316

بالتخفيف حذف المد كما يقال مفاتح ( وإن هم إلا يظنون ) كالمحقق لما تقدمه من قوله ( لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ذكر الفرقة الضالة المضلة المحرفة ، ثم الفرقة المنافقين منهم ، ثم الفرقة المجادلة لأهل النفاق ، ثم العوام المقلدة ، ونبه على أنهم في الضلال سواء ، لأن للعالم أن يعمل بعلمه وعلى العامي أن لا يرضى بالتقليد والظن إن كان متمكنا من العلم ولا سيما في أصول الدين ، الويل كلمة يقولها كل مكروب ، وعن ابن عباس : أنه العذاب الأليم. وعن الثوري : صديد أهل الجحيم. وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم : «واد في جهنم يهوي فيه الكافر أربعين خريفا قبل أن يبلغ قعره» (1). وقال عطاء بن يسار : الويل واد في جهنم ، لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره. ولا شبهة في دلالتها على نهاية الوعيد والتهديد ( يكتبون الكتاب ) المحرف ( بأيديهم ) تأكيد كما تقول للمنكر هذا ما كتبته بيمينك. حكى عنهم أمرين : كتبة الكتاب وإسناده إلى الله. فالوعيد مرتب على كل منهما وعلى مجموعهما إلا أنه على الثاني أبلغ ولهذا جيء ب «ثم» وقوله ( ليشتروا به ثمنا قليلا ) تنبيه على شقاوتهم ، فإنهم استبدلوا النفع الحقير العاجل الزائل بالأجر العظيم الآجل الدائم ( فويل لهم مما كتبت أيديهم ) أي مما أسلفت من كتبها ما لم يكن يحل لهم ( وويل لهم مما يكسبون ) بذلك بعد من الرشا على التحريف وفي إعادة الويل في الكسب دليل على أن الوعيد كما يلحقهم بسبب الكتبة وإسنادها إلى الله ، فكذلك يلحقهم بسبب أخذ المال عليه ليعلم أن أخذ المال على الباطل محرم وإن كان بالتراضي ( وقالوا لن تمسنا النار ) نوع آخر من قبائح أفعالهم وهو جزمهم بأن الله تعالى لا يعذبهم إلا أياما معدودة قليلة ، وهذا الجزم مما لا سبيل إليه بالعقل البتة ، ولا دليل له سمعيا فلا يجزم به عاقل. والأيام المعدودة قالوا : أربعون يوما هي أيام عبادة العجل. وعن مجاهد قالوا : مدة الدنيا سبعة آلاف سنة ، وإنما نعذب مكان كل ألف سنة يوما لأن يوما عند الله ألف سنة. وأيام معدودة ومعدودات كلاهما فصيح مثل الأيام مضت ومضين. والعهد هاهنا يجري مجرى الوعد والخبر ، لأن خبره سبحانه كالعهود المؤكدة منا بالقسم والنذر. و ( أتخذتم ) استفهام بطريق الإنكار ، وإنه يدل على عدم الدليل السمعي. ( فلن يخلف الله عهده ) لتنزهه سبحانه عن كل نقيصة وخلاف الخبر أنقص النقائص. فإن قيل : هب أن الخلف في الوعد لؤم ونقيصة ، لكنه في الوعيد كرم ولطف. قلنا : الخلف من حيث هو كذب قبيح لا يجوزه كامل ، ولعل للكرم

पृष्ठ 318