يقول الناس: إن جفونهم لا تغمض في الليالي السوداء، الحمد لله أنني في الليالي الفاجعة أنام ملء جفوني.
وفي الصباح الباكر نهضت حائرا فيما ينتظرنا، وماذا عساي أن أفعل!
صديقي الحميم ماك آرثر ...
حين أذاعت التلغرافات أن الجنرال ماك آرثر أقيل من مهمته ملكتني هزة من حبور ذلك؛ لأن ماك آرثر صديق لي حميم، وإن كنت في شك من أن الإنسان أشد ما يكون فرحا إذ هو يسمع بنكبات تنزل بأصدقائه؛ فاستعرض القوائم الانتخابية، وتأمل كم صديق فرح لسقوط صديق.
بدأت صداقتي الشخصية مع ماك آرثر سنة 1941؛ إذ كنت في «مانيلا أوتيل»، فإذا بحركة غير عادية والناس تحولت أنظارهم نحو الباب، وإذا بقامة عسكرية تنقل قدميها بخفة وخيلاء من غير أن تمس بلاط الأوتيل، وتمشي نحو المصعد من غير أن تلتفت أو أن ترى، ولما اختفت القامة سمعت وشوشة: «هذا ماك آرثر.»
وتوثقت بيني وبينه الأخوة بعد الحرب؛ إذ كنت أتمشى في إحدي نواحي المدينة، فإذا نحن أمام قصر انتشر حوله الحرس ويافطة كتب عليها «ممنوع المرور»، وقابلته مرة يوم إعلان استقلال الفلبين، فظهر على بعد عشرين مترا مني، وضرب لي سلاما خاصا، لي ولمائة وعشرين ألفا من المتفرجين. وبعد هذه المقابلة الثالثة تلطف واستمر بالاتصال بي مرارا كل أسبوع، في المجلات والصحف وأفلام السينما، ماك آرثر وفي، لم يقطع عني أخباره هذه السنين.
ما الذي سبب سقوط هذا الرجل الكبير؟ أقول الكبير، ولا أقول العظيم؛ لأن أمر عظمته لم يقره الإجماع.
في رأيي أن ترومن أحسن إلى ماك آرثر كثيرا حين عزله؛ لأنه خلق له شعبية كانت نقمة عليه وبغضا ، لا أعرف في الدنيا شخصا لقي كرها من رجاله مثل ما كان يلقى ماك آرثر من ضباطه وجنوده؛ كنا نمشي في مانيلا والحرب لا تزال محتدمة في الجزر الأخرى، فنلقى الجنود الأميركان، الصاحي منهم يشتم ماك آرثر، والسكران يشتم ماك آرثر، كنا نقرأ اللعنات على حيطان الخمارات، وعلى الشوارع، وأبواب المراحيض، وكان أقلها عنفا تلك العبارة التي تسبق في بيروت «كل من يبول هنا».
ما السبب؟
السبب أن الأميركيين شعب متناهي الديمقراطية، وأن ماك آرثر شيخ ابن شيخ، وفيه عدا عن عنجهية الإقطاعيين أنانية تقص المسمار، وحسد من كل ناجح، وقد خلق هذا الرجل ليأمر فحسب!
अज्ञात पृष्ठ