قال أبو محمد عبد الغني بن سعيد، هذه المرأة الحاملة لكتاب حاطب بن أبي بلعتة، هي: أم سارة مولاة لقريش. والحجة في ذلك:
١٦- ما حدثنا به يعقوب بن المبارك، أن محمد بن جعفر بن أعين حدثهم، قال: حدثنا الحسن بن بشر بن سلم الكوفي سنة عشرين، قال: أخبرنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن أنس [بن ⦗٧٦⦘ مالك]، قال: أمن رسول الله ﷺ الناس يوم فتح مكة، إلا أربعة من الناس: عبد العزى بن خطل، ومقيس بن صبابة الكناني، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأم سارة.
فأما عبد العزى فإنه قتل وهو آخذ بأستار الكعبة.
قال: ونذر رجل من الأنصار أن يقتل عبد الله بن سعد إذا رآه، وكان أخا عثمان بن عفان من الرضاعة، فأتى به سول الله ﷺ يستشفع له. فلما بصر به الأنصاري اشتمل على السيف وخرج في طلبه، فوجده في حلقة رسول الله ﷺ فهاب قتله، فجعل يتردد ويكره أن يقدم عليه لأنه في حلقة رسول الله ﷺ، فبسط رسول الله يده فبايعه. ثم قال للأنصاري: قد انتظرتك أن توفي بنذرك. قال: يا رسول الله! هبتك أفلا أومضت إلي؟ قال: إنه ليس لنبي أن يومض.
وأما مقيس بن صبابة: فإنه كان له أخ مع رسول الله ﷺ فقتل خطأ، فبعث معه رسول الله ﷺ رجلًا من بني فهر ليأخذ له عقله من الفهري. فلما جمع له ⦗٧٧⦘ العقل ورجع يؤم الفهري، فوثب مقيس وأخذ حجرًا فجلد به رأسه فقتله، ثم أقبل وهو يقول:
شفى النفس من قد بات بالقاع مسندًا ... تضرج ثوبيه دماء الأخادع
وكانت هموم النفس من قبل قتله ... تلم فتنيئني وطاء المضاجع
حللت به نذري وأدركت ثؤرتي ... وكنت إلى الأوثان أول راجع
وأما أم سارة: فإنها كانت مولاة لقريش، فأتت رسول الله ﷺ فشكت إليه الحاجة فأعطاها شيئًا. ⦗٧٨⦘ ثم أتاها رجل فدفع إليها كتابًا إلى أهل مكة يتقرب بذلك إليهم ليحفظ به في عياله، وكان له بها عيال، فأخبر جبريل رسول الله ﷺ بذلك. فبعث في إثرها عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ﵄. فلحقاها ففتشاها، فلم يقدرا على شيء معها، قأقبلا راجعين. فقال أحدهما لصاحبه: والله ما كذبنا ولا كذبنا، ارجع بنا إليها، فرجعا إليها فسلا سيفيهما، وقالا: والله لنذيقنك الموت، أو لتدفعن إلينا الكتاب. فأنكرت، ثم قالت: أدفعه إليكما على أن لا ترداني إلى رسول الله ﷺ. فقبلا ذلك منها. فحلت عقاص رأسها، فأخرجت الكتاب من قرن من قرونها، فدفعته إليهما. فرجعا به إلى رسول الله ﷺ فدفعاه إليه. [فبعث إلى الرجل]، فقال: ما هذا الكتاب؟
قال: أخبرك يا رسول الله. إنه ليس من أحد معك إلا وله بمكة من يحفظه في عياله غيري. فكتبت هذا الكتاب ليكونوا لي في عيالي.
فأنزل الله ﷿: ﴿يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة [وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادًا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة] وأنا أعلم بما أخفيتم ⦗٧٩⦘ وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل﴾ .
1 / 75