فتنهدت وشكرتني، وبعد أسبوع كنا في باريس، فقدر أني تركت بولينا في الفندق الذي كنا نازلين به، وذهبت إلى السوق في بعض المهام، وإذا بجمهور من الناس قد علت بينهم الضوضاء، فتقدمت لأستوضح الخبر، فطرق أذني رنة سلاسل استلفتت أنظاري، فشاهدت ثلاثة أشخاص حفاة مقيدين تحيط بهم الجنود من كل الجهات، فسألت شابا إفرنسيا كان واقفا على مقربة مني: من هم هؤلاء؟ - قوم رعاع مفسدون. - إلى أين ذاهبون بهم؟
أجاب هازا كتفيه باستخفاف: وهل غير السجن نصيبهم؟ وعندما اقتربوا مني رفع أحدهم رأسه فتبينته جيدا، وإذا به ماكيري بعينه. أما هو فحينما رآني توقف عن المسير وجعل يتفرس بي وليس للخجل أثر ظاهر على وجهه، ثم ابتدره أحد الجنود بضربة من كفه فانقاد صاغرا وهو يحرق الأرم ويرفل بقيوده. أما أنا فلم يدرك قلبي شفقة عليه البتة، وأيقنت أن دم أنطونيوس مارك كان يصرخ إلى السماء بطلب الانتقام، وقد أجاب الله سؤله.
ولم يمض عشر دقائق حتى علا صفير العربة المختصة بنقل المسجونين إشارة للمسير، وهكذا غاب عني دون أن أعلم سبب سجنه، أو نوع الحكم عليه، ولكني لم أغفل عن وعدي لسنيري، وحالما رجعت إلى المنزل حررت كتابا إلى القائد فارلاموف ومنه إلى سنيري بعد أن قصصت على بولينا ما رأيت.
وفي اليوم الثاني زايلنا باريس ولم يمض أيام قليلة حتى كانت بولينا راكعة بجانب قبر أخيها تسكب عليه الدموع، وعندما انتهت من ذلك طلبت إلي أن أذهب بها من ذلك المكان، وكان وجهها حينئذ مصفرا بما لا يقدر وبعد أن صرنا على الطريق قالت: لقد بكيت كثيرا فيما مضى ولكني أبتسم فيما بقي، ولندع جانبا ظلام الماضي وننظر إلى مستقبلنا المنير بأشعة الحب المقدس.
وهكذا عدنا إلى العالم الباسم الذي كان يؤملنا بحياة جديدة وسعادة أكيدة.
अज्ञात पृष्ठ