وصعدت السلم بقدمين مرتجفتين، وخيل إليها أنه سيصعد وراءها. كثير من الجرائم تقع على سلم مظلم، ووصلت إلى باب الشقة وهي تلهث، وأخرجت المفتاح وارتجفت أصابعها وهي تبحث عن الثقب، وفتحت الباب ودخلت وأغلقت الباب خلفها بسرعة، وسمعت صوت أنفاس أمها العالية المنتظمة فشعرت ببعض الهدوء، لكنها كانت لا تزال تنتفض من البرد، وارتدت ملابس صوفية ثقيلة ودست نفسها في الفراش وأسنانها تصطك وأغمضت عينيها وغابت عن الوعي. •••
فتحت عينيها في الصباح على صوت أمها، كانت تقول لها شيئا لم تسمعه، ورأت عيني أمها الواسعتين الصفراوين تنظران إليها في قلق، وحاولت أن ترفع رأسها من فوق الوسادة فلم تستطع؛ كان رأسها ثقيلا ترتج داخله كتلة صلبة وترتطم بعظام رأسها محدثة صوتا؛ كأنما تجمد مخها وأصبح مادة معدنية، ودارت عيناها في الغرفة، ورأت الدولاب والنافذة والشماعة والتليفون فوق الرف، وفتحت فمها لتقول شيئا لكنها أحست بألم حاد في حلقها، ورأت وجه أمها المجعد يقترب منها وسمعتها تقول: هل تريدين التليفون؟ وهزت رأسها وخرج صوتها مبحوحا: لا لا. خذيه إلى الصالة؛ لا أريده هنا! وحملت أمها التليفون فوق صدرها وكأنها تحمل قطا أسود ميتا، وسمعت صوت قدميها تزحفان إلى الصالة ثم تعودان إلى حجرتها.
وأخفت رأسها تحت الغطاء، وسمعت صوت أمها يقول: سمعتك تسعلين بالليل، هل أخذت بردا؟ وردت من تحت الغطاء: يبدو ذلك يا ماما، وحركت لسانها الجاف في فمها، فأحست بمرارة تهبط إلى جوفها. ورغبت في البصق وأخرجت المنديل من تحت الوسادة وبصقت، ومسحت أنفها الذي كان يرشح، وأحست بشيء صلب كالحصوة يحتك بحلقها، وراحت تعطس وتسعل لكن الحصوة لم تطرد، كانت تزحف ببطء مع الهواء داخل صدرها.
وسمعت أمها تقول شيئا فقالت: نعم دون أن تعرف ماذا كانت تقول، وسمعت القدمين تزحفان خارج الغرفة وصنعت لأنفها فتحة صغيرة بين السرير والغطاء ليدخل منها الهواء، لكن الضوء دخل أيضا ورأت يدها تحت رأسها. وحول معصمها كانت تلتف الساعة، والتقطت عيناها الرقم الذي يشير إلى العقرب الصغير وتذكرت الوزارة، وسدت فتحة الضوء فعاد الليل مرة أخرى.
نعم، ليعد الليل ويبق، وليختف الضوء من حولها ولا يكن هناك نهار أبدا، فما فائدة النهار؟ تلك الحركة الدائرية من البيت إلى الوزارة ومن الوزارة إلى المعمل ومن المعمل إلى البيت. ما جدوى هذه الحركة؟ ما جدوى الدوران في تلك الحلقة المفرغة؟ تحريك عضلات الذراعين والساقين؟ تنشيط الهضم ودورة الدم؟ وتذكرت صوت الساعاتي: عن أي شيء تبحثين، هل هناك شيء تريدينه ليس موجودا في كل هذه الدنيا؟ إنها لا تريد شيئا من كل هذه الدنيا، لا تريد أن تأخذ شيئا منها، لا تريد مالا، وماذا تفعل بالمال؟ ماذا تفعل المرأة بالمال في هذه الدنيا؟ تشتري فساتين غالية كثيرة؟ ولكن ما فائدة الفساتين الغالية؟ إنها لا تذكر شكل فساتينها، لا تذكر أن «فريد» نظر إلى فستانها مرة واحدة، لم تحس يوما أن فستانها له قيمة ما سوى أنه يغطي أجزاء من جسمها.
وماذا غير الفساتين؟ ماذا تفعل امرأة بالمال في هذه الدنيا غير شراء الفساتين؟ تشتري أدوات الزينة وعلب البودرة؟ ذلك المسحوق الأبيض الذي تدهن به المرأة وجهها وتخفي تلك الشعيرات الدموية التي تجري في البشرة الحية؟ وماذا يبقى للبشرة الحية بعد أن يختفي منها لون الدم؟ ذلك الجلد المعتم الميت؟ ذلك اللون الجيري الأبيض كلون حذاء الكاوتش.
وماذا غير شراء المساحيق والفساتين؟ ماذا تريد امرأة من هذه الدنيا؟ الذهاب إلى السينما؟ زيارة الصديقات؟ النميمة والغيرة والسعي من أجل الزواج؟
ولكنها لا تريد شيئا من هذا، إنها لا تشتري مساحيق، ولا تذهب إلى السينما، وليس لها صديقات ولا تسعى وراء زواج فما الذي تريده؟
وضغطت برأسها فوق الوسادة وجزت على أسنانها في غيظ: ماذا أريد؟ ماذا أريد؟ لماذا لا أريد تلك الأشياء التي تريدها النساء، ألست امرأة مثلهن؟!
ورفعت الغطاء قليلا عن وجهها ليدخل الهواء، ورأت أصابعها الرفيعة وأظافرها، أصابع وأظافر امرأة، وتحسست بشرتها وجسمها؛ بشرة امرأة وجسم امرأة. إنها امرأة فعلا. فلماذا لا تريد ما يريده النساء؟ لماذا؟
अज्ञात पृष्ठ