صارت هي موضة العصر، هي كلمات «التقدمي» و«التقدمية» و«الرجعي» و«الرجعية». ولقد كنت أكتب من تسع عشرة سنة كلمات قِصارًا في جريدة شامية بعنوان «كل يوم كلمة صغيرة» (١)، فكتبت يومًا أسأل أهل التقدمية عن تعريفها الذي يبيّن حقيقتها وعن تعريف الرجعية الذي يوضح حدودها، وانتظرت طويلًا فلم أجد عندهم الجواب الشافي (٢).
الذي أعرفه أن التقدمية مشتقة من التقدّم، وأن العرب قالوا «التقدمية» في مثل هذا المعنى. وتستطيعون أن تراجعوا معناها في «أساس البلاغة» وفي المعاجم. وأعرف أن الرجعية من الرجوع. فإذا وقفت في جدّة ووجهك إلى البحر وتقدمت فأنت بهذا المعنى تقدمي، تزداد «تقدّمية» كلما اقتربت من الشاطئ، وإذا جعلت ظهرك إلى البحر وتقدمت فأنت تقدمي أيضًا، تزداد «تقدّمية» كلما ابتعدت عن البحر. فكلاهما تقدمي، فمن منكما
_________
(١) وهي المقالات التي جُمِع عدد منها من بعدُ في كتاب «مقالات في كلمات»، الذي أصدره جدي ﵀ سنة ١٩٥٩، وأصدرتُ جزأه الثاني -بفضل الله- بعد وفاته بسنة. وقد نشر هذه المقالات في جريدة «النصر» أولًا ثم انتقل بها إلى جريدة «الأيام» من بعد، واستمرّ فيها سنين (مجاهد).
(٢) انظر مقالة «ما هي التقدمية؟» في كتاب «مقالات في كلمات»، قال في أولها: "ما هي هذه التقدمية التي صار النطق بها موضة العصر وعلامة التمدن والفهم؟ هل يتكرم أحدٌ فيعرّفها لنا تعريفًا جامعًا مانعًا، فيكون له الأجر والشكر، أم أن «التقدميين» -مثلنا نحن «الرجعيين» - لا يعرفون لها تعريفًا ولا يدرون لها معنى محدودًا؟ " (مجاهد).
1 / 10