ولما غدت غرناطة عاصمة ابن الأحمر من دولة بني نصر بالسيف تارة، وبحسن السياسة مع الأحزاب المعادية أو بمحالفة القشتاليين الإسبانيين وبني مرين المراكشيين تارة أخرى، جعلها العرب الذين طردوا من المدن المجاورة وطنا لهم، ونشط ملوكها الصنائع والتجارة، وعمروا الطرق والمجاري، وتسلسل ذلك فيها فأتم الثاني ما بدأ به الأول، وزينوا البلاد بأبنية بديعة؛ فأصبحت غرناطة أغنى مدينة في شبه جزيرة أيبيريا، وبحكمة أمرائها انبعثت منها شعلة المدنية المغربية في إسبانيا، وأنست عنايتهم بالزراعة والصناعة عهد قرطبة وما كان فيها من العلوم والصناعات وجمال البناء، وأصبحت قصورهم مثابة العلماء والأدباء والفلاسفة «فصارت المصر المقصود، والمعقل الذي تنضوي إليه العساكر والجنود.»
ولما استولى عليها الإسبان سنة 1491م بعد أن حاصروها سبعة أشهر فنيت خلالها أزواد المحاصرين من العرب، وفنيت خيلهم كما فني كثير من نجدة الرجال بالقتل والجراحات، كان سكانها نصف مليون نسمة (نفوسه اليوم 76 ألفا) فانحطت على عهد الإسبان بعد حين، وأقفرت من السكان بما أصدره الملوك الكاثوليك من الأوامر الخرقاء، ولما اشتدت فيها وطأة ديوان التفتيش الديني ظل الحكام والرهبان يستأصلون شأفة العرب حتى لم يبقوا منهم باقية، وكان لها على عهد العرب 1030 برجا متزاحمة بالبيوت، وقال ابن الخطيب: إن الأبراج بلغت إلى ما يناهز أربعة عشر ألفا، وكان في جوارها ما ينيف على ثلاثمائة قرية عدا ما يجاور الحضرة من قرى الإقليم، أو ما استضيف إليها من حدود الحصون المجاورة «وكان أكثرها أمصارا فيها ما يناهز خمسين خطبة تنصب فيها لله المنابر، وترفع الأيدي، وتتوجه الوجوه، ويشتمل سورها وما وراءه من الأرحاء الطاحنة بالماء ما ينيف على مائة وثلاثين رحى.»
الفصل السادس عشر
قصر الحمراء
همم الملوك إذا أرادوا ذكرها
من بعدهم فبألسن البنيان
أو ما ترى الهرمين قد بقيا وكم
ملك محاه حوادث الأزمان
إن البناء إذا تعاظم شأنه
أضحى يدل على عظيم الشان
अज्ञात पृष्ठ