فلما سمع عبد الرحمن ذلك نسي أنه مقيد بين يدي الخليفة، فالتفت إليه وقال: إنك تطلب أمرا مستحيلا، وما علي ممن يجوز لعنه.
فقال ابن زياد: اقبل النصيحة وأطع أمير المؤمنين؛ لئلا يصيبك ما أصاب أمثالك ممن ساقهم عنادهم إلى القتل، مثل حجر بن عدي و...
فنظر عبد الرحمن إلى ابن زياد والشرر يكاد يتطاير من عينيه وقال: كأني بك يا ابن سمية تقتفي أثر ما فعله أبوك بحجر، وقد سعى في قتله زورا؛ قتله لأنه لم يلعن ابن عم الرسول
صلى الله عليه وسلم ، فإذا رأيت أن ترتكب أنت أيضا مثل ذلك فاقتلني ولا تخوفني. إن عليا أولى بالمدح من سواه.
فلما قال عبد الرحمن ذلك ضج المجلس، وعجب يزيد والحاضرون من جرأة ذلك الأسير المقيد.
أما سلمى فقد كاد يضيع رشدها من عظم التأثر وهي تتقلب بين الإعجاب بشهامة ابن عمها وبين الخوف على حياته، إلى أن سمعت يزيد يقول له: قد أمهلناك يوما آخر، فإذا لم ترجع عن غرورك أذقناك الموت. خذوه إلى السجن.
فدخل الحرس ليأخذوه فقال: لا تؤجل عملا إلى الغد؛ فإني أنا اليوم مثلي بالأمس وبالغد، لا أحيد عن الحق ولو قطعتموني إربا إربا.
وكانت العجوز جالسة بجانب سلمى تسمع ما دار في المجلس، فلما أخرجوا عبد الرحمن قالت لسلمى: أرأيت مثل هذه الجرأة؟ ولكنها لا تفيده شيئا، وغدا يقتلونه.
فلم تستطع سلمى صبرا على سماع ذلك الكلام، ولكنها قالت في سرها: إذا بقيت يا يزيد حيا إلى الغد فاقتل عبد الرحمن، وعادت إلى الغرفة وقد ظهر عليها الاضطراب، ولكنها عادت إلى التظاهر بالتألم من الصداع، فأخذت العجوز تهون أمره عليها، وتحاول الترفيه عنها، ثم قالت: ألم تفدك التعويذة يا حبيبتي؟ إنها لم تخني إلا اليوم.
فلم تجبها سلمى ولكنها أخرجت منديلا من جيبها وعصبت به رأسها وهي تتظاهر بشدة الألم. فقالت لها العجوز: إذا كنت تشكين من الصداع الشديد فعليك بالفراش وتوسدي فيه وارتاحي.
अज्ञात पृष्ठ