المجلد الأول
إقبال الجند
...
بسم الله الرحمن الرحيم.
﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا﴾ .
إقبال الجند.
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى إله وصحبه أجمعين.
قال الإمام الواقدي رحمه الله تعالى آمين: حدثني أبو بكر بن الحسن بن سفيان بن نوفل بن محمد بن ابراهيم التيمي ومحمد بن عبد الله الأنصاري وأبو سعيد مولى هشام ومالك بن أبي الحسن وإسماعيل مولى الزبير ومازن بن عوف من بني النجار كل حدث عن فتوح الشام بما كان قالوا جميعا: إنه لما توفي رسول الله ﷺ واستخلف بعده أبو بكر الصديق ﵁ قتل في خلافته مسيلمة الكذاب الذي ادعى النبوة وقاتل بني حنيفة وأهل الردة وأطاعته العرب فعزم أن يبعث جيشه إلى الشام وصرف وجهه لقتال الروم فجمع أصحاب رسول الله ﷺ في المسجد وقام فيهم خطيبا فحمد الله ﷿ وقال: يا أيها الناس رحمكم الله تعالى اعلموا أن الله فضلكم بالإسلام وجعلكم من أمة محمد ﵊ وزادكم ايمانا ويقينا ونصركم نصرا مبينا وقال فيكم: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا﴾ [المائدة: ٣] واعلموا أن رسول الله ﷺ كان عول أن يصرف همته إلى الشام فقبضه الله إليه واختار له ما لديه إلا وإني عازم أن اوجه ابطال المسلمين إلى الشام بأهليهم ومالهم فإن رسول الله ﷺ أنبأني بذلك قبل موته وقال: "زويت لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوى لي منها" فما قولكم في ذلك فقالوا: يا خليفة رسول الله مرنا بأمرك ووجهنا حيث شئت فإن الله تعالى فرض علينا طاعتك فقال تعالى: ﴿يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ منكم﴾ [النساء: ٥٩] ففرح أبو بكر رضي الله عليه ونزل عن المنبر وكتب الكتب إلى ملوك اليمن وأهل مكة وكانت الكتب فيها نسخة واحدة. وهي:
1 / 5
بسم الله الرحمن الرحيم سلام عليكم.
أما بعد فاني أحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد ﷺ وقد عزمت أن أوجهكم إلى بلاد الشام لتأخذوها من أيدي الكفار والطغاة فمن عول منكم على الجهاد والصدام فليبادر إلى طاعة الملك العلام ثم كتب: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [التوبة: ٤١] الآية ثم بعث الكتب إليهم وأقام ينتظر جوابهم وقدومهم وكان الذي بعثه بالكتب إلى اليمن أنس بن مالك خادم رسول الله ﷺ قال: فما مرت الأيام حتى قدم أنس ﵁ يبشره بقدوم أهل اليمن وقال: يا خليفة رسول الله وحقك على الله ما قرأت كتابك على أحد إلا وبادر إلى طاعة الله ورسوله وأجاب دعوتك وقد تجهزوا في العدد والعديد والزرد النضيد وقد أقبلت إليك يا خليفة رسول الله مبشرا بقدوم الرجال وأي رجال وقد أجابوك شعثا غبرا وهم أبطال اليمن وشجعانها وقد ساروا إليك بالذراري والأموال والنساء والأطفال وكأنك بهم وقد أشرفوا عليك ووصلوا إليك فتأهب إلى لقائهم قال فسر أبو بكر ﵁ بقوله سرورا عظيما وأقام يومه ذلك حتى إذا كان من الغد اقبلوا إلى الصديق ﵁ وقد لاحت غبرة القوم لأهل المدينة قال فاخبروه فركب المسلمون من أهل المدينة وغيرهم واظهروا زينتهم وعددهم ونشروا الأعلام الإسلامية ورفعوا الألوية المحمدية فما كان إلا قليل حتى أشرفت الكتائب والمواكب يتلو بعضها بعضا قوم في أثر قوم وقبيلة في أثر قبيلة فكان أول قبيلة ظهرت من قبائل اليمن حمير وهم بالدروع الداودية والبض العادية والسيوق الهندية وأمامهم ذو الكلاع الحميري ﵁ فلما قرب من الصديق ﵁ أحب أن يعرفه بمكانه وقومه وأشار بالسلام وجعل ينشد ويقول:
أتتك حمير بالأهلين والولد
...
أهل السوابق والعالون بالرتب
أسد غطارفة شوس عمالقة
...
يردوا الكماء غدا في الحرب بالقضب
الحرب عادتنا والضرب همتنا
...
وذو الكلاع دعا في الأهل والنسب
دمشق لي دوت كل الناس اجمعهم
...
وساكنيها سأهويهم إلى العطب
قال: فتبسم أبو بكر الصديق ﵁ من قوله ثم قال لعلي بن أبي طالب ﵁: يا أبا الحسن أما سمعت رسول الله ﷺ يقول: "إذا أقبلت حمير ومعها نساؤها تحمل أولادها فأبشر بنصر الله على أهل الشرك أجمعين" فقال الإمام علي صدقت وأنا سمعته من رسول الله ﷺ. قال أنس ﵁ وسارت حمير بكتائبها وأموالها وأقبلت من بعدها كتائب مذحج أهل الخير العتاق والرماح الدقاق وأمامهم.
1 / 6
سيدهم قيس بن هبيرة المرادي ﵁ فلما وصل إلى الصديق ﵁ جعل يقول: صلوا على طه الرسول:
أتتك كتائب منا سرعا
...
ذوو التيجان أعني من مراد
فقدمنا أمامك كي ترانا
...
نبيد القوم بالسيف النجادى
قال: فجزاه أبو بكر ﵁ خيرا وتقدم بكتائبه ومواليه وتقدمت من بعده قبائل طيىء يقدمها حارث بن مسعد الطائي ﵁ فلما وصل هم أن يترجل فأقسم عليه أبو بكر ﵁ بالله تعالى أن لا تفعل فدنا منه فصافحه وسلم عليه وأقبلت الأزد في جموع كثيرة يقدمها جندب بن عمرو الدوسي ﵁ ثم جاءت من بعدهم بنو عبس يقدمهم الأمير ميسرة بن مسروق العبسي ﵁ وأقبلت من بعدهم بنو كنانة يقدمهم غيثم بن اسلم الكناني وتتابعت قبائل اليمن يتلو بعضها بعضا ومعهم نساؤهم وأموالهم فلما نظر أبو بكر ﵁ إلى نصرتهم سر بذلك وشكر الله تعالى وانزل القوم حول المدينة كل قبيلة متفرقة عن صاحبتها واستمروا فأضر بهم المقام من قلة الزاد وعلف الخيل وجدوبة الأرض فاجتمع أكابرهم عند الصديق ﵁ وقالوا: يا خليفة رسول الله إنك أمرتنا بأمر فأسرعنا لله ولك رغبة في الجهاد وقد تكامل جيشنا وفرغنا من أهبتنا والمقام قد أضر بنا لأن بلدك ليست بلد جيش ولا حافر ولا عيش والعسكر نازل فإن كنت قد بدلت فيما عزمت عليه فأمرنا بالرجوع إلى بلدنا وأقبل الجميع وخاطبوه بذلك فلما فرغوا من كلامهم قال أبو بكر ﵁: يا أهل اليمن ومن حضر من غيرهم أما والله ما أريد لكم الأضرار وإنما أردنا تكاملكم قالوا: إنه لم يبق من ورائنا أحد فاعزم على بركة الله تعالى.
وصية أبي بكر قال المؤلف رحمه الله تعالى: لقد بلغني أن أبا بكر الصديق ﵁ قام من ساعته يمشي على قدميه وحوله جماعة من الأصحاب منهم عمر وعثمان وعلي ﵁ وخرجوا إلى ظاهر المدينة ووقع النداء في الناس وكبروا بأجمعهم فرحا لخروجهم وأجابتهم الجبال لدوي أصواتهم وعلا أبو بكر على دابته حتى أشرف على الجيش فنظر إليهم قد ملئوا الأرض فتهلل وجهه وقال: اللهم انزل عليهم الصبر وأيدهم ولا تسلمهم إلى عدوهم: ﴿إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٠] وكان أول من دعاه أبو بكر يزيد بن أبي سفيان وعقد له راية وأمره على ألف فارس من سائر الناس ودعا بعده رجلا من بني عامر بن لؤي يقال له ربيعة بن عامر وكان فارسا مشهورا في الحجاز فعقد له راية وأمره على ألف فارس ثم أقبل أبو بكر على يزيد بن أبي سفيان وقال له: هذا.
وصية أبي بكر قال المؤلف رحمه الله تعالى: لقد بلغني أن أبا بكر الصديق ﵁ قام من ساعته يمشي على قدميه وحوله جماعة من الأصحاب منهم عمر وعثمان وعلي ﵁ وخرجوا إلى ظاهر المدينة ووقع النداء في الناس وكبروا بأجمعهم فرحا لخروجهم وأجابتهم الجبال لدوي أصواتهم وعلا أبو بكر على دابته حتى أشرف على الجيش فنظر إليهم قد ملئوا الأرض فتهلل وجهه وقال: اللهم انزل عليهم الصبر وأيدهم ولا تسلمهم إلى عدوهم: ﴿إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [البقرة: ٢٠] وكان أول من دعاه أبو بكر يزيد بن أبي سفيان وعقد له راية وأمره على ألف فارس من سائر الناس ودعا بعده رجلا من بني عامر بن لؤي يقال له ربيعة بن عامر وكان فارسا مشهورا في الحجاز فعقد له راية وأمره على ألف فارس ثم أقبل أبو بكر على يزيد بن أبي سفيان وقال له: هذا.
1 / 7
ربيعة بن عامر من ذوي العلا والفاخر قد علمت صولته وقد ضممته إليك وأمرتك عليه فاجعله في مقدمتك وشاوره في أمرك ولا تخالفه فقال يزيد حبا وكرامة وأسرعت الفرسان إلى لبس السلاح واجتمع الجند وركب يزيد بن أبي سفيان وربيعة بن عامر وأقبلا بقومهما إلى أبي بكر ﵁ فأقبل يمشي مع القوم فقال يزيد: يا خليفة رسول الله الناجي من غضب الله من رضيت عنه لا نكون على ظهور خيولنا وأنت تمشي فأما أن تركب وأما أن ننزل فقال: ما أنا براكب وما أنتم بنازلين وسار إلى أن وصل إلى ثنية الوداع فوقف هناك فتقدم إليه يزيد فقال: يا خليفة رسول الله أوصنا فقال: إذا سرت فلا تضيق على نفسك ولا على أصحابك في مسيرك ولا تغضب على قومك ولا على أصحابك وشاورهم في الأمر واستعمل العدل وباعد عنك الظلم والجور فإنه لا افلح قوم ظلموا ولا نصروا على عدوهم: ﴿إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ [الأنفال: ١٦] وإذا نصرتم على عدوكم فلا تقتلوا ولدا ولا شيخا ولا امرأة ولا طفلا ولا تعقروا بهيمة المأكول ولا تغدروا إذا عاهدتم ولا تنقضوا إذا صالحتم وستمرون على قوم في الصوامع رهبانا يزعمون إنهم ترهبوا في الله فدعوهم ولا تهدموا صوامعهم وستجدون قوما آخرين من حزب الشيطان وعبدة الصلبان قد حلقوا أوساط رؤوسهم حتى كأنها مناحيض العظام فاعلوهم بسيوفكم حتى يرجعوا إلى الإسلام أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقد استودعتكم الله ثم عانقه وصافحه وصافح ربيعة بن عامر وقال: يا عامر اظهر شجاعتك على بني الأصفر بلغكم الله آمالكم وغفر لنا ولكم قال: وسار القوم ورجع أبو بكر ﵁ بمن معه إلى المدينة قال فجد القوم في السير فقال ربيعة بن عامر ما هذا السير يا يزيد وقد أمرك أبو بكر أن ترفق بالناس في سيرك فقال يزيد: يا عامر أنا أبا بكر ﵁ سيعقد العقود ويرسل الجيوش فأردت أن اسبق الناس إلى الشام فلعلنا أن نفتح فتحا قبل تلاحق الناس بنا فيجتمع بذلك ثلاث خصال رضاء الله ﷿ ورضاء خليفتنا وغنيمة تأخذها فقال ربيعة فسر الآن ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم قال فأخذ القوم في السير على وادي القرى ليخرجوا على تبوك ثم على الجابية إلى دمشق قال: واتصل الخبر للملك هرقل من قوم من عرب اليمن المنتصرة كانوا في المدينة فلما صح عند الملك ذلك جمع بطارقته في عسكره وقال لهم: يابني الأصفر أن دولتكم قد عزمت على الانهزام ولقد كنتم تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتقيمون الصلاة وتؤثرون الزكاة التي أمركم بها الآباء والأجداد والقسس والرهبان وتقيمون حدود الله التي أمركم بها في الإنجيل لا جرم إنكم ما قصدكم ملك من ملوك الوشاة ونازعكم على الشام إلا وقهرتموه ولقد قصدكم كسرى بجنود فارس فانكسروا على أعقابهم والان قد بدلتم.
1 / 8
وغيرتم فظلمتم وجرتم وقد بعث إليكم ربكم قوما لم يكن في الأمم أضعف منهم عندنا وقد رمتهم شدة الجوع إلينا وأتى بهم إلى بلادنا وبعثهم صاحب نبيهم ليأخذوا ملكنا من أيدينا ويخرجونا من بلادنا ثم إنه حدثهم بالذي سمعه من طرسيسه.
فقالوا: أيها الملك نردهم عن مرادهم ونصل إلى مدينتهم ونخرب كعبتهم قال فلما سمع مقالتهم وتبين اغتياظهم جرد منهم ثمانية آلاف من أشجع فرسانهم وأمر عليهم خمسة من بطارقتهم وهم البطاليق وأخوه جرجيس وصاحب شرطته ولوقا بن سمعان وصليب بن حنا صاحب غزة وكانت هذه الخمسة البطارقة يضرب بهم المثل في الشجاعة والبراعة ثم تدرعوا واظهروا زينتهم وصلت عليهم الأمية صلاة العصر فقالوا: اللهم انصر من كان منا على الحق وبخروهم ببخور الكنائس ثم رشوا عليهم من ماء العمودية وودعوا الملك وساروا وأمامهم العرب المنتصرة يدلونهم على الطريق قال حدثني رفاعة عن ياسر بن الحصين قال بلغني أن أول من وصل إلى تبوك كان يزيد بن سفيان وربيعة بن عامر ومن معهما من المسلمين قبل وصول الروم بثلاثة أيام فلما كان في اليوم الرابع والمسلمون قد عموا بالرحيل إلى الشام إذ أقبل جيش الروم فلما رآه المسلمون أخذوا على أنفسهم وكمن ربيعة بأصحابه الألف وأقبل يزيد بأصحابه الألف ووعظهم وذكر الله تعالى وقال لهم:
اعلموا أن الله وعدكم بالنصر وأيديكم بالملائكة وقال الله تعالى في كتابه العزيز: كم من: ﴿كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: ٢٤٩] وقد قال ﷺ: "الجنة تحت ظلال السيوف" وأنتم أول جند دخل الشام وتوجه لقتال بني الأصفر فكأنكم بجنود الشام وإياكم أن تطمعوا تطعموا العدو فيكم وانصروا الله ينصركم فبينما يزيد يعظ الناس وإذا بطلائع الروم قد اقبلت وجيوشها قد ظهرت فلما رأوا قلة العرب طمعوا فيهم وظنوا إنه ليس ورائهم أحد فبربر بعضهم على بعض بالرومية وقالوا: دونكم من يريد أخذ بلادكم واستنصروا بالصليب فإنه ينصركم ثم حملوا وتلقاهم أصحاب رسول الله ﷺ بهمم عالية وقلوب غير دانية ودار القتال بينهم وتكاثرت الروم عليهم وظنوا إنهم في قبضتهم إذ خرج عليهم ربيعة بن عامر ﵁ بالكمين وقد اعلنوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير وحملوا على الروم حملة صادقة فلما عاينت الروم من خرج عليهم إنكسروا والقى الله الرعب في قلوبهم فتقهقروا إلى ورائهم ونظر ربيعة بن عامر إلى البطاليق وهو يحرض قومه على القتال فعلم إنه طاغية الروم فحمل عليه وطعنه طعنة صادقة فوقعت في خاصرته وطلعت من الناحية الأخرى فلما نظر الروم إلى ذلك ولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار ونزل النصر على طائفة محمد المختار حدثنا سعد بن أوس عن السرية التي انفدها أبو بكر الصديق ﵁ مع يزيد بن.
1 / 9
أبي سفيان وربيعة بن عامر قال قد اجتمعا بعساكر الروم في ارض تبوك مع البطاليق وهزمهم الله تعالى على أيدينا وكان جملة من قتل منهم الفا ومائتين ومن قتل من المسلمين مائة وعشرين رجلا قال: وأن القوم لما انهزموا قال لهم جرجيس: وهو أخو المقتول: يا ويلكم بأي وجه ترجعون إلى الملك وقد عملوا فينا عملا ذريعا وملئوا الأرض من قتلانا ولا ارجع حتى أخذ بثأر أخي أو الحق به قال: واجتمع القوم وسمعوا منه ذلك ورجع بعضهم إلى بعض وعادوا إلى القتال فلما استقروا في خيامهم بعثوا رجلا من العرب المنتصرة اسمه القداح وقالوا له: امضي إلى بني عمك وقل لهم يبعثوا لنا رجلا من كبارهم وعقلائهم حتى ننظر ما يريدون منا قال فركب القداح جواده واقبل نحو جيش المسلمين فلما رأوه مقبلا إليهم استقبله رجال من الأوس وقالوا له: ماذا تريد قال لهم: أن البطارقة يريدون رجالا من عقلائكم ليخاطبوهم فيما يريد الله من صلاح شأن الجمعين قال فأخبروا يزيد بن ربيعة بما قال المتنصر فقال ربيعة بن عامر أنا أسير إلى القوم.
فقال يزيد: يا ربيعة أنا أخاف عليك من القوم لانك قد قتلت كبيرهم بالأمس فقال ربيعة ﴿قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [التوبة:٥١] وإني أوصيك والمسلمين أن تكون همتكم عندي فإذا رأيتم القوم غدروا بي فاحملوا عليهم ثم ركب جواده وسار حتى أتى جيش الروم وقرب من سرداق أميرهم فقال القداح عظم جيش الملك وانزل عن جوادك فقال ربيعة ﵁ ما كنت بالذي انتقل من العز إلى الذل ولست أسلم جوادي لغيري وما أنا بنازل إلا على باب السرداق وإلا رجعت من حيث جئت لاننا ما بعثنا إليكم بل انتم بعثتم إلينا قال فأعلم القداح الروم بما تكلم به ربيعة بن عامر فقال بعضهم لبعض صدق العربي في قوله دعوه ينزل حيث أراد قال فنزل ربيعة على باب السرداق وجثا على ركبته وأمسك عنان جواده بيده وسلاحه فقال له جرجيس: يا أخا العرب لم تكن أمة أضعف منكم عندنا وما كنا نحدث أنفسنا إنكم تغزوننا وما الذي تريدون منا فقال ربيعة نريد منكم أن تدخلوا في ديننا وأن تقولوا بقولنا وأن أبيتم تعطونا الجزية عن يد وانتم صاغرون وإلا فالسيف بيننا وبينكم فقال جرجيس فما منعكم أن تقصدوا الفرس وتدعون الصداقة بيننا وبينكم فقال ربيعة بدأنا بكم لانكم اقرب إلينا من الفرس وأن الله تعالى أمرنا في كتابه بذلك قال الله تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة: ١٢٣] قال جرجيس فهل لك أن تعقد الصلح بيننا وبينكم وأن نعطي كل رجل منكم دينارا من ذهب وعشرة أوسق من الطعام وتكتبوا بيننا وبينكم كتاب الصلح لا تغزون إلينا ولا نغزوا إليكم قال ربيعة لا سبيل إلى ذلك وما بيننا وبينكم إلا السيف أو اداء الجزية أو الإسلام قال جرجيس أما ما ذكرت من دخولنا في دينكم فلا.
1 / 10
سبيل إلى ذلك ولو نهلك عن آخرنا لاننا لا نرى لديننا بدلا واما اعطاء الجزية فإن القتل عندنا أيسر من ذلك وما انتم بأشهى منا إلى القتال والحرب والنزال لأن فينا البطارقة وأولاد الملوك ورجال الحرب وارباب الطعن والضرب قال جرجيس لأصحابه علي بأنفس صقالبة حتى يناظروا هذا البدوي في كلامه قال: وكان الملك هرقل قد بعث معهم قسيسا عظيما عارفا بدينهم مجادلا عن شرعهم قال فأتى الحاجب به فلما استقر به الجلوس قال له جرجيس: يا أبانا استخبر من هذا الرجل عن شريعتهم وعن دينهم فقال القسيس يا اخي العربي أنا نجد في عملنا أن الله تعالى يبعث من الحجاز نبيا عربيا هاشميا قرشيا علامته أن الله تعالى يسري به إلى السماء أكان ذلك أم لا قال: نعم اسري به وقد ذكره ربنا في كتابه العزيز بقوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا﴾ [الاسراء: ١] قال القسيس أنا نجد في كتابنا أن ربنا يفرض على هذا النبي وأمته شهرا يصومونه يقال له: شهر رمضان قال ربيعة: نعم وقد قرأنا في القرآن العظيم شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فقال القسيس أنا وجدنا في كتابنا أن من أحسن حسنة تكتب بعشرة قال ربيعة: نعم قال الله تعالى: ﴿مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ﴾ [الأنعام:١٦٠] قال القسيس أنا نجد في كتابنا أن الله يأمر أمته بالصلاة عليه قال ربيعة: نعم وقد قال الله في كتابه العزيز: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أيها الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب:٥٦] قال فعجب القسيس من كلامه وقال للبطارقة أن الحق مع هؤلاء القوم فقال بعض الحجاب أن هذا هو الذي قتل أخاك فلما سمع ذلك ازورت عيناه وغضب غضبا شديدا وهم أن يثب على ربيعة ففهم ربيعة ذلك منه فوثب من مكانه اسرع من البرق وضرب بيده إلى قائم سيفه وعاجل جرجيس بضربة فجندله صريعا قتيلا ووثب على فرسه فركبها فاسرعت البطارقة إليه وهو راكب فحمل فيهم ونظر يزيد بن أبي سفيان إلى ذلك فقال للمسلمين أن اعداء الله قد غدروا بصاحب رسول الله ﷺ فدونكم وإياهم فحمل المسلمون على المشركين واختلط الجيش بالجيش وصبرت الروم لقتال العرب فبينما هم في القتال إذ أشرفت جيوش المسلمين مع شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله ﷺ فلما نظر المسلمون إلى أخوانهم في القتال حملوا على القوم حملة صادقة وحكمت سيوفهم في قمم الروم.
قال الواقدي: لقد بلغني أن الثمانية آلاف المذكورة من الروم لم ينج منهم أحد لأن العرب التقطوهم بسبق الخيل وبعد الشام من تبوك ثم أن المسلمين أخذوا أموالهم وخيامهم ثم سلموا على شرحبيل ومن معه وجمعوا المال والغنائم فقالوا: نبعث.
1 / 11
الجميع إلى أبي بكر الصديق ﵁ فرضوا بذلك وبعثوا الجميع إلا العدة والسلاح وبعثوا مع الغنائم والأموال شداد بن أوس ﵁ في خمسمائة فارس ولما وصل بالمال إلى المدينة المنورة وعاين المسلمون أموال المشركين رفعوا أصواتهم بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير محمد ﷺ وسمع الصديق بقدوم شداد بن أوس ﵁ ومن معه من المسلمين ففرح بذلك فرحا شديدا ثم اقبلوا إلى الصديق واعلموه بالفتح بعد أن سلموا عليه فسجد لله ﷿ ثم كتب كتابا إلى أهل مكة يستدعيهم للجهاد مضمونه بسم الله الرحمن الرحيم من أبي بكر إلى أهل مكة وسائر المؤمنين فانيأحمد الله الذي لا إله إلا هو واصلي على نبيه محمد ﷺ.
أما بعد فاني قد استنفرت المسلمين إلى الجهاد وفتح بلاد الشام وقد كتبت إليكم والى المسلمين أن تسرعوا إلى ما أمركم به ربكم تبارك الله وتعالى إذ يقول الله ﷿: ﴿انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأنفسكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ أن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [التوبة:٤١] وهذه الآية فيكم وانتم أحق بها وأهلها وأول من صدق وقام بحكمها من ينصر دين الله فالله ناصره ومن بخل استغنى الله عنه والله غني حميد فسارعوا إلى جنة عالية قطوفها دانية أعدها الله للمهاجرين والأنصار فمن اتبع سبيلهم كتب من الأولياء الأخيار وحسبنا الله ونعم الوكيل قال: وختم الكتاب ودفعه إلى عبد الله بن حذافة فأخذه وسار حتى وصل مكة وصرخ في أهلها فاجتمعوا إليه فدفع إليهم الكتاب فقرأوه على أصحاب رسول الله ﷺ فلما سمعوه قال سهل ابن عمرو والحرث بن هشام وعكرمة بن أبي جهل وقالوا: اجبنا داعي الله وصدقنا قول نبيه محمد ﷺ فأما عكرمة فإنه قال إلى متى نبسط لأنفسنا وقد سبقنا القوم إلى المواطن وقد فاز من فاز بالصدق وأن كنا تأخرنا عن السبق فاللحاق بالسابقين يجعلنا من الفائزين ثم خرج عكرمة بن أبي جهل في بني مخزوم وخرج الحرث بن هشام معهم وتلاحق أهل مكة خمسمائة رجل وكتب أبو بكر للطائف فخرجوا في أربعمائة رجل.
قال الواقدي: خرج بهم سعيد بن خالد بن سعيد بن العاص وكان غلاما نجيبا وذلك أن سعيد بن خالد أتى إلى الصديق ﵁ فقال: يا خليفة رسول الله ﷺ إنك أردت أن تعقد لأبي خالد راية ويكون قائدا من قواد جيشك فتكلم فيه المتكلمون فعزلته حين رجع من بعثك وقد حبس نفسه في سبيل الله ﷿ ولم أزل مجيبا دعوتك في بعثك فهل لك أن تقدمني على هذا الجيش فوالله لا يراني الله وانيا ابدا ولا عاجزا عن الحرب قال: وكان سعيد بن خالد نجيبا انجب من ابيه وأفرس فعقد له أبو بكر راية ودفعها إليه وأمره على الفين من العرب قال فلما سمع عمر بن الخطاب.
1 / 12
كلام سعيد بن خالد وانه خير من أن يكون أميرا كره لك ذلك وأقبل على الصديق ﵁ يا خليفة رسول الله عقدت هذه الراية لسعيد بن خالد على من هو خير منه ولقد سمعته يقول عندما عقدتها على رغم الأعادي والله لتعلم إنه ما يريد بالقول غيري والله ما تكلمت في أبيه.
قال الواقدي: فثقل ذلك على أبي بكر وكره أن لا يعقد له وكره ايضا أن يخالف عمر لمحبته له ونصحه ومنزلته عند النبي ﷺ ووثب قائما ودخل على عائشة ﵂ واخبرها بخبر عمر بن الخطاب ﵁ وما كان من كلامه فقالت عائشة: قد علمت أن عمر ينصر الدين ويريد النصر لرب العالمين وما في قلب عمر بغض للمسلمين قال فقبل قول عائشة ﵂ ثم دعا بأزد الدوسي وقال له: امض إلى سعيد بن خالد وقل له رد علينا رأيتك قال فردها وقال: والله لاقتلن تحت راية أبي بكر حيث كان فاني قد حبست نفسي في سبيل الله.
قال الواقدي: ولقد بلغني أن الصديق حال تفكره فيمن يقدم طليعة الجيش قال فتقدم إليه سهل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل وهشام بن الحرث وقالوا: اشهدوا اننا قد حبسنا أنفسنا في سبيل الله فلا نرجع عن القتال ابدا فقال أبو بكر اللهم بلغهم أفضل ما يؤملون ثم أن أبا بكر دعا عمرو بن العاص فسلم إليه الرايه وقال قد وليتك على هذا الجيش يعني أهل مكة والطائف وهوران وبني كلاب فانصرف إلى ارض فلسطين وكاتب أبا عبيدة وأنجده إذا أرادك ولا تقطع أمرا إلا بمشورته أمض بارك الله فيك وفيهم قال فأقبل عمرو بن العاص على عمر بن الخطاب ﵁ وقال له: يا أبا حفص أنت تعلم شدتي على العدو وصبري على الحرب فلو كلمت الخليفة أن يجعلني أميرا على أبي عبيدة وقد رأيت منزلتي عند رسول الله ﷺ وإني أرجو أن يفتح الله على يدي البلاد ويهلك الأعداء قال عمر ﵁ ما كنت بالذي اكذبك وما كنت بالذي اكلمه في ذلك فإنه ليس على أبي عبيدة أمير ولأبي عبيدة عندنا أفضل منزلة منك وأقدم سابقة منك والنبي ﷺ قال فيه أبو عبيدة أمين الأمة قال عمرو ما ينقص من منزلته إذا كنت واليا عليه قال عمر بن الخطاب: ويلك يا عمرو إنك ما تطلب بقولك هذا إلا الرياسة والشرف فاتق الله ولا تطلب إلا شرف الاخرة ووجه الله تعالى فقال عمرو بن العاص أن الأمر كما ذكرت ثم أمر الناس بالمسير تحت رأيته فساروا وتقدم أهل مكة وتبعهم بنو كلاب وطيء وهوزان وثقيف وتخلف المهاجرون والأنصار ليسيروا مع أبي عبيدة بن الجراح.
1 / 13
وصية الصديق لعمرو بن العاص
وتقدم عمرو بن العاص وسار قال أبو الدرداء كنت مع عمرو بن العاص في جيشه فسمعت أبا بكر يقول وهو يوصيه: اتق الله في سرك وعلانيتك واستحيه في خلواتك فإنه يراك في عملك وقد رأيت تقدمتي لك على من هو أقدم منك سابقة واقدم حرمة فكن من عمال الاخرة وأرد بعملك وجه الله وكن والدا لمن معك وارفق بهم في السير فإن فيهم أهل ضعف والله ناصر دينه ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وإذا سرت بجيشك فلا تسر في الطريق التي سار فيها يزيد وربيعة وشرحبيل بل اسلك طريق أيليا حتى تنتهي إلى ارض فلسطين وابعث عيونك يأتونك بأخبار أبي عبيدة فإن كان ظافرا بعدوه فكن أنت لقتال من في فلسطين وأن كان يريد عسكرا فأنفذ إليه جيشا في أثر جيش وقدم سهل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل والحرث بن هشام وسعيد ابن خالد وإياك أن تكون وانيا عما ندبتك إليه وإياك والوهن أن تقول جعلني ابن أبي قحافة في نحر العدو ولا قوة لي به وقد رأيت يا عمرو ونحن في مواطن كثيرة ونحن نلاقي ما نلاقي من جموع المشركين ونحن في قلة من عدونا ثم رأيت يوم حنين ما نصر الله عليهم واعلم يا عمرو أن معك المهاجرين والأنصار من أهل بدر فاكرمهم واعرف حقهم ولا تتطأول عليهم بسلطانك ولا تداخلك نجدة الشيطان فتقول إنما ولاني أبو بكر لاني خيرهم وإياك وخداع النفس وكن كأحدهم وشاورهم فيما تريد من أمرك والصلاة ثم الصلاة اذن بها إذا دخل وقتها ولا تصل صلاة إلا بأذان يسمعه أهل العسكر ثم ابرز وصل بمن رغب في الصلاة معك فذلك افضل له ومن صلاها وحده أجزأته صلاته واحذر من عدوك وأمر أصحابك بالحرس ولتكن أنت بعد ذلك مطلعا عليهم وأطل الجلوس بالليل على أصحابك وأقم بينهم وأجلس معهم ولا تكشف استار الناس واتق الله إذا لاقيت العدو وإذا وعظت أصحابك فأوجز واصلح نفسك تصلح لك رعيتك فالإمام ينفرد إلى الله تعالى فيما يعلمه وما يفعله في رعيته وإني قد وليتك على من قد مررت من العرب فاجعل كل قبيلة على حميتها وكن عليهم كالوالد الشفيق الرفيق وتعاهد عسكرك في سيرك وقدم قبلك طلائعك فيكونوا امامك وخلف على الناس من ترضاه وإذا رايت عدوك فاصبر ولا تتأخر فيكون ذلك منك فخرا والزم أصحابك قراءة القرآن وانههم عن ذكر الجاهلية وما كان منها فإن ذلك يورث العداوة بينهم وأعرض عن زهرة الدنيا حتى تلتقي بمن مضى من سلفك وكن من الإئمة الممدوحين في القرآن إذ يقول الله تعالى: ﴿وجعلناهم آئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات واقام الصلاة وايتاء الزكاة وكانوا لنا عبدين﴾ قال فكان أبو بكر ﵁ يوصي عمرو بن العاص وأبو عبيدة حاضر ثم قال سيروا على بركة الله تعالى وقاتلوا اعداء الله وأوصيكم بتقوى الله فإن الله ناصر من ينصره قال فسلم المسلمون.
1 / 14
عليه وودعوا وساروا في تسعة آلاف مع من ذكرنا يريدون أخذ فلسطين فلما كان بعدهم بيوم واحد عقد العقود والرايات إلى أبي عبيدة بن الجراح وأمره بأن يقصد بمن معه ارض الجابية وقال: يا أمين الأمة قد سمعت ما وصيت به عمرو بن العاص وودعه المسلمون فلما عاد أبو بكر والمسلمون دعا بخالد بن الوليد وعقد له راية وكانت له راية النبي ﷺ وأمره على لخم وجذام وضم له جيش الزحف وكانوا شجعانا ما منهم إلا من شهد الوقائع مع رسول الله ﷺ وقال له: يا أبا سليمان قد وليتك على هذا الجيش فاقصد به ارض العراق وفارس وارجوا الله أن ينصركم ثم إنه ودعه وسار خالد بمن معه يطلب العراق.
قال حدثني ربيعة بن قيس قال كنت في الجيش الذي وجهه أبو بكر الصديق مع عمرو بن العاص إلى فلسطين وايليا وكان صاحب رايته سعيد بن خالد قال: وبعث أبو بكر مع كل جيش اميرا وهو يدعوا لهم بالنصر وأخذه القلق على المسلمين حتى عرف ذلك في وجهه فقال له عثمان بن عفان ﵁: ما هذا الغم الذي نزل بك فقال اغتممت على جيوش المسلمين وارجوا الله أن ينصرهم على عدوهم فقال عثمان والله ما خرج جيش سررت به إلا هذا الجيش الذي سار إلى الشام وهذا الذي اوصى الله نبيه به وليس في قوله خلف وأنا سنظهر على الروم وفارس ولكن ما ندري متى يكون أفي هذا البعث أو غيره ولكنأحسن الظن بالله قال: وبات الصديق فرأى في منامه كأن عمرو بن العاص وجهه طرمة هو وأصحابه ثم قصد عمرو ارضا خضرة سهلة وفرجة فحمل على فرسه ثم أتبعه أصحابه فإذا هم في ارض واسعة فنزلوا واستراحوا قال: وانتبه أبو بكر من منامه فرحا بما رأى فقال عثمان يدل على فتح إلا إنه يوشك أن يلقى عمرو في قتال المشركين مشقة عظيمة ثم يخلص منها.
قال الواقدي: كانت الساقطة تنزل المدينة في الجاهلية والإسلام يقدمون بالبر والشعير والزيت والتين والقماش وما يكون في الشام فقدم بعض الساقطة إلى المدينة وابو بكر ينفذ الجيوش وسمعوا كلام أبي بكر لعمرو بن العاص وهو يقول: عليك بفلسطين وايليا قال فساروا بالخبر إلى الملك هرقل فلما سمع ذلك جمع أرباب دولته وبطارقته واعلمهم بالحديث الذي جرى وقال: يا بني الأصفر هذا الذي كنت حذرتكم منه قديما وأن أصحاب هذا النبي لا بد أن تملك ما تحت سريري هذا وقد قرب الوعد وأن خليفة محمد قد انفذ لكم الجيوش وكأنكم بهم وقد أتوكم وقصدوا نحوكم فحذروا أنفسكم وقاتلوا عن دينكم وعن حريمكم فإن تهاونتم ملكت العرب بلادكم وأموالكم قال: فبكى القوم فقال لهم: دعوا عنكم البكاء ثم قال له وزيره: أيها الملك قد اشتهينا أن تدعو بعض من قدم بهذا الخبر عليك فأمر هرقل بعض حجابه أن.
1 / 15
يأتي برجل من المتنصرة ممن قدم عليه بالأخبار برجل منهم فقال له الملك: كم عهدك قال منذ خمسة وعشرين يوما قال: فمن المتولي عليهم قال له رجل يقال له أبو بكر الصديق: وجه جيوشه إلى بلدك قال هل رأيت أبا بكر قال: نعم وانه أخذ مني شملة بأربعة دراهم وجعلها على كتفه وهو كواحد منهم وهو يمشي في ثوبين ويطوف بالاسواق ويدور على الناس يأخذ الحق من القوي للضعيف قال هرقل: صفه لي قال هو رجل آدم اللون خفيف العارضين فقال هرقل: وحق ديني هو صاحبأحمد الذي كنا نجد في كتبنا إنه يقوم بالأمر من بعده ونجد في كتبنا أيضا أن بعد هذا الرجل رجلا آخر طويلا كالاسد الوثاب يكون على يديه الدمدمة والجلاء قال فشهق المتنصر من قول هرقل وقال أن هذا الذي وصفته لي رأيته معه لا يفارقه قال هرقل: هذا الأمر والله قد صح وقد دعوت الروم إلى الرشد والصلاح فأبوا أن يطيعوني وأن ملكي سوف ينهدم ثم عقد صليبا من الجوهر وأعطاه قائد جيوشه روبيس وقال له: قد وليتك على الجيوش فسيروا لمنع العرب من فلسطين فإنها بلد خصب كثيرة الخير وهي عزنا وجاهنا وتاجنا فتسلم روبيس الصليب وسار من يومه إلى أجنادين واتبعه جيش الروم.
عمرو بن العاص في فلسطين قال الواقدي: لقد بلغني أن عمرو بن العاص توجه إلى ايليا حتى وصل إلى ارض فلسطين هو ومن معه قال فلما نزل المسلمون بفلسطين جمع عمرو المسلمين المهاجرين والأنصار وشاورهم في امرهم فبينما هم في المشورة إذ أقبل عليهم عدي بن عامر وكان من خيار المسلمين وكان كثيرا ما يتوجه إلى بلاد الشام وداس ارضهم وعرف مساكنها ومسالكها فلما اشرف على المؤمنين داروا به واوقفوه بين يدي عمرو بن العاص فقال عمرو بن العاص ما الذي وراءك يا ابن عامر قال: ورائي المتنصرة وجنودهم مثل النمل فقال له عمرو: يا هذا لقد ملأت قلوب المسلمين رعبا وأنا نستعين بالله عليهم فقال له: فكم حزرت القوم فقال: أيها الأمير إني قد علوت على شرف من الجبال عال فرأيت من الصلبان والرماح والأعلام ما قد ملأ الأجم وهو اعظم جبل بأرض فلسطين وهم زيادة عن مائة ألف فارس وهذا ما عندي من الخبر قال فلما سمع عمرو ذلك قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم أقبل على من حضر من كبار المسلمين وقال: أيها الناس أنا وإياكم في هذا الأمر بالسواء فاستعينوا بالله على الأعداء وقاتلوا عن دينكم وشرعكم فمن قتل كان شهيدا ومن عاش كان سعيدا فماذا أنتم قائلون قال فتكلم كل رجل بما حضر عنده من الرأي فقالت طائفة.
عمرو بن العاص في فلسطين قال الواقدي: لقد بلغني أن عمرو بن العاص توجه إلى ايليا حتى وصل إلى ارض فلسطين هو ومن معه قال فلما نزل المسلمون بفلسطين جمع عمرو المسلمين المهاجرين والأنصار وشاورهم في امرهم فبينما هم في المشورة إذ أقبل عليهم عدي بن عامر وكان من خيار المسلمين وكان كثيرا ما يتوجه إلى بلاد الشام وداس ارضهم وعرف مساكنها ومسالكها فلما اشرف على المؤمنين داروا به واوقفوه بين يدي عمرو بن العاص فقال عمرو بن العاص ما الذي وراءك يا ابن عامر قال: ورائي المتنصرة وجنودهم مثل النمل فقال له عمرو: يا هذا لقد ملأت قلوب المسلمين رعبا وأنا نستعين بالله عليهم فقال له: فكم حزرت القوم فقال: أيها الأمير إني قد علوت على شرف من الجبال عال فرأيت من الصلبان والرماح والأعلام ما قد ملأ الأجم وهو اعظم جبل بأرض فلسطين وهم زيادة عن مائة ألف فارس وهذا ما عندي من الخبر قال فلما سمع عمرو ذلك قال: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم أقبل على من حضر من كبار المسلمين وقال: أيها الناس أنا وإياكم في هذا الأمر بالسواء فاستعينوا بالله على الأعداء وقاتلوا عن دينكم وشرعكم فمن قتل كان شهيدا ومن عاش كان سعيدا فماذا أنتم قائلون قال فتكلم كل رجل بما حضر عنده من الرأي فقالت طائفة.
1 / 16
منهم: أيها الأمير ارجع بنا إلى البرية حتى نكون في بطن البيداء فانهم لا يقدرون على فراق القرى والحصون فإذا جاءهم الخبر اننا توسطنا البرية يتفرق جمعهم وبعد ذلك نعطف عليهم وهم على غفلة فنهزمهم أن شاء الله تعالى فقال سهل بن عمرو أن هذه مشورة رجل عاجز فقال رجل من المهاجرين لقد كنا مع رسول الله ﷺ نهزم الجمع الكثير بالجمع القليل وقد وعدكم الله النصر وما وعد الصابرين إلا خيرا وقد قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً﴾ [التوبة: ١٢٣] قال سهل ابن عمرو أما أنا فلا رجعت عن قتال الكفرة ولا رددت سيفي عنهم فمن شاء فلينهض ومن شاء فليرجع ومن نكص على عقبيه فأنا وراءه بالمرصاد قال فلما سمع المسلمون إنه وافقه على ذلك عبد الله بن عمر بن الخطاب ﵁ قالوا: أحسنت يا أبا الفاروق قال ثم أن عمرو بن العاص عقد راية واعطاها عبد الله بن عمر بن الخطاب وضم إليه ألف فارس فيهم رجال من الطائف ومن ثقيف وأمرهم بالمسير فسار عبد الله وجعل يجد السير بقية يومه إلى الصباح وإذا بغبرة القوم قد لاحت فقال عبد الله بن عمر هذه غبرة عسكر واظنها طليعة القوم ثم وقف ووقف امامه أصحابه فقال قوم من البادية اتركنا نرى ما هذه الغبرة فقال: لا تتفرقوا من بعضكم حتى نرى ما هي فوقف الناس وإذا بالغبرة قد قربت وانكشفت عن عشرة آلاف من الروم وقد بعث معهم روبيس بطريقا من أصحابه وكانوا قد ساروا يكشفون خبر المسلمين فلما نظرهم عبد الله بن عمر قال لأصحابه: لا تمهلوهم لانهم لا بد لهم منكم والله ينصركم عليهم واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف قال فأعلن القوم بقول لا إله إلا الله محمد رسول الله فلما جهروا بها أجابهم الشجر والمدر والدواب والحجر وكان أول من حمل عكرمة بن أبي جهل وتبعه سهل بن عمرو والضحاك أيضا بالجملة وصاح في رجاله وحمل المهاجرون والأنصار معهم والتقى الجمعان وعمل السيف في الفريقين قال عبد الله بن عمر وبينما أنا في الوقعة إذ نظرت من القوم بطريقا عظيم الخلقة وهو كالحائر البليد وهو يركض يمينا وشمالا فقلت: إن يكن لهذا الجيش عين فهذا عين الجيش وصاحب الطلائع وهو مرغوب من الحرب فلما حملت عليه ومددت قناتي إليه نفر فرسه من الرمح فقربت منه واوهمته إني أريد الانهزام ثم عطفت عليه وطعنته فوالله لقد خيل لي إني ضربت بسيفي حجرا وسمعت طنين السيف حتى حسبت أن سيفي انفصل وإذا هو صريع ثم عطفت عليه واخذت لامته فلما رأى المشركون صاحبهم مجندلا داخلهم الفزع والهلع وصدمهم المسلمون في الضرب والقتال فلله در الضحاك والحرث بن هشام لقد قاتلا قتالا شديدا ما عليه من مزيد فما كان غير قليل حتى انهزم الكفار من بين ايديهم هاربين قال فرجع المسلمون واجتمع بعضهم على بعض وجمعوا الغنائم والأموال وقال بعضهم لبعض ما فعل الله بعبد الله بن.
1 / 17
عمر قال قائل منهم الله خبير بحسن زهده وعبادته وقال اخرون لقد أصبنا بابن عمر فما كان يساوي هذا الفتح شعرة من رأسه.
قال عبد الله بن عمر وأنا مع ذلك أسمع كلامهم خلف الراية فاعلنت بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير وهززت الراية فلما نظر المسلمون الراية سارعوا إلى وقالوا: أين كنت فقلت: اشتغلت بقتال صاحبهم فقالوا: أفلح والله وجهك فهذا والله فتح قد رزقنا الله إياه ببركتك قال عبد الله: بوجوهكم ثم حازوا الأموال والغنائم والخيل وستمائة أسير وقتل من المسلمين سبعة نفر فواروهم وصلى عليهم ابن عمر وانعطف الجيش إلى عمرو بن العاص وحدثوه بما جرى ففرح وحمد الله تعالى ثم دعا بالأسرى واستنطق منهم بالعربية فما كان فيهم غير ثلاثة نفر من أنباط الشام فسألهم عن خبرهم وخبر أصحابهم فقالوا: يا معشر العرب أن هذا روبيس قد أقبل في مائة ألف فارس وقد امره الملك أن لا يدعأحدا من العرب يصل ايليا وانه بعث بهذا البطريق طليعة وقد قتل وكأنكم به فقال عمرو أن الله يقتله كما قتل صاحبكم ثم عرض عليهم الإسلام فماأحد منهم أسلم فقال عمرو للمسلمين كأنكم بصاحبهم وقد أتى يأخذ ثأرهم وهؤلاء تركهم علينا بلاء ثم أمر بضرب اعناقهم وصاح بالمسلمين استعدوا فاني أظن أن القوم سائرون فإن أتوا إلينا فهم في شدة وقوة وسنلقي منهم تعبا في القتال وأن سرنا إليهم نرجو من الله النصر والظفر بهم كما ظفرنا بغيرهم وما عودنا الله إلا خيرا قال أبو الدرداء بتنا مكاننا فلما جاء الله بالصباح رحلنا فما بعدنا غير قليل حتى اشرقت علينا عشرة صلبان تحت كل صليب عشرة آلاف فارس فلما أشرف الجيش على الجيش أقبل عمرو ورتب أصحابه وجعل في الميمنة الضحاك وفي الميسرة سعيدا وأقام على الساقة أبا الدرداء وثبت عمرو في القلب ومعه أهل مكة وأمر الناس يقرأون القرآن وقال لهم: اصبروا على قضاء الله وارغبوا في ثواب الله وجنته ثم إنه جعل يصفهم ويعبيهم تعبية الحرب ونظر روبيس بطريق الروم إلى عسكر المسلمين وقد صفهم عمر بن العاص لا يخرج سنان عن سنان ولا عنان عن عنان ولا ركان عن ركاب وهم كأنهم بنيان مرصوص وهم يقرأون القرآن والنور يلمع من نواصي خيولهم فشم منهم رائحة النصر وتبين من نفسه الجزع وعلم أن كل من معه كذلك فوقف ينظر ما يكون من المسلمين وانكسرت حميته قال: وكان أول من برز من جيش المسلمين سعيد ابن خالد ﵁ وهو اخو عمرو بن العاص من امه فلما برز نادى برفيع صوته: ابرزوا يا أهل الشرك ثم حمل على الميمنة فالجأها إلى المسيرة وحمل على الميسرة فالجأها إلى الميمنة وقتل رجالا وجندل أبطالا ثم اقتحم فيهم فشوشهم وزعزع جيشهم قال فاجتمعوا عليه فقتلوه رحمة الله عليه قال فحزن المسلمون على قتله حزنا عظيما واكثرهم عمرو بن العاص وقال: واسعيداه لقد اشترى نفسه من الله عز.
1 / 18
وجل ثم قال: يافتيان من يحمل معي هذه الحملة حتى ننظر ما يكون من امرها وأنظر حال سعيد قال فاسرع بالإجابة ذو الكلاع الحميري وعكرمة بن أبي جهل والضحاك والحرث بن هشام ومعاذ بن جبل وابو الدرداء وعبد الله بن عمر بن الخطاب ﵃ اجمعين قال عبد الله وكنا سبعين رجلا وحملنا حتى دنونا من القوم وهم لا يفكرون من حملتنا لانهم جبال من حديد.
قال الواقدي: رحمة الله عليه فلما رأى المسلمون ثبات الروم صاح بعضنا لبعض ابعجوا دوابهم فما هلاكهم غير ذلك قال فبعجنا دوابهم بالاسنة فتنكسوا فبعد انتكاسهم تفرق بعضهم عن بعض وحملوا علينا وحملنا عليهم وكنا فيهم كالشامة البيضاء في جلد البعير الأسود وكان شعارنا يوم فلسطين لا إله إلا الله محمد رسول الله يا رب انصر امة محمد ﷺ قال أبو الدرداء: فلقد شغلني الحرب عن مناشدة الاشعار ولقد كان أحدنا لا يدري أهو يضرب أخاه أو عدوه من كثرة القتام قال فثبت المسلمون مع قتلهم وفوضوا امرهم إلى الله ﷿ وما كان أحد من المسلمين يضرب إلا وظهره ناطق بالدعاء يقول: اللهم انصرنا على من يتخذ معك شريكا قال عبد الله بن عمر بن الخطاب فلم يزل الحرب بيننا إلى وقت الزوال وهبت الرياح والناس في القتام إذ نظرت إلى السماء وقد انفرج فيها فرج وخرجت منها خيول شهب تحمل رايات خضرا أسنتها تلمع ومناد ينادي بالنصر ابشروا يا أمة محمد ﷺ فقد أتاكم الله بالنصر قال فلما كان غير قليل إذ نظرت إلى الروم منهزمين والمسلمون في أعقابهم لأن خيل العرب أسبق من خيل الروم قال ابن عمر فقتلنا في هذه الواقعة قريبا من خمسة عشر ألف فارس واكثر ولم نزل في آثارهم إلى الليل وعمرو بن العاص قد فرح بالنصر وقلبه متعلق بالمسلمين لاسراعهم وراء العدو وقال عمرو بن غياث فنظرت إلى عمرو بن العاص والراية في يده وقد أوفى القناة على عاتقه وهو يعركها بيده ويقول: من يرد الناس علي رد الله عليه ضالته إذ نظرت العرب قد عطفت راجعة كعطفة الأم على ولدها فاستقبلهم عمرو وهو يقول: هنيئا لهذه الوجوه التي تعبت في رضا الله تعالى أما كان لكم كفاية في أن خولكم الله حتى اتبعتم العدو فقالوا: ما أردنا الغنيمة بل القتال والجهاد قال: ولما رجع المسلمون لم يكن لهم همة إلا افتقاد بعضهم بعضا ففقد من المسلمين مائة وثلاثون رجلا ختم الله لهم بالسعادة منهم سيف بن عبادة ونوفل بن دارم والأهب بن شداد والباقي من اليمن ووادي المدينة قال فاغتم عمرو لفقدهم ثم راجع نفسه وقال قد نزل بهم خير وانت يا عمرو تأبى ذلك ثم ندب الناس إلى الصلاة كما أمره أبو بكر الصديق ﵁ فصلى ما فاته كل صلاة بأذان واقامة قال ابن عمر ما صلى خلفه إلا قليل بل صلى الناس في رحالهم من تبعهم ولم يجمعوا من الغنائم إلا القليل وبات الناس فلما أصبح عمرو أذن وصلى بهم وأمر الناس بجمع الغنائم وأن يخرجوا.
٢
1 / 19
إخوانهم المؤمنين من الروم فجعلوا يلتقطونهم قال فاخرجوا مائة وثلاثين رجلا ووجدوا سعيد بن خالد فلما نظر عمرو إلى ما نزل به بكى وقال رحمك الله فقد نصحت لدين الله وأديت النصيحة ثم جعله في جملة المسلمين وصلى عليهم وأمر بدفنهم وذلك قبل أن يخمس شيئا من الغنائم ثم بعد ذلك جمعها إليه وكتب إلى أبي عبيدة كتابا يقول فيه.
كتاب عمرو بن العاص إلى أبي عبيدة بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن العاص إلى أمين الأمة أما بعد فإن يأحمد الله الذي لا إله إلا هو واصلي على نبيه محمد ﷺ وإني قد وصلت إلى ارض فلسطين ولقينا عساكر الروم مع بطريق يقال له روبيس: في مائة ألف فارس فمن الله بالنصر وقتل من الروم خمسة عشر ألف فارس وفتح الله على يدي فلسطين بعد أن قتل من المسلمين مائة وثلاثون رجلا فإن احتجت الي سرت إليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ودفع الكتاب إلى أبي عامر الدوسي وأمره أن يسير إلى أبي عبيدة قال فأسرع أبو عامر بالكتاب فوجد أبا عبيدة وهو نازل بأرض الشام وجاهر بالدخول إليها غير إنه امره كما امره أبو بكر قال فلما وصل أبو عامر قال له أبو عبيدة: ما وراءك قال خير هذا كتاب من عمرو بن العاص يخبرك بما فتح الله على يديه ثم سلم إليه الكتاب فلما قرأه خر ساجدا فرحا بنصر الله ثم قال: والله قتل من المسلمين رجال أخيار منهم سعيد بن خالد قال أبو عامر فكان خالد والده جالسا فلما سمع بأن ولده قد قتل قال: وا ابناه وجعل يبكيه حتى بكى المسلمون لبكائه ثم أن خالدا اسرع إلى فرسه فركبها وعزم إلى ارض فلسطين لينظر إلى قبر ولده فقال أبو عبيدة: كيف تسير وتدعنا فقال إنما انظر قبر ولدي وارجو الله أن يلحقني به قال: وكتب أبو عبيدة كتابا لعمرو بن العاص يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم إنما أنت مأمور فإن كان أبو بكر امرك أن تكون معنا فسر إلينا وأن كان امرك بالثبات في موضعك فاثبت والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وطوى الكتاب وسلمه إلى خالد بن سعيد وسار مع أبي عامر إلى أن أتيا إلى جيش عمرو بن العاص فدفع له الكتاب وهو يبكي فوثب عمرو وصافح خالد ورفع منزلته وعزاه في ولده سعيد وعزاه المسلمون فقال خالد: يا أيها الناس هل اروى سعيد رمحه وسيفه في الكفار قالوا: نعم فلقد قاتل وما قصر ولقد جاهد في الدين ونصر فقال اروني قبره قال فأروه إياه فأقام على القبر وقال: يا ولدي رزقني الله الصبر عليك والحقني بك وأنا لله وأنا إليه راجعون والله أن مكنني الله لآخذن بثأرك يا ولدي عند الله احتسبتك ثم قال لعمرو بن العاص إني أريد أن أسري بسرية في طلب القوم فلعل أن أجد فيهم فرصة أو غنيمة واكون قد أخذت بثأر ولدي فقال عمرو أن الحرب أمامك يا.
كتاب عمرو بن العاص إلى أبي عبيدة بسم الله الرحمن الرحيم من عمرو بن العاص إلى أمين الأمة أما بعد فإن يأحمد الله الذي لا إله إلا هو واصلي على نبيه محمد ﷺ وإني قد وصلت إلى ارض فلسطين ولقينا عساكر الروم مع بطريق يقال له روبيس: في مائة ألف فارس فمن الله بالنصر وقتل من الروم خمسة عشر ألف فارس وفتح الله على يدي فلسطين بعد أن قتل من المسلمين مائة وثلاثون رجلا فإن احتجت الي سرت إليك والسلام عليك ورحمة الله وبركاته ودفع الكتاب إلى أبي عامر الدوسي وأمره أن يسير إلى أبي عبيدة قال فأسرع أبو عامر بالكتاب فوجد أبا عبيدة وهو نازل بأرض الشام وجاهر بالدخول إليها غير إنه امره كما امره أبو بكر قال فلما وصل أبو عامر قال له أبو عبيدة: ما وراءك قال خير هذا كتاب من عمرو بن العاص يخبرك بما فتح الله على يديه ثم سلم إليه الكتاب فلما قرأه خر ساجدا فرحا بنصر الله ثم قال: والله قتل من المسلمين رجال أخيار منهم سعيد بن خالد قال أبو عامر فكان خالد والده جالسا فلما سمع بأن ولده قد قتل قال: وا ابناه وجعل يبكيه حتى بكى المسلمون لبكائه ثم أن خالدا اسرع إلى فرسه فركبها وعزم إلى ارض فلسطين لينظر إلى قبر ولده فقال أبو عبيدة: كيف تسير وتدعنا فقال إنما انظر قبر ولدي وارجو الله أن يلحقني به قال: وكتب أبو عبيدة كتابا لعمرو بن العاص يقول فيه: بسم الله الرحمن الرحيم إنما أنت مأمور فإن كان أبو بكر امرك أن تكون معنا فسر إلينا وأن كان امرك بالثبات في موضعك فاثبت والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وطوى الكتاب وسلمه إلى خالد بن سعيد وسار مع أبي عامر إلى أن أتيا إلى جيش عمرو بن العاص فدفع له الكتاب وهو يبكي فوثب عمرو وصافح خالد ورفع منزلته وعزاه في ولده سعيد وعزاه المسلمون فقال خالد: يا أيها الناس هل اروى سعيد رمحه وسيفه في الكفار قالوا: نعم فلقد قاتل وما قصر ولقد جاهد في الدين ونصر فقال اروني قبره قال فأروه إياه فأقام على القبر وقال: يا ولدي رزقني الله الصبر عليك والحقني بك وأنا لله وأنا إليه راجعون والله أن مكنني الله لآخذن بثأرك يا ولدي عند الله احتسبتك ثم قال لعمرو بن العاص إني أريد أن أسري بسرية في طلب القوم فلعل أن أجد فيهم فرصة أو غنيمة واكون قد أخذت بثأر ولدي فقال عمرو أن الحرب أمامك يا.
1 / 20
ابن الأم فإذا رأيت الروم فلا تبق عليهم فقال خالد: والله لأسيرن إليهم ثم أخذ اهبته للمسير وعزم أن يسير وحده فركب معه ثلثمائة فارس من فتيان حمير فساروا يومهم ذلك اجمع وارادوا النزول في الأودية ليعلفوا دوابهم ويسيروا ليلتهم إذ نظر خالد بن سعيد إلى أشباح على ذروة جبل هناك عال منيع فقال لأصحابه: إني أرى أشباحا على ذروة هذا الجبل ونحن في هذا الوادي ثم قال كونوا في اماكنكم ثم نزل عن فرسه وتقلد سيفه والتحف بازاره وقال: اعلموا أن القوم ما علموا بنا ولو نظروا إلينا ما ثبتوا في اماكنهم فمن منكم يبذل نفسه ويصنع كما أصنع قالوا: كلنا لك قال فطافوا في الجبل حتى أشرفوا على القوم وهم في أماكنهم فعند ذلك قال خذوهم بارك الله فيكم فأسرع إليهم المسلمون فقتلوا منهم ثلاثين واسروا أربعة فسألهم خالد بن سعيد فإذا هم من انباط الشام عن حالهم فقالوا: نحن من أهل هذا البقيع والجامعة وكفار القرية وقد عظم علينا دخول العرب إلى بلادنا وقد فزعنا منهم فزعا عظيما وقد هرب أكثرنا إلى الحصون والقلاع وقد اعتصمنا نحن بهذا الجبل لانه ليس في الرستاق أحصن منه فعلونا عليه وانتم كبستمونا قال خالد: فما بلغكم عن جيش الروم قالوا: بأجنادين وهذا البطريق أقبل إلينا ليأخذ الميرة والعلوفة وقد جمعوا له الدواب والبغال والحمير تحمل الميرة وهم مع ذلك خائفون أن تلحقهم خيل العرب وهذا خبر قومنا ولا شك إنهم رحلوا من يومهم قال فلما سمع خالد بن سعيد مقالتهم قال غنيمة للمسلمين ورب الكعبة ثم قال: اللهم انصرنا عليهم ثم سأل على أي طريق سار القوم قالوا: على هذه الطريق التي انتم عليها لانها اوسع الطرق كلها واما الميرة فإنها مجموعة من حول البلاد فلما سمع خالد كلامهم قال لهم:
أسلموا فقالوا له: ما نعرف إلا دين الصليب ونحن فلاحين قال فهم خالد بقتلهم فقال رجل من أصحابه دعهم يدلونا على الطريق إلى مسيرة القوم فأجابوهم إلى ذلك وساروا وهم يدلونهم إلى تل عظيم قال فتوافق القوم وهم يحملون دوابهم حول التل ومعهم ستمائة لابس من القوم فلما نظر خالد إلى ذلك قال لأصحابه: اعلموا أن الله قد وعدكم بالنصر على عدوكم وفرض عليكم الجهاد وهذا جيش العدو امامكم فارغبوا في ثواب الله تعالى واسمعوا ما قال الله ﷿ ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ﴾ [الصف:٤] وها أنا أحمل فاحملوا ولا يخرج أحد عن صاحبه ثم أن خالدا حمل وحمل أصحابه قال: فلما رأونا استقبلونا وانهزم من كان مع الدواب من الفلاحين وصبرت الخيل لقتالنا ساعة من النهار قال: فبينما ذو الكلاع الحميري يشجع أصحابه ويقول: يا أهل حمير ابواب الجنة فتحت والحور العين قد تزخرفت وإذا بصاحب القوم قد لقيه خالد فعرفه بلامته وحسن زيه قال فاستقبله وصرخ فيه فأرعبه ثم قال: يا لثأر ولدي سعيد وطعنه طعنة صادقة فجندله صريعا كأنه.
1 / 21
برج من حديد وما بقى أحد إلا قتل من الروم قال: فلما رأى الروم ذلك ولوا الأدبار وركنوا إلى الفرار وقتل منهم ثلثمائة وعشرون فارسا وولى الباقون منهزمين وتركوا الأثقال والبغال والميرة واخذ المسلمون الجميع بعون الله تعالى قال: واطلق سراح الفلاحين وعاد خالد ومن معه بالغنائم والميرة إلى عمرو بن العاص ففرح بسلامتهم وشكر فعلهم وكتب كتابا إلى أبي بكر الصديق وذكر له ما جرى مع الروم وبعث الكتاب مع أبي عامر الدوسي ﵁ واخذه وقدم به المدينة وأعطاه أبا بكر الصديق ﵁ فلما قرأه على المسلمين فرحوا وضجوا بالتهليل والتكبير والصلاة على البشير النذير ثم أن أبا بكر استخبر عن أبي عبيدة فقال له عامر: إنه قد اشرف على أوائل الشام ولم يجسر على الدخول إليها وانه سمع أن جيوش الملك قد اجتمعت من حول اجنادين وهم أمم لا تحصى وقد خاف على المسلمين أن يتوسط بهم عدوهم.
خالد بن الوليد في الشام فلما سمع أبو بكر ذلك علم أن أبا عبيدة لين العريكة ولا يصلح لقتال الروم وعول أن يكتب إلى خالد بن الوليد ليوليه على جيوش المسلمين وقتال الروم واستشار المسلمين في ذلك فقالوا: الرأي ما تراه وكتب كتابا يقول الوليد: سلام عليك أما بعد فانيأحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد ﷺ وإني قد وليتك على جيوش المسلمين وأمرتك بقتال الروم وأن تسارع إلى مرضاة الله ﷿ وقتال اعداء الله وكن ممن يجاهد في الله حق جهاده ثم كتب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف:١٠] الآية وقد جعلتك الأمير على أبي عبيدة ومن معه وبعث الكتاب مع نجم بن مقدم الكناني فركب على مطيته وتوجه إلى العراق فرأى خالدا ﵁ قد اشرف على فتح القادسية فدفع إليه الكتاب فلما قرأه قال: السمع الطاعة لله ولخليفة رسول الله ﷺ ثم ارتجل ليلا واخذ طريقه عن اليمين وكتب كتابا إلى أبي عبيدة يخبره بعزله وبسيره إلى الشام وقد ولأني أبو بكر على جيوش المسلمين فلا تبرح من مكانك حتى اقدم عليك والسلام وبعث الكتاب مع عامر بن الطفيل ﵁ وكان أحد أبطال المسلمين فأخذه وتوجه يطلب الشام. وأما خالد فلما وصل إلى ارض السماوة قال: أيها الناس أن هذه الأرض لا تدخلونها إلا بالماء الكثير لانها قليلة الماء ونحن في جيش عظيم والماء معكم قليل فكيف يكون الأمر فقال له رافع بن عميرة الطائي ﵁: أيها الأمير إني أشير عليك بما تصنع فقال: يا رافع أرشدك الله بما نصنع ووفقك الله مولانا جل وعلا للخير قال: فأخذ رافع ثلاثين جملا وعطشها سبعة أيام ثم اوردها الماء فلما رويت خرم.
خالد بن الوليد في الشام فلما سمع أبو بكر ذلك علم أن أبا عبيدة لين العريكة ولا يصلح لقتال الروم وعول أن يكتب إلى خالد بن الوليد ليوليه على جيوش المسلمين وقتال الروم واستشار المسلمين في ذلك فقالوا: الرأي ما تراه وكتب كتابا يقول الوليد: سلام عليك أما بعد فانيأحمد الله الذي لا إله إلا هو وأصلي على نبيه محمد ﷺ وإني قد وليتك على جيوش المسلمين وأمرتك بقتال الروم وأن تسارع إلى مرضاة الله ﷿ وقتال اعداء الله وكن ممن يجاهد في الله حق جهاده ثم كتب ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [الصف:١٠] الآية وقد جعلتك الأمير على أبي عبيدة ومن معه وبعث الكتاب مع نجم بن مقدم الكناني فركب على مطيته وتوجه إلى العراق فرأى خالدا ﵁ قد اشرف على فتح القادسية فدفع إليه الكتاب فلما قرأه قال: السمع الطاعة لله ولخليفة رسول الله ﷺ ثم ارتجل ليلا واخذ طريقه عن اليمين وكتب كتابا إلى أبي عبيدة يخبره بعزله وبسيره إلى الشام وقد ولأني أبو بكر على جيوش المسلمين فلا تبرح من مكانك حتى اقدم عليك والسلام وبعث الكتاب مع عامر بن الطفيل ﵁ وكان أحد أبطال المسلمين فأخذه وتوجه يطلب الشام. وأما خالد فلما وصل إلى ارض السماوة قال: أيها الناس أن هذه الأرض لا تدخلونها إلا بالماء الكثير لانها قليلة الماء ونحن في جيش عظيم والماء معكم قليل فكيف يكون الأمر فقال له رافع بن عميرة الطائي ﵁: أيها الأمير إني أشير عليك بما تصنع فقال: يا رافع أرشدك الله بما نصنع ووفقك الله مولانا جل وعلا للخير قال: فأخذ رافع ثلاثين جملا وعطشها سبعة أيام ثم اوردها الماء فلما رويت خرم.
1 / 22
أفواهها ثم ركبوا المطايا وجنبوا الخيول وساروا فكانوا كلما نزلوا منزلا أخذوا عشرة من الإبل يشقون بطونها ويأخذون ما يجدون من الماء في بطونها فيجعلونه في حياض الأدم فإذا برد سقوه للخيل وأكلوا اللحم ولم يزالوا كذلك حتى تمت الإبل وفرغ الماء وقطعوا مرحلتين بلا ماء واشرف خالد ومن معه على الهلاك فقال خالد لرافع ابن عميرة: يا رافع قد اشرفنا على الهلاك والتلف أتعرف لنا ماء ننزل فيه.
قال الواقدي: وكان رافع رمدت عيناه فقال: أيها الأمير أتاني رمد كما ترى ولكن إذا اشرفتم على ارض سهلة فاعلموني قال: فلما اشرفوا عليها اعلموا رافعا بذلك قال فرفع طرف عمامته عن عينيه وسار على راحلته يضرب يمينا وشمالا والناس من ورائه إلى أن أقبل على شجرة من الأراك فكبر وكبر المسلمون ثم قال: احفروا هنا قال فحفرت العرب واذ الماء قد طلع كالبحر فنزل الناس عليه وشكروا الله تعالى واثنوا عليه وعلى رافع خيرا ثم وردوا الماء وسقوا خيلهم وابلهم ثم جدوا في طلب من انقطع من المسلمين ومعهم القرب بالماء قال فسقوهم فارتجعت قوتهم ثم لحقوا بالجيش وأراحوا أنفسهم ثم في ثاني يوم جدوا في المسير إلى أن بقي بينهم وبين أركة مرحلة واحدة فبينما هم كذلك إذ اشرفوا على حلة عامرة واغنام وابل قد سدت الفضاء والمستوى فأسرع المسلمون إلى الحلة وإذا براع يشرب الخمر والى جانبه رجل من العرب مشدود قال: فتبينه المسلمون وإذا هو عامر بن الطفيل الذي أرسله خالد قال فأقبل خالد ابن الوليد مسرعا حتى وقف عليه فلما رآه تبسم وقال: يا ابن الطفيل كيف كان سبب اسرك قال عامر: أيها الأمير إني اشرفت على هؤلاء القوم في هذه الحلة وقد اصابني الحر والعطش فملت إلى هذا الراعي ليسقيني من اللبن فوجدته يشرب خمرا فقلت له: يا عدو الله أتشرب الخمر وهي محرمة فقال لي: يا مولاي إنها ليس بخمر وإنما هي ماء زلال فانزل كي تراه واستنشق ما في الجفنة فإن كان خمرا فافعل ما بدا لك فلما سمعت كلامه انخت المطية ونزلت عن كورها وجلست على ركبتي في الجفنة وإذا نا بالعبد قد طلبنا بعصا كانت إلى جانبه وضربني على رأسي فشجني شجة موضحة فانقلبت على جانبي فأسرع العبد الي وشدني كتافا واوثقني رباطا وقال لي: أظنك من أصحاب محمد بن عبد الله ولست ادعك من بين يدي أو يقدم سيدي من عند الملك فقلت له: ومن سيدك من العرب فقال القداح بن وائلة وإني عند هذا العبد كلما شرب الخمر حضرني كما ترى والقى علي فضلة من كأسه قال فلما سمع خالد بن الوليد كلام عامر بن الطفيل اشتد به الغضب ومال على العبد وضربه ضربة هائلة فجندله صريعا ونهب المسلمون المال والأغنام والإبل وقلعوا الحلة بما فيها واطلق عامرا وقال له: أين رسالتي يا عامر فقال: يا مولاي هي فى طرف عمامتي لم يعلم بها العبد فقال خالد: انطلق بها يا عامر على بركة الله تعالى قال فركب عامر.
1 / 23
وسار يطلب الشام وارتحل خالد من موضعه ذلك فنزل بأركة وهي رأس الأمانة لمن يخرج من العراق وكانت الروم تمسك بها القوافل وكان عليها بطريق من قبل الملك فأغار خالد عليها وأخذ ما كان فيها وتحصن أهلها بحصنها وكان يسكن فيها حكيم من حكماء الروم وقد طالع الكتب القديمة والملاحم فلما رأى المسلمين وجيشهم انتقع لونه وقال اقترب الوقت وحق ديني فقال أهل اركة وكيف ذلك قال أن عندي ملحمة فيها ذكر هؤلاء القوم وأن أول راية تشرف من خيلهم هي الراية المنصورة وقد دنا هلاك الروم فانظروا أن كانت رأيتهم سوداء واميرهم عريض اللحية طويل ضخم بعيد ما بين المنكبين واسع الهيكل في وجهه أثر جدري فهو صاحب جيشهم في الشام وعلى يديه يكون الفتح.
قال: فنظر القوم وإذا الراية على رأس خالد وهي كما قال حكيمهم قال: واجتمعوا على بطريقهم وقالوا: له: أنت تعلم أن الحكيم سمعان لا ينطق إلا بالحق والحكمة وقد قال كذا وكذا والذي وصفه لنا رأيناه عيانا ونرى من الرأي أن نعقد بيننا وبين العرب صلحا ونأمن على حريمنا وأنفسنا فلما سمع ذلك بطريقهم قال أخروني إلى غد لارى من الرأي قال فانصرفوا من عنده وبات البطريق يحدث نفسه ويدبر امره وكان عارفا عاقلا خبيرا بالأمور وقال أن أنا خالفتهم خفت أن يسلموني للعرب وقد تحقق أن روبيس سار بجيش عظيم فهزمهم العرب ولم يزل يراود نفسه إلى أن أصبح الصباح فدعا قومه وقال على ماذا عولتم قالوا: عولنا على اننا نقيم الصلح بيننا وبين العرب فقا البطريق أنا واحد منكم مهما فعلتم لا أخالفكم قال فخرج مشايخ أركة إلى خالد وكلموه في الصلح فأجابهم إلى الصلح والان الكلام لهم وتلقاهم بالرحب والسعة ليسمع بذلك أهل السخنة ويبلغ الخبر لأهل قدمه وكان الوالي عليهم بطريق اسمه كوكب فجمع رعيته وقال لهم: بلغني عن هؤلاء العرب إنهم فتحوا أركة والسخنة وأن قومنا يتحدثون بعدلهم وحسن سيرتهم وإنهم لا يطلبون الفساد وهذا حصن مانع لا سبيل لاحد علينا ولكن نخاف على نخلنا وزرعنا وما يضرنا أن نصالح العرب فإن قومنا هم الغالبين فسخنا صلحهم وأن كان العرب ظافرين كنا آمنين قال: ففرح قومه بذلك وهيئوا العلوفة والضيافة حتى خرج خالد ﵁ من اركة ونزل عليهم فخرجوا الهي بالخدمة وصالحهم على ثلثمائة أوقية من الذهب وكتب لهم كتابا بالصلح ثم ارتحل عنها إلى حوران وبلغ عامر بن الطفيل كتاب خالد إلى عبيدة فلما قرأه تبسم وقال: السمع والطاعة لله تعالى ولخليفة رسول الله صلى الله علبه وسلم ثم اعلم المسلمين بعزله وولاية خالد بن الوليد وكان أبو عبيدة وجه شرحبيل بن حسنة كاتب وحي رسول الله ﷺ إلى بصرى في أربعة آلاف فارس قال: فسار على فنائها وكان على بصرى بطريق عظيم الشان والقدر عند الملك وعند الروم اسمه روماس وكان قرأ الكتب.
1 / 24