تنبيه :
أفادتنا سيرة بعض الصحابة انهم إنما كانوا يتعبدون بالنصوص ويجمدون عليها إذا كانت متمحضة للدين مختصة بالشؤون الاخروية ، كنصه صلى الله عليه وآله وسلم على صوم شهر رمضان دون غيره ، واستقبال القبلة في الصلاة لا غيرها ، ونحو ذلك من أوامره المتمحضة للنفع الاخروي ، أما ما كان منها متعلقا بالسياسة كالولايات والتأميرات وتدبير قواعد الدولة وتقرير شؤون المملكة وتسريب الجيش ، فإنهم لم يكونوا يرون التعبد به والالتزام في جميع الأحوال بالعمل على مقتضاه ، بل جعلوا لأفكارهم فيه مسرحا للبحث ومجالا للنظر والاجتهاد ، فكانوا إذا رأوا في خلافه رفعا لكيانهم أو نفعا في سلطانهم عدلوا عنه إلى ما يرفعون به كيانهم أو ينتفعون به في سلطانهم ، ولذلك عدل هؤلاء في الخلافة عن وليها المنصوص عليه من نبيها فجعلوها للخلفاء الثلاثة (رض) واحدا بعد واحد ، مع عهد النبي (ص) بها إلى أخيه ووليه ، ووارثه ووصيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع).
لم يكونوا غائبين عن عهد النبي بها اليه ، ولا جاهلين بنصوصه (1) المتواترة عليه. وكانت تترى من مبدأ أمره بأبي هو وأمي إلى آخر عمره ، كما أوضحناه في مراجعاتنا الأزهرية وفي سبيل المؤمنين ، وانما غلب على ظنهم أن العرب لا تخضع لعلي ولا ترتضيه مالكا لأزمة الحكم عليها حيث انه وترها في سبيل الله وسفك دماءها بسيفه في إعلاء كلمة الله ، وكشف القناع منابذا لها في نصرة الحق حتى ظهر أمر الله على رغم كل عات كفور.
فهم لا يطيعونه إلا عنوة ولا يخضعون لامامته إلا بالقوة ، وقد عصبوا به كل
पृष्ठ 96