وعاشت دراجا المسكينة مدة من الزمن وهي تتألم لضيق ذات يدها، ولم يكن لها تسلية غير الذهاب إلى المجتمعات الدينية والاشتراك في الأناشيد، فكانت تجلس مع العامة على المقاعد الخشبية البسيطة وهي تنشد وترنم. وعلى مقعد من هذه المقاعد، في أحد الاجتماعات رأتها الملكة ناتالي، والدة الملك إسكندر، فأعجبت بجمالها، وتأثرت باستقامتها وعقيدتها الدينية؛ فضمتها إلى حاشيتها واتخذتها وصيفة خاصة لها. وعرفت الملكة بعد ذلك أن دراجا حفيدة لرجل اسمه نيقولا لونيفيتزا كان من أعز أصدقاء الأمير ميلوش أوبرينوفتش، جد الملك إسكندر؛ فزاد تقديرها وحبها لها.
الإشاعات
وكان للمدة التي قضاها الملك إسكندر من فصل الصيف في مدينة بياريتز أعظم الفضل في ازدياد الصلات بينه وبين دراجا، فلما عادت مع والدته الملكة إلى العاصمة بلغراد، كان يراها باستمرار ويحادثها ويدعوها إليه في كثير من الأحيان، ويستشيرها في بعض الأمور، وكان من أثر ذلك أن بدأت الإشاعات تنتشر في القصر أولا، ثم ما لبثت أن تسربت إلى خارجه، وكلها تلغط بذكر علاقة الملك بوصيفة والدته، وقد قيل إذ ذاك: إن الوزراء شكوا من أن الملك لا يبت في شيء قبل استشارة دراجا، وأنه كثيرا ما يغادرهم يتناقشون في موضوع لكي يحدثها تليفونيا ويسألها رأيها هي في ذلك الموضوع.
وزادت الإشاعات بعد ذلك حتى تناولت احتمال زواج الملك بالوصيفة ، وأقبلت إحدى زميلات دراجا في البلاط تهنئها مقدما على ما ينتظرها من عظمة ومجد في المستقبل حين تشارك الملك ملكه، ولكن دراجا غضبت لحديث صديقتها وصاحت بها: كفاك هذيانا! نعم، إن الملك يحبني، وأنا لا أنكر ذلك، بل إنني أعترف به وأنا أشعر بالفخر؛ إذ إنني أحبه أنا الأخرى إلى حد العبادة، ولكن لن يكون معنى حبي وإخلاصي لجلالته أن أحول بينه وبين واجبه نحو البلاد ونحو العرش: ذلك الواجب الذي يحتم عليه أن يختار زوجة تنتسب إلى أصل ملكي أو قيصري؛ حتى تجد بلادنا حليفة قوية تقف إلى جانبها دائما! أما أنا فحسبي أن أضحي بسعادتي في سبيله!
كانت دراجا تفوه بهذه الألفاظ بقوة وحماسة تجعل من يسمعها يتأكد صدقها وإخلاص قائلها لملكها وبلادها، أما الملك فكان يزداد في كل يوم تعلقا بدراجا حتى صار لا يقدر على فراقها لحظة، وقيل إذ ذاك في معرض النقد: إن دراجا لم تعد وظيفتها في القصر وصيفة الملكة ناتالي، ولكن وصيفة الملك إسكندر.
تنبوءات عراف
ولم تكن الملكة ناتالى تهتم بشيء مما يقال عن علاقة ابنها الملك بوصيفتها؛ إذ كانت تدرك أنها علاقة ثائرة لا بد أن تنتهي قريبا بعد أن يسأم الملك دراجا، ويشعر بالرغبة في غيرها أو بالرغبة في الزواج! ولكن حدث في عام من الأعوام أن كانت الملكة في باريس، فمرت على عراف اشتهر بمقدرته على كشف حوادث المستقبل، وكان من بين ما قاله ذلك الرجل للملكة: احذري يا مولاتي! إنني أرى حية سامة تحتفظين بها جلالتك في صدرك، احذري منها؛ فها هي ذي تلدغك لدغة مميتة!
الزواج
وكان أول من اتجه إليه فكر الملكة - وهي تفكر في الحية السامة - دراجا! فلما عادت إلى بلغراد أخذت تشعر نحوها بالنفور، ثم حدث بعد ذلك أن عثرت مصادفة على خطاب أرسله ابنها الملك إلى دراجا، فقرأته وراعها أن تتبين في سطوره مقدار تأثير الوصيفة على الملك وخضوعه لها، وشعرت بغضب عظيم وغيرة شديدة، ثم نادت دراجا وأمرتها بمغادرة القصر في الحال ، فأطاعتها دراجا بسكون؛ إذ كانت تتوقع حدوث مثل هذا من مدة طويلة بسبب الوشايات والدسائس التي تملأ القصور الملكية.
كانت الملكة مخطئة في تصرفها لما طردت دراجا من القصر؛ إذ إنها لما فعلت ذلك جعلت ابنها الملك يزداد تعلقا بها، وحبا لها؛ فقد أسرع إليها يواسيها ويكرر على مسامعها استعداده للزواج منها، ويقال: إن الملك كان قد طلب يد دراجا أكثر من مرة قبل ذلك، وإنها هي التي كانت ترفض في كل مرة، وتصرح له بأنها لا تستحق هذا الشرف، ولكنها بعد أن طردت من القصر وأخذت تشعر بأنها مهددة، وبعد أن أحست بأن تأثيرها على الملك سيزول بابتعادها عنه، فلن تجد لها نصيرا ولا صديقا، وبعد أن فقدت عطف الملكة الوالدة.
अज्ञात पृष्ठ