى ﵄: " الْمُسلمُونَ عدُول بَعضهم على بعض إِلَّا مجلودا فى حد أَو مجربا عَلَيْهِ شَهَادَة زور أَو ظنينا فى وَلَاء أَو نسب "
وفى الْعِلَل للخلال أَن مهنا سَأَلَ أَحْمد عَن حَدِيث الْبَاب وَقَالَ لَهُ كَأَنَّهُ كَلَام مَوْضُوع؟ فَقَالَ: هُوَ صَحِيح وَتعقب ذَلِك ابْن الْقطَّان حَيْثُ قَالَ: قد خفى على أَحْمد من حَاله مَا علمه غَيره. انْتهى.
وَبِه تمسك ابْن عبد الْبر حَيْثُ قَالَ كل حَامِل علم مَعْرُوف الْعِنَايَة فَهُوَ عدل مَحْمُول فى أمره أبدا على الْعَدَالَة حَتَّى يتَبَيَّن جرحه وَكَذَا قَالَ ابْن الْمواق: أهل الْعلم محمولون على الْعَدَالَة
1 / 64
حَتَّى يظْهر مِنْهُم خلاف ذَلِك وَنَحْوه مَا روينَا عَن مُحَمَّد بن أَحْمد بن يَعْقُوب بن شيبَة قَالَ: " رَأَيْت رجلا قدم رجلا إِلَى إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي فَادّعى عَلَيْهِ دَعْوَى فَسَأَلَهُ الْمُدعى عَلَيْهِ، فَأنْكر، فَقَالَ للْمُدَّعى: أَلَك بَيِّنَة؟، قَالَ: نعم فلَان وَفُلَان، فَقَالَ: أما فلَان فَمن شُهُوده، وَأما فلَان فَلَيْسَ من شهودى، قَالَ: فيعرفه القَاضِي؟ قَالَ: نعم، قَالَ: بِمَاذَا؟ قَالَ: عرفه بكتب الحَدِيث قَالَ: فَكيف تعرفه فى كتبته الحَدِيث؟ قَالَ: مَا علمت إِلَّا خيرا، قَالَ: فَإِن النَّبِي [ﷺ] قَالَ: " يحمل هَذَا الْعلم من كل خلف عدوله "، وَمن عدله رَسُول الله [ﷺ] أولى مِمَّن عدلته أَنْت قَالَ: فهاته فقد قبلت شَهَادَته. وقوى الْحَافِظ أَبُو [/ ١٤] الْحجَّاج المزى مَا قَالَ ابْن عبد الْبر حَيْثُ قَالَ: " هُوَ فى زَمَاننَا مرضى بل رُبمَا يتَعَيَّن، وَكَذَا ابْن سيد النَّاس: لست أرى مَا قَالَ أَبُو عمر إِلَّا مرضيا قَالَ: وَلَو أَن مَسْتُور الْحَال فى دينهما تَعَارضا فى نقل خبر، وَأَحَدهمَا مَعْرُوف بِطَلَب الحَدِيث وكتابته وَالْآخر لَيْسَ كَذَلِك لكَانَتْ النَّاس إِلَى قبُول خبر الطَّالِب أميل وَلَا معنى لهَذِهِ الْمعرفَة إِلَّا مزية طلب الْعلم لَكِن سبقهما ابْن الصّلاح فتعقب ابْن عبد الْبر وَأَشَارَ إِلَى أَنه توسع. وأيده غَيره بِأَن قَوْله يحمل وَإِن كَانَ لَفظه لفظ الْخَبَر إِلَّا أَن مَعْنَاهُ الْأَمر لَا سِيمَا وفى بعض طرقه: " ليحمل هَذَا الْأَمر " بلام الْأَمر قَالَ: وَلَا يجوز أَن يكون خَبرا مَحْضا وَإِلَّا تطرق إِلَيْهِ الْخلف وَهُوَ محَال لِأَنَّهُ قد يحملهُ غير عدل فى الْوَاقِع وَحين إِذن فَلَا حجَّة فِيهِ وَوَافَقَ ابْن الصّلاح على ذَلِك ابْن أبي الدَّم وَقَالَ: إِنَّه قريب الإستمداد من مَذْهَب أبي حنيفَة فى أَن ظَاهر الْمُسلمين الْعَدَالَة وَقبُول شَهَادَة كل مُسلم مَجْهُول الْحَال إِلَى أَن يثبت جرحه قَالَ: وَهُوَ غير مرضى عندنَا لِخُرُوجِهِ عَن الِاحْتِيَاط وَيقرب مِنْهُ مَا ذهب إِلَيْهِ مَالك من قبُول شَهَادَة المتوسمين من أهل الْعَاقِلَة اعْتِمَادًا على ظَاهر أَحْوَالهم الْمُسْتَدلّ بهَا على الْعَدَالَة والصدق فِيمَا يشْهدُونَ بِهِ إِذا عرف هَذَا فالمعروف فى لفظ الحَدِيث يحمل " بِفَتْح التَّحْتَانِيَّة " وعدوله "
1 / 65
بِضَم الْعين [/ ١٥] وَاللَّام على أَنه جمع عدل وَنقل عَن رَحْله ابْن الصّلاح حِكَايَة عَن غَيره " ضم الْيَاء من " يحمل على أَنه فعل لما لم يسم فَاعله وَرفع الْمِيم من الْعلم وَفتح الْعين من عدوله وَآخره (ت) يعْنى مجرورة، وَالْمعْنَى أَن الْخلف هِيَ الْعُدُول وَمعنى أَنه عادله كَمَا يَقُول شكور بِمَعْنى شَاكر وَيكون الْهَاء للْمُبَالَغَة كَمَا يَقُول: رجل صبور، وَالْمعْنَى: أَن الْعلم يحمل عَن كل خلف كَامِل فى عَدَالَته ". انْتهى
وَهُوَ أَن هَذَا الْعلم دين فَانْظُر عَمَّن تَأْخُذ دينك.
[وَالْخلف] بِالتَّحْرِيكِ والسكون كل من يجِئ بعد من مضى إِلَّا أَنه بِالتَّحْرِيكِ فى الْخَيْر وَهُوَ المُرَاد هُنَا وبالتسكين فى الشَّرّ يُقَال: خلف صدق وَخلف سوء، ومعناهما جَمِيعًا الْقرن من النَّاس قَالَ الْخطابِيّ: وَمن رَوَاهُ بِسُكُون اللَّام فقد أَحَالهُ وَمن السّكُون: ﴿خلف أضاعوا الصَّلَاة﴾ وَقَول لبيد: " وَبقيت فى خلف كَجلْد الأجرب ".
و[السّلف] من تقدم بِالْمَوْتِ، وسمى الصَّدْر الأول من التَّابِعين السّلف الصَّالح.
فى الْبَيْت اسْتِعْمَال جناس الطباق الَّذِي هُوَ ذكر الشَّيْء وَمُقَابِله وَيُقَال لَهُ: جناس الْمُقَابلَة.
(٦ - (ص) هاك فى علومه مُقَدّمَة ... يكون لاصطلاحهم مفهمة)
(ش) [هَا] اسْم فعل مَعْنَاهُ: خُذ. علم الحَدِيث، قيل: " هُوَ معرفَة الْقَوَاعِد الْمعرفَة بِحَال الرَّاوِي والمروى، وَقيل: " الْقَوَاعِد إِلَى آخِره "
[والمقدمة] بِكَسْر الدَّال من قدم اللَّازِم بِمَعْنى تقدم، وَقد تفتح من قدم المتعدى، وَهِي هُنَا عبارَة عَن: مَقَاصِد عُلُوم الحَدِيث وأنواعه. [والاصطلاح] الِاتِّفَاق والتواطئ [/ ١٦] على الشَّيْء بِحَيْثُ يصير متعارفا عِنْد أهل ذَلِك الْفَنّ، وَهُوَ هُنَا على حذف مُضَاف أَي اصْطِلَاح أَهله وَقَوله: [مفهمة] أَي تعليمها إِلَّا أَنه أسْندهُ إِلَيْهَا لِأَنَّهَا مبدأ للتعليم.
1 / 66
(٧ - (ص) رتبتها أحسن مَا يرتب ... وزدتها فَوَائِد تستعذب)
(ش) [التَّرْتِيب] لُغَة: جعل الشَّيْء فى مرتبته. وَاصْطِلَاحا: جعل الْأَشْيَاء المتعددة المتناسبة بِحَيْثُ يُطلق عَلَيْهَا اسْم الْوَاحِد، وَإِنَّمَا كَانَت تَرْتِيب هَذِه الْمُقدمَة أحسن، من أجل أَنه ابتدأها بآداب الطَّالِب، أَولا على النمط الطبيعي فى التَّعْلِيم، وَالْجُمْهُور تابعون فى ترتيبهم كتبهمْ كتاب ابْن الصّلاح، وَهُوَ لكَونه أَلْقَاهُ إملاء لم يحصل ترتيبه على الْوَضع الْمُنَاسب.
[وفوائد] جمع فَائِدَة وَهِي مَا يكون الشَّيْء بِهِ أحسن حَالا مِنْهُ بِغَيْرِهِ وصرفها للضَّرُورَة.
[والعذب] بِالْمُعْجَمَةِ الطّيب وفى الحَدِيث: " أَنه كَانَ يستعذب لَهُ المَاء واستعذبنا: أَي شربنا عذبا وأسقينا عذبا وَهِي هُنَا اسْتِعَارَة، ثمَّ إِنَّمَا أَتَى بِهِ النَّاظِم من زِيَادَته لم يميزه عَن كَلَامهم كَمَا فعل غَيره لعدم تقيده بِكِتَاب مَخْصُوص، وَاعْلَم أَن التراجم تخْتَلف النّسخ فِيهَا إِثْبَاتًا وحذفا، وَالظَّاهِر أَن النَّاظِم لم يثبتها كَمَا فعل مُسلم فى صَحِيحه وَإِنَّمَا هِيَ من تصرف بعض الْكتاب بِدَلِيل إهمالها فى أَمَاكِن مفتقرة إِلَيْهَا وَلذَلِك تصرفت فِيهَا بِالزِّيَادَةِ والتغيير.
1 / 67
(٨ - (ص) نظمتها باسم الإِمَام العالمى ... أَبى مُحَمَّد الْمقر السالمي)
(ش) [النّظم] فى اللُّغَة: الْجمع، وفى الِاصْطِلَاح: الْجمع على بَحر من البحور الْمَعْرُوفَة [/ ١٧] عِنْد أهل القريض قَالَ فى " الصِّحَاح ": " نظمت اللُّؤْلُؤ أَي جمعته فى السلك، والتنظيم مثله. وَمِنْه نظمت الشّعْر ونظمته، والنظام الْخَيط الذى ينظم بِهِ اللُّؤْلُؤ ونظم من لُؤْلُؤ " انْتهى.
و[السالمى] هَذَا هُوَ بليغا الظَّاهِرِيّ تَأمر وَعمل الاستادارية، والوزارة وَالْإِشَارَة وَغَيرهَا، وَولى نظر خانقاه سعيد السُّعَدَاء، والشيخونية، لَازم الِاشْتِغَال بِالْعلمِ وَأكْثر من سَماع الحَدِيث وَكِتَابَة الطباق، وَلكنه لم يفتح عَلَيْهِ بِشَيْء من ذَلِك سوى أَنه يَصُوم يَوْمًا بعد يَوْم وَيكثر التِّلَاوَة وَقيام اللَّيْل وَالذكر والصداقة مَعَ محبَّة الْعلمَاء والفضلاء، وَلَا يَخْلُو من محَاسِن إِلَّا أَنه كَانَ شَدِيد الْمُبَالغَة فى حب ابْن عربى وَأَضْرَابه من غير فهم لكلامهم وَقد بَالغ النَّاظِم فى وَصفه جَريا على عَادَة كثيرين فى رُؤَسَاء وقتهم، وَهُوَ الَّذِي أقدم ابْن أبي الْمجد من دمشق إِلَى الْقَاهِرَة حَتَّى حدث بِالصَّحِيحِ وَغَيره، وَكَانَ لجوجا مصمما على مَا يُرِيد وَلَو كَانَ فِيهِ تلاف روحه، وقاسى النَّاس مِنْهُ شدَّة وَآل أمره إِلَى أَن خنق وَهُوَ صَائِم فى رَمَضَان بعد عصر يَوْم الْجُمُعَة سنة إِحْدَى عشرَة وثماني مائَة، عفى الله تَعَالَى عَنهُ.
1 / 68
(٩ - (ص) تَغْدُو إِلَى مصر من أَرض برحة ... فهى إِلَى جنابه تحيتى)
(ش) [تغدوا] مُعْجمَة ثمَّ مُهْملَة من الغدو، وَهُوَ سير أول النَّهَار، وَلم يرد النَّاظِم إِلَّا مُطلق السّير.
[وبرحة] بِالْمُوَحَّدَةِ الْمَفْتُوحَة، بعْدهَا مُهْملَة سَاكِنة، ثمَّ حاء مُهْملَة، من البرح قَالَ فى " الْقَامُوس ": وَهُوَ الشدَّة، وَالشَّر، وَمَوْضِع بِالْيمن [فَيحْتَمل] أَن الْإِرْسَال كَانَ مِنْهُ أَو من مَكَان فِيهِ فتْنَة كبرصة من بِلَاد الرّوم، فقد أَقَامَ النَّاظِم عِنْد ملكهَا أبي يزِيد بن عُثْمَان من سنة ثَمَان وَتِسْعين إِلَى أَن قتل فى سنة خمس، وَكَذَلِكَ هُوَ فى بعض النّسخ وَالْأَمر فِيهِ سهل.
[والجناب] بِالْفَتْح الفناء، وَمَا قرب من محلّة الْقَوْم. [والتحية]: السَّلَام يُقَال: حياك الله أى سلم عَلَيْك وَهِي مفعلة من الْحَيَاة وَإِنَّمَا أدغمت لِاجْتِمَاع الْأَمْثَال.
آدَاب طَالب الحَدِيث
(١٠ - (ص) فَمن يُرِيد أَن يرى مُحدثا ... فليعلمن من قبل أَن يحدثا)
(١١ - كَيْفيَّة النَّقْل مَعَ السماع ... وَمَا لمتنه من الْأَنْوَاع)
(ش) أَي فليعلمن بِقِرَاءَة هَذِه الْمُقدمَة أَو مَا يقوم مقَامهَا من مُقَدمَات الْفَنّ متفهما لذَلِك من أَهله الممارسين لَهُ كَيْفيَّة الْأَخْذ والتحمل وَكَيْفِيَّة السماع على مَا سيأتى تَفْصِيله.
وَسَائِر أَنْوَاع الحَدِيث وَهِي عِنْد ابْن الصّلاح خَمْسَة وَسِتُّونَ نوعا واحتوت " النخبة " الَّتِى لشَيْخِنَا مَعَ اختصارها على أَكثر من مائَة نوع.
و[من] مَوْصُولَة وَالضَّمِير فى [مَتنه] للْحَدِيث والمتن هُوَ الْغَايَة الَّتِي انْتهى إِلَيْهَا الْإِسْنَاد.
1 / 69
و[الْأَنْوَاع] جمع نوع، وَالْمرَاد هُنَا: الْقسم، وَكَذَا الصِّنْف إِذْ مَعْنَاهُمَا مُتَقَارب وَأكْثر الْمُحدثين وَكَذَا المُصَنّف لَا يُرَاعى اصْطِلَاح من فرق بَينهمَا، وَمَا وَقع فى بعض النّسخ من حذف الْيَاء من يرد على أَن من شَرْطِيَّة يخْتل بهَا الْوَزْن إِلَّا بِإِثْبَات اللَّام، أَو الْمُوَحدَة أَو أَن.
(١٢ - (ص) فأولا بعد خلوص نِيَّته ... أهم مَا إِلَيْهِ صدق لهجته)
(ش) لما كَانَ الْإِخْلَاص أصل كل عمل لقَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا أمروا إِلَّا ليعبدوا الله مُخلصين لَهُ الدّين﴾، وَلقَوْله [ﷺ]: " إِنَّمَا الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ ".
فينبغى أَن يكون أول مَا يبْدَأ بِهِ من يُرِيد الِاشْتِغَال بِالْحَدِيثِ النبوى قبل الشُّرُوع فى شَيْء مِنْهُ تَصْحِيح النِّيَّة فى طلبه لله تَعَالَى خَالِصا، والحذر من قصد التَّوَصُّل بِهِ إِلَى غَرَض من
1 / 70
الْأَغْرَاض (الدنيونية) ويبتهل إِلَى الله تَعَالَى فى التَّوْفِيق والتيسير فقد روينَا عَن حَمَّاد بن سَلمَة أَنه قَالَ: " من طلب الحَدِيث لغير الله مكر بِهِ "، وَسَأَلَ أَبُو عَمْرو أبن نجيد أَبَا عَمْرو بن حمدَان - وكأنا من الصَّالِحين - بأى نِيَّة أكتب الحَدِيث؟ فَقَالَ ألستم تروون أَن عِنْد ذكر الصَّالِحين تتنزل الرَّحْمَة؟ قَالَ: نعم قَالَ: فَرَسُول الله [ﷺ] رَأس الصَّالِحين.
ثمَّ يَأْخُذ نَفسه بالآداب السّنيَّة، والأخلاق المرضية وأهم مَا يضمه إِلَى الْإِخْلَاص مِنْهَا [صدق اللهجة] لِأَن مبْنى هَذَا الْفَنّ عَلَيْهِ إِذْ هُوَ مُتَعَلق بالأخبار [واللهجة] بفتحتان وبتسكين الْهَاء أَيْضا: اللِّسَان. و[أَولا] مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة.
(١٣ - (ص) ثمَّ يُبَادر السماع العالى ... مقدم الأولى من العوالى)
(ش) أَي [ثمَّ] بعد الْإِخْلَاص والصدق يُبَادر بِسَمَاع مَا عِنْد أرجح شُيُوخ بَلَده إِسْنَادًا، وعلما ودينا وشهرة، وَيقدم الْأَعْلَى فالأعلى من الحَدِيث، فالعلو سنة بَالِغَة.
قَالَ الإِمَام احْمَد: " طلب الْإِسْنَاد العالى سنة عَمَّن سلف " [/ ٢٠]، وَعَن ابْن معِين، وَقد قيل لَهُ فى مرض مَوته: مَا تشْتَهى؟ قَالَ: " بَيت خَال وَسَنَد عَال "، وَإِنَّمَا كَانَ الْعُلُوّ مرغوبا فِيهِ أقرب إِلَى الصِّحَّة وَقلة الْخَطَأ، لِأَنَّهُ مَا من راو من رجال الْإِسْنَاد إِلَّا وَالْخَطَأ جَائِز عَلَيْهِ، فَكلما كثرت الوسائط وَطَالَ السَّنَد كثرت مظان التجويز، وَكلما قلت قلت، فَإِن كَانَ فى النُّزُول مزية يست فى الْعُلُوّ كَأَن يكون رِجَاله أوثق
1 / 71
[مِنْهُ] أَو أحفظ، أَو أفقه، أَو الِاتِّصَال فِيهِ أظهر، فَلَا تردد فى أَن النُّزُول حِينَئِذٍ أولى، وَأما من رجح النُّزُول مُطلقًا وَاحْتج بِأَن كَثْرَة الْبَحْث تقتضى الْمَشَقَّة فيعظم الْأجر فَذَلِك تَرْجِيح بِأَمْر أجنبى عَمَّا يتَعَلَّق بالتصحيح والتضعيف.
أَنْوَاع الْعُلُوّ
(١٤ - (ص) وَهُوَ خَمْسَة فالأعلى الأول ... قرب الرَّسُول إِذْ هُوَ الْمعول)
(١٥ - ثمت قرب من إِمَام ذوى عمل ... ثمت قرب بوفاق أَو بدل)
(١٦ - أَو التساوى أَو مصافحة من ... ألف كالشيخين أَو ذوى السّنَن)
(١٧ - فبدل عَن شيخ فَشَيْخ وافقة ... لكنه عَن شَيْخه مُوَافقَة)
(ش) لما فرغ من حضه على سَماع الْأَعْلَى فالأعلى أَشَارَ إِلَى أَنْوَاع الْعُلُوّ الْمَطْلُوب عِنْد أهل الحَدِيث، وَأَنَّهَا خَمْسَة: [الأول] وَهُوَ الأولى الْمعول عَلَيْهِ الْعُلُوّ الْمُطلق، وَهُوَ الْقرب من رَسُول الله [ﷺ] بِعَدَد قَلِيل بِالنِّسْبَةِ إِلَى سَنَد آخر يرد بِهِ ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه بِعَدَد كثير أَو بِالنِّسْبَةِ لمُطلق الْأَسَانِيد فَإِن اتّفق أَن يكون سَنَده صَحِيحا [/ ٢١] كَانَ الْغَايَة القصوى، وَإِلَّا فصورة الْعُلُوّ فِيهِ مَوْجُودَة مَا لم يكن مَوْضُوعا فَهُوَ كَالْعدمِ، وَلذَلِك قَالَ الذَّهَبِيّ فى " مِيزَانه ": " مَتى رَأَيْت الْمُحدث يفرح بعوالى هدبة، ويعلى بن الأشبق، ومُوسَى الطَّوِيل، وَابْن أبي الدُّنْيَا، وَهَذَا الضَّرْب، فَاعْلَم أَنه عامى بعد " انْتهى.
وَقد وَقع لي بِحَمْد الله أَحَادِيث عشاريات شاركت فِيهَا شُيُوخنَا بل شيوخهم.
[الثَّانِي] [الْقرب من إِمَام] من أَئِمَّة الحَدِيث ذِي صفة علية كالحفظ، والفقة، والضبط
1 / 72
، والتصنيف، وَغَيرهَا من الصِّفَات الْمُقْتَضِيَة للترجيح كشعبة، وَالْأَعْمَش، وَمَالك، وسُفْيَان، وَالشَّافِعِيّ، وَنَحْوهم، وَإِن كثر الْعدَد مِنْهُ إِلَى النَّبِي [ﷺ] وأعلا مَا يَقع بينى وَبَين هَؤُلَاءِ تِسْعَة أنفس.
[الثَّالِث] الْقرب بِالنِّسْبَةِ إِلَى رِوَايَة الشَّيْخَيْنِ أَو أَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة بِحَيْثُ يكون الراوى لَو رَوَاهُ من طَرِيق أحد الْمَذْكُورين يَقع منزلا مِمَّا لَو رَوَاهُ من غير طريقهم، وَقد اعتنى الْحفاظ بالمستخرجات قصدا للعلو، واشتدت عناية الطّلبَة وَنَحْوهم من الْمُتَأَخِّرين بِهَذَا النَّوْع، حَتَّى غلب على كثير مِنْهُم بِحَيْثُ أهملوا الِاشْتِغَال بِمَا هُوَ أهم مِنْهُ لما يَقع لَهُم فى ذَلِك من الْمُوَافقَة، وَالْبدل، والمساواة، والمصافحة فَإِن الراوى إِذا اتّفق هُوَ وَالْوَاحد من الْمَذْكُورين فى شَيْخه فَهُوَ موافقه مِثَال: روى البخارى عَن قُتَيْبَة عَن مَالك، حَدثنَا. . فَلَو روينَاهُ من طَرِيق البخارى كَانَ بَيْننَا وَبَين قُتَيْبَة تِسْعَة وَلَو روينَا [/ ٢٢] ذَلِك الحَدِيث بِعَيْنِه من طَرِيق أبي الْعَبَّاس السراج عَن قُتَيْبَة [مثلا] لَكَانَ بَيْننَا وَبَين قُتَيْبَة فِيهِ [ثَمَانِيَة] فقد حصلت لنا الْمُوَافقَة مَعَ البخارى فى شَيْخه بِعَيْنِه مَعَ علو الْإِسْنَاد على الْإِسْنَاد إِلَيْهِ، وَإِن اتّفق الراوى هُوَ وَالْوَاحد مِنْهُم فى شيخ شَيْخه فَهُوَ الْبَدَل كَمَا إِذا روى البخارى مثلا حَدِيثا عَن قُتَيْبَة عَن مَالك فَيَقَع لنا من حَدِيث القعنبى عَن مَالك، وَقد يُسمى الْبَدَل: مُوَافقَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى شيخ شيخ ذَلِك المُصَنّف، وَهَذَا مُرَاد النَّاظِم بقوله [فبدل] أَي فالبدل: هُوَ مَا يَقع تَخْرِيجه لوَاحِد مِمَّن [ألف] من جُزْء شيخ شيخ لَهُ وَافقه الراوى على تَخْرِيجه من جِهَة الشَّيْخ الْأَعْلَى لَا بِوَاسِطَة ذَلِك الشَّيْخ الْأَدْنَى بل بِوَاسِطَة غَيره وتخريجه عَن شَيْخه أى شيخ شيخ من ألف مُوَافقَة، وَاعْلَم أَن أَكثر مَا يعتبرون الْمُوَافقَة وَالْبدل إِذا قاربا الْعُلُوّ وَإِلَّا فاسم الْمُوَافقَة وَالْبدل وَاقع بِدُونِهِ وَإِن كَانَ بَين الراوى والصحابى كَمَا بَين الْوَاحِد مِنْهُم
1 / 73
وَبَين النَّبِي [ﷺ] فِيهِ أحد عشر نفسا فَيَقَع [لنا] وَذَلِكَ الحَدِيث بِعَيْنِه بِإِسْنَاد آخر إِلَى النبى [ﷺ] يَقع بَيْننَا [فِيهِ] وَبَين النَّبِي [ﷺ] فِيهِ: أحد عشر نفسا فيساوى النسائى من حَيْثُ الْعدَد مَعَ قطع النّظر عَن مُلَاحظَة ذَلِك الْإِسْنَاد الْخَاص، وَلَكِن الْمُسَاوَاة مَعْدُومَة فى هَذِه الْأَزْمَان وَمَا قاربها بِالنِّسْبَةِ لأَصْحَاب الْكتب السِّتَّة وَمن فى طبقتهم، نعم يَقع لنا ذَلِك فِيمَن بعدهمْ كالبيهقي، والبغوى، فى " شرح السّنة " (٢٤)، وَنَحْوهمَا، وَإِن كَانَ بَين شيخ الراوى وَبَين الصحابى كَمَا بَين الْوَاحِد وَبَينه أى الْوَاحِد مِمَّن ألف كالشيخين أَو ذوى السّنَن، فَيكون الراوى كَأَنَّهُ صافحه تسمى: المصافحة، وَإِنَّمَا سميت بذلك لِأَن الْعَادة جرت فى الْغَالِب بَين من تلاقيا، وَنحن فى هَذِه الصُّورَة كأنا لاقينا النسائى فكأنا صافحناه، وهى مَعْدُومَة أَيْضا الْآن كالمساواة، وَهَذَا الْعُلُوّ تابعها لنزول فلولا نزُول النسائى لم يحصل لنا الْعُلُوّ.
وَقَوله: [ثمت] هِيَ لُغَة فى ثمَّ.
[بوفاق] أى مَعَ وفَاق، ثمَّ فى إِتْيَانه بكاف التَّشْبِيه إِشْعَار بِعَدَمِ امْتنَاع اسْتِعْمَاله فى غَيرهم كَمَا وَقع لبَعض الْأَئِمَّة فى مُسْند أَحْمد وَهُوَ مِمَّا لَا حرج فِيهِ وَلَكِن الْغَالِب فى اسْتِعْمَال المخرجين الِاقْتِصَار على " السته ".
وَقَوله: عَن [شَيْخه] وَقع فى بعض النّسخ عَن شيخهم بِالْجمعِ وَهُوَ قريب
1 / 74