كلمة المؤلف
مقام إيران في تاريخ الفنون
الطرز الإيرانية في الفن الإسلامي
العمارة
فنون الكتاب
التصوير
التجليد
السجاد
الخزف
المنسوجات
التحف المعدنية
الزجاج والخشب
العناصر الزخرفية الإيرانية في العصر الإسلامي
تأثير الفن الإيراني الإسلامي على الفنون الأخرى
خاتمة
المراجع
اللوحات
كلمة المؤلف
مقام إيران في تاريخ الفنون
الطرز الإيرانية في الفن الإسلامي
العمارة
فنون الكتاب
التصوير
التجليد
السجاد
الخزف
المنسوجات
التحف المعدنية
الزجاج والخشب
العناصر الزخرفية الإيرانية في العصر الإسلامي
تأثير الفن الإيراني الإسلامي على الفنون الأخرى
خاتمة
المراجع
اللوحات
الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي
الفنون الإيرانية في العصر الإسلامي
تأليف
زكي محمد حسن
إن المباني والمصانع في الملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلى قدرتها وإلى من كان قبلها من الدول ... فلما استخدم العرب أمة الفرس، وأخذوا عنهم الصنائع والمباني، ودعتهم إليها أحوال الدعة والترف، فحينئذ شيدوا المباني والمصانع.
ابن خلدون
كلمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وبعد، فهذا كتاب ألقيت بعض مباحثه في محاضرات لطلاب معهد الآثار الإسلامية بجامعة فؤاد الأول، وأعددت بعضها في مناسبة معارض الفن الإيراني التي أقيمت في السنين الأخيرة بلندن ولينينغراد والقاهرة وباريس، ثم كتبت بعضها الآخر، لينتظم عقدها، وليصبح في لغتنا العربية كتاب يكشف عن بدائع الفن الإيراني وعبقرية الإيرانيين في العمارة والرسوم والزخارف والصناعات الفنية الدقيقة.
وقد كان أصحاب الفكرة الأولى في إخراج هذا الكتاب زملائي أعضاء اتحاد أساتذة الرسم، وعلى رأسهم صاحب العزة أحمد شفيق زاهر بك، فلهم مني وافر الشكر.
وتفضل حضرة صاحب السعادة الدكتور علي باشا إبراهيم فسهل لي دراسة التحف الإيرانية في مجموعته الثمينة، ونفعني بآرائه وخبرته. وإني لأرجو أن أكون قد أديت له - بتأليف هذا الكتاب في الفنون التي يحبها - بعض ما له علي من حق.
ويسرني أن أشكر الأستاذ فييت مدير دار الآثار العربية، لقيام الدار بنشر الكتاب، ولأنه ساعدني في قراءة «التجارب» وعني بذلك أدق عناية.
ولا يفوتني أن أذكر بالحمد والثناء حضرة الأستاذ إبراهيم جمعة، لخريطة إيران التي أعدها لي، وحضرة محمد نديم أفندي ملاحظ مطبعة دار الكتب، لجهوده وجهود معاونيه في إخراج هذا الكتاب.
زكي محمد حسن
القاهرة في 20 ذي الحجة سنة 1358/30 يناير سنة 1940
بيان عن الأسرات التي حكمت إيران.
الدولة الكيانية
559-331ق.م
الإسكندر المقدوني وخلفاؤه
330-248ق.م
البارثيون
250ق.م-226 ميلادية
الساسانيون
226-641 ميلادية
الخلفاء الأمويون
41-132ه/661-750 ميلادية
الخلفاء العباسيون
132-656ه/750-1258 ميلادية
الدولة السامانية
261-389ه/874-999 ميلادية
دولة بني بويه
320-448ه/932-1056 ميلادية
الدولة الغزنوية
351-582ه/962-1186 ميلادية
دولة السلاجقة
429-700ه/1037-1300 ميلادية
دولة ملوك خوارزم
470-617ه/1077-1220 ميلادية
المغول (الأسرة الإيلخانية)
656-736ه/1258-1336 ميلادية
الجلائريون (في العراق)
736-814ه/1336-1411 ميلادية
الدولة المظفرية (في مقاطعتي فارس وكرمان)
713-795ه/1313-1393 ميلادية
دولة الكرت (في هراة)
643-784ه/1245-1383 ميلادية
السربداريون (في خراسان)
737-783ه/1337-1381 ميلادية
تيمورلنك وخلفاؤه
771-906ه/1369-1500 ميلادية
ذوو الخروف الأسود (قراقيونلي)
782-874ه/1380-1469 ميلادية
ذوو الخروف الأبيض (آق قيونلي)
780-908ه/1378-1502 ميلادية
الدولة الصفوية
907-1148ه/1502-1736 ميلادية
ثورة الأفغان وحكمهم في أصفهان
1135-1142ه/1722-1729 ميلادية
نادر شاه والأفشاريون
1148-1210ه/1736-1796 ميلادية
الدولة الزندية
1163-1209ه/1750-1794 ميلادية
الدولة القاجارية
1193-1345ه/1779-1926 ميلادية
الأسرة البهلوية (رضا خان)
1345ه - .../1926م - ...
قطعة نسيج من الحرير الإيراني في القرن 10ه/16م.
مقام إيران في تاريخ الفنون
قدر لبعض الشعوب أن يكون لها في تاريخ المدنية شأن خطير، وأن تكون في ميدان الفنون إماما ينسج الآخرون على منواله ويقتفون أثره، وعلى رأس تلك الشعوب الإغريق والإيرانيون وأهل الصين.
أما الإغريق فقد تركزت على يدهم الأساليب الفنية الكلاسيكية التي قامت على أسسها الفنون الغربية، وكذلك امتد نفوذ الأساليب الفنية الصينية في ربوع آسيا، ولم ينج من تأثيرها فن في تلك القارة المترامية الأطراف. بينما كانت إيران ملتقى الفنون القديمة في الشرق الأدنى، ونمت فيها أساليب فنية تأثرت بفنون بابل وأشور ومصر والهند وبلاد اليونان، وانتشرت في العصور القديمة والعصور الوسطى، وأثرت في فنون الأمم الأخرى.
وإنا - إذا استثنينا الفن الإغريقي القديم - لا نكاد نعرف أي فن آخر قدر له أن يمتد امتداد الفن الإيراني، بل إننا نستطيع أن نقول في ثقة واطمئنان إنه ليس هناك فن عظيم لم يأخذ عن الفن الإيراني شيئا من زخارفه أو أساليبه؛ فإن الفن المصري القديم والفنون الإغريقية والرومانية والبيزنطية والصينية والهندية، كلها مدينة للفن الإيراني ببعض أشكال التحف أو أساليب العمارة والزخرفة، أو أسرار الصناعات الفنية الدقيقة.
والواقع أن هذه العظمة الفنية في إيران وليدة السيادة في ميادين الحرب والسياسة والمدنية؛ فقد كان الإيرانيون والإغريق يقتسمون الحكم في العالم القديم حينا من الزمان. ولما فكر الإسكندر الأكبر في تأسيس إمبراطورية تضم بلاد الشرق الأدنى تحت لواء الإغريق، اتجه نظره إلى إيران ليتخذها مركز هذه الإمبراطورية؛ ولكنه مات قبل أن يظفر بتنفيذ مشروعه العظيم، بيد أن حروبه في الشرق الأدنى مهدت السبل لنشر الثقافة الإغريقية فيه؛ فأضحت إيران وأفغانستان حينا من الزمن ملتقى الأساليب الفنية الإيرانية والإغريقية والهندية، بل كان أثر الثقافة الإغريقية غالبا في الأجزاء الإغريقية من الهضبة الإيرانية، وهي الأقاليم التي كان يحكمها الأمراء الإغريق الذين آلت إليهم إمبراطورية الإسكندر.
واستولت على مقاليد الحكم في إيران منذ سنة 224 ميلادية دولة بني ساسان، ووحد ملوكها الشعب الإيراني، وقضوا السنين الطويلة في حروب ومناوشات مع الدولة البيزنطية في الغرب، والأقوام الرحل الذين كانوا يشنون الغارات على الحدود الإيرانية في الشرق أو الشمال. وبين الذين خلدتهم الآثار الفنية من الأباطرة الساسانيين شابور الأول الذي هزم الإمبراطور الروماني فالريان عند مدينة الرها سنة 260 ميلادية، فخلد الإيرانيون هذا النصر في نقوشهم المحفورة في الصخر - ولا سيما في نقش رستم على مقربة من مدينة برسبوليس ومدينة إصطخر الحالية - ورسموا القيصر الروماني راكعا أمام عاهلهم الجبار. كما خلدت الآثار الفنية اسم بهرام جور الذي سارت الركبان بحديث مهارته في الصيد فرسمه الفنانون الإيرانيون في مناظر الصيد المختلفة.
1
ولم تكن تلك الحروب الطويلة في العصر الساساني تمنع الشعب من العناية بالفنون الجميلة، بل كانت من أهم عوامل الاتصال بين الشعبين العظيمين في ذلك الحين: الإيرانيين والإغريق؛ فزاد التبادل الفني رغم أنف الفريقين، وتسرب إلى فنون بيزنطة كثير من الموضوعات الزخرفية الإيرانية، ولم تلبث هذه الموضوعات أن اندمجت في الفنون البيزنطية اندماجا تاما، ثم نقلتها أقاليم البحر الأبيض المتوسط التي كانت تابعة لبيزنطة في ذلك الحين. ويبدو ذلك واضحا في زخارف كثير من المنسوجات التي عثر عليها المنقبون عن الآثار في مصر العليا، كما يظهر أيضا في كثير من الزخارف التي استخدمت في العصر القبطي، ولا سيما الرسوم المحفورة في الحجر والخشب.
على أن الحروب الطويلة بين بيزنطة وإيران، فضلا عن الحالة الاجتماعية والدينية فيهما، أنهكت قواهما؛ فأصبحتا في بداية القرن السابع الميلادي عاجزتين عن صد تيار الجيوش العربية التي جمعتها وحدة الإسلام؛ فسقطت إيران، وفقدت استقلالها السياسي وأصبحت جزءا من الإمبراطورية الإسلامية التي أتيح للعرب تشييدها؛ كما فقدت بيزنطة مستعمراتها في الشرق الأدنى، ولم تنج بنفسها من جيوش المسلمين إلا بفضل البحر الذي كان يفصلها عنهم، والذي لم يكن العرب يحسنون ركوبه في فجر الإسلام.
وقد كان الفتح الإسلامي في إيران أعمق أثرا في تاريخها من فتح الإسكندر، بل إنه أقالها من عثرتها؛ فإن زوال استقلالها السياسي لم يكن له النتيجة المنتظرة والمنطقية في اضمحلال مدنيتها وتأخر فنونها. وسبب ذلك أن العرب كانوا قوما عمرت قلوبهم بالإيمان وتحلوا بالشجاعة والإقدام؛ ولكنهم أدركوا - بما فيهم من حكمة طبيعية موروثة - أنهم في حاجة إلى معونة الإيرانيين في أنظمة الحكم والأساليب الفنية، فما كاد عصر بني أمية ينتهي بما حفل به من فتوحات وعصبية للعرب، حتى نقل العباسيون مقر الحكم إلى بغداد؛ فكان هذا إيذانا بانتصار إيران في ميدان الحياة الاجتماعية والفنية والعلمية، ولا غرو فقد قامت الدولة العباسية على أكتاف الإيرانيين في خراسان.
وسرعان ما أصبحت إيران في طليعة الأمم الإسلامية عناية بتشييد العمائر الفخمة وصناعة التحف النفيسة، ولم يكن عسيرا أن تنعقد لها الزعامة في الفنون الإسلامية؛ فإن الشعب الإيراني فنان بالفطرة، وحسبك أن تشاهد بيتا أو قصرا إيرانيا، أو ترى تحفة مصنوعة في إيران لتدرك ذلك وينكشف لك.
وقصارى القول أن تطور الفنون القديمة في الشرق الأدنى تم على يد الإيرانيين؛ فكان لهم بعد ذلك القسط الأجزل والقدح المعلى في الفنون الإسلامية. والواقع أن الترك نقلوا عنهم معظم أساليبهم الفنية، بينما العرب أنفسهم لم تكن لهم تقاليد فنية عريقة. وقد عقد ابن خلدون في مقدمته فصلا في أن «المباني والمصانع في الملة الإسلامية قليلة بالنسبة إلى قدرتها وإلى من كان قبلها من الدول»، وذكر فيه أن السبب في ذلك بداوة العرب وبعدهم عن الصنائع، وأن الدين كان أول الأمر مانعا من المغالاة في البنيان والإسراف فيه في غير القصد، «فلما بعد العهد بالدين والتحرج في أمثال هذه المقاصد، وغلبت طبيعة الملك والترف، واستخدم العرب أمة الفرس، وأخذوا عنهم الصنائع والمباني، ودعتهم إليها أحوال الدعة والترف، فحينئذ شيدوا المباني والمصانع.»
ومما ساعد على ازدهار الطرز الفنية الإيرانية أن إيران منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) استعادت استقلالها السياسي والثقافي، فبعثت المدن الإيرانية ونمت وترعرعت في ربوعها الآداب والفنون.
الطرز الإيرانية في الفن الإسلامي
انتشر الفن الإسلامي في الأندلس والمغرب الأقصى (مراكش) والمغرب الأدنى (الجزائر) وإفريقية (تونس)، وصقلية وطرابلس ومصر والشام وبلاد العرب، وآسيا الصغرى والبلقان وجنوبي الروسيا وبلاد الجزيرة والعراق، وإيران وبلاد ما وراء النهر وأفغانستان والهند وثمة شعوب أخرى اعتنقت الإسلام ولم ينشأ فيها فن إسلامي صحيح كشعوب الملايو وجزر الهند الشرقية والصحراء الإفريقية الكبرى والسودان.
1
وكان الأمراء المسلمون ينقلون الفنانين من بعض أنحاء الإمبراطورية الإسلامية إلى الأنحاء الأخرى، ويستدعون إلى مقر حكمهم بعض من تمتد شهرتهم من الفنانين الناشئين في سائر الأقاليم الإسلامية. وكان لهذا أكبر الأثر في تكييف الطرز المختلفة في الفنون الإسلامية والتقريب بينها وتأثير بعضها على بعض.
وكان للفروق الإقليمية والجنسية، ولنشاط الأسرات الحاكمة أثر في طبيعة الفنون الإسلامية عامة؛ فأصبح ذوو الخبرة بها يقسمونها إلى طرز أو مدارس فنية: هي الطراز الأموي في الشرق، والطراز الأموي في الغرب (الأندلس) والطراز العباسي والطراز الفاطمي والطراز السلجوقي والطراز الإيراني التتري، والطراز المملوكي والطراز الأسباني المغربي، والطراز الصفوي والطراز المغولي الهندي والطراز التركي.
وليس معنى هذا أن الفرق عظيم بين هذه الطرز أو المدارس الفنية، فهو في بعض الحالات صعب إدراكه على غير الأخصائيين، ولا سيما الفرق بين الطرز الفنية في الإقليم الواحد؛ فقد يمكن معرفة بدء الأسرات الحاكمة وتاريخ انتهائها؛ ولكن الطرز الفنية يتطور بعضها عن بعض؛ فالفصل بينها أمر وضعي واصطلاحي إلى حد كبير، وهي تتعاون ويؤثر بعضها في بعض.
وقد كانت إيران ميدانا لأربعة من الطرز الإسلامية التي ذكرناها، وهي الطراز العباسي والطراز السلجوقي والطراز الإيراني المغولي أو التتري والطراز الصفوي. (1) الطراز العباسي
أما الطراز العباسي فهو الذي ساد في الأقاليم الإسلامية بعد أن انتقل مقر الحكم إلى بغداد على يد العباسيين. وكان أهم مظاهر هذا الطراز استخدام الآجر والجص في العمائر، عوضا عن الحجر الذي كانت تشيد به العمائر في الشام، وأثرت النظم المعمارية القديمة في عمارة المساجد في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)؛ فكانت الجوامع الكبيرة ذات أعمدة أو دعائم تحمل السقف مباشرة بدون عقود في بعض الأحيان، وكانت هناك مساجد ذات أعمدة خشبية.
ولعل أقدم العمائر الإسلامية التي لا تزال قائمة في إيران مسجد (نايين)، وقد شيد في القرن الرابع الهجري (القرن العاشر الميلادي)، وهو مسجد ذو صحن وبواك وزخارف جصية جميلة تشبه الزخارف الجصية في سامرا وفي الطراز الطولوني،
2
وسقف هذا الجامع ليس خشبيا مسطحا، بل مكون من قباب من الآجر.
ويمتاز الطراز العباسي في الفنون التطبيقية أو الفرعية باستخدام الموضوعات الزخرفية الساسانية، مع تهذيب بسيط يجردها في بعض الأحيان من العنف والقوة. وأكثر ما يظهر هذا في التحف المعدنية وفي المنسوجات التي كانت تصنع في العراق وإيران في القرنين الثاني والثالث بعد الهجرة (الثامن والتاسع بعد الميلاد). كما امتاز هذا الطراز بالخزف ذي البريق المعدني الذي كان يصنع في إيران والعراق ومصر وإفريقية، وسوف نفصل الكلام عن ذلك في الفصول القادمة من هذا الكتاب. (2) الطراز السلجوقي
أما الطراز السلجوقي فينسب إلى السلاجقة، وهم قبائل من التركمان الرحل، قدموا من إقليم القرغيز في آسيا الوسطى واستقروا في الهضبة الإيرانية. وكان السلاجقة من أتباع المذهب السني، وأتيح لهم منذ القرن الخامس الهجري (منتصف القرن الحادي عشر الميلادي) الاستيلاء على السلطان في الشرق الأدنى، ولكن إمبراطوريتهم الواسعة لم تلبث أن تمزقت، وآل حكمها إلى أسرات صغيرة أسسها بعض أفراد أسرتهم أو كبار قوادهم (الأتابكة)، ثم قضى عليها المغول في القرن السابع الهجري (بداية القرن الثالث عشر بعد الميلاد). وقد كان الأمراء السلاجقة يشملون الفنون برعايتهم في آسيا الصغرى والعراق وإيران، ولكن العنصر التركي الذي ينتمون إليه لم يظهر تأثيره في العمائر والتحف الفنية في عصرهم؛ لأنهم كانوا يستخدمون أبناء البلاد أنفسهم في الأقاليم الإسلامية المختلفة، ويشجعونهم بما يكلفونهم به من عمل أو يشترونه من تحف فنية. ومع ذلك كله فقد نشأ تحت رعايتهم طراز قائم بذاته امتاز بضخامة العمائر واتساعها ومظهرها القوي، كما امتاز أيضا باستخدام رسوم الكائنات الحية محورة عن الطبيعة، على النحو الذي امتازت به الفنون الإسلامية عامة. ومن مميزات الطراز السلجوقي عدا ذلك كثرة استخدام الزخارف المجسمة ولا سيما في وجهات العمائر.
ولكن الواقع أن أهم الآثار الفنية التي خلفها هذا الطراز السلجوقي تنسب إلى آسيا الصغرى وأرمينية وبلاد الجزيرة والشام. ومما يلاحظ في العمائر الدينية السلجوقية؛ أنها لم تكن مقصورة في أغلب الأحيان على المساجد فحسب، بل كثر بناء الأضرحة على شكل أبراج أسطوانية أو ذات أضلاع وأوجه عدة،
3
أو على شكل عمائر ذات قباب، كما أدخل السلاجقة بناء المدارس لتعليم المذهب السني. والواقع أن المذهب الشافعي كان له أتباع كثيرون متفرقون في بعض بقاع إيران، ولكن هذا المذهب السني لم تكن له صفة رسمية إلا على يد السلاجقة، ولا سيما الوزير نظام الملك الذي شيد له المدارس الفخمة، والذي عرف برعايته للشاعر والفيلسوف الإيراني عمر الخيام. على أن ما شيد في إيران من تلك المدارس لم يبق منه شيء، وقد كان كله لتدريس المذهب الشافعي، بينما غلب مذهب ابن حنبل على المدارس التي أسست في العراق، ومذهب أبي حنيفة على ما شيد منها في الموصل وسورية. وقد حدث بعد ذلك أن الخليفة العباسي المستنصر بالله (623-640ه؛ أي 1226-1242م) شيد المدرسة التي تنسب إليه في بغداد وجعلها لتدريس المذاهب السنية الأربعة.
وقد كان لبناء المدارس أثر كبير في تصميم المساجد بعد ذلك؛ فقد استطاعت إيران أن تجمع بين تصميم المدارس ذات الصحن المستطيل، واستخدام القباب في المساجد ، وانتقل هذا النظام الجديد في تشييد المساجد إلى كثير من الأقطار الإسلامية، وصار
4
الصحن في المساجد الجديدة لا يختلف كثيرا عن فناء المدرسة. ولسنا نملك في هذا المجال أن نتطرق إلى شرح التفاصيل المعمارية في أنواع المساجد المختلفة، مما لا يمت لعبقرية الشعب الإيراني وفنونه بصلة كبيرة.
ومما يلاحظ في العمائر السلجوقية على وجه الإطلاق ما للمدخل من الضخامة وخطورة الشأن، كما تمتاز العمائر السلجوقية المختلفة بتنوع الزخارف في أبوابها تنوعا تزيده الثروة الزخرفية ظهورا ويكسب البناء طابعا خاصا.
وقد شهد العصر السلجوقي في إيران تقدما عظيما في بناء العمائر ذات القباب والأقبية، كما نرى في الجزء الذي بني على يد السلطان ملكشاه من مسجد الجمعة بمدينة أصفهان (انظر شكل
4 ).
على أن أعظم تجديد أصابته العمائر الإيرانية في القرنين السادس والسابع بعد الهجرة (الثاني عشر والثالث عشر بعد الميلاد) هو تزيين الجدران بالزخارف القاشانية من اللوحات أو الفسيفساء. وعرفت إيران في المساجد محاريب مسطحة لا تجويف فيها، ولكن عليها رسوما تمثل محرابا يحف به عمودان بارزان. وكانت هذه المحاريب تصنع من الجص أو من القاشاني ذي البريق المعدني. وفي القسم الإسلامي من متاحف برلين محراب من القاشاني (انظر شكل
28 ) مؤرخ من سنة 623ه/1226 ميلادية، ويظن أنه كان في مسجد الميدان بمدينة قاشان.
وقد شهد العصر السلجوقي في ميدان الكتابة تجديدا خطير الشأن؛ إذ استخدمت الكتابة النسخية المستديرة، فضلا عن الكتابة الكوفية التي كانت تجمل بالفروع النباتية وتوصل حروفها بعضها ببعض؛ فوصلت إلى حد كبير من الجمال والثروة الزخرفية. ويختلف تاريخ استخدام الخط النسخي باختلاف الأقطار الإسلامية، ولكننا نستطيع بوجه عام أن نعتبر القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) عصر الانتقال إلى هذا النوع من الكتابة.
5
كما ذاع استخدام الورق في العصر السلجوقي، ولم يعد الورق يستعمل إلا في المناسبات النادرة. وقد أخذ المسلمون صناعة الورق عن الصينيين، وكان بدء إنتاجه في سمرقند، ثم انتشرت صناعته في سائر الأقاليم الإسلامية.
6
وتنسب إلى العصر السلجوقي أولى مدارس التصوير في الإسلام، وتسمى في معظم الأحيان مدرسة بغداد أو العراق، ولكنها في الواقع عربية أكثر منها إيرانية، وسوف نشير إلى ذلك في الكلام عن التصوير الإيراني عامة، وحسبنا الآن أن نذكر أن صور تلك المدرسة كانت لا تقل عن الصور الغربية المعاصرة لها في دقة الألوان ونضارتها وقوة الرسم واتزانه، وأنها كانت متأثرة بأساليب الرسم والتصوير عند أصحاب مذهب ماني في معابد بلاد التركستان الشرقية وأديرتها. وقد كان ماني - كما نعرف - من كبار المصلحين الاجتماعيين في إيران عاش في القرن الثالث الميلادي وبشر بمذهب ديني جديد هو مزيج من الزرادشتية - دين الإيرانيين القديم - والمسيحية. وكان ماني مصورا قديرا، ولعل تلاميذه كانوا كذلك أيضا؛ فقد سار هو وأتباعه على توضيح كتبهم الدينية بالرسوم والصور، كما نعرف من المصادر التاريخية والأدبية، ومن الصور التي عثر عليها العالمان الألمانيان فون لوكوك
Von Le Coq
وجرينفيدل
Grünwedel
في مدينة طرفان من أعمال التركستان الصينية. وقد كانت هذه المدينة بين عامي 143 و225 بعد الهجرة (760-840م) عاصمة لدولة الأويغور التركية الجنس والمانوية المذهب. والمعروف أن أمراء السلاجقة وقوادهم كانوا يستخدمون في بطانتهم كتابا من أصل أويغوري. وأكبر الظن أن أثرهم في قيام مدرسة العراق كان أعظم من أثر أتباع الكنيسة المسيحية في بلاد الشام والجزيرة.
وكذلك كانت صناعة التحف المعدنية زاهرة في العصر السلوجوقي، وكانت مقاطعة خراسان في طليعة الأقاليم السلجوقية التي امتازت في هذا الميدان؛ ولا غرو فإنها كانت في عصر الدولة السامانية (261-389ه؛ أي 874-999م) مركزا عظيما لإنتاج التحف والأواني من البرونز وتزيينها بالزخارف الإيرانية القديمة ذات الطراز الساساني. ونحن نعرف في بعض المتاحف والمجموعات الأثرية الخاصة عددا كبيرا من التحف المعدنية لا تزال عليها زخارف من الطراز التي سبقت العصر الإسلامي، ولكن فيها بعض تفاصيل دقيقة تظهر لذوي الخبرة، وتدل على أن هذه التحف مصنوعة في صدر الإسلام، واحتفظ الفنانون في صناعتها بالأساليب الفنية الساسانية، بل احتفظوا عدا ذلك بأشكال التحف والأواني القديمة. أما في عصر السلاجقة فقد ذاعت شهرة خراسان بصناعة التحف من النحاس والفضة وتطبيقها (تكفيتها) بالفضة في القرنين الخامس والسادس بعد الهجرة (الحادي عشر والثاني عشر بعد الميلاد). وكانت هذه التحف تزين في أغلب الأحيان بأشرطة أفقية من الزخارف فيها كتابات نسخية تنتهي بعض قوائم الحروف فيها برسوم رءوس آدمية، وفيها رسوم راقصات وفرسان ومناظر طرب وموسيقى وبهلوان، وما إلى ذلك مما سيأتي الكلام عليه حين نفصل الحديث عن صناعة التحف المعدنية في الفن الإيراني.
على أن المدينة التي قدر لها أن تصبح أعظم مركز لصناعة التحف المعدنية المنزلة بالفضة والذهب هي مدينة الموصل في القرنين السادس والسابع بعد الهجرة (الثاني عشر والثالث عشر بعد الميلاد). وامتازت منتجاتها بدقة الزخارف المطبقة؛ أي المطعمة، وباستخدام الذهب في التطبيق أو التكفيت؛ مما أكسب تلك التحف جمالا وإبداعا عظيمين؛ ولا عجب فقد كانت كراهية اتخاذ الأواني من المعادن النفيسة سببا في العمل على تطبيق النحاس والبرونز بزخارف الفضة والذهب.
وقد كان لمدرسة الموصل أكبر الأثر في تطور صناعة المعادن في سائر الأقطار الإسلامية؛ فقد رحل منها صناع كثيرون إلى القاهرة وحلب وبغداد ودمشق، وأسسوا مدارس جديدة لصناعة التحف المعدنية وتطبيقها بالفضة والذهب في أسلوب فني يظهر فيه التأثر بأساليب مدرسة الموصل في هذا الميدان.
وازدهرت صناعة الخزف في العصر السلجوقي، وظهرت المهارة التي ورثها صناع الخزف الإيرانيون والعراقيون عن العصور القديمة. وأقبل القوم على استخدام القاشاني لتزيين الجدران، والخزف لصناعة الأواني الجميلة، وذاعت شهرة مدينتي الرقة والموصل، ولكن الذي يعنينا في هذا المقام هو مركز ثالث من مراكز إنتاج الخزف في العصر السلجوقي، بل هو أعظمها على الإطلاق. ونقصد مدينة الري جنوبي طهران؛ فقد ظلت هذه المدينة حتى القرن السابع الهجري (النصف الأول من القرن الثالث عشر الميلادي) مقر صناعة زاهرة جدا، وموطنا لإنتاج أنواع دقيقة وبديعة من الخزف الذي أكسب إيران في هذا الميدان شهرة لا تدانيها شهرة الصين في ذلك العصر، والذي امتاز بتنوع أشكاله وجمالها وإبداع زخارفه واتزانها. والواقع أن أكبر مركز لصناعة الخزف ذي البريق المعدني كان في مصر إبان العصر الفاطمي، ثم أصبحت القيادة في هذا الميدان لمدينة الري منذ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي).
وتوصل الخزفيون فيها إلى التجديد في صناعتهم إبان القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) فلم تعد منتجاتهم مقصورة على النوع الذي يعرف باسم «جبرى»
7
وينسب معظمه إلى ما بين القرنين الرابع والسادس (العاشر والثاني عشر بعد الميلاد)، وهو شعبي يمتاز بزخارفه المحفورة حفرا عميقا على أرضية من الفروع النباتية، والتي تذكر بعض الشيء بالزخارف الساسانية في رسومها المكونة من حيوان أو طائر يكسبه الحفر العميق شيئا من البروز. أجل، وفق الخزفيون بمدينة الري في القرن السادس (منتصف القرن الثاني عشر الميلادي) إلى صناعة الخزف ذي البريق المعدني ويسمونه «مينائي»، وهو في أغلب الأحيان آنية - وفي بعض الأحيان لوحات - مدهونة بطلاء أبيض فوقه رسوم متعددة الألوان من صور آدمية وفرسان وأمراء على عروشهم وحيوانات وطيور، وصور توضح قصصا من الأدب أو التاريخ الإيراني كقصة بهرام جور وخسرو وشيرين، وما إلى ذلك من الرسوم الدقيقة التي تشبه رسوم المخطوطات في المدرسة السلجوقية، والتي كان بعض أجزائها مذهبا. ومن المحتمل أن يكون مصورو المخطوطات قد اشتركوا في رسم الزخارف على بعض تلك الأواني الخزفية. بيد أن عددا منها كانت رسومه من الفروع النباتية وليس فيها رسوم آدمية، كما أن بعضها كان طلاؤه أزرق أو أخضر. وثمة نوع كانت زخارفه بارزة ومجسمة، كما سنرى في الفصل الذي سنعقده للكلام على الخزف الإيراني عامة.
أما صناعة الزجاج وتمويهه بالمينا، فقد كان مركزها في العصر السلجوقي منذ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) في إقليم سورية، وكانت زخارفه الدقيقة تشبه زخارف الخزف المصنوع في الري والتحف المعدنية المصنوعة في الموصل.
وقد ازدهرت في عصر السلاجقة صناعة السجاد التي كانت قبل ذلك في يد القبائل الرحل بآسيا الوسطى، ومما يؤسف له أننا لا نعرف اليوم نماذج من هذه الصناعة بإيران في العصر المذكور؛ فإن ما بقي من منتجات تلك الصناعة لا يتجاوز بعض قطع تنسب إلى آسيا الصغرى، وقد كانت في مسجد علاء الدين بقونية، وهي اليوم محفوظة بالمتحف الإسلامي في إستانبول . وأول هذه القطع من مختلف درجات الأحمر والأزرق، وكانت الأرضية في ذلك السجاد مزينة بزخارف هندسية مكررة أو برسوم أشكال صغيرة كثيرة الأضلاع، ويحف بالأرضية من الجهات الأربع إطار من رسوم حروف كوفية لا تقرأ.
ولم يكن عصر السلاجقة من العصور الذهبية في تاريخ الفنون فحسب؛ بل ازدهرت فيه الثقافة الإيرانية الإسلامية في ميادينها المختلفة، ولا سيما في عصر ملكشاه ووزيره نظام الملك، الذي ألف كتاب «سياسة نامه»، وأنشأ المدرسة النظامية في بغداد، وشمل برعايته أعلام المفكرين في عصره مثل الغزالي وعمر الخيام.
8
على أن السلاجقة في آسيا الصغرى أتيح لهم القيام بعمل حازم جليل؛ فقد قضوا على الصبغة البيزنطية التي كانت سائدة في تلك البلاد منذ العصور القديمة وجعلوها «منطقة نفوذ» إيرانية؛ فصارت الثقافة الإيرانية والأساليب الفنية الإيرانية صاحبة السيادة في بلاطهم بمدينة قونية، وظل تأثير الطرز الفنية الإيرانية عظيما في العمائر والتحف الفنية التي أنتجتها تركيا منذ عصر السلاجقة حتى عصر الأتراك العثمانيين. (3) الطراز الإيراني التتري
كان المغول أو التتر قبائل رحل من صحراء غوبي، وأفلحوا في القبض على زمام السلطان في الصين، ثم انطلقوا بقيادة جنكيز خان يفتحون الإقليم بعد الآخر، حتى أقاموا لأنفسهم عاهلية آسيوية عظمى، وامتد سلطانهم إلى بعض الأقاليم الأوروبية حينا من الدهر. وقد شنوا الغارة على بلاد ما وراء النهر وشرق إيران سنة 618ه فخربوا كثيرا من المدن التي مرت جيوشهم بها.
9
واستطاع هولاكو حفيد جنكيز خان أن يفتح بغداد سنة 656ه/1258م وأن يقتل المستعصم آخر خلفاء بني العباس؛ فيقضي على الخلافة العباسية في العراق قضاء مبرما، بعد أن كان السلاجقة قد جردوها من كل سلطان دنيوي.
وجدير بنا أن نذكر أن المغول حين قضوا على دولة ملوك خوارزم في النصف الأول من القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، كانوا غرباء عن المدنية الإيرانية، ولم يكونوا قد أخذوا من الحضارة بنصيب وافر، ولكنهم لم يلبثوا أن تأثروا بالثقافة الصينية في الشرق والثقافة الإيرانية في الغرب، فعملوا بعد ذلك على رعاية الفنون والآداب.
وأسس هولاكو في إيران أسرة حكمتها حتى سنة 736ه/1336م وهي الأسرة الإيلخانية التي تهذب أفرادها وأتباعهم بالحضارة الإيرانية، ثم اعتنقوا الإسلام، ولكنهم لم يقطعوا أسباب العلاقة بينهم وبين أقربائهم من المغول في الشرق الأقصى؛ ولذا امتاز عصرهم في إيران بتأثير الأساليب الفنية الصينية في فنون إيران.
على أن خلفاء هولاكو لم يفطنوا في بداية الأمر إلى ما في نمو النظام الإقطاعي في إيران من خطر على دولتهم؛ فدب إليها الانحلال وانقسمت إيران بعد سقوط هذه الأسرة إلى دويلات محلية، كالدولة المظفرية في إقليمي فارس وكرمان ودولة الكرت في هراة، ودولة الجلائريين في العراق، وغيرها من الدويلات التي ظلت قائمة حتى قضى عليها تيمورلنك في نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) حين استقر له الأمر في بلاد ما وراء النهر، وبدأ سلسلة فتوحات أخضع فيها إيران وجزءا من جنوبي الروسيا والهند وهزم جيش بايزيد سلطان الأتراك العثمانيين عند أنقرة سنة 804ه/1402م.
وبعد وفاة تيمورلنك سنة 807ه/1405م أفلح ابنه شاه رخ في الاستيلاء على عرش إيران وبلاد ما وراء النهر، واتخذ مدينة هراة عاصمة له؛ فازدهرت فيها الفنون والآداب على يده وفي عهد خلفائه، حتى قامت الأسرة الصفوية سنة 907ه/1502م وتطور الفن برعايتها تطورا أدى إلى قيام طراز فني جديد.
ومهما يكن من الأمر فقد دمر المغول في فتوحاتهم كثيرا من المدن، وهرب من طريقهم، إلى مصر وغيرها من الأقطار الإسلامية، كثير من الصناع والفنانين، ولكن كل هذه الأحداث كانت عارضة؛ فإن هولاكو وخلفاءه كانوا يشملون رجال الفن بعنايتهم، بل كانوا حين يخربون المدن يعنون بإنقاذ الفنانين وأرباب الصناعات. والواقع أنهم أصابوا قسطا وافرا من التوفيق في النهضة بالفنون والصناعات والآداب. أما تيمورلنك فقد كان الخراب يتبع جيوشه أينما حلت، وكانت قسوته مضرب الأمثال، ولا سيما أن ضحاياها في إيران والهند وآسيا الصغرى كانوا مسلمين مثله، ولكنه إن كان قد خرب دهلي وشيراز وبغداد ودمشق، فقد فعل ذلك لتجميل عاصمته سمرقند، التي كان يعمل على أن تصبح عروس الشرق في المدنية والفنون، بل إنه ذهب إلى حد اعتبار الاشتراك في بناء عمائره فرضا على مهرة البنائين في الأقاليم المختلفة من دولته؛ فكان يستقدمهم، وكانوا يأخذون على عاتقهم تحقيق مشروعاته، كما كان الأمر في نظام «الليتورجيا»
Leiturgia
أو «العمل للشعب» عند الإغريق القدماء، حين كان الأغنياء أو القادرون على عمل من الأعمال يكلفون بعمله أو بالإنفاق عليه فترة من الزمن؛ مساهمة منهم في الخدمة الاجتماعية.
والواقع أن التخريب الذي ينسب إلى غارات المغول بولغ في نتائجه بعض المبالغة؛ فقد حدث حقيقة أن كسدت صناعة البناء، وتهدمت عمائر كثيرة وهاجر الصناع والفنانون إلى آسيا الصغرى وإلى مصر كما ذكرنا، وكما يظهر من قول المؤرخ المصري تقي الدين المقريزي: «فلما خرب المشرق والعراق بهجوم عساكر التتري منذ كان جنكيز خان في أعوام بضع عشرة وستمائة إلى قتل الخليفة المستعصم ببغداد في صفر سنة 656 كثر قدوم المشارقة إلى مصر وعظمت عمارة الحسينية.»
10
ولكن ما فعله المغول وتيمور وخلفاؤه في سبيل الفن وتشجيع الفنانين، يجعلنا نغض الطرف عما حدث في حروبهم الأولى من تدمير واضطهاد.
وبعد فإن الطراز الإيراني التتري يمتاز بأنه مشبع بالأساليب الفنية الصينية التي غمرت إيران نفسها وما جاورها من البلدان التي تأثرت بفنونها، ولا سيما في العصر الفاطمي.
11
أما في العمارة فإن بناء الأضرحة المشيدة على شكل الأبراج ظل شائعا في عصر المغول كما كان في عصر السلاجقة، ويظهر ذلك جليا في الضريح المشيد في مدينة مراغة والذي ينسب لإحدى بنات هولاكو، وهو مكون من برج مزين بفسيفساء من الفخار المطلي وفوقه هرم ذو قاعدة مثمنة، ولكن الأضرحة ذات القباب زادت عظمة وفخامة؛ بازدياد مساحتها وارتفاعها وبكثرة استخدام العقود فيها، كما نرى في ضريح السلطان الجايتو خدابنده في مدينة سلطانية؛ حيث نلاحظ أن المهندس قد توصل إلى زيادة تأثير العلو والارتفاع بأعمدة بناها حول قاعدة القبة كأنها المآذن الممشوقة.
12
على أن أشهر الأضرحة التي تنسب إلى الطراز الإيراني التتري موجودة في قرافة بسمرقند دفن فيها كثيرون من أفراد الأسر التيمورية. وأبدع هذه الأضرحة على الإطلاق هو ضريح تيمورلنك نفسه «جورامير »، بني سنة 808ه/1405م، ويتكون من قاعة صليبية الشكل في مثمن تقوم فوقه أسطوانة عليها قبة مضلعة، والأسطوانة مزينة بشريط من الكتابة الكوفية بقوالب الطوب المطلي بالمينا كالطوب الذي يغطي أضلاع القبة نفسها. ولا ريب في أن مظهر هذا الضريح من الخارج ومن الداخل بما فيه من حنايا ومقرنصات، يبعث في النفس الرهبة والإعجاب، ويجعله من أروع العمائر الإسلامية على الإطلاق (انظر شكل
12 ).
أما المساجد في الطراز الإيراني المغولي فقد زادت أناقة واتزانا كما يظهر في مسجد فرامين وفي جامع جوهر شاد بمدينة مشهد. ويمتاز هذا الجامع الأخير بتناسب أجزائه المختلفة. وشاع في عصر التيموريين بناء المساجد التي تعلوها قبة ضخمة، ويؤدي إليها مدخل عال يلفت النظر بعظمته وفخامته. ومن أبدع العمائر التي تنسب إلى القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) الجامع الأزرق الذي شيد بمدينة تبريز في منتصف هذا القرن، وكانت في وسطه قاعة كبرى عليها قبة وحولها قاعات أخرى وفي أحد جوانبها مقبرة مقنطرة أو مقبية. وقد زين هذا المسجد بفسيفساء من الخزف غاية في الإبداع والجمال، وفيها اللون الأزرق الفاتح والأزرق الغامق والأسمر والأخضر الغامق، كما أن فيها بعض الفروع النباتية المذهبة.
وقد عظم شأن المدارس في العصر التيموري، ولكن لم يطرأ على بنائها في هذا الطراز تغيير كبير. ومن الأمثلة التي لا تزال باقية في حالة جيدة مدرسة خرجرد على مقربة من الحدود الأفغانية، وقد شيدت سنة 849ه/1445م على يد مهندسين معماريين من شيراز، وتتكون من صحن مربع تحيط به أربعة إيوانات ذات طابقين وأقبية أسطوانية الشكل وعقود إيرانية مدببة. ومما يلاحظ في كثير من تلك المدارس وجود منارة أسطوانية مرتفعة تحف بجانبي المدخل المستطيل الشكل أو المربع، ويتوسط المدخل عقد إيراني كبير.
واستخدم البناءون الجص بكثرة في زخارف العمائر الإيرانية التترية ولا سيما في المحاريب، ولكن التجديد الحقيقي في زخارف العمائر التي تنسب إلى هذا الطراز إنما هو استخدام الخزف والقاشاني المختلف الأنواع. والواقع أن أولئك الفنانين أتيح لهم أن يصلوا في الزخرفة بقوالب الآجر وبفسيفساء القرميد والخزف إلى غاية الإبداع والإتقان، ولا سيما في العصر التيموري الذي ينسب إليه المسجد الأزرق في تبريز، وقد غلبت هذه التسمية على المسجد المذكور للون القاشاني الذي يغطي جدرانه. ولا ريب في أن الفسيفساء الخزفية في هذا المسجد تبدو كأنها رسمت بدقة توازي دقة الفنانين الذين كانوا يشتغلون بزخرفة صفحات الكتب وتذهيبها، فضلا عن أن هذه الفسيفساء الخزفية المتعددة الألوان تذكر بما أولع به القوم في بلاد ما وراء النهر من تعدد الألوان في سجاجيدهم.
وعني الفنانون في ذلك العصر باستخدام المقرنصات أو الدلايات في تزيين العمائر عناية تذكر بما اتجه إليه زملاؤهم في الطراز الأندلسي المغربي، كما نرى في قصر الحمراء؛ حيث أسرف الفنانون في استخدام المقرنصات إسرافا كاد يؤدي إلى الملل وفقد البساطة الفنية، بينما أفلح الإيرانيون في استعمال هذه الزخارف بدون مبالغة تفقد عمائرهم الاتزان والاحتشام.
على أن الفنانين الإيرانيين في عصر المغول كانت لهم مهارة عظيمة في كسوة العمائر بنجوم من القاشاني يملئون ما بينها من الفراغ بلوحات أخرى صليبية الشكل، كما استخدمت المحاريب المصنوعة من القاشاني اللامع ذي البريق المعدني (انظر شكلي
28
و
30 ). والظاهر أن مركز صناعة هذا القاشاني كان قد انتقل في ذلك العصر من مدينة قاشان إلى فرامين، أما في العصر التيموري فقد انقضى عهد القاشاني ذي البريق المعدني، واستخدمت لكسوة الجدران تربيعات مختلفة الألوان.
ويظهر تأثير الشرق الأقصى واضحا في العناصر الزخرفية التي استخدمت في الطراز الإيراني المغولي، كالحيوانات الخرافية والصور الآدمية ذات السحنة الصينية. واحتفظت بغداد بشهرتها في كتابة المصاحف بالخط الجميل وتذهيبها، وأصاب الخطاطون فيها توفيقا عظيما في الخط النسخي الكبير، وكانوا يحددون الحروف بالذهب ويزينون الأرضية بالفروع النباتية الجميلة. وفي نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) انتقلت الزعامة في هذا الفن إلى مدينتي تبريز وسمرقند.
والواقع أن فنون الكتب ازدهرت في عصر المغول ازدهارا سوف نعرض له في الصفحات القادمة، وحسبنا أن نذكر الآن أن المصورين كانوا يشتركون أحيانا في رسم زخارف القاشاني والخزف، وأن الأساليب الفنية الصينية كانت غالبة في بداية عصر المغول، ثم هضمها الإيرانيون وحوروها تحويرا جعلها توافق روحهم الإيرانية والإسلامية. وثمة مخطوطات نرى في بعض صورها تأثير الأساليب الفنية الصينية، كما نرى في البعض الآخر بقاء الأصول الموروثة عن المدرسة السلجوقية. وخير مثال على هذا مخطوط من كتاب جامع التواريخ للوزير رشيد الدين يرجع إلى سنة 714ه/1314م، لا يزال جزء منه محفوظا الآن في الجمعية الآسيوية الملكية بلندن، والجزء الآخر في مكتبة جامعة أدنبرا.
وشهد الطراز الإيراني المغولي تجديدا في فن الخط الجميل فابتدع مير علي خط «نستعليق»، وبلغ هذا الخط غاية الجمال والإبداع على يد السلطان علي المشهدي الذي سمي «سلطان الخطاطين»، وقد توفي سنة 919ه/1513م.
13
أما صناعة السجاد فليس لدينا ما يشهد بازدهارها في ذلك العصر اللهم إلا في بلاد القوقاز التي كانت تنتج أنواعا من السجاد، قوام زخارفه حيوانات خرافية وحقيقية مرسومة بطريقة اصطلاحية ظاهرة، بينما بدأت الأقاليم الإيرانية نفسها في صناعة السجاد ذي الجامة؛ أي الصرة، ولكن هذه الصناعة لم تبلغ عصرها الذهبي إلا في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي).
وطبيعي أن انتشر الحرير الصيني في إيران على يد المغول، وقلد الإيرانيون زخارفه أكثر مما كانوا يفعلون قبل ذلك؛ فأنتجوا أنواعا جيدة من الديباج كانوا يصدرونها إلى البلاد الأجنبية، وقد عثر على نماذج منها في بعض المقابر بمدينة فيرونا
Verona
الإيطالية، وكانت زخارفها من الحيوانات الخرافية والزهور الصينية والكتابات العربية.
على أن هذا الطراز لم يصب نجاحا كبيرا في صناعة المعادن، بل إن الدقة التي عرفناها في الطراز السلجوقي عند الفنانين الذين اشتغلوا بتطبيق البرونز والنحاس بالمعادن النفيسة، هذه الدقة اختفت أو كادت اللهم إلا على السيوف والخناجر والخوذات. وقد ظهرت في ذلك العصر الخوذة الناقوسية الشكل التي كانت تلبس فوق العمامة، وكان يتصل بها جزء لوقاية القسم الأعلى من الوجه وفيه فتحتان للعينين. أما السيف المستخدم في هذا العصر فكان مستقيما ذا نصل عريض قد طبقت فيه غالبا زخرفة تمثل رسم العراك بين التنين والعنقاء.
وعلى كل حال فإننا نتبين في العمائر والتحف التي تنسب إلى عصر المغول وعصر تيمور وخلفائه ما امتازت به إيران في الفنون الإسلامية من محافظة على قسط وافر جدا من أساليبها الفنية القديمة، ومن ميل إلى رسوم الكائنات الحية وإلى الزخارف النباتية الرشيقة.
وصفوة القول أن عصر المغول، ولا سيما عصر خلفاء تيمور، كان عصر نهضة عظيمة في الفنون والآداب، ولعله من الناحية الفنية أقوى العصور في إيران على الإطلاق. (4) الطراز الصفوي
أفلح الشاه إسماعيل في أن يستولي على عرش إيران سنة 907ه/1502م، وأن يؤسس الأسرة الصفوية، نسبة إلى الشيخ صفي الدين أحد الأولياء في مدينة أردبيل. وهي أولى الأسرات التي أصبح المذهب الشيعي في عهدها المذهب الرسمي لبلاد إيران. وكان طبيعيا ألا يتركها العثمانيون - وهم أبطال الجنس التركي والمذهب السني - آمنة في أملاكها المترامية الأطراف؛ فقامت بين العثمانيين والإيرانيين حروب انتهت باستيلاء الترك على الجزء الغربي من أملاك الدولة الصفوية؛ واضطر الإيرانيون إلى أن يقيموا داخل حدودهم الطبيعية وأن يلتفتوا إلى تقاليدهم الوطنية القديمة؛ فيبعثوا في البلاد نهضة إيرانية حقة، وصلت بها في الميدان الثقافي إلى الذروة العليا، ولا سيما في عصر الشاه عباس الأكبر.
ويمتاز الطراز الفني الذي ازدهر في إيران على يد الأسرة الصفوية بأن كل الأساليب الفنية التي كانت إيران أخذتها عن الشرق الأقصى في عصر المغول والعصر التيموري تطورت وهضمها الذوق الإيراني؛ فبعدت الشقة بينها وبين أصولها الصينية. كما يمتاز أيضا بزيادة الميل إلى قصص الأبطال الإيرانيين القدماء، وبالإقبال على تصوير هذه القصص في المخطوطات وفي غيرها من التحف الفنية. وعني الفنانون فضلا عن ذلك بدراسة بعض نواحي الطبيعة والحياة اليومية، وتجلى ذلك في صورهم وفي الزخارف التي استعملوها.
وقد زاد عدد المراكز الفنية في إيران، وكانت تبريز عاصمة الأسرة في البداية؛ فعمل فيها أعلام الخطاطين والمذهبين والمصورين والمجلدين، وأثر نشاطهم في ميادين فنية أخرى؛ فامتد نفوذهم إلى تصميم الفسيفساء الخزفية التي كانت تزين جدران العمائر وقبابها، كما ظهر أيضا في زخارف المنسوجات بأنواعها المختلفة. ثم نقل الشاه عباس مقر الحكم إلى أصفهان في نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وعني بتجميلها، وبنى فيها المساجد والقصور وأقام الطرق المعبدة؛ فأصبحت هذه المدينة من أزهر مدن الشرق، وصارت في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) المحور الذي تدور حوله الحياة الفنية الإيرانية، وطغى فيها أسلوب رضا عباسي، الذي سيأتي الحديث عنه في الصفحات القادمة.
وإذا أردنا أن نفهم طبيعة هذا الطراز الصفوي وجب علينا أن نذكر أمرين: الأول نمو العلاقات بين إيران ودول الغرب واتصال الأمراء الصفويين بالأسرات الحاكمة في أوروبا، والثاني بقاء ما كان بين إيران والشرق الأقصى من علاقات فنية قديمة.
على أن خلفاء الشاه عباس لم يلبثوا أن انصرفوا إلى الاستبداد والخلاعة؛ فاستطاعت الدولة العثمانية أن تحتل إقليم العراق، الذي كان من أملاك الصفويين إلى سنة 1048ه/1638م، حين استولى السلطان مراد الرابع على بغداد وضم بلاد العراق إلى الدولة العثمانية، بعد أن قامت فيه على يد الإيرانيين أضرحة فخمة لكبار رجال الشيعة.
وأخذت عوامل الضعف تدب في الدولة الصفوية، وقلت عناية أمرائها بالفن ورجاله؛ فساء نوع المنتجات الفنية وكثر الإنتاج بالجملة للأسواق وأصحاب الذوق العادي، ولا سيما الغربيين الذين كانوا يقعون من تحف الشرق بكل عجيب خارج عن المألوف.
وقد كان الأفغان خاضعين للدولة الصفوية، ثم ثاروا عليها في عهد الشاه حسين وهزموه سنة 1135ه/1722م وسقطت أصفهان في يدهم؛ فكان هذا الحادث إيذانا بسقوط الصفويين، وإن كان بعض أمرائهم ظلوا بعد ذلك يحكمون نحو عشر سنين في إقليم مازندران جنوبي بحر قزوين.
ومن أبدع العمائر التي تنسب إلى الطراز الصفوي ضريح وجامع الشيخ صفي الدين بأردبيل. وقد بدئ تشييده في نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وتم في منتصف القرن التالي. ويتكون هذا الضريح من مدخل ضخم تليه حديقة مستطيلة توصل إلى المباني التي تحيط بفناء داخلي يقع إلى يساره الجامع القديم، وهو عجيب ومثمن الشكل فيه ستة عشر عمودا من الخشب وفيه حنيات للنوافذ، ولا محراب له، وإنما تقع القبلة في اتجاه مدخله. وإلى يمين الفناء ضريح الشيخ صفي الدين، وبجواره بهو من الآجر، في جانبه الأيسر عقد كبير مدبب تعلوه حلية من المقرنصات، وفي البهو عدد من النوافذ فوقها وتحتها زخارف من الفسيفساء الخزفية.
ومن أفخم المساجد الصفوية مسجد الشاه في أصفهان؛ فهو يمتاز بامتداده وضخامته وجمال تخطيطه على الرغم من أن إيواناته الثلاثة غير متصلة؛ مما يفقد البناء شيئا من الارتباط والتماسك.
أما المدارس فأبدعها مدرسة مادرشاه، وقد شيدت في بداية القرن الثاني عشر الهجري (نحو سنة 1700م)، وتمتاز بإيواناتها العظيمة في طابقين، وبالقاعة ذات القبة الكبرى في إيوان القبلة (انظر شكل
23 ).
وقد أقيمت أضرحة عظيمة لأئمة الشيعة وكبار رجالاتهم في العراق ولا سيما في كربلاء وسامرا والنجف، وكانت تمتاز بقبابها البصلية الشكل ومناراتها الأسطوانية المرتفعة.
وكانت العمائر الدينية في العصر الصفوي تحلى بالفسيفساء الخزفية ذات الألوان الجميلة ورسوم الزهور والفروع النباتية البديعة؛ مما أكسبها طابعا خاصا تجلى فيه ما للإيرانيين من ذوق جميل، وغرام بالفن، ودراية بما للألوان الهادئة المنسجمة من سحر وجاذبية.
على أن الطراز الصفوي عني على الخصوص بالقصور وبتخطيط المدن وتشييد المرافق العامة، كما يتجلى في أصفهان التي عمل الشاه عباس الأكبر وخلفاؤه على تجميلها بالعمائر الجميلة التي تحيط بميدانها المتوسط «ميدان شاه»، فضلا عن الحدائق والأشجار المغروسة في الطرقات الطويلة المعبدة؛ مما جعل تلك المدينة آية في الحسن والنظام، كما يظهر من وصف الرحالة الفرنسي جان شاردان
Jean Chardin (1643-1713)، الذي زارها في عصرها الذهبي وأعجب بقصورها الأنيقة المشيدة في الحدائق الغناء ذات الفسقيات الجميلة، وما إلى ذلك مما امتازت به إيران، وكان الشعر الإيراني خير مرآة له.
ولم يعن الصفويون بتشييد القصور فحسب - كقصر جهل ستون وهشت بهشت وآينه خانه - بل عنوا أيضا بتشييد الأسواق والخانات في المدن الكبيرة والطرقات التجارية الرئيسية. والواقع أن معظم العمائر الإيرانية في العصر الصفوي من مساجد وأضرحة ومدارس وخانات وأسواق وقصور، تشترك في طابعها الفني العام وتمتاز بما فيها من الاتزان وجمال النسب.
أما جدران القصور الصفوية فكانت تكسى بتربيعات القاشاني المحلاة بأجزاء من موضوعات زخرفية، تكون في مجموعها صورا وثيقة الصلة بالصور التي كان ينتجها أعلام المصورين في ذلك العصر، كما كانت الأسقف والجدران تزين بالتطعيم أو النقوش على «اللاكيه».
وسوف نرى عند الكلام عن فنون الكتاب أنها وصلت إلى أوج عزها في بداية العصر الصفوي؛ فأصبحت إيرانية لحما ودما، وذاع صيت تبريز في إنتاج المصاحف الفنية الفاخرة وتذهيب صفحاتها الأولى والأخيرة فضلا عن رءوس السور وعلامات الأجزاء والأحزاب، وزاد إنتاج المخطوطات الجميلة من الشاهنامه ودواوين الشعراء ولا سيما نظامي وجامي وسعدي. وكان المذهبون يصيبون أبعد حدود التوفيق في دقة مزج الألوان وإتقان الرسوم الهندسية والفروع النباتية إتقانا يبدو فيه التوازن والتماثل، ولا يترك زيادة لمستزيد. ولا يظهر إتقان هذه الرسوم في المخطوطات فحسب، بل إننا نراه في تربيعات القاشاني على الجدران والقباب. أما المجلدون فقد أتقنوا إنتاج الجلود المذهبة ذات الطبقات والمناطق المختلفة البروز.
وكان المصور العظيم «بهزاد» حلقة الانتقال من الأسلوب التيموري في النقش والتصوير إلى الأسلوب الإيراني البحت في عصر الدولة الصفوية، ونبغ كثير من تلاميذه. وبدأت عادة تأليف المرقعات لجمع الصور المستقلة ونماذج الخطوط المنسوبة إلى أعلام الخطاطين والمصورين. ثم ظهر المصور رضا عباسي وتبعه كثيرون من الفنانين بأصفهان وغيرها من البلدان الإيرانية في رسم السيدات والغلمان ذوي القدود الممشوقة.
والواقع أن ازدهار فن النقش والتصوير كان له صداه في سائر ميادين الطراز الصفوي؛ فامتد نفوذ المصورين إلى رسوم السجاد والمنسوجات والخزف في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد).
وسوف يأتي الكلام عن هذه الآثار الفنية النفيسة التي تعد من بدائع الفن الإيراني في عصوره المختلفة، فنرى السجاجيد الثمينة ذات الألوان الغنية والرسوم المختلفة الوثيقة الصلة بزخارف جلود الكتب، كما نرى المنسوجات ذات الزخارف التي تشبه رسوم المخطوطات، وتعبر عن غرام الإيرانيين بالحدائق وبالقصص المستمدة من تاريخهم الوطني.
ومما يمتاز به الطراز الصفوي في ميدان الأسلحة استخدام السيوف المقوسة عوضا عن السيوف المستقيمة العريضة التي استخدمت في عصر التيموريين، فضلا عن الخناجر الصفوية التي ذاع صيتها في أنحاء العالم الإسلامي بجمال زخارفها النباتية والحيوانية. •••
على أننا نود أن نتحدث عن بعض ميادين الطرز الإيرانية كوحدة قائمة بذاتها؛ ليتسنى لغير الأخصائيين من القراء أن يقفوا على بدائع ما أنتجه الإيرانيون في العمارة وفنون الكتاب والخزف والسجاد وغير ذلك، وليمكنهم أن يروا الطابع العام الذي يميز هذه الآثار الفنية عن غيرها في سائر الأقطار الإسلامية.
وسوف يتاح لنا في الصفحات التالية أن نعرض بشيء يسير من التفصيل، بعض ما أجملناه في هذه المقدمة عن الطرز الفنية المختلفة التي ازدهرت في الهضبة الإيرانية، وفي بعض الأقاليم التي خضعت للإيرانيين من الوجهة السياسية أو الثقافية.
العمارة
إذا تذكرنا أن الفن هو تعبير الإنسان عن إحساسه الروحي وترجمته خياله وعاطفته، عرفنا أن الذي يعنينا من العمارة في تاريخ الفن ليس ما يقوم فيها على العلوم الرياضية، وإنما المظاهر التي لا نستطيع شرحها أو تفسيرها بالاستنباط أو بالأدلة الميكانيكية والعلمية، ولعل هذا أكبر الفرق بين ما يعنى به المهندس في دراسة العمارة وما يعنى به مؤرخ الفن.
والمعروف أن فن العمارة عند الغربيين له منزلة عالية، وهم يفرقون بين الفنون الجميلة وبين الفنون التطبيقية والزخرفية، فيسمون الأخيرة في بعض الأحيان الفنون الفرعية
Minor Arts ؛
1
لأنهم يذهبون إلى أن المصور أو المثال في درجة أرقى من الصانع الفنان، وهذا صحيح بالنسبة للفنون الغربية، ولكن الطرز الفنية الإسلامية كلها ليس فيها إلا العمارة من ناحية، ثم هذه الفنون الزخرفية التي يسمونها فرعية من ناحية أخرى؛ لأن الفن الإسلامي لم يعرف المثالين، كما أن نقش اللوحات الفنية لم يكن من طبيعته، ولم ينبغ فيه أمثال رفائيل وروبنز ورمبران؛ فليس في الإسلام فن رئيسي وفنون فرعية، وإنما تسود الزخارف في الآثار الفنية الإسلامية من عمائر وتحف، بل إن الصناع الفنانين في الإسلام كانوا أكبر عون للمعماريين في تزيين مبانيهم؛ ولذا فإن أفضل تقسيم للفنون الإسلامية عامة هو تقسيمها إلى عمارة وإلى فنون زخرفية أو صناعية. •••
وإذا أردنا أن نتبين مميزات العمارة الإيرانية بوجه عام وبدون أن ننفذ إلى التفاصيل التي لا تهم غير الأخصائيين، وجب علينا أن نعرف المواد التي استخدموها، وأن نتبين أنواع العمائر التي شيدوها، والعناصر المعمارية التي ابتدعوها أو نبغوا في استخدامها، ثم الأساليب الزخرفية التي اتخذوها لتزيين مبانيهم.
والمعروف مما كتبه الجغرافيون في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) وما بعده، أن إيران كانت عامرة بالمدن الكبيرة، وأن هذه المدن كانت غنية بالعمائر العظيمة، ولكن الواقع أن العمائر الإيرانية التي ترجع إلى العصور الإسلامية القديمة لم يبق منها شيء كثير، ومع ذلك فإننا - بفضل الآثار التي لا تزال باقية والأنقاض التي كشفها المنقبون عن الآثار - نستطيع أن نستنبط من الحقائق ما نقف منه على تأثير العمارة الإيرانية الساسانية على العمارة في الأقطار الإسلامية عامة وفي إيران خاصة، كما نستطيع أن نتبين خواص العمارة الإيرانية وما كان لها في العمارة الإسلامية من شأن عظيم.
ويمكننا بوجه عام أن نقسم تاريخ العمارة الإيرانية إلى أربع مراحل كبيرة: الأولى من الفتح الإسلامي إلى نهاية القرن الرابع الهجري (بداية الحادي عشر الميلادي)، والثانية من بداية القرن الخامس حتى السابع (الثالث عشر الميلادي)، والثالثة في القرن الثامن (الرابع عشر الميلادي)، والرابعة من القرن التاسع إلى الحادي عشر (الخامس عشر إلى السابع عشر بعد الميلاد).
ففي المرحلة الأولى تطورت الأساليب الساسانية تطورا بطيئا، ولم يبق لنا من عمائر هذه المرحلة إلا أطلال غير ظاهرة، فلا بد من الاعتماد على ما كتبه الجغرافيون والمؤرخون العرب عن المساجد الأولى في إيران والعراق.
أما المرحلة الثانية فلا تزال بعض عمائرها قائمة ومؤرخة أو يمكن تأريخها، ولا سيما المدارس والمنارات والأضرحة البرجية الشكل، وجلها في وسط إيران وشماليها الشرقي.
وقد خلفت المرحلة الثالثة عددا وافرا من العمائر التي امتاز معظمها بالعظمة وإبداع النسب وحسن التخطيط والعمل على بلوغ الكمال والإتقان.
أما المرحلة الأخيرة فقد بلغت فيها العمارة الإيرانية عصرها الذهبي على يد تيمور وخلفائه، ثم برعاية بعض ملوك الأسرة الصفوية، فشيدت العمائر الفخمة من مساجد وأضرحة وخانات وأسواق وقناطر وقصور. (1) مواد البناء
استخدم الإيرانيون الطوب والحجر والخشب . وكان استخدام الطوب أعم؛ لأن نقل الحجر من المحاجر كان يتطلب نفقات طائلة، ولكنهم لم يكونوا مضطرين إلى ذلك مثل أهل العراق الذين لم يكن لهم بد من استخدام الآجر لقلة الخشب والحجر، بينما كان الحجر والخشب موجودين في إيران؛ فشيد الإيرانيون في العصور القديمة بعض العمائر الحجرية، كما شيدوا في العصر الإسلامي بعض الأبنية من الحجر تحدث المؤرخون والجغرافيون عنها، ولا تزال أنقاض بعضها قائمة إلى اليوم.
واستعمل الإيرانيون الجص والقاشاني في زخرفة عمائرهم، كما سنرى في الصفحات التالية. وفضلا عن ذلك استعملوا الطوب نفسه في الزخرفة؛ فكانوا ينشئون منه الأشكال الهندسية وأشرطة الكتابات وما إلى ذلك من الرسوم لتزيين العمائر والمآذن.
ولعل استخدام الطوب والأحجار الصغيرة في العمارة الإيرانية منذ العصور الأولى هو الذي صرف البنائين عن تزيين العمائر بالحليات المعمارية المجسمة التي نرى مثلها في العمارة القوطية مثلا، والتي لا يمكن إتقانها إلا بنحتها في الأحجار الكبيرة نحتا دقيقا، وفضلا عن ذلك فإن قلة النفقات شجعت المعماريين الإيرانيين على كثرة تشييد المباني ومهدت لهم طريق التجارب والإبداع فيها، مما لا يتيسر تماما في العمائر الحجرية ذات النفقات الطائلة.
وامتازت بعض البلدان الإيرانية، ولا سيما شيراز وأصفهان، باستخدام السقوف الخشبية القائمة على الأعمدة، كما أن بعض المساجد القديمة كان فيها أعمدة من الخشب، وشيد الإيرانيون بعض القباب الخشبية الكبيرة، ولا سيما في قزوين ونيسابور. (2) تخطيط العمائر وزخرفتها
تأثر تصميم العمائر الإيرانية في الإسلام ببعض الأساليب المعمارية التي ورثها الإيرانيون عن الفنون القديمة التي ازدهرت في الهضبة الإيرانية وفي بلاد الجزيرة، كالبهو ذي الأعمدة الرفيعة والمدخل ذي العقد الكبير . كما اختلف تصميم العمائر في بعض المقاطعات الإيرانية عنه في البعض الآخر بحسب التقاليد المحلية والأحوال الجوية؛ فكان أهل الشمال مثلا - بما فيه من البرد القارس - يميلون إلى المساجد المسقوفة المغلقة، بينما أقبل أهل الجنوب على تشييد المساجد ذات الصحن والأبهاء المكشوفة.
ولكن تصميم المباني الإسلامية الإيرانية كان بسيطا إلى حد كبير، وكان المعماريون يعوضون هذه البساطة بالعناية بالزخارف وبالانتفاع بنضارة الألوان في الكسوات الخزفية. والواقع أننا نرى تباينا عظيما بين ما في العمائر الإيرانية من بساطة المظهر الخارجي وما ينبعث من داخلها من سحر جذاب وثروة زخرفية عجيبة.
ومما يزيد زخارف العمائر الإيرانية الإسلامية فخامة ما في رسومها من تعادل وتناسب، ومن ذوق سليم، أدركها المعماريون بتقسيم الجدران إلى إطارات أو حشوات كبيرة؛ أي «بانوهات» تناسب السطح وتخفف السأم الذي قد يبعثه التكرار المعروف في الطرز الإسلامية عامة.
والحق أن العمارة الإسلامية في إيران لا تمتاز بتنوع عناصرها المعمارية بقدر ما تمتاز بالذوق السليم، والوضوح، مع الدقة والنسب الصحيحة المتزنة في جمع تلك العناصر والتأليف بينها. (3) أنواع العمائر الإيرانية في الإسلام
شيد الإيرانيون في العصر الإسلامي كثيرا من المساجد والأضرحة والمدارس والأسواق والخانات فضلا عن القصور الجميلة.
أما المساجد فقد كان أقدمها ذا إيوانات فيها أعمدة أو أكتاف، وكان استخدام الأعمدة الخشبية في بعض الأحيان سببا في سرعة تهدم المساجد، ولكن استعمال الأعمدة الحجرية أو المصنوعة من الطوب أصبح شائعا منذ القرن الثالث الهجري، ولم تكن هذه المساجد الإيرانية الأولى تختلف كثيرا عن سائر المساجد في العالم الإسلامي في ذلك الوقت.
على أن أبين العناصر الإيرانية البحتة في عمارة المساجد ترى في أبنية المدارس، وهي كليات دينية تشبه المساجد في تصميمها، وقد نشأت في إيران على يد السلاجقة، الذين اتخذوها - كما اتخذها المغول والتيموريون من بعدهم - أداة لنشر تعاليم المذهب السني. أما تخطيطها فقوامه صحن مكشوف تطل عليه قاعات ذات قباب، ويتكون من كل منها إيوان في وسط كل وجهة من الوجهات الأربع التي تشرف على الصحن، وتحف بالإيوانات قاعات في طابقين، يسكنها الأساتذة والطلبة. وأقدم المدارس التي لا تزال قائمة في إيران مدرسة على مقربة من المسجد الجامع في أصفهان، وترجع إلى منتصف القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي). والواقع أن أعظم الجوامع الإيرانية خليط في تصميمها بين المدرسة والمسجد ذي الإيوانات والأعمدة أو الأكتاف، وتمتاز بأن إيوان القبلة فيها كبير يتخذ للصلاة، وعلى جانبيه قاعات ذات قبوات ، ويمكن الوصول إليها من الصحن، وفوق هذا الإيوان قبة كبيرة.
وتتجلى طبيعة الشعب الإيراني وحبه للحدائق والمياه الجارية فيما نراه من وجود فسقية في صحن المسجد تحف بها الشجيرات والزهور.
وكانت الأضرحة في إيران أعم منها في سائر الأقطار الإسلامية، ولا غرو فقد كان الإيرانيون يعظمون أولياء الله ويعنون بذكراهم. وكانت الأضرحة أبنية مربعة وذات قبة تشيد للأولياء والصالحين؛ مما يكسبها طابعا دينيا، بينما كان الأمراء والأميرات يدفنون في مقابر على شكل أبراج.
أما الأضرحة ذات القباب فلعل المعماريين تأثروا في بنائها بالعمارة الهلينية والمسيحية الشرقية، كما أخذ الأمويون قبة الصخرة في بيت المقدس، والعباسيون القبة التي لا تزال قائمة في سامرا والتي يظن أنها مدفن الخلفاء العباسيين المنتصر والمعتز والمقتدر.
2
ومن أقدم هذه الأضرحة الإيرانية ضريح إسماعيل بن أحمد الساماني ( ∆
3
295ه؛ أي 907م)، وضريح السلطان سنجر السلجوقي ( ∆
552ه؛ أي 1157م).
وكانت مقابر أفراد الأسرات الحاكمة أبراجا أسطوانية في معظم الأحيان ولها سقف مخروطي الشكل؛ مما يثبت العلاقة الوثيقة بينها وبين خيام الأمراء عند القبائل الرحل بآسيا الوسطى. وكانت بعض هذه الأبراج ذات جدران مضلعة فتصبح نجمية الشكل، كما في أبراج دماوند والري وفرامين.
وعني الإيرانيون بتشييد الخانات الضخمة لمأوى المسافرين والقوافل، وكان أبدع ما في عمائر الخانات مداخلها المشيدة من الأبراج والعقود الشاهقة؛ مما يكسبها العظمة والفخامة.
بينما كانت الأسواق في إيران - كما في سائر الأقطار الإسلامية - طرقات ذات حوانيت صغيرة؛ ولكنها امتازت بقبواتها العظيمة وعقودها الضخمة، كما نرى في السوق الشاهاني بمدينة أصفهان.
أما القصور فقد كانت مظهرا من العبقرية الفنية الإيرانية، ولكننا لا نكاد نعرف عنها شيئا قبل القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) على الرغم من أنقاض قصر السلطان ألب أرسلان التي عثر عليها في نيسابور، وأنقاض القصور الأخرى التي كشفت في ساوه والري. وفي العصر الصفوي كانت القصور صغيرة الحجم، وكان كل ملك أو أمير يملك عددا كبيرا منها. وقد وصف الأوروبيون الذين زاروا إيران في ذلك العصر ما شاهدوه من قصور، فأطنبوا في ذكر ما فيها من أدلة الترف والنعيم وحسن الذوق، وذكروا سقوفها الدقيقة، واللوحات المصورة على جدرانها، والأثاث الفاخر في قاعاتها، وأشاروا إلى القاعات التي كانت تهيأ في جدرانها طاقات لوضع الأواني الخزفية الجميلة، على نحو القاعة المشهورة في ضريح الشيخ صفي الدين بأردبيل.
والمعروف أن أعلام المصورين بين القرنين التاسع والعاشر بعد الهجرة (الخامس عشر والسابع عشر بعد الميلاد) كانوا يستخدمون أحيانا في زخرفة جدران القصور وسقوفها بالصور والرسوم، وفضلا عن ذلك فقد استعملت المرايا والمنسوجات النفيسة في تزيين الجدران، وصنعت النوافذ الصغيرة من الخشب أو المعدن، وزينت بالرسوم الهندسية وملئت بالخزف أو الجص والزجاج، أما الأبواب فقد بالغ الفنانون في زخرفتها بالرسوم على «اللاكيه».
وكانت جدران القصور في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) تزين بلوحات زيتية كبيرة تغطي الإطارات أو «البانوهات» التي تناسبها على الجدران، وكانت الأساليب الفنية في نقش هذه اللوحات تشهد بتأثرها بالأساليب الفنية الغربية. ويظن بعض مؤرخي الفنون أنها كانت بريشة فنانين غربيين من ذوي المواهب العادية نزحوا إلى إيران ليظهروا فيها بدلا من العيش في بلادهم وتحمل منافسة ليسوا أهلا لها، ولكن هذا القول مردود إلى حد كبير بوجود إمضاءات مصورين إيرانيين على بعض هذه اللوحات؛ وخير الأمثلة لذلك عشر لوحات نفيسة من مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم بالقاهرة، كانت تزين جدران بعض القصور الإيرانية، وهي بالزيت، ومساحة كل منها 185 × 260 سنتمترا أو أكثر بقليل، وبعضها مؤرخ سنة 1140 هجرية/1728 ميلادية، وعليه إمضاء المصور زين العابدين. وموضوعاتها مختلفة فعلى اثنين منها رسوم أشخاص لعلهم من الأمراء والأميرات، وعلى الأخرى رسوم فسقيات أو مناظر فواكه وزهور.
4
وهذه التحف الفنية الثمينة بديعة على الرغم من تأثرها بالفن الغربي. والواقع أن الفنان احتفظ فيها بالروح الإيرانية، وأثبت أن العبقرية الإيرانية في التصوير لم تكن وقفا على توضيح الكتب بالرسوم الصغيرة التي سيأتي شرحها في الصفحات التالية. (3-1) العقد الإيراني المدبب
عرفت العمارة الإيرانية القديمة العقود نصف الدائرة والعقود المدببة والعقود البيضاوية، وفي القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) ذاع استخدام العقد المدبب، الذي أصبح من ميزات العمارة الإسلامية، ونقلته عنها بعض الأقاليم الغربية. وسرعان ما عم استعمال العقد المدبب في كل العمائر الإيرانية، وصار ينسب إلى إيران؛ حيث كان ارتفاعه يبلغ في بعض وجهات مساجدها زهاء عشرين مترا. وكانت العقود الفخمة تكسب المباني الإيرانية سحرا وجلالا عظيمين، وفي وجهات المساجد كانت القبوات والمقرنصات تزين باطن العقد، وتعلو المدخل الصغير الذي يوصل إلى داخل المسجد. ولعل أبدع أمثلة العقد الإيراني المدبب ما نراه في مسجد شاه بأصفهان. (3-2) القبوات
استخدم المعماريون الساسانيون القبوات نصف الأسطوانية في التغطية، ونبغ الإيرانيون المسلمون في بناء القبوات العظيمة، ولا سيما في عمائر الأسواق كالسوق الشاهاني في أصفهان، وفي بعض المساجد كمسجد شاه والمسجد الجامع في أصفهان أيضا، ولعل البناء باللبن كان عاملا كبيرا في إتقان القبوات على اختلاف أنواعها. (3-3) القباب
5
والمعروف أن القباب كانت تبنى فوق معابد النار في إيران قبل العصر الإسلامي، ولا تزال أطلال بعض العمائر الإيرانية الساسانية قائمة، ويمكن بوساطتها تصور أحجام القباب التي كانت تعلوها والتي أفلح المعماريون الإيرانيون في إقامتها على قاعدة مربعة، فسبقوا بذلك روما التي لم تتقن في هذا الميدان إلا إقامة القباب على دائرة من الأعمدة أو على قاعدة أسطوانية مستديرة. وقد استخدم المعماريون الإيرانيون للوصول إلى هذا الغرض الدلايات أو المقرنصات؛ لتنهيض الأركان بالتدريج حتى تصل إلى مستوى استدارة القبة.
وامتازت القباب الإيرانية بارتفاعها ودقة نسبها وجمال استدارتها، وكانت في أكثر الأحيان بصلية الشكل، وذات ألوان سحرية جذابة بفضل كسوتها بتربيعات القاشاني. (3-4) المآذن
كانت أغلب المآذن الإيرانية أسطوانية، وذات زخارف هندسية في الطوب، أو ذات كسوة من القاشاني ، وفي أعلاها ردهة تقوم على دلايات أو مقرنصات وتكسب المئذنة شكل الفنار. وقد أصبح لمعظم المساجد منذ القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) مأذنتان يحفان بالمدخل، وتختفي قاعدة كل منهما خلفه، اللهم إلا في بعض المساجد مثل جوهر شاد، فإنهما ظاهرتان وتزيدان المدخل ضخامة وارتفاعا.
والظاهر أن الإيرانيين اختاروا هذا الضرب من المآذن متأثرين بالأعمدة التي كانت تقام لعبادة الشمس منذ العصور القديمة في الهضبة الإيرانية، وببعض الأبراج الهندية القديمة. ومهما يكن من الأمر فإن هذه المآذن الإيرانية تختلف عن سائر المآذن التي بناها المسلمون في الشام ومصر وشمالي إفريقية في أنها لا طبقات لها ولا نوافذ؛ فالمئذنة الإيرانية بناء شاهق مبني لذاته وليس لتهيأ فيه سلالم تقود إلى ردهات أو دورات يسير فيها المؤذن. وفضلا عن ذلك فإن المنارة الإيرانية الأسطوانية الشكل والشاهقة الارتفاع، قد عم استعمالها في إيران منذ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، بينما ظلت المآذن في القسم الغربي من العالم الإسلامي موكولة إلى ذوق الأفراد فلم يتقيدوا في أغلب الأحيان بضرب معين منها.
والواقع أن المآذن الإيرانية لم تكن تستخدم في الأذان بسبب ارتفاعها العظيم، وإنما كان المؤذن يؤدي مهمته فوق سطح المسجد، وقد كتب بعض العلماء أن هذه المنارات الأسطوانية الممشوقة يخالها الناظر من بعيد «مدخنات» مصنع من المصانع، وطبيعي أن في هذا التشبيه شيئا من الغلو والمبالغة.
6 (3-5) المقرنصات
7
المقرنصات أو الدلايات حليات معمارية تشبه خلايا النحل، وترى في العمائر مدلاة في طبقات مصفوفة فوق بعضها، وتستعمل للزخرفة المعمارية أو للتدرج من شكل إلى آخر، ولا سيما من السطح المربع إلى سطح دائري تقوم عليه القباب، كما تقوم في بعض الأحيان مقام «الكوابيل» حين تتخذ أسفل دورات المؤذن في المنارات. وأكثر ما استخدمها المعماريون الإيرانيون في وجهات العمائر، ولكنهم وفقوا في جعلها لا تثقل البناء أو تطغى على أصوله. (3-6) الحليات المعمارية المجسمة
سنرى أن المعماريين الإيرانيين في الإسلام اتخذوا الزخارف المسطحة من القاشاني لتزيين عمائرهم. والواقع أنهم تجنبوا الحليات المعمارية المجسمة مما ناءت تحته العمائر الأوروبية والهندية. وقد كان تزيين الجدران بهذه الزخارف المسطحة التي لا ظل لها أكبر عامل في الوضوح والبساطة والهدوء والاتزان، وما إلى ذلك من الصفات التي تتجلى في العمائر الإيرانية فتكسبها الجمال مع الاعتدال. وحسبنا أن نوازن بينها وبين المباني الهندية في العصر الإسلامي لنتبين الفرق الشاسع؛ فإننا نجد جدران العمائر الهندية مثقلة بالزخارف المعمارية البارزة والمجسمة؛ مما يسلب البناء مظهر البساطة، ويكسب هيأته العامة شيئا من التعقيد والاضطراب. (3-7) الزخارف الجصية
أتقن الإيرانيون استخدام الجص في الزخرفة منذ العصر الساساني، كما نرى من الزخارف الجصية التي كشفتها البعثة الألمانية في أطلال المدائن (أكتيسيفون)، والمحفوظة الآن في القسم الإسلامي من متاحف برلين، وكما تشهد بذلك أيضا الزخارف الجصية التي عثر عليها بجوار فرامين، والمحفوظة الآن في متحف بنسلفانيا بالولايات المتحدة.
8
وقد أبدع المعماريون في استخدام الجص في العصر الإسلامي؛ وخير مثال لذلك الزخارف الجصية الدقيقة في عقود جامع نايين ومحرابه، وهو أقدم المساجد الإيرانية التي لا تزال قائمة، ويقع في بقعة هادئة بين مدينتي يزد وأصفهان، وزخارفه الجصية الدقيقة ترجع - كالبناء نفسه - إلى القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وتتكون من رسوم نباتية وهندسية تذكر بالزخارف العباسية التي عثر عليها في أطلال سامرا، ولكنها تمتاز عنها بأفاريز الكتابة الجميلة.
9
وقد وصلتنا زخارف جصية إيرانية من عصر السلاجقة تمثل أشكالا آدمية وحيوانية ذات قيمة فنية عظيمة.
10
ومما عثر عليه المنقبون عن الآثار في ساوه والري نماذج من الزخارف الجصية الملونة الجميلة، على أحدها منظر أمير جالس وحوله أتباعه، وفيها شريط من الكتابة باسم السلطان السلجوقي طغرل الثاني.
11
على أن أبدع الزخارف الجصية في العمائر الإيرانية الإسلامية ترجع إلى القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) حين كانت المحاريب في كثير من المساجد تصنع من الجص ذي الزخارف الدقيقة التي تزيدها العناصر الكتابية بهجة ورونقا.
ومن أعظم هذه المحاريب شأنا محراب الجايتو من المسجد الجامع بأصفهان، وهو مؤرخ من سنة 710ه/1310م وعليه اسم صانعه «بدر».
وكان الفنانون الإيرانيون يحفرون الرسوم في الجص ولا يطبعونها بالقوالب، كما كان يفعل الصناع في الأندلس وفي بعض الأنحاء الإسلامية الأخرى؛ ولذا خلت الزخارف الجصية الإيرانية من الروح الآلية المملة التي تسود الزخارف المطبوعة في أكثر الأحيان.
أما الموضوعات الزخرفية التي اتخذت في الجص فمختلفة الأنواع، بعضها وريقات وفروع نباتية، وبعضها رسوم هندسية صغيرة مثل المثلث والمثمن والنجمة والمعين والدائرة الصغيرة، وبعضها أشرطة من الكتابة الكوفية. ومن أغنى العمائر الإيرانية بالرسوم الجصية مسجد حيدرية في قزوين، وضريح علويان في همذان، والمسجد الجامع بأصفهان، وضريح علي بن جعفر في مدينة قم.
وقد وصل الصناع الفنانون في إيران بين القرنين العاشر والثاني عشر بعد الهجرة (السادس عشر والثامن عشر بعد الميلاد) إلى استخدام الزخارف الجصية في القصور والبيوت، وإلى تلوينها في دقة وتنوع؛ فأصبحت تشبه رسوم الصور والصفحات المذهبة في المخطوطات التي تنسب إلى ذلك العصر. (3-8) الزخارف القاشانية
هي في الحق أبدع ما وصل إليه الإيرانيون في تزيين العمائر؛ فإننا لا نستطيع أن نتصور العمائر الإيرانية بدون لوحات القاشاني التي تكسوها فتكسبها طابعا خاصا ونضارة غريبة.
ومن أجمل ما نعرفه من الكسوة القاشانية في العصر الإسلامي بإيران قوالب صغيرة من الخزف الأزرق في المسجد الجامع بمدينة قزوين في بداية القرن السادس الهجري
12 (الثاني عشر الميلادي)، ولم تلبث هذه الصناعة أن ازدهرت في نهاية هذا القرن على نحو ما نرى في قبر مؤمنة خاتون بمدينة نخجوان، ويرجع إلى سنة 582ه/1186م.
وقد عرف الإيرانيون أنواعا من كسوة الجدران، منها النجوم البسيطة ذات اللون الواحد أو اللونين، ومنها القطع الصليبية الشكل، ويغلب عليها اللونان الأزرق الفيروزي الفاتح أو اللازوردي الغامق، على أنهم اتخذوا أيضا نجوما وقطعا صليبية مزينة بالرسوم الآدمية والحيوانية والنباتية الدقيقة، يزيدها البريق المعدني جمالا وبهجة.
والظاهر أن استخدام التربيعات المصنوعة من الخزف ذي البريق المعدني يرجع إلى القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وقد كان مقصورا في بداية الأمر على العمائر العظيمة الشأن، ولكن نمت صناعته نموا عظيما في نهاية القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وصار يصدر من مدينة قاشان إلى سائر أنحاء إيران والشرق الأدنى. وظلت هذه الصناعة زاهرة حتى منتصف القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)، وكان مركزها الرئيسي في قاشان. أما التربيعات التي كانت تصنع في مدينة الري أو في سلطاناباد، فقد كانت أقل جودة من منتجات قاشان.
أما الفسيفساء الخزفية فقد أتقنت صناعتها على يد السلاجقة في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، ولكن الصناع في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي ) بزوهم في هذا الميدان، وأفلحوا في تصغير الأجزاء المكونة منها الفسيفساء، وفي أن يؤلفوا منها الموضوعات النباتية والهندسية، في مجموعة من الألوان البراقة قل أن نرى مثلها إلا في الفنون الشرقية ولا سيما الفن الإيراني. وكانت الفسيفساء الخزفية أقل نفقة من التربيعات المصنوعة من الخزف ذي البريق المعدني؛ لأن الأخيرة كانت تعاد إلى الفرن بعد رسم الزخارف، ولم تكن هذه العملية يسيرة ومضمونة. وعلى كل حال فإن هذه الصناعة بلغت عصرها الذهبي في القرنين التاسع والعاشر بعد الهجرة (الخامس عشر والسادس عشر بعد الميلاد)، وكان مركزها في أصفهان ويزد وقاشان وهراة وسمرقند وتبريز.
ولم يلبث الخزفيون في أصفهان أن اهتدوا إلى طريقة تغنيهم عن عناء الفسيفساء الخزفية وما تتطلبه صناعتها من وقت ونفقات. تلك هي طريقة «هفت رنجي» أي الألوان السبعة، وقد استطاعوا بوساطتها جمع سبعة ألوان أو أكثر في كل تربيعة واحدة مساحتها نحو قدم مربع؛ فتيسر لهم بذلك استخدام الألوان في مساحات صغيرة جدا، ولم يعودوا ملزمين بالوقوف عند حد الزخارف الهندسية والنباتية، كصناع الفسيفساء الخزفية، بل سهل عليهم تأليف المناظر الآدمية المختلفة. وأقدم النماذج التي نعرفها من هذه الصناعة عثر عليها في مدرسة شاه رخ بمدينة خرجرد، وهي من بداية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي). وقد ازدهرت الصناعة المذكورة في عصر الشاه عباس. وفي متحف فكتوريا وألبرت بلندن والمتحف المتروبوليتان بنيويورك أجزاء ألواح من هذه الصناعة، يقال إنها مأخوذة من قصر جهل ستون (انظر شكل
18 ). على أن أبدع ما نعرفه من هذا النوع محفوظ في كنائس جلفا
13
بمدينة أصفهان. (3-9) النقوش الحائطية
سوف نتحدث في الصفحات التالية عن حكم الإسلام في التصوير، وحسبنا الآن أن نذكر أن الأمم الإسلامية وبينها إيران، لم تعرف النقوش الحائطية ذات الموضوعات الدينية التي عرفتها الديانات المسيحية والبوذية والمانوية لشرح أصولها وحض أتباعها على السير في طريق الخير.
أما ما عرفته إيران من النقوش الحائطية فكان مقصورا على الموضوعات التي انتشرت في الشرق الأدنى منذ العصور القديمة، ولا سيما تمجيد الملوك والأمراء ، ورسم أعمالهم العظيمة، وحروبهم مع أعدائهم، وما كانوا يأتونه من ضروب الشجاعة والفروسية في صيد الوحوش الضارية، فضلا عن رسوم الحدائق والأشجار، وما كان الصناع ينقشونه في بعض الأحيان من مناظر الحب، وما إلى ذلك من رسوم رجال ونساء في مواقف قد تصل إلى حد كبير من الإباحية.
14
على أن معظم النقوش الحائطية في إيران امتد إليه الخراب والتدمير، فلسنا نعرفه إلا بوساطة ما كتبه عنه الجغرافيون والمؤرخون المسلمون، أو ما يمكن استنباطه من بعض الصور في المخطوطات الإيرانية، أو ما كتبه بعض الرحالة الأوروبيين منذ القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) مثل بيترو دلا فالي
وهربرت
Herbert .
وغني عن البيان أن هذه النقوش الحائطية في العصر الإسلامي تأثرت بالأساليب الفنية في النقوش الحائطية التي رسمت في إيران وأفغانستان وبلاد الجزيرة وجنوبي الروسيا وإقليم التركستان الغربي منذ بداية العصر المسيحي حتى قيام الإسلام.
وقد اختفت النقوش التي كانت تزين جدران قصر السلطان محمود الغزنوي (389-421ه؛ أي 999-1030م) والتي كانت تمثل جيوشه وفيلته، فضلا عن صوره في مناظر الحرب والطرب، وعن صور بعض الوقائع المشهورة في تاريخ الملوك الساسانيين.
على أن القسم الإسلامي من متاحف برلين والمتحف الأهلي في طهران وبعض المجموعات الأثرية الخاصة تفخر بامتلاك بعض قطع من صور حائطية إيرانية ترجع إلى عصر السلاجقة في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). وتمتاز هذه القطع بأن ما عليها من الرسوم لم تراع فيه قواعد المنظور، وبأنه رتب في أشرطة أفقية، وبأن سحنة الأشخاص المرسومين يبدو فيها التأثر بالأساليب الفنية الصينية والهندية والهلينية والساسانية مجتمعة؛
15
فهي تشبه إلى حد كبير الرسوم الآدمية على الخزف المصنوع في مدينة الري، والذي سيأتي الكلام عليه في الصفحات التالية. وثمة بعض نقوش نباتية وهندسية في بعض المساجد ولا سيما ضريح الجايتو في مدينة سلطانية، وتشبه هذه النقوش الزخارف التي كانت ترسم على الجص في ذلك العصر، ومعظمها رسوم فروع نباتية في جامات (مناطق) ورسوم هندسية تشبه رسوم الفسيفساء الخزفية المعاصرة.
أما في عصر المغول والتيموريين فلسنا نعرف عن النقوش الحائطية إلا بعض ما ذكرته المصادر التاريخية والأدبية عن قاعة استقبال عظيمة في شمالي هراة عمل في تصوير حيطانها أعلام المصورين، وما جاء في تلك المصادر عن قصر تيمور بمدينة سمرقند، وقد كانت تزين جدرانه نقوش «دونها صور ماني والصور الصينية.»
ولكننا نرى في كثير من صور المخطوطات في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) نقوشا حائطية ظاهرة، كصورة بهرام جور في قصر نرى على حائط إحدى قاعاته صور الأميرات السبع (انظر شكل
39 ).
وقد زادت عناية الفنانين بالنقوش الحائطية لتزيين العمائر في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، وأقبلوا على رسم الزهور والطيور والحيوانات. ثم كان عصر الشاه عباس الأكبر (996-1037ه؛ أي 1587-1628م)، واتصلت إيران بالأمم الغربية وبعثت إليها الوفود وبادلتها الهدايا من التحف الفنية النفيسة، وزار إيران كثير من الرحالة الأوروبيين، ووصفوا قصور الشاه عباس والنقوش التي كانت تزين حيطانها، كما وصفوا قصور بعض الأمراء في المدن الإيرانية المختلفة، وأعجبوا ببعض النقوش الحائطية فيها، كما أسخطهم ما رأوه في بعضها من رسوم إباحية، كانت غير نادرة في ذلك الحين ولا سيما على جدران الحمامات.
16
وبدأ تأثر الإيرانيين بالفنون الغربية، واشتغل في إيران مصورون أوروبيون، كما سنذكر عند الكلام على فنون الكتاب. وحسبنا الآن أن نشير إلى التأثير الأوروبي الظاهر في كل النقوش الحائطية التي ترجع إلى عصر الشاه عباس. وقد اشتغل المصور الإيراني سركيس خاجا طوريان في السنين الأخيرة برسم صور للنقوش الحائطية الصفوية تظهر حالتها الأولى، وعرض هذه الصور في طهران
17
وفي باريس،
18
كما أقامت لها جمعية محبي الفنون الجميلة بالقاهرة معرضا سنة 1936.
فنون الكتاب
الخط الجميل والتذهيب والتصوير والتجليد
عني الإيرانيون بالمخطوطات عناية جعلتها تحفا فنية ثمينة، لم ينافسهم في إنتاج مثلها شعب من الشعوب؛ فإن الإنسان إذا أتيح له النظر في مخطوط إيراني قديم لا يكاد يدري بأي شيء يعجب، أبدقة الزخارف المذهبة وجمالها، أم بجاذبية الصور وسحرها، أم بإبداع الألوان ونضارتها، أم بجمال الخط ورشاقته أم بزخارف الجلد ورسومه. وهو في النهاية يعجب بكل هذه الأشياء مجتمعة، ويذكر صبر الفنانين الإيرانيين ومثابرتهم في صناعة مثل هذه التحف. (1) الخط الجميل
أما العناية بجودة الخط فأمر طبيعي في الإسلام؛ فقد أضاف الله تعالى تعليم الخط إلى نفسه، فقال:
اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم ،
1
وقال تعالى:
ن والقلم وما يسطرون ،
2
وكان الخطاطون أعظم الفنانين مكانة في العالم الإسلامي عامة وفي إيران خاصة؛ لاشتغالهم بكتابة المصاحف ونسخ كتب الأدب والشعر التي كان يحبها الإيرانيون، ولأن رجال الدين كانوا راضين عنهم؛ ولذا تقدم فن تحسين الخط وظرف ذوق الأمراء ورجال الدولة في هذا الشأن؛ فأقبلوا على شراء المخطوطات الكاملة، أو النماذج من كتابة الخطاطين المشهورين. وكانت أكثر هذه النماذج من الآيات القرآنية أو الأدعية أو أبيات الشعر، وجمع منها الهواة المرقعات (الألبومات) الفاخرة، وكان الخطاط يذيل كتابته بإمضائه؛ فخرا بخطه، ولأنه لم يكن يخشى - كزميله المصور - غضب رجال الدين أو نقمة المتعصبين من الشعب؛ ولذا كانت أسماء الخطاطين معروفة، كما صنفت بعض الكتب في تراجم حياتهم. وكان إلى جانب هؤلاء الخطاطين الأعلام نساخون متواضعون، يعنون بنسخ مخطوطات أرخص ثمنا ليستطيع اقتناءها من يحتاج إليها من رجال العلم والأدب.
وقد مر بنا أن المسلمين تعلموا صناعة الورق على يد صناع من الصين، أسرهم العرب حين استولوا على سمرقند في نهاية القرن الأول بعد الهجرة (بداية القرن الثامن الميلادي)، وكثير من المخطوطات التي لا تزال محفوظة إلى اليوم يرجع إلى القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي).
والملاحظ في الحروف العربية أنها مرنة، وأنها تحمل في ثناياها كل الصفات الزخرفية والشكلية التي ساعدت الخطاطين على التطور بها من الخط الكوفي البسيط إلى الخطوط الفارسية الدقيقة؛ فقد كانت الحروف في البداية واسعة ومفرطحة، ثم زاد ارتفاعها وبدأت في الرشاقة منذ القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي). وفي عصر السلاجقة زاد الخط الكوفي دقة وجمالا كما ظهر الخط النسخي. وفي القرن السابع الهجري ظهر الخط الفارسي المعروف باسم «تعليق». وفي القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) ظهر نوع آخر يعرف باسم «نستعليق» (نسخ + تعليق) وأصبحت تكتب به كل المخطوطات؛ حتى ليمكننا أن نقول: إن استخدام الخط النسخي في مخطوط من المخطوطات يكاد أن يؤكد نسبته إلى ما قبل القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي).
وليس من السهل على غير الخطاطين أن يدركوا تماما الفرق بين الخطوط المختلفة التي استعملها الإيرانيون في مخطوطاتهم، وإلى القارئ ترجمة لنص بالإنجليزية أحسب أن كاتبه قد وفق إلى شرح بعض هذا الفرق.
3
وقد نقل هذا النص إلى العربية زميلي الأستاذ إبراهيم جمعة بين الوثائق والمراجع التي أعدها لكتابه عن تطور الخط: «واكتمل في إيران في غضون القرن الثالث عشر الميلادي نوع من الخط الفارسي المستدير هو «خط التعليق» لتكتب به المخطوطات غير الدينية، قلت فيه - تمشيا مع طبيعته الدنيوية - الانتصابات العنيفة التي تميزت بها الكتابات الدينية، وشاعت فيه عوضا عن ذلك حياة وحركة تتجليان في تعويجاته واستداراته. ويسترعي النظر في قمم حروفه المنتصبة وفي أسافلها على السواء انسلاخات ظاهرة؛ سببها إعمال القلم فيها بسنه لا بصدره.
وأهم ما يميز خط التعليق كثرة ما فيه من استلقاء وإرسال، وهو شبيه في استداراته بخط النسخ الذي تتضح فيه الاستدارات وتكثر استمداداته، وتنبو بعض الشيء عن مستوى التسطيح العام، حتى لكأنها الخطوط المستقيمة وهي ما تزال بعيدة عن الاستقامة لما فيها من تدوير. وتظهر في هذا النوع من الخط زوايا أشبه بالقوائم تختتم بها الاستدارات يتسنى للكاتب بعدها أن يزيد من سرعة يده.
وتتفاوت الاستمدادات في هذا النوع من الخط؛ فقد تكون من الرفع بقدر سمك الشعرة ، كما قد تكون غليظة لرسمها بصدر القلم أو لثقل في طبقة المداد فوق قطة القلم، وتكون نهاية هذه الاستمدادات إما إرسالا بعرض القلم أو تعقيفا بانحناءة راجعة. وعلى الرغم مما يبدو في سطور هذا الضرب من الخط من رشاقة بالغة، فإنك تلحظ فيه بوجه عام - إلى جانب هذه الرشاقة - شيئا غير قليل من «البرود» والاتزان، ولا يسعك مهما يكن من الأمر إلا الإعجاب بقوة مبدعيه ... وبينما نجد خط «النستعليق» يستمد أصوله من خط «التعليق» مباشرة، نلحظ في النستعليق خفة ولطفا لا نجدهما في خط التعليق، ففي استداراته قوة وحياة، يقابلهما في خط التعليق جفاف واعتدال في مواطن الكلمة، هو نهاية تقوس سابق أو بدء لتقوس لاحق، الأمر الذي من أجله اكتسب خط التعليق شيئا من العنف والجفاف لا تخف وطأته إلا عند الابتداء والانتهاء؛ ولهذا السبب عينه كان خط النستعليق أطوع في يد الكاتب من خط التعليق وأسلس انقيادا، بحيث لا يؤثر ذلك في شيء ما على رونقه العام، فجمع بهذا جمعا بين فضيلتي الحرية والتسامي.
وبينما نلحظ في خط النسخ غنى وتناسبا في الأجزاء، واعتدادا بطبيعته، نجد في خط التعليق قوة، وشموخا، وارتجالا. ونلمس في خط النستعليق في مقابل ذلك صفات: هي الرقة والأناقة، والسهولة والليونة والطواعية، التي لم تخل بدورها من بعض الارتجال، وكلها صفات تدل على بلوغ الخطاطين درجة قصوى من التهذيب وسمو الإدراك.
وقد بقي هذا النوع من الخط الأسلوب القومي للكتابة الإيرانية، ولا يزال يتمتع حتى اليوم بقوة هيهات أن يصيبها الضعف.»
وينسب اختراع خط «نستعليق» إلى «قبلة الكتاب» مير علي التبريزي الذي كان من خدمة تيمور، وخلفه ابنه عبد الله فأتم بعض التفاصيل في هذا الخط الجديد. وكان له تلميذان مشهوران: أولهما مولانا جعفر التبريزي الذي كانت له رئاسة أربعين خطاطا كانوا يشتغلون دائما للأمير بايسنقر، والثاني هو «أستاذ الأساتذة» مولانا أظهر التبريزي ( ∆
880ه؛ أي 1475م). وقد كان يحب الأسفار، فتنقل بين هراة وكرمان ويزد وأصفهان وشيراز وبغداد ودمشق وحلب وبيت المقدس، وانتشر أسلوبه في الخط فعم أقاليم الشرق الأدنى وإيران. ومن أعظم تلاميذه سلطان علي المشهدي الذي ذاع صيته في بلاط السلطان حسين ميرزا بمدينة هراة بين عامي 875 و912ه/1470-1506م.
وممن أصابوا بعد ذلك شهرة واسعة في ميدان الخط سلطان محمد نور (وهو ابن السلطان علي المشهدي)، وزين الدين محمود المشهدي، ومير علي الحسيني ومحمود بن مرتضى الكاتب الحسيني، وشاه محمود النيسابوري ( ∆
نحو سنة 952ه؛ أي 1545م)، الذي اشتغل في بلاط الشاه إسماعيل الصفوي، ثم كتب المخطوط المشهور من كتاب المنظومات «الخمسة» للشاعر نظامي، وهو محفوظ الآن بالمتحف البريطاني.
4
كما اشتهر أيضا شاه قاسم التبريزي الذي قضى آخر أيامه في القسطنطينية، ونقل إليها أساليب الإيرانيين في الخط.
والحق أن العصر التيموري كان العصر الذهبي في تاريخ تحسين الخط بإيران؛ فقد شمله بنو تيمور برعايتهم، وكان الأمير بدر الدين أحد وزراء تيمور من أعلام الخطاطين في عصره، كما أن إبراهيم ميرزا وبايسنقر ميرزا حفيدي تيمور كانا من الخطاطين المشهورين. وقد ظهر في العصر التيموري نوعان آخران من الخط: هما الخط الديواني والخط الدشتي.
وكان طبيعيا أن تنمو صناعة الورق الثمين، حتى توصل الإيرانيون في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) إلى أن يصنعوا منه أنواعا فاخرة من الحرير والكتان، عنوا بضغطها وإكسابها بعض الألوان وتلميعها؛ لتليق بدواوين الشعر اللطيفة التي كانت تكتب عليها. واشتهرت بعض المدن مثل تبريز ودولت أباد بأنواع ممتازة من الورق، كانت مراسيم الدولة وأوامر السلاطين والأمراء تكتب على أنواع معينة منها، ولا سيما على ذلك النوع الرخامي الشكل الذي اختصت إيران بإنتاجه، والذي امتاز بما فيه من تموج وتعاريج وعروق تجعله يشبه المرمر. وفضلا عن ذلك كله فقد كان الإيرانيون يستوردون من الصين ضروبا أخرى من الورق الفاخر، وكان الصينيون - كما نعرف - ينتجون أحسن أنواع الورق، كما كان للخط الجميل عندهم منزلة عظيمة فقرنوه بالأعمال الإلهية المقدسة.
وصفوة القول أن توضيح المخطوطات بالصور وتحليتها بالرسوم الملونة كان في المرتبة الثانية بالنسبة إلى كتابتها بالخط الجميل، وأن الخطاطين الإيرانيين كانوا يكتبون الأدعية وأبيات الشعر وعبارات الحكمة في أوراق، كان الهواة يبذلون الأموال الطائلة في سبيل الحصول عليها، كما يدفع الغربيون الآن الأثمان العالية للحصول على اللوحات المصورة بريشة أعلام المصورين.
وقد صنف المستشرق الفرنسي كليمان هوار
Clément Huart
كتابا عن الخطوط الإسلامية وأعلام من اشتغلوا بفنون الكتاب في الشرق الإسلامي؛ فنقل فيه ما جاء من تراجم الخطاطين في بعض الكتب التركية والإيرانية.
على أن المقام لا يتسع هنا للكلام على الكتابات الجميلة التي كانت تزين العمائر الإيرانية، فضلا عن أننا لا نعتبرها إيرانية حقة، فمثل هذه الزخارف الكتابية لم يكن وقفا على إقليم معين من العالم الإسلامي، بل انتشر في كافة أنحائه حتى إننا لا نشعر بحاجة قصوى إلى الكلام عليه حين نتحدث في شيء من الاختصار عن الفنون الإيرانية ومميزاتها.
5 (2) التذهيب
إن أعظم المخطوطات القديمة شأنا من الوجهة الفنية، هي المصاحف التي كانت تكتب بين القرنين الرابع والسادس بعد الهجرة (العاشر والثاني عشر بعد الميلاد) والتي كانت تذهب وتزين بأدق الرسوم وأبدعها؛ ولا غرو فقد كان الفنانون الذين يزينون الصفحات المكتوبة أرفع الفنانين قدرا بعد الخطاطين أنفسهم، وكان المذهب أعظم أولئك الفنانين شأنا. وحسبنا دلالة على علو مكانته أن كثيرين من المصورين كانوا يضيفون إلى أسمائهم لفظ «مذهب»، وأن المؤرخين كانوا يعنون بالنص على أن بعض المصورين كانوا مذهبين أيضا.
وقد أشرنا إلى مكانة المذهب بين الفنانين الذين كانوا يتعاونون على جعل المخطوط الإيراني تحفة فنية بديعة. وأكبر الظن أن الخطاط كان يتم عمله قبل كل شيء، ولم يكن يفوته أن يترك الفراغ الذي يطلب منه في بعض الصفحات لترسم فيه الصور المطلوبة بعد ذلك. وقد وصلنا بعض مخطوطات لم تتم بها الرسوم في كل الفراغ المتروك، وكان المخطوط يسلم بعد ذلك إلى فنان أخصائي في رسم الهوامش وتزيينها بالزخارف، ثم إلى آخر لتذهيب هوامشه وصفحاته الأولى وصفحاته الأخيرة وأوائل فصوله وعناوينه وغير ذلك من الزخارف المتفرقة. وفي الحق أن الرسوم النباتية والهندسية المذهبة كانت تصل في المخطوطات الثمينة إلى أبعد حدود الإتقان، ولا سيما في القرنين التاسع والعاشر بعد الهجرة (نهاية القرن الخامس عشر وفي القرن السادس عشر بعد الميلاد) حين بلغت الغاية في الاتزان والدقة وتوافق الألوان.
ولا ريب في أن تعظيم القرآن كان يبعث كثيرين من الفنانين على العناية بتذهيب المصاحف. وكان لتذهيب المخطوطات صلة وثيقة بكتابتها بالخط الجميل، فعني القوم بهذا الفن، وذهب بعضهم إلى القول بأن الإمام علي بن أبي طالب هو أول من ذهب مصحفا، وبأن كثيرين من الأمراء وعلية القوم نسجوا على منواله ؛ فأتيح للخطاط المشهور محمد بن علي الراوندي ( ∆
في نهاية القرن السابع الهجري والثالث عشر الميلادي) أن يفخر بمن تلقى عنه فن التذهيب من الأمراء والعلماء وكبار رجال الدين والأدب. وإذا تذكرنا أن المذهبين كانوا يحتاجون في صناعتهم إلى بعض المواد الثمينة كالذهب وحجر اللازورد والورق الفاخر، أدركنا ما كان لعناية الأمراء والأغنياء من القيمة وعظم الشأن في فن تذهيب المصاحف والمخطوطات.
وليس غريبا أن يصيب الإيرانيون والمسلمون عامة أبعد حدود التوفيق في تحلية الصفحات بالرسوم وتذهيبها؛ فإن هذه الفنون الزخرفية تتفق مع ميولهم واستعدادهم، حتى أصبحت زخارف الصفحات المذهبة نماذج تنقل عنها الرسوم في التحف المعدنية والخزفية والجصية وفي المنسوجات والسجاد، وكم توصل مؤرخو الفن - بفضل ذلك - إلى معرفة قسط وافر من تطور الرسوم والزخارف والعصور التي تنسب إليها؛ لأن عددا كبيرا من المصاحف والمخطوطات المذهبة مكتوب في نهايته تاريخ إنتاجه، وربما كان فيه أيضا اسم الخطاط والمذهب أو البلد الذي صنع فيه.
ولم يعد تزيين الصفحات في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) مقصورا على ال«سرلوح» أي الصفحة أو الصفحات الأولى المغطاة بالزخارف المذهبة، وعلى العناوين، وعلى الجامات (المناطق) التي كان يكتب فيها اسم صاحب المخطوط، وعلى النجوم الزخرفية المذهبة التي كانوا يسمون الواحدة منها «شمسة»، بل صارت الهوامش تزين برسوم الزهور والنبات والحيوان، وبالرسوم الآدمية في بعض الأحيان.
أما زخارف الصفحات المذهبة فكانت في البداية خليطا من العناصر الزخرفية الساسانية والبيزنطية والقبطية، فضلا عن الرسوم المنقولة من كتب اليهود وكتب المسيحيين من أتباع الكنيسة الشرقية.
على أن أقدم المخطوطات المذهبة التي يمكن نسبتها إلى إيران نفسها ترجع إلى عصر السلاجقة، وتمتاز باستعمال الورق في معظمها وبأنها مكتوبة بالخط النسخي، وبأنها مستطيلة الشكل، وأن ارتفاعها أكثر من عرضها. ومن الرسوم التي يكثر استعمالها في هذه المخطوطات النجوم المسدسة أو المثمنة، والمراوح النخيلية (البالمت) والفروع النباتية المتصلة (الأرابسك). وقد بدأت في عصر السلاجقة طريقة جديدة في الزخرفة والتذهيب وظلت قائمة في العصور التالية، وقوام هذه الطريقة أن تحاط سطور الكتابة بخطوط دقيقة، وأن تملأ الصفحة خارج هذه الخطوط بمختلف الرسوم النباتية و«الأرابسك».
أما عصر المغول فلعل أبدع مخطوطاته المذهبة جزء من مصحف محفوظ في دار الكتب المصرية. وقد كتب سنة 713ه/1313م بمدينة همذان، للسلطان الجايتو خدا بنده، وبيد خطاط اسمه عبد الله بن محمد بن محمود الهمذاني، وهو من نوع المصاحف الكبيرة الحجم (50 × 40 سنتيمترا) التي كانت تقدم للأضرحة والمساجد، وكان كل جزء منها يكتب في مجلد على حدة. ويمتاز هذا الجزء - كسائر المخطوطات المغولية المذهبة - بالإبداع في الرسوم والألوان؛ فهو غني جدا بالرسوم الهندسية المختلفة من نجوم على أضرب شتى ومن مثمنات ودوائر متشابكة، وغير ذلك من الأشكال المملوءة برسوم النبات والأرابسك. ومما يزيد إعجابنا بهذه الزخارف الهندسية أن الإيرانيين عامة لم يكن لهم فيها مران خاص، بل كانوا يقبلون على سائر العناصر الزخرفية أكثر من العنصر الهندسي، ومع ذلك فقد أتقنوها في هذا المصحف إتقانا عظيما.
واستخدم المذهبون في العصر المغولي اللون الذهبي والأزرق والأحمر والأخضر والبرتقالي، وكانوا يتخذون الأزرق الغامق مركزا تحيط به سائر الألوان.
وزاد ازدهار فن التذهيب في العصر التيموري؛ فثمة مخطوط من الشاهنامه مؤرخ سنة 831ه/1427م يقال إن فيه صورة الخطاط والمذهب والمصور الذين اشتركوا في إنتاجه، وصورة السلطان بايسنقر الذي قدموا إليه هذا المخطوط؛ مما يدل على الاعتراف بفضل المذهب في إخراج المخطوط الفني، وعلى أنه كان يقرن في هذا الشأن بزميله: الخطاط والمصور.
6
ومن أعلام المذهبين في ذلك العصر أمير خليل وميرك نقاش ومولانا حاج محمد نقاش، وقد كان الأخير خطاطا ثم مذهبا ثم مصورا، بل إنه اشتغل أيضا بالحيل الميكانيكية وبتقليد الخزف الصيني.
7
وقد زاد الإقبال على رسوم النبات والزهور والطبيعة زيادة عظيمة في العصر التيموري؛ فزينت بها هوامش الصفحات، كما استعملت في زخرفة التحف الفنية المختلفة. والواقع أن العلاقة وثيقة جدا بين رسوم الصفحات المذهبة في العصر التيموري والرسوم المستعملة في سائر ميادين الفن من خزف وسجاد وجلود كتب.
وقد ترك لنا بعض المؤرخين الإيرانيين أسماء أعلام المذهبين في العصر الصفوي ؛ مثل ياري، وميرك المذهب، وابنه قوام الدين مسعود، ومولانا حسن البغدادي، ومولانا عبد الله الشيرازي. ولم يكن عمل المذهبين في هذا العصر مقصورا على تزيين الصفحات المكتوبة والمرسومة، بل كانوا يذهبون هوامش الصفحات المصورة، وامتازت المخطوطات الصفوية بتعدد الصفحات المذهبة في أول المخطوط، وبتفضيل رسوم الفروع النباتية المتصلة (الأرابسك) ذات الوريقات الدقيقة ورسوم السحب الصينية. كما امتاز بعضها برسوم حيوانية مذهبة في هوامش الصفحات على النحو الذي نراه في مخطوط منظومات الشاعر نظامي، المحفوظ في المتحف البريطاني، والذي كتب للشاه طهماسب بين عامي 946 و949 بعد الهجرة (1539-1543).
8
ومن أبدع الصفحات المذهبة في العصر الصفوي ما نراه في صدر مخطوط «بستان» سعدي المحفوظ في دار الكتب المصرية،
9
والمؤرخ سنة 893ه/1488م، وعليه إمضاء المذهب «ياري»، ومن زخارفه رسم بطة تطير بين سحب صينية، وهي من الرسوم الحيوانية النادرة في الصفحات المذهبة والمزينة برسوم متعددة الألوان.
ولم يدخل على أسلوب التذهيب تغيير كبير منذ العصر الصفوي، اللهم إلا أن الألوان المستعملة قل غناها وصفاؤها، بينما أصبحت الدقة في رسم الزخارف نادرة. وكان هذا كله طبيعيا بعد أن فقد الفنانون قسطا كبيرا من رعاية الأمراء، وبعد أن اتصلت إيران بالعالم الغربي ولم يعد للمخطوطات ما كان لها قبل ذلك من عظم الشأن.
التصوير
(1) كراهيته في الإسلام
لا بد لنا قبل الكلام عن التصوير الإيراني من أن نعرض لحكم الإسلام في الصور والتماثيل. ولنبدأ بأن نقرر أننا لا نعرف شيئا يمكننا أن نستنبط منه أن عرب الجاهلية كانوا يكرهون الصور، أو كان لهم فيها حكم خاص. ثم نذكر بعد ذلك أن القرآن الكريم لا يحرم تصوير المخلوقات الحية أو عمل التماثيل لها، والآية التي كان يفهم منها خطأ أن التصوير محرم في الإسلام، هي قوله تعالى في سورة المائدة (آية: 92):
يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون ، ولكن الواقع أن المقصود بكلمة «أنصاب» في رأي المفسرين هي الأحجار الكبيرة أو الأصنام التي كان العرب يعبدونها، ويقدمون لها القربان، فليس في هذه الآية إذن أي تحريم للتصوير أو عمل التماثيل.
على أن المحدثين ينسبون إلى النبي أحاديث تحرم تصوير المخلوقات الحية أو عمل التماثيل لها، ولكن بعض العلماء في العصر الحديث يذهبون إلى أن النبي لم يفكر في النهي عن التصوير، وأن التصوير كان مباحا في فجر الإسلام، وأن الأحاديث المنسوبة إليه في هذا الشأن غير صحيحة،
1
وأنها في الحق لا تمثل إلا الرأي الذي كان سائدا بين رجال الدين في بداية القرن الثالث الهجري، وهو العصر الذي كتب فيه صفوة العلماء الذين اشتغلوا بجمع الحديث.
2
على أننا لا نميل إلى أن نصدق أن التصوير كان غير مكروه في عهد النبي وعصر الخلفاء الراشدين، بل أكبر الظن أن النبي والخلفاء الراشدين من بعده، ثم المتمسكين بالدين من بني أمية نهوا عنه؛ ليحموا المسلمين من الأصنام والتماثيل والصور التي قد تقود البسطاء إلى نسيان الخالق، أو اتخاذها وساطة له أو عبادتها لذاتها، فضلا عن أن رجال الدين كانوا يعتبرون عمل الصور أو التماثيل محاولة فاشلة في تقليد الخالق عز وجل.
ومهما يكن من الأمر فإن الأحاديث المنسوبة إلى النبي في تحريم التصوير كان لها أثر لا سبيل إلى نكرانه، سواء أكانت صحيحة أم غير صحيحة.
وقد كانت كراهية التصوير عامة بين رجال الدين من سنيين وشيعة، وليس صحيحا ما يزعمه البعض من أن المذهب الشيعي لا يعترف بهذا التحريم؛ فالواقع أن في كتب الحديث الشيعية أحاديث تحريم التصوير، وأن حكم رجال الدين من الشيعة هو عينه حكم أهل السنة في كراهية الصور والتماثيل.
3
وفضلا عن ذلك كله فإن مذهب الشيعة لم يصبح المذهب الرسمي في إيران قبل قيام الأسرة الصفوية في بداية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي).
ولكن تحريم التصوير في الإسلام لم يقض على هذا الفن قضاء تاما. ونظرة إلى تاريخ الفنون الإسلامية تقنعنا بأن القوم كانوا في كثير من الأحيان لا يكترثون بهذا التحريم، وأن هذا التهاون كان يحدث في شتى أقاليم الإمبراطورية الإسلامية؛ فازدهر فن التصوير في بعضها، ولا سيما في الأقاليم التي كانت لها تقاليد فنية عظيمة في النحت والتصوير، كإيران، وفي البلاد التي تأثرت بإيران في هذا الصدد وخضعت في بعض حقبات التاريخ لنفوذها الثقافي، كالهند وتركية، ومصر في عصر الدولة الفاطمية.
وقد قيل إن العرب ورثوا عن اليهود كراهية التصوير، وإن أقل الشعوب الإسلامية اكتراثا بتحريم التصوير في الإسلام إنما هي الشعوب غير السامية الأصل؛ فالأيوبيون مثلا كانوا من أبطال المذهب السني، ولم يمنعهم ذلك من الإقبال على اقتناء التحف المعدنية النفيسة ذات الموضوعات الزخرفية الآدمية، ولعل السر في ذلك أنهم لم يكونوا عربا ساميين بل كانوا كردا.
ولا ريب في أن الإسلام، كشريعة موسى، لم يتخذ الفن عنصرا من عناصر الحياة الدينية ولم يشمله برعايته؛ فإن تحريم الصور الآدمية إن لم يكن لوحظ واتبع في كل العصور والأقطار الإسلامية، فقد حال دون استخدام التصوير في المصاحف وفي العمائر الدينية كالمساجد والأضرحة - اللهم إلا في حالات نادرة جدا - فأصبحت المساجد والكتب خالية من صور يستعان بها على شرح العقيدة وتقريبها إلى المؤمنين، أو على توضيح تاريخ العقائد الدينية وسيرة أبطال الملة، كما في المسيحية والبوذية والمانوية. •••
على أننا نعرف أمثلة كثيرة في البلاد السنية والشيعية على السواء، يمكننا أن نرى فيها عدم الاكتراث بتحريم التصوير، ولكن الذي يعنينا في هذا المقام هو أن إيران كانت في طليعة الأمم الإسلامية التي لم يؤثر فيها هذا التحريم تأثيرا يستحق الذكر.
أجل ، إن رجال الدين في إيران كانوا يكرهون التصوير والمصورين، وربما كان تحريم التصوير في الإسلام من الأسباب التي نستطيع أن ننسب إليها قسطا من جمود هذا الفن في إيران، ووقوفه عن التطور في حرية واستقلال، ولكننا نستطيع أن نقول - على وجه عام - إن تأثير التحريم لم يكن ظاهرا في إيران ظهوره في سائر الأقاليم الإسلامية.
والواقع أننا لا نجد الصور في المخطوطات وعلى الخزف والقاشاني والسجاد وسائر التحف الإيرانية فحسب، بل إننا نجدها أحيانا في المساجد والأضرحة، كجامع هارون «وليعهد» بأصفهان؛ حيث يرى فوق المدخل لوح من الخشب المزين بالزخارف المحفورة على شكل ملكين يطيران، كما في نقش طاق بستان الذي يرجع إلى العصر الساساني، وكضريح فتح علي شاه بمدينة قم؛ حيث ترى ستائر قد طرزت فيها صورة صاحب الضريح، وكذلك توجد صورة بالحجم الطبيعي للإمام رضا في ضريحه بمشهد، كما أن في كثير من المساجد والأضرحة تحفا أو قطعا من الأثاث ذات زخارف آدمية أو حيوانية، الأمر الذي تجنبه المسلمون في سائر الأقطار الإسلامية.
4
وقد ظهر في عالم التحف الإيرانية مصحف فيه بعض صور توضح مناظر في قصص الأنبياء، ولكنه كتب سنة 1219ه/1804م، وأكبر الظن أن مصوره تأثر بفكرة التصوير الديني في الغرب، ومن المحتمل أن الصور المرسومة في هذا المصحف أحدث عهدا منه؛ لأن الخطاط لم يترك لها مكانا فعمد المصور إلى حذف بعض الآيات وتغطية مكانها بالصور، وقد يكون هذا كله من عمل أحد تجار العاديات أو المشتغلين بها؛ أراد أن يجعل لهذا المصحف شأنا فنيا عظيما فأضاف إليه بعض الصور.
5
وصفوة القول أن الإيرانيين لم يقبلوا عن طيب خاطر تعاليم رجال الدين في النهي عن تصوير الكائنات الحية، وأنهم كانوا أكثر الشعوب الإسلامية مخالفة لتلك التعاليم.
ولعل موقفهم هذا يرجع إلى الأسباب الآتية:
أولا:
أنهم شعب ميال للفن بفطرته وله إحساس بالجمال أعمق وأقوى من أن يستطيع إطفاء جذوته أي عامل خارجي.
ثانيا:
أن أكثر المسلمين من ذوي المحيط العقلي الواسع والأفكار الحرة والتسامح الديني يذهبون إلى أن تحريم التصوير في فجر الإسلام، كان يقصد به محاربة عبادة الأوثان التي كان المسلمون لا يزالون حديثي العهد بها.
ثالثا:
أن رجال الدين كانوا يفسرون تحريم التصوير بأن فيه مضاهاة لخلق الله تعالى؛ ومن ثم نشأ قول بعضهم إنما ينهى عما كان له ظل، ولا بأس بالصورة التي ليس لها ظل. والظاهر أن هذه الرهبة من تقليد الخالق لا يفهمها الإيرانيون تماما؛ فهم يبجلون الله عز وجل ويعظمونه في كل شيء، ولا يخشون تقليده؛ ولا غرو فإن الزرادشتية - وهي دينهم الوطني قبل الإسلام - كانت تشعرهم باشتراكهم مع «أهورا مزدا» إله النور والخير في محاربة «أهرمن» إله الظلمة والشر.
6
رابعا:
أن الإيرانيين قوم من الجنس الآري، ولم يكونوا كالساميين يحسون شعورا نفسانيا يبعدهم عن التصوير، أو ينسبون إلى الصور قوى سحرية وشرورا جمة.
7
خامسا:
أنهم ورثوا أساليب فنية في النقش والتصوير عن أسلافهم من الكيانيين والساسانيين، وأن ماني - مؤسس المذهب الذي ينسب إليه - ظهر بينهم، وكان مصورا ماهرا اتخذ التصوير أداة لنشر تعاليمه، واستخدمه في توضيح كتبه، وكان الإيرانيون يعجبون بمهارته في التصوير، على الرغم من أن أكثرهم كان ينكر تعاليمه ومعتقداته.
سادسا:
أنهم كانوا مغرمين بالشعر إلى حد كبير، ولا سيما ما كان يمت بصلة كبيرة إلى تاريخهم المجيد وشعورهم الوطني وطبيعة بلادهم. وكان توضيح المخطوطات الشعرية بالصور يحقق الغرض منها ويلائم مزاجهم الفني.
8
بقي علينا أن نعرف السبب الذي يمكننا أن ننسب إليه جمود التصوير الإيراني وبعده عن الطبيعة، بعد أن رأينا أنهما لا يرجعان فقط إلى تعاليم الدين الإسلامي في تحريم التصوير، تلك التعاليم التي لم يكن لها في إيران تأثير قوي.
ونحن نذهب إلى أن المسئول عن طبيعة التصوير الإيراني، هي البيئة التي كان يعيش فيها الفنانون، والأساليب الفنية التي ورثوها عن أسلافهم من سكان الهضبة الإيرانية وبلاد العراق والجزيرة والشرق الأدنى عامة، فإن هؤلاء لم يكن لديهم من الحفلات والألعاب الرياضية والمناظر الطبيعية والعناية بالتربية البدنية وتقوية الأجسام، ما يمكن أن يدفعهم - كالإغريق مثلا - إلى دراسة الجسم الإنساني دراسة متقنة، والعمل على تصويره أو صناعة التماثيل له بدقة يراعى فيها صدق تمثيل الطبيعة. وحسبنا أن نوازن بين تمثال إغريقي وتمثال قديم من إيران أو العراق لندرك الفرق بين المدرستين في الفن: مدرسة الإغريق والفنون الغربية التي انحدرت منها ونسجت على منوالها، ومدرسة الشرق الأدنى والفنون الإسلامية - ولا سيما الإيرانية - التي ورثتها واقتفت آثارها. والواقع أن الفن الإيراني من خير الأمثلة لتوضيح نظرية «تين»
Taine
في تأثير البيئة على طبيعة الفنون.
9
وهكذا نرى أن تحريم التصوير في الإسلام لم يعطل ازدهار هذا الفن على يد الإيرانيين وتلاميذهم من الهنود والترك، بل إن الإيرانيين لم يحجموا عن تصوير بعض الموضوعات الدينية، ولا سيما في سير الأنبياء، كصورة مولد النبي ومقابلته الراهب بحيرا في الشام، ورفعه الحجر الأسود ليضعه على جدار الكعبة، وشق صدره وهو يقيم في البيداء عند مرضعته حليمة السعدية، وجلوسه في غار حراء يتلقى الوحي، وقصة المعراج، واختفائه مع أبي بكر في الغار يوم الهجرة، وموت أبي جهل في غزوة بدر، وتحطيم النبي الأصنام في البيت الحرام بعد فتح مكة، وحادث غدير خم الذي يقول الشيعة إن النبي - عليه السلام - أوصى فيه بأسرته بعد حجة الوداع، وأعلن أن سيدنا عليا سيكون خليفة له. وصور الإيرانيون غير هذا من الأحداث في سيرة النبي عليه السلام، أو في سيرة بعض الأنبياء الآخرين.
10
ولكن علينا ألا ننسى أن المصورين الإيرانيين لم يتخذوا التصوير وسيلة لشرح عقائد الدين الإسلامي، ولم يظنوا كالمصورين المسيحيين أنهم دعامة من دعائم الدين، وأن آثارهم الفنية تشرح العقائد وتبعث في قلوب المؤمنين روح التدين والتقوى والتضحية. ولا عجب فقد كان المصورون المسلمون منبوذين من رجال الدين، بينما كانت الكنيسة المسيحية تظل الفنانين بحمايتها ورعايتها حتى غلب على لوحاتهم الفنية طابع ديني لم يستطيعوا التحرر منه إلا منذ القرن الثامن عشر الميلادي.
على أننا لا نستطيع أن ننكر أن التصوير الإيراني كان محدود المجال، وأنه لم ينتشر انتشار التصوير في المدارس الغربية، ولم يكن للجمهور نصيب وافر فيه، بل كان يقوم على أكتاف الملوك والأمراء.
وجدير بنا أن نشير إلى مذهب «الأيكونو كلاسم» أو كاسري الصور (من اليونانية
eikôn
بمعنى صورة و
klaô
بمعنى يكسر) وهو مذهب أحدثه ليون الثالث إمبراطور بيزنطة في القرن الثاني الهجري (الثامن الميلادي) وحرم فيه عبادة صور القديسين وتماثيلهم التي كانت شائعة بين بسطاء القوم من المسيحيين؛ ولما لم تنفذ تعاليمه بدقة أمر بكسر التحف الفنية الدينية. ثم جاء مجمع نيقية سنة 787م فقضى على مذهب كاسري الصور في الكنيسة المسيحية الشرقية. أما في الغرب فقد حارب البروتستانت الصور والتماثيل في القرن السادس عشر الميلادي، ويرجح أن القائمين بحركة كاسري الصور عند المسيحيين في القرن الثامن الميلادي كانوا متأثرين بتعاليم المسلمين في هذا الصدد.
11
وفضلا عن ذلك فإننا نلاحظ أن المسيحية كانت منذ البداية تفضل التصوير على النحت، فكأنها كانت لا تثق كل الثقة بفن النحت، الذي خلدت آثاره آلهة العصور الوثنية في تماثيل غاية في الجمال والإبداع، واعتبرت الكنيسة التصوير فنا أكثر قدسية؛ ففقد النحت قسطا كبيرا من جلال شأنه. (2) نشأة التصوير الإسلامي في إيران
أما نشأة فن التصوير في المخطوطات الإيرانية فلسنا نستطيع أن نعرف صاحب الفضل فيها على وجه التحقيق. أجل، إن الصور الحائطية كانت معروفة في إيران منذ الأزمنة القديمة، ولا سيما في العصر الساساني، وكانت تزين بها جدران القصور على النحو المعروف في الهند. وقد عثر الأستاذ هرتزفلد
Herzfeld
على نماذج منها بإقليم سجستان في شرقي الهضبة الإيرانية، ولكننا لا نعرف تماما هل كان هذا التصوير الحائطي والتصوير عند أتباع المذهب المانوي الأساس الذي قام عليه التصوير في إيران، أو أن علينا ألا ننسى أساليب التصوير عند أتباع الكنيسة المسيحية الشرقية في العراق والجزيرة،
12
وأن ننسب إليها قسطا وافرا من الأساليب الفنية التي اتخذها الإيرانيون في فن التصوير.
ولعل الأفضل أن ننسب قيام فن التصوير في المخطوطات عند الإيرانيين إلى تلك المصادر مجتمعة، مضافا إليها بعض الأساليب التي نقلتها إيران عن الصين والهند. أما الصور الحائطية فقد أصبح استعمالها في العصر الإسلامي يكاد يكون مقصورا على جدران الحمامات والقاعات الخاصة.
ومهما يكن من الأمر فقد ازدهرت صناعة التصوير في إيران، وكان ميدانها في البداية توضيح كتب التاريخ ودواوين الشعر والقصص بالصور الصغيرة ذات الألوان الزاهية الجميلة. وعلى الرغم من أن هذه الصور لا تختلف الواحدة منها عن الأخرى اختلافا ملحوظا؛ فإن الأخصائيين في الفنون الإسلامية وذوي الثقافة الفنية يستطيعون تمييز بعضها من بعض ويقسمونها إلى طرز أو مدارس لكل منها مميزاتها. وقد امتازت العصور الثلاثة الكبرى في تاريخ إيران بثلاث مدارس كبرى في التصوير؛ فقامت المدرسة المغولية أو التترية في القرنين السابع والثامن بعد الهجرة (الثالث عشر والرابع عشر بعد الميلاد)، وقامت المدارس التيمورية - ولا سيما مدرسة هراة - في القرنين الثامن والتاسع (الرابع عشر والخامس عشر بعد الميلاد)، وقامت المدرسة الصفوية في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد). وأما بعد ذلك فقد كان الفنانون يقلدون الصور القديمة تقليدا ينم في معظم الأحيان عن بعض العجز والتأخر. كما تأثر كثيرون منهم ببعض الأساليب الفنية الغربية في التصوير، ولا سيما بعد أن أرسل الشاه عباس الثاني 1502-1077ه/1642-1667م بعض البعثات العلمية لتلقي الفن في إيطاليا وبعض البلدان الأوروبية الأخرى. (3) مدرسة العراق أو المدرسة السلجوقية
وقد عرفنا في التصوير الإسلامي مدرسة أخرى تنسب إلى العراق أو بغداد في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، ولكنها كانت عربية أكثر منها إيرانية؛ فالأشخاص فيها عليهم مسحة سامية ظاهرة، والأسلوب الفني مأخوذ - إلى حد كبير - عن الصور في مخطوطات المسيحيين من أتباع الكنيسة الشرقية.
ولا شك في أن إيران كانت فيها مدرسة فنية معاصرة لمدرسة بغداد، وتشبهها أيضا في رسم الأشخاص بالألوان الزاهية والملابس المزركشة والسحنة الهادئة رسما تبدو فيه البساطة مع قوة التعبير. وكانت الصور في هذا العصر ترسم على الصفحة نفسها في معظم الأحيان، بينما أصبح الشائع في العصور التالية أن ترسم الصورة على حدة، ثم تلصق في الفراغ المعد لها بين صفحات الكتاب.
وربما كان الأفضل أن نطلق اسم «المدرسة السلجوقية» على هذه الصور التي ننسبها إلى العراق أو بغداد؛ فالواقع أن مركز إنتاجها لم يكن في بغداد أو العراق فحسب، ولكنه كان - على كل حال - في أملاك السلاجقة المترامية الأطراف، وكان المصورون - سواء أكانوا عربا أم إيرانيين - يشتغلون للطبقة الحاكمة والأمراء السلاجقة.
ولعل أكبر دليل على العلاقة الوثيقة بين هذه الصور السلجوقية وإيران أن رسومها تشبه الرسوم الموجودة على الخزف الإيراني المعروف باسم «مينائي» والذي كانت مدينة الري أعظم مراكز صناعته.
وفضلا عن ذلك فإن ثمة بعض مخطوطات من هذه المدرسة السلجوقية، لا يمكن التردد في نسبتها إلى إيران؛ فإن لغتها إيرانية ورسومها تمتاز عن سائر الصور السلجوقية، ولا سيما أن الصور في هذه المخطوطات الإيرانية ليست مرسومة على الصفحات وبدون أي «أرضية»، وإنما تفصلها عن المتن أرضية ذات لون واحد يغلب أن يكون الأحمر.
13
ومعظم هذه المخطوطات ترجع إلى النصف الأول من القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي).
وطبيعي أن نجد مخطوطات إيرانية من نهاية القرن السابع الهجري، يمكن اعتبارها حلقة الاتصال بين الأساليب الفنية في المدرسة السلجوقية وفي المدرسة الإيرانية المغولية التي خلفتها. ومن أعظم هذه المخطوطات شأنا كتاب «منافع الحيوان» لابن بختيشوع في مكتبة بيربنت مورجان
، وقد كتب في مراغة للسلطان غازان خان سنة 699ه/1299م. (4) المدرسة الإيرانية المغولية
أما أولى مدارس التصوير الإيرانية الحقة فهي المدرسة الإيرانية المغولية، وقد كانت أعظم المراكز الفنية التي ازدهرت فيها هذه المدرسة تبريز وسلطانية وبغداد؛ فتبريز - في إقليم آذربيجان جنوب غربي بحر قزوين - كانت مقر الأمراء المغول في الصيف، بينما كانت بغداد مقرهم في الشتاء بعد أن استولوا عليها سنة 656ه/1258م، أما سلطانية فمدينة في العراق العجمي، سكنها كثيرون من أمراء المغول. وكانت هناك مراكز فنية أخرى كبخارى وسمرقند، ولكن مجد هاتين المدينتين في التصوير إنما يرجع إلى عصر تيمور وخلفائه.
وطبيعي أن نذكر حين ندرس أية ظاهرة من الظواهر الفنية في عصر المغول أن العلاقة كانت وثيقة في عصرهم بين إيران والشرق الأقصى؛ فإن الأسرتين اللتين كانتا تحكمان في الصين وفي إيران طوال القرنين السابع والثامن بعد الهجرة (الثالث عشر والرابع عشر بعد الميلاد)، هما أسرتان مغوليتان تجمعهما روابط الجنس والقرابة. وفضلا عن ذلك فإن المغول عندما استوطنوا إيران استصحبوا معهم فنانين وصناعا وتراجمة من الصينيين؛ ولذا فإننا نشاهد أن أساليب الشرق الأقصى واضحة في الفنون الإيرانية منذ عصر المغول، ونرى على الخصوص أن الإيرانيين حين عرفوا منتجات الصين في الرسم والتصوير، استحسنوا الانصراف عن أساليب المدرسة السلجوقية، وساروا في طريق خاص، تطور تطورا طبيعيا حتى وصل إلى شكله النهائي في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) وبلغ أوج عظمته على يد الأسرة الصفوية في القرن العاشر (السادس عشر الميلادي).
امتازت المدرسة المغولية إذن بظهور الأساليب الفنية الصينية التي تتجلى في سحنة الأشخاص، وفي صدق تمثيل الطبيعة، ورسم النبات بدقة تبعد عن الاصطلاحات التي عرفناها في المدرسة العراقية السلجوقية، وفي مراعاة النسب ودقة رسم الأعضاء في صور الحيوان. وفضلا عن ذلك فقد استعار الفنانون الإيرانيون من فنون الاشرق الأقصى بعض الموضوعات الزخرفية، ولا سيما رسوم السحب (تشي) ورسوم بعض الحيوانات الخرافية التي امتاز الفن الصيني بها.
وكان عصر المغول قصيرا ومملوءا بالحروب، فلم تكن صوره كثيرة أو لم يصل إلينا منها إلا شيء يسير، ولم تكن من صفاتها الرقة أو الأناقة التي نراها في صور العصر التيموري أو العصر الصفوي، وإنما كان أكثرها مناظر قتال تناسب الفاتحين، وتوضح كتب التاريخ والقصص الحربي، أو مناظر تمثل أمراء المغول بين أفراد أسراتهم وحاشيتهم.
ومما يلفت النظر في صور المدرسة المغولية تنوع غطاء الرأس؛ فللمحاربين أكثر من نوع واحد من الخوذات، وللسيدات قلنسوات مختلفة، بعضها يزينه ريش طويل، وللرجال ضروب شتى من القلنسوات والعمائم.
وأكثر صور هذه المدرسة موجودة في مخطوطات «الشاهنامه» وكتاب «جامع التواريخ» للوزير رشيد الدين ( ∆
718ه/1318م) الذي تروي المصادر التاريخية أنه أسس ضاحية لمدينة تبريز، سماها باسمه، واستخدم فيها خطاطين وفنانين لنسخ مؤلفاته وتوضيحها بالصور. •••
ومن أشهر المخطوطات التي تنسب إلى هذه المدرسة نسخة من «جامع التواريخ» للوزير رشيد الدين، مؤرخة بين عامي 707 و714 بعد الهجرة (1307-1314م)، ولكنها مفرقة الآن، فجزء منها محفوظ في مكتبة جامعة أدنبره والآخر في الجمعية الآسيوية الملكية بلندن، وفي صورها موضوعات كثيرة من السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي والإنجيل وتاريخ الهند والديانة البوذية، ويمكننا أن نرى في بعضها بقاء الأساليب الفنية الموروثة من المدرسة السلجوقية، ولا سيما في سحن الأشخاص ورسم الخيول، كما نرى في صور أخرى بدء تأثير الشرق الأقصى في رسم الزهور والأشجار.
ومن المخطوطات التي يظهر في صورها تحول هذه المدرسة تحولا تاما إلى الأساليب الإيرانية نسخة كبيرة من الشاهنامه؛ كان منها نحو ثلاثين صفحة في مجموعة ديموت
Demotte
وتفرقت اليوم بين اللوفر والمجموعات الأثرية في أوروبا وأمريكا.
14
وأكبر الظن أن عددا من الفنانين اشترك في توضيح هذا المخطوط بما فيه من صور كبيرة الحجم؛ ومع ذلك فإن الذي نعرفه منها يمكن نسبته إلى مصور واحد. ويظهر في تلك الصور التأثر بالأساليب الصينية في رسم الجبال والأشجار، كما أن الفنان وفق في رسم الأشخاص إلى شيء من قوة التعبير وإلى تمييز السحن بعضها عن بعض، ومن مميزات الصور في هذا المخطوط الأرضية الذهبية التي يندر وجودها في الصور الإيرانية القديمة، وأكبر الظن أنه كتب ورقمت صوره في تبريز حوالي سنة 735ه/1335م.
15
وثمة مخطوط آخر من الشاهنامه محفوظ الآن في متحف طوبقابو سراي بإستانبول ومؤرخ من سنة 731ه/1331م، ولكن صوره وسط بين الصور السلجوقية وصور مخطوطي الشاهنامه وجامع التواريخ اللذين تحدثنا عنهما في السطور السابقة؛ فهي تمتاز بالعودة إلى اتخاذ الأرضية الحمراء، وبأن رسوم الأشخاص فيها تغلب عليها مسحة من البساطة والسذاجة. أما التأثير المغولي فظاهر في زخارف الملابس وفي رسم المناظر الجبلية والزهور.
16
ومن أبدع الصور التي تنسب إلى المدرسة الإيرانية المغولية في منتصف القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) مجموعة صنعت لنسخة من كتاب كليلة ودمنة، ثم جمعت في مرقعة (ألبوم) للشاه طهماسب وكانت محفوظة في مكتبة يلديز، ولكنها الآن في مكتبة الجامعة بإستانبول. وقد كان الأستاذ ساكسيان أول من كشف هذه الصور وكتب عنها؛ فذهب إلى أنها من صناعة مدرسة فنية ازدهرت في خراسان في النصف الثاني من القرن السادس الهجري
17 (النصف الثاني من القرن الثاني عشر الميلادي)، وتأثرت بالأساليب الفنية الصينية قبل أن يقبض المغول على زمام الحكم في إيران، ولكن نظرية ساكسيان لم تلق أذنا صاغية؛ فاعترض عليها سائر مؤرخي الفنون الإسلامية؛ لأن الدقة في رسم الأشخاص في تلك الصور لا يمكن وجودها في القرن السادس الهجري مع ما نعرفه في الصور المصنوعة في القرن السابع من بساطة ومسحة أولية، فضلا عن أننا نشاهد في الصور التي نحن بصددها الآن أن الفنان قد هضم ما اقتبسه من العناصر الصينية في رسم المناظر الطبيعية، وأنه قد أصاب حظا كبيرا من التوفيق في ملاحظة الطبيعة، وفي إكساب صوره شيئا من الحركة، وفي إتقان الرسوم الآدمية والحيوانية إتقانا لم يوفق إليه الفنانون الذين كانوا يعملون في تبريز؛ مما يحملنا على أن ننسبه إلى هراة التي ازدهرت في منتصف القرن الثامن الهجري (الرابع عشر)، وكانت عاصمة لأسرة الكرت، وهي - كما نعرف - أسرة ترجع نسبها إلى الغوريين الذين كانوا يحكمون أفغانستان والهند بين عامي 543 و612ه/1148-1215م؛ مما يفسر بعض ما نجده من روح هندية في تلك الصور.
ولما سقطت الأسرة الإيلخانية سنة 736ه/1336م، استولى بنو جلائر على جزء كبير من أملاكها ولا سيما العراق وغربي إيران؛ فقامت في عاصمتهم، بغداد، حركة فنية مباركة، ولم تلبث أن امتدت إلى تبريز حين خضعت لهم منذ سنة 760ه/1359م. وكان السلطان غياث الدين أحمد بهادر الجلائري (784-813ه؛ أي 1382-1410م) من أكبر هواة المخطوطات الثمينة؛ فشمل برعايته فنون الكتاب.
وفي المكتبة الأهلية بباريس نسخة إيرانية من كتاب عجائب المخلوقات للقزويني، كتبت لمكتبة هذا السلطان سنة 790ه/1388م بخط «نستعليق»، الذي ظهر في مدينة تبريز قبل تاريخ هذا المخطوط بوقت قصير، فلعل هذه النسخة من «عجائب المخلوقات» قد صنعت في تلك المدينة.
كما يمكننا أن ننسب إلى تبريز أيضا مخطوط شهير من «جامع التواريخ» لرشيد الدين - محفوظ الآن في المكتبة الأهلية بباريس - ولعله يرجع إلى نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي).
18
ونرى في صور هذا المخطوط بعض المميزات الفنية التي تزداد ظهورا في القرن التالي، ولا سيما تزيين الأرضية بشجيرات مزهرة وتجميل الملابس برسوم مذهبة.
وصفوة القول أن المدرسة التي ازدهرت في العراق وغربي إيران على يد بني جلائر، هي حلقة الاتصال بين المدرسة الإيرانية المغولية والمدارس التيمورية.
ومن أبدع الآثار الفنية التي خلفتها المدرسة الجلائرية في بغداد، مخطوط جميل من قصائد خواجو كرماني في شرح غرام الأمير الإيراني هماي بهمايون ابنة عاهل الصين، وهو محفوظ الآن بالمتحف البريطاني، وقد كتبه الخطاط المشهور مير علي التبريزي في بغداد سنة 799ه/1396م، وعلى إحدى صوره اسم المصور «جنيد نقاش» السلطاني نسبة إلى السلطان أحمد الجلائري، الذي اشتغل هذا الفنان في بلاطه. وتبدو في هذا المخطوط كل الظواهر الفنية التي امتازت بها المدرسة التيمورية في التصوير؛ فرسوم الأشجار والزهور غاية في الإبداع، وصور الأشخاص روعي فيها جمال النسبة والارتباط بالوسط الذي تقوم فيه؛
19
فكانت الخطوة الأولى للصور التي رسمت بعد ذلك في شيراز، وغلبت عليها الرسوم الطبيعية الخالية من الصور الآدمية والحيوانية.
وفي مكتبة طوب قابو سراي بإستانبول مخطوط من الشاهنامه، كتب في شيراز سنة 772ه/1370م حين عاش في هذه المدينة الشاعر الكبير حافظ الشيرازي ( ∆
791ه؛ أي 1398م)، على أن الأشخاص في صور هذا المخطوط لهم وجوه بيضاوية، ولا تزال الصور محتفظة بقسط وافر من المسحة الاصطلاحية الأولية التي عرفناها في القرن السابع وبداية القرن الثامن بعد الهجرة.
20 (5) مدارس العصر التيموري
أما المدارس التيمورية ومدرسة هراة، فقد ازدهرت في القرنين الثامن والتاسع بعد الهجرة (نهاية القرن الرابع عشر وفي القرن الخامس عشر بعد الميلاد)، وكان من أعظم مراكز التصوير شأنا في عصر تيمور مدينة سمرقند التي اتخذها هذا العاهل مقرا لحكمه منذ سنة 771ه/1370م، وجمع فيها أشهر الفنانين وأرباب الصناعات الدقيقة، ولكن تبريز وبغداد وشيراز ظلت أيضا من مراكز هذا الفن، وازدهرت فيها مدارس فنية عظيمة.
على أن الصور التي تنسب إلى مدينة سمرقند - على وجه التحقيق - نادرة جدا، ولعلنا لا نستطيع أن ننسب إليها شيئا كثيرا، عدا الرسوم المستقلة المنقولة عن نماذج صينية والمرسومة في معظم الأحيان بالحبر الصيني،
21
ثم بعض رسوم متأثرة إلى حد كبير بالأساليب الفنية الصينية، وتشتمل على رسوم حيوانات وطيور حقيقية وخرافية، وأخيرا بعض مخطوطات في موضوعات فلكية.
22
أما مدينة تبريز فربما لا نستطيع أن نعتبرها تماما مركزا فنيا تيموريا؛ لأنها خضعت لقبائل التركمان بين عامي 809 و872 بعد الهجرة (1406 و1467م)، وتأثرت بمدرسة بني جلائر، ولم تلحق بشيراز وهراة في الأساليب الفنية الجديدة التي وفقتا إليها في عصر تيمور وخلفائه. ومن الآثار الفنية التي يمكن نسبتها إلى تبريز في هذا العصر: صورة في صفحتين محفوظة في مجموعة كيفوركيان بنيويورك، ولعلها كانت في صدر مخطوط من شاهنامه، وهي تمثل وليمة في حديقة اجتمع فيها تيمور وبعض رجال بلاطه وخدمه.
23
وفي عهد شاه رخ أصبحت هراة محط رجال الفنانين وميدان نشاطهم. وقد كان تيمور محبا للفن والأدب على الرغم من شذوذه وفظاظته، بينما كان ابنه شاه رخ من أشد ملوك الفرس عطفا على الفن ورجاله؛ ولذا اجتاز الفن في عصره مراحل الاقتباس والاختيار من الفنون الأجنبية والتأثر بها، ووصل إلى عنفوان شبابه، وأصبح ما نقله عن غيره من الفنون جزءا لا يتجزأ منه.
والصور التي رسمت في نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) تحمل أهم الزخارف والأساليب الفنية التي صارت في القرن التالي من أخص مميزات التصوير الإيراني في مدرسة هراة. وأهم هذه الأساليب الفنية مناظر الزهور والحدائق وآثار فصل الربيع، ثم الألوان الساطعة التي لا يكسر من حدتها أي تدرج، والمناظر الطبيعية ذات الجبال والتلال المرسومة على شكل الإسفنج. وفضلا عن ذلك فقد استطاع الفنانون الوصول إلى إيجاد نسب معقولة بين الأشخاص في الصورة وما يحيط بهم من عمائر ومناظر.
وجدير بنا أن نشير هنا إلى أن الفرق بين منتجات المدرستين التيموريتين الرئيسيتين، مدرسة هراة ومدرسة شيراز، لا يزال غير واضح، ولكننا نستطيع أن نقول - على وجه عام - إن مدرسة شيراز أكثر اتصالا بالعصر السابق من مدرسة هراة، وإن التطور في هذه المدرسة الأخيرة أعظم وأبين.
ومن أشهر المخطوطات التي تنسب إلى مدرسة شيراز شاهنامه في إستانبول مؤرخة من سنة 772ه/1370م، وأخرى في دار الكتب المصرية كتبت سنة 769ه/1393م. ونرى في صور هذين المخطوطين بعض التنويع في رسم المناظر الطبيعية، ولكن الألوان فاتحة وبراقة وغير منسجمة.
ومن أعظم هذه المخطوطات شأنا مجموعة من الشعر محفوظة في متحف الفن التركي والإسلامي بإستانبول ومؤرخة سنة 801ه/1398،
24
وفيها اثنتا عشرة صورة تمثل مناظر طبيعية من أشجار وزهور وأنهار وتلال وطيور بدون أي رسم آدمي؛ مما دعا إلى القول بأن هذا الفنان إنما صور المثل العليا في نظرية الخليقة عند المزدكية ، وأنه ربما كان من أتباع هذا المذهب. ولسنا في حاجة إلى القول بأن رسم مثل هذه المناظر الطبيعية لا يتعارض مع الإسلام في شيء.
وفي مجموعة جلينكيان مخطوط من مجموعة شعرية كتبت سنة 813ه/1810م لإسكندر سلطان حاكم شيراز وابن شاه رخ،
25
ويمتاز هذا المخطوط بأن فيه - عدا المتن - حاشية ذات أركان زخرفية جميلة، أما كاتبه فهو محمود مرتضى الحسيني الذي كتب مخطوطا آخر من مجموعة شعرية، محفوظا الآن في القسم الإسلامي من متاحف الدولة في برلين، ومؤرخا من سنة 823ه/1420م، وقد صنع لمكتبة الأمير بايسنقر،
26
ويمتاز بحرص المصور على رسم أقل عدد ممكن من الأشخاص في صوره، وبالألوان الهادئة الخفيفة والأساليب الاصطلاحية في رسم التلال.
ولكن الحق أن التمييز بين المدارس المختلفة في العصر التيموري أمر عسير؛ بسبب تنقل الفنانين بين المراكز الفنية المختلفة، ولأننا لا نعرف المركز الذي ينسب إليه عدد كاف من المخطوطات ليمكننا بالموازنة والقياس أن نحدد المميزات الفنية لكل مدرسة.
ومهما يكن من الأمر فإن العصر الذهبي للتصوير الإيراني إنما يبدأ في عهد خلفاء تيمور: ابنه شاه رخ، وحفدته بايسنقر وإبراهيم سلطان وإسكندر بن عمر شيخ؛ إذ أصبحت للصور الإيرانية في عصرهم ذاتية قوية تمثل روح الفن الإيراني بعد أن هضم كل ما استعاره من أساليب الفنون في الشرق الأقصى.
ومما ساعد في كثرة الانتاج وإتقان الصور في عصر خلفاء تيمور أن إيران كانت مقسمة إلى مقاطعات مختلفة، يحكمها أمراء لهم نصيب وافر من الاستقلال ولهم حاشية وبلاط، كما للعاهل الأكبر الذي كان يشرف على إدارة الإمبراطورية كلها؛ ولذا فقد نشأت مراكز فنية عديدة كانت تتنافس في سبيل النهضة بالفنون ولا سيما التصوير.
وقد أسس شاه رخ في مدينة هراة مكتبة ومجمعا لفنون الكتاب، ثم جاء ابنه بايسنقر فأنشأ مكتبة أخرى ومجمعا للفنون، استقدم إليه أعلام الخطاطين والمذهبين والمصورين والمجلدين؛ فانتقلت صناعتا التصوير والتذهيب من تبريز وسمرقند وشيراز إلى هراة.
أما العلاقات بين إيران والشرق الأقصى في عصر تيمور وخلفائه فإنها لم تضعف؛ لأن سقوط أسرة المغول في إيران سنة 736ه/1336م تبعه سقوط أسرة يوان المغولية في الصين، وقيام أسرة منج التي حكمت من سنة 770ه/1368 إلى سنة 1054ه/1644م، فكان طبيعيا أن ينشأ الود المتبادل بين الأسرتين الجديدتين بعد نجاحهما في تقويض نفوذ المغول. وتبودلت البعثات بين الصين وإيران في عصر شاه رخ وبايسنقر. وأكبر الظن أن هذه البعثات كانت تعود من الصين بكثير من المنتجات الفنية، كما كانت تحمل إليها بدائع التحف المصنوعة في إيران. والواقع أن الآثار الفنية من مدرسة هراة تشهد بتأثير الفنون الصينية، ولا سيما في جلود الكتب التي كانت الحيوانات الخرافية الصينية من أهم عناصر الزخرفة فيها.
وعلى كل حال فإن أكثر الصور الإيرانية في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر) تنسب إلى مدينة هراة التي كانت أهم ميدان لفن التصوير في ذلك العصر.
وتمتاز مدرسة هراة بطموح الفنانين فيها إلى التطور والتجديد، وبظهور بعض المصورين من ذوي الذاتية الفنية والعبقرية الخاصة، وبالميل إلى دقة تصوير التفاصيل في الرسم، وبغنى الألوان وانسجامها واتزانها وكثرة استعمال اللون الذهبي، وبتغطية الأرضية بالحشائش والزهور والشجيرات.
ومن أقدم المخطوطات التي تنسب إلى هذه المدرسة مخطوط من كليلة ودمنة محفوظ الآن في مكتبة قصر جلستان بطهران،
27
ويمتاز بإتقان تصوير الطبيعة وهضم العناصر الصينية التي اقتبسها الفن الإيراني في هذا السبيل. ولا شك في أن هذا المخطوط يشبه إلى حد كبير مخطوط كليلة ودمنة المحفوظ في مكتبة الجامعة بإستانبول، والذي تحدثنا عنه في الصفحات السابقة، ولكنهما يختلفان في الصور الآدمية؛ فهي في المخطوط الأخير أكثر نضارة وأقرب إلى الطبيعة منها في مخطوط طهران.
وفي مجموعة المستر شستر بيتي
Chester Beatty
مخطوط من «جلستان» سعدي، كتب سنة 830ه/1426م للأمير بايسنقر بيد الخطاط جعفر البايسنقري الذي استقدمه الأمير من تبريز ليعمل في مجمع فنون الكتاب بمدينة هراة،
28
وفيه ثماني صور بديعة يبدو فيها الإتقان والمميزات الفنية التي نعرفها في مدرسة هراة.
وقد كتب هذا الخطاط نسخة من الشاهنامه سنة 833ه/1430م تمتلكها الآن الحكومة الإمبراطورية الإيرانية، وتكاد تكون أبدع ما نعرفه من مخطوطات الشاهنامه المصورة؛ وذلك لإتقان صورها، وإبداع زخارفها والمهارة في تصوير الحوادث تصويرا تظهر فيه الحياة والحركة والتماسك ووحدة التأليف، وللتنويع الذي يبعد الملل الذي تسببه المناظر المكررة في مخطوطات مدرسة تبريز ومدرسة شيراز، ولمراعاة الدقة في رسم الخيل، والشجيرات والزهور والطيور وزخارف الملابس، فضلا عن العناية التامة برسم التفاصيل وبعض أنواع التحف كالسجاجيد والأواني وما إلى ذلك.
29
ومن أبدع الصور التي تنسب إلى مدرسة هراة صورة مستقلة ومحفوظة الآن في متحف الفنون الزخرفية بباريس، وهي تمثل لقاء هماي وهمايون في حدائق القصر الملكي بمدينة بكين (انظر شكل
41 ). ويتجلى فيها حب الطبيعة وإبداع تصويرها مع التوفيق في التعبير عن أرستقراطية الأشخاص المرسومين، فضلا عن أن ألوانها وأزهارها تكسبها سحرا عجيبا.
وثمة عدد من الصور المستقلة المنقوشة على الحرير على النحو المتبع في الشرق الأقصى، ويمكن نسبتها إلى مدرسة هراة في النصف الأول من القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، وتمتاز بوضوح التأثير الصيني فيها حتى يظن أنها من رسم المصور غياث الدين الذي سافر بين عامي 823 و827ه/1420 و1424م مع بعثة أرسلها شاه رخ إلى الصين،
30
وإحدى هذه الصور محفوظة في متحف الفنون الجميلة بمدينة بوستن
Boston ، وتمثل حبيبين جالسين على سجادة نفيسة وتظلهما شجرة مزهرة. والثانية في المتحف المتروبوليتان بنيويورك، وفيها أشخاص بجوار شجيرات مزهرة.
31
أما الثالثة ففي مجموعة الكونتس دي بهاج
Comtesse de Béhague
وتمثل لقاء هماي وهمايون، وقد أصاب فيها الفنان توفيقا عظيما في الجمع بين الأساليب الفنية الصينية والإيرانية.
32
وقد بدأت مدرسة هراة منذ منتصف القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) في أن تتميز عن سائر المدارس التيمورية وتفقد صلتها بها؛ فأصبحت لها ذاتية قوية في تأليف الصور ورسمها وتلوينها. وطبيعي أن بعض الفنانين لم يستطع أن ينفصل تماما عن التقاليد الفنية الموروثة، بينما سار آخرون في ميدان التطور شوطا بعيدا.
ومن المخطوطات التي تتجلى فيها المميزات الفنية التي عرفناها في مدرسة هراة، شاهنامه في الجمعية الآسيوية الملكية بلندن، كتبت للأمير محمد جوكي ابن شاه رخ. وقد توفي هذا الأمير سنة 848ه/1445؛ فأكبر الظن أن المخطوط يرجع إلى ما قبل وفاته ببضع سنوات.
33
وفي المكتبة الأهلية بباريس مخطوط من ديوان السلطان حسين ميرزا مؤرخ من سنة 890ه/1485م. ويدل ما في صوره من المناظر الطبيعية، ورسوم العمائر، والسحنات المغولية، وانسجام الألوان على سمو الأساليب الفنية التي وفق إليها الفنانون من مدرسة هراة.
وفي المتحف المتروبوليتان بمدينة نيويورك مخطوط من كتاب «هفت بيكر» للشاعر نظامي يحتوي على صورة بديعة جدا تمثل بهرام جور يثبت لحبيبته فروسيته ومهارته في الرماية؛
34
وذلك بأن يلصق بسهم واحد حافر حمار الوحش بأذنه. وتمتاز هذه الصورة بحسن توزيع الأشخاص بين الصخور والتلال، وعليها اسم المصور العظيم بهزاد، ولكنها نسبة لا نظن أنها صحيحة؛ لأن الصورة - على الرغم من إتقانها - لا يتجلى فيها ما نعرفه عن أسلوب بهزاد مما سيأتي شرحه في الصفحات التالية. والواقع أننا نعرف أسماء بعض المصورين في مدرسة هراة، ولكنا لا نستطيع أن ننسب إلى أحدهم أي صورة في مخطوط معين. ولعل أعظم هؤلاء المصورين هو روح الله ميرك نقاش الذي يقال إنه كان أستاذا لبهزاد، والذي تنسب إليه صورتان في مخطوط من المنظومات الخمسة للشاعر نظامي مؤرخ من سنة 900ه/1494م.
35
وصفوة القول أن التصوير الإيراني في عصر تيمور وخلفائه خطا الخطوة الأخيرة في سبيل الكمال الذي بلغه على يد بهزاد وتلاميذه الذين حملوا لواء هذا الفن في صدر الدولة الصفوية، وذلك على الرغم من أن العاهلية التيمورية دب فيها الانحلال بعد وفاة شاه رخ وبدء النزاع بين خلفائه، حتى استولت قبائل التركمان على غربي إيران، وقامت دولة الأوزبك في بلاد ما وراء النهر، بل استطاعت أن تقضي على نفوذ خلفاء تيمور في شرقي إيران، ولكن هراة ظلت عاصمة التيموريين الذين تقلص نفوذهم بغير أن يؤثر ذلك في ازدهار صناعة التصوير؛ فكان حكم السلطان حسين ميرزا بيقرا بين عامي 873 و911 بعد الهجرة/1468-1506م من العصور الذهبية لتلك المدينة في الأدب والفن؛ فعمت شهرة بلاطه أنحاء القارة الآسيوية، واتصل به كثير من الشعراء والأدباء والموسيقيين، وكان هو ووزيره مير علي شير من أكبر رعاة التصوير في التاريخ الإيراني، حتى ظهر في خدمتهم بهزاد صاحب الآثار الفنية البديعة في التصوير الإسلامي. (6) بهزاد
ولد بهزاد في مدينة هراة سنة 854ه/1450م، وذاع صيته فيها، ونعم برعاية السلطان حسين بيقرا ووزيره مير علي شير، وظل يعمل في هراة حتى سقطت في يد الشاه إسماعيل الصفوي سنة 916ه/1510م؛ فانتقل معه إلى تبريز؛ حيث زاد نجمه تألقا، ونال من الشرف والفخار في خدمة الشاه إسماعيل، ثم ابنه طهماسب ما لم ينله مصور آخر في التاريخ الإسلامي.
وقد حفظ لنا أحد المؤرخين الإيرانيين نص البراءة التي تسلمها بهزاد حين عينه الشاه إسماعيل سنة 928ه/1522م مديرا لمكتبته الملكية ومجمع فنون الكتاب، فجعله رئيسا لكافة أمناء المكتبة ومن فيها من خطاطين ومصورين ومذهبين وغيرهم.
36
وذاع صيت بهزاد في إيران وفي غيرها من البلاد التي كانت لها بالإيرانيين صلات فنية، وفاق في الشهرة من سبقه من المصورين ومن عاصره أو خلفه منهم؛ فأثنى عليه المؤرخون الثناء الجم، وقرنوه بماني الذي يضرب به المثل عند الإيرانيين في إتقان التصوير، وقالوا : إن مهارته محت ذكرى سائر المصورين، وإن شعره من فرشاته قد أكسبت الجماد حياة ... إلخ، كما أعجب به الملوك والأمراء فتسابقوا إلى جمع آثاره الفنية وكتب عنه «بابر» القيصر الهندي المغولي أنه أعظم المصورين قاطبة.
وعندما أقبل بعض مؤرخي الفنون من الغربيين على دراسة التصوير الإسلامي عرفوا لبهزاد منزلته الجليلة، ولكن بعض المحدثين منهم يرون أنه نال أكثر مما يستحق
37 - وفي رأينا أن هذا الزعم الأخير مبالغ فيه إلى حد كبير.
على أن هذه الشهرة الواسعة التي أصابها بهزاد جعلت من الصعب أن نعرف على وجه التحقيق كل آثاره الفنية؛ لأن المصورين أقبلوا على تقليده بل كانوا يكتبون اسمه على الصور التي يرسمونها إعلاء لشأنها، كما أن تجار العاديات وبعض الهواة كانوا ينسبون إليه صورا ليست من عمله رغبة منهم في الكسب الوافر. والحق أن هذا جعل دراسة أسلوبه الفني أمرا عسيرا؛ فإننا لا نستطيع أن نطمئن إلى حكم نصدره بعد بحث الصور القليلة التي يثبت قطعيا نسبتها إليه.
وثمة صور أخرى ليست بعيدة كل البعد عن أسلوبه في الرسم، ولكن ليس عليها إمضاءه، ولعل الخير كل الخير في مواصلة الدرس والموازنة؛ حتى يمكن أن نعرف عن حقيقة آثاره الفنية أكثر مما نعرف الآن.
38
وكان بهزاد من أوائل المصورين المسلمين الذين عنوا بوضع إمضائهم على آثارهم الفنية، وقد استطاع بفضل علو مكانته أن ينتصر على الخطاطين انتصارا مبينا؛ فقد ذكرنا أنهم كانوا أعلى منزلة من المصورين، وكانوا يتحكمون في حجم الصور، وفي انتقاء الموضوعات، وفي تحديد الفراغ الذي يتركونه في صفحات المخطوطات ليرسم فيه المصورون، ولكن بهزاد قضى على ذلك كله واختار الموضوعات التي أرادها، ورسمها بالحجم الذي كان يبتغيه في صفحة أو صفحتين متجاورتين.
وامتاز بهزاد ببراعته العظيمة في مزج الألوان وتفهم أسرارها، وفي التعبير في صوره عن الحالات النفسية المختلفة، وفي رسم العمائر والمناظر الطبيعية، وأنك لتحس أمام آثاره الفنية أن بين يديك صورا أرستقراطية، بهدوئها، وحسن ذوقها، وإبداع التركيب فيها، ودقة الزخرفة وانسجامها؛ مما يشهد بأن بهزاد كان المصور الكامل الذي انتهى على يديه تطور التصوير الإيراني في عهد المدرستين الإيرانية المغولية ثم التيمورية.
وقد عاش بهزاد طويلا، وتنسب إليه صور عديدة من القرنين التاسع والعاشر بعد الهجرة (الخامس عشر والسادس عشر بعد الميلاد) وكثير من هذه الصور تمثل دراويش من العراق وإيران. ومما كتبه أحد المؤلفين الهنود عن بهزاد أنه لم يحرز هذه الشهرة الواسعة؛ لأنه سار بأساليب التصوير الإيراني إلى الكمال الطبيعي الذي كان مقدرا له أن يصل إليه في تطوره فحسب، بل لأنه سار به أبعد من ذلك؛ فأدخل فيه عنصرا من الحب الإلهي؛ لتأثره بمذهب الصوفية الذي بلغ أوج عظمته في إيران قبيل أن يولد بهزاد وحين كان صبيا.
ومن أبدع الآثار الفنية التي يطمئن مؤرخو الفنون الإسلامية إلى نسبتها لبهزاد ست صور في مخطوط من كتاب «بستان» للشاعر الإيراني سعدي محفوظ في دار الكتب المصرية، وعلى أربع صور منها إمضاء بهزاد (انظر شكل
42 ).
وقد كتب هذا المخطوط «سلطان علي الكاتب» أعظم الخطاطين في عصره، كتبه سنة 893ه/1488م للسلطان حسين ميرزا الذي نشأ بهزاد في بلاطه بمدينة هراة؛ فلا عجب أن تولى بهزاد بنفسه تحلية هذا المخطوط بصور تتجلى فيها براعته في مزج الألوان، وتوفيقه في توزيع الأشخاص ودقته في رسم الزخارف النباتية والهندسية الدقيقة. وقد كتب على ثلاث صور منها بخط دقيق وفي مكان يصعب الاهتداء إليه «عمل العبد بهزاد». أما الإمضاء الرابع ففي صورة تمثل فقهاء يتجادلون في مسجد، وفيها عقد جميل تجري في إطاره عبارات إيرانية في 13 منطقة، وتنتهي في المنطقة الأخيرة بالنص الآتي: «عمل العبد بهزاد سنة أربع وتسعين وثمانمائة»؛ مما يدل على أن رسم الصورة كان بعد إتمام المخطوط بسنة كاملة. وليس هذا بمستغرب في التصوير الإيراني؛ فقد كان الخطاطون يتمون عملهم ويتركون الصفحات التي يراد أن يزينها المصورون بالرسم. وحدث كثيرا أن المخطوطات لم تزين بالصور إلا بعد إتمام كتابتها بزمن غير قصير.
وعلى كل حال فإن ثلاثا من الصور الممضاة تمثل مناظر في عمائر، أما الرابعة فتمثل الملك دارا وراعي الخيل، وتثبت تفوق بهزاد في رسم الخيل وتصوير الطبيعة الريفية تصويرا فيه انسجام وحياة. وفي أول المخطوط صورة في صفحتين تمثل السلطان حسين ميرزا في مأدبة، ولا بد من أن تكون من تصوير بهزاد أيضا؛ فإن موازنتها بالصور الممضاة لا يكاد يترك سبيلا للشك في صحة ذلك.
39
وفي المتحف البريطاني مخطوط من منظومات الشاعر نظامي تاريخه سنة 846ه/1442م، وفيه عدة صور صغيرة، على ثلاث منها: «صورة العبد بهزاد» مكتوبة في مكان غير ظاهر. ويكاد النقاد يجمعون على صحة نسبة هذه الصور الثلاث إلى بهزاد، ولكن معرفة تاريخها أمر غير سهل. وقد لوحظ أن على إحدى الصور الأخرى في هذا المخطوط تاريخ سنة 898ه/1493م مما يرجح أن تكون الصور المنسوبة إلى بهزاد من رسمه في نهاية القرن التاسع الهجري أيضا.
وفي مجموعة كيفوركيان
Kevorkian
بنيويورك صفحات عليها نماذج خطية، وفي إحداها صورة دائرية تمثل شابا وعجوزا على مقربة من نهر صغير وحولهما منظر جبلي،
40
وعليها: «صورة العبد بهزاد».
وثمة بعض صور شخصية حقيقية تنسب لبهزاد ويبدو فيها نجاحه في بيان سحنة الأشخاص وصفاتهم الجسمية. ومن هذه الصور واحدة تمثل الشاه طهماسب فوق شجرة، وهي محفوظة الآن في متحف اللوفر وعليها «بير غلام بهزاد» أي «العبد العجوز بهزاد».
41
وفي مجموعة المسيو كارتييه
Cartier
صورة للسلطان حسين بيقرا تنسب إلى بهزاد، وتشبه رسم السلطان حسين بيقرا في مخطوط «بستان» المحفوظ في دار الكتب المصرية.
42
على أن المقام لا يتسع هنا لاستعراض سائر ما ينسب إلى بهزاد من الصور،
43
فحسبنا أن نذكر أنه كان جم النشاط، وأنه، إن لم يبتدع مدرسة أو طرازا جديدا، فقد عرف كيف يسمو بالأساليب الفنية التي ازدهرت في مدرسة هراة إلى الإتقان والدقة في مزج الألوان، والتماسك في التأليف التصويري، والبراعة في تمثيل العمائر من الخارج والداخل، والتوفيق في تصوير الطبيعة الريفية، والقدرة على رسم الصور الشخصية والتعبير عن الحالات النفسية، وما إلى ذلك مما نراه في صوره أو في الصور التي تنسب إليه ، والتي نرجح أن معظمها من عمل تلاميذه أو مرءوسيه في مجمع الكتب في تبريز، أو المعجبين بفنه من سائر المصورين. (7) قاسم علي
ومن الفنانين الذين نبغوا في هراة في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) قاسم علي الذي كان مؤرخو الفن يخلطون أحيانا آثاره الفنية بآثار زميله بهزاد.
والواقع أن ما نعرفه من صور هذا الفنان في مخطوط المنظومات «الخمسة» لنظامي، المؤرخ من سنة 900ه/1494م، والمحفوظ الآن بالمتحف البريطاني برقم
Or. 6810
يدل على أنه كان مصورا ماهرا، ولكنه تأثر بأساليب أستاذه وزميله بهزاد حتى لم يبق لنفسه أي قسط من الذاتية الفنية؛ فهو يقلد بهزاد في الموضوعات التي يصورها، وفي الأسلوب الذي يستعمله في تصويرها، وفي الزخارف التي يزينها بها، ولكنه لم يصل إلى مقام أستاذه في إبداع الألوان وتمييز سحنات الأشخاص وإكسابها شيئا من التعبير.
وتنسب إلى قاسم علي بعض صور في مخطوط بالمكتبة البودليية في أكسفورد، مؤرخ سنة 890ه/1485م. وأجمل هذه الصور واحدة تمثل بعض الصوفية في حديقة غناء،
44
ولكن بعض الأشخاص فيها منقولون عن صور بهزاد في مخطوط دار الكتب المصرية .
وأكبر الظن أن هذا الفنان أتقن رسم الصور الشخصية، وأنه رسم صورة «بهزاد» المحفوظة في مكتبة الجامعة بإستانبول.
45
وتدل ملابس بهزاد في هذه الصورة على أنها رسمت في العصر الصفوي؛ أي بعد انتقاله إلى تبريز. (8) مدرسة بخارى
وقد ازدهرت في إقليم بخارى مدرسة فنية في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) يمكننا أن نعتبرها ذيلا لمدرسة بهزاد.
والواقع أن الأحداث السياسية التي وقعت في خراسان وبلاد ما وراء النهر في بداية القرن العاشر هي التي أدت إلى قيام هذه المدرسة؛ فإن مدينة هراة سقطت في يد شيباني خان زعيم الأوزبك سنة 913ه/1507م، ولكن الشاه إسماعيل الصفوي انتزعها من يد الشيبانيين بعد ثلاث سنوات، وتقلص حكمهم إلى بلاد ما وراء النهر وصاروا يحكمون من سمرقند وبخارى. وهاجر إلى هاتين المدينتين كثير من المصورين في هراة، ولا سيما أن قيام دولة الصفوية في هذا الإقليم كان معناه فرض المذهب الشيعي عليه بعد أن كان يتبع المذهب السني في عصر تيمور وخلفائه وفي عصر الشيبانيين. ثم استولى الأوزبك مرة ثانية على هراة ونهبوها سنة 941ه/1535م؛ فهاجر منها إلى بخارى جمهرة الباقين فيها من رجال الفن، وقامت على أكتاف هؤلاء الفنانين في مهجرهم مدرسة بخارى التي كان أشهر رجالها المصور محمود مذهب.
وقد كان محمود مذهب يعمل في بلاط السلطان حسين بيقرا، ويظهر في آثاره الفنية الأولى أنه متأثر بأساليب بهزاد إلى حد كبير، ولا سيما في تأليف الصور وتغطية أرضيتها بالعمائر وفي رسم الأشخاص وتوزيعهم في الصورة، والظاهر أن هذا الفنان هاجر إلى بخارى وترك هراة بعد أن بارحها بهزاد إلى تبريز بفترة قصيرة.
ومن أشهر آثاره الفنية صور في مخطوط من «تحفة الأحرار» للشاعر جامي، كتب في بخارى
46
وكان في مجموعة هومبرج
Homberg ، كما تنسب إليه صور في مخطوط آخر من تحفة الأحرار محفوظ الآن في المكتبة الأهلية بباريس، وعلى بعض صوره «صورة العبد محمود المذهب».
47
على أن أبدع ما نعرفه لهذا الفنان صورة في صفحتين بمخطوط من المنظومات الخمسة لنظامي، كتب للأمير عبد العزيز الشيباني (952ه/1545م)، ومحفوظ في المكتبة الأهلية أيضا، وتمثل الصورة عجوزا تقدم شكواها إلى السلطان سنجر،
48
وعلى هذه الصورة إمضاء محمود مذهب، وتمتاز باتزانها وتباين ألوانها.
49
وثمة صور أخرى تنسب إلى هذا المصور، ولكن المقام لا يتسع هنا لاستعراضها وبيان مميزاتها.
50
ومن المصورين الذين هاجروا من هراة إلى بخارى بعد أن تأثروا بمدرسة بهزاد عبد الله المذهب والمصور، ولكن الصور التي عليها إمضاؤه نادرة، ولعل أشهرها رسم شاب يعزف على العود تحت شجرة مزهرة، وهي محفوظة الآن في متحف الفنون الصناعية بمدينة ليبزج.
51
ومما نلاحظه في الصور المنسوبة إلى هذه المدرسة أن الرجال المرسومين فيها يلبسون غطاء رأس مكون من قلنسوة مرتفعة ومضلعة وتحيط العمامة بجزئها الأسفل. كما امتازت هذه المدرسة بالميل إلى الصور المستقلة التي تجمع في «مرقعات» خاصة، وبنقش هوامش المخطوطات بشتى الزخارف، باللونين الذهبي والفضي على أرضية مختلفة الألوان. (9) المدرسة الصفوية الأولى
أما المدرسة الصفوية فقد قامت على أكتاف بهزاد وتلاميذه وأعوانه، وكان أعظم من شملها برعايته هو الشاه طهماسب، الذي ظل يحكم إيران بين عامي 930 و984 بعد الهجرة (1524-1576م) بعد أن قضى أبوه الشاه إسماعيل حكمه في حروب وطد بها دعائم الحكم للأسرة الصفوية، ولم تترك له الفراغ الكافي لتعهد المجمع الذي أنشأه لفنون الكتاب وعقد إدارته لبهزاد.
وارتفعت مكانة الفنانين في عصر الدولة الصفوية، واتخذ السلطان من بين المصورين أصدقاءه وندماءه؛ بل كان الشاه طهماسب نفسه يطمع في أن يصبح مصورا ماهرا، تعلم الفن عن المصور المشهور سلطان محمد، وكان كذلك صديقا لبهزاد وتلميذه أقا ميرك.
ولا غرابة في أن يرتفع شأن رجال الفن في حكم الدولة الصفوية؛ فإنها أول دولة إيرانية وطنية منذ العصر الساساني؛ فطبيعي أنها فكرت في أن تعيد إلى إيران مجدها الفني القديم، وبدأت برجال الفن؛ فكان نصيبهم وافرا من تشجيعها وإكرامها؛ ومن ثم فإن بين مخطوطات العصر الصفوي عددا كبيرا محلى بالصور التي يمثل أكثرها أبهة هذا العصر وحياة البلاط والأمراء فيه، وما يتبع ذلك من حدائق غناء وعمائر ضخمة جميلة وملابس فاخرة ومجالس طرب وشراب. كل ذلك في رسم دقيق وألوان زاهية في هدوء ومتنوعة في انسجام، يتوج ذلك مهارة في تأليف الصورة، وتوزيع الأشخاص فيها، ومراعاة النسب بين أجزائها المختلفة. •••
ومهما يكن من الأمر - فإن بهزاد - حين عين سنة 928ه/1522م مديرا لمعهد فنون الكتاب في تبريز، كان قد بلغ ذروة مجده، ولم يتطور أسلوبه الفني بعد ذلك؛ فالفرق بسيط بين آثاره الفنية في هراة وآثاره الفنية في تبريز. أما تلاميذه الذين قدموا معه من هراة، فقد تأثروا بالبيئة الصفوية الجديدة في تبريز، وأصبحوا دعامة المدرسة الصفوية التي قامت فيها؛ وهي المدرسة الصفوية الأولى.
وتمتاز الصور في هذه المدرسة بلباس الرأس المكون من عمامة ترتفع باستدارة، وتبرز من أعلاها عصا صغيرة حمراء، ولكن هذه الميزة ليست عامة؛ لأن وجود تلك العمامة في صورة من الصور يدل على أنها ترجع إلى عصر الأسرة الصفوية الأولى؛ أي قبل وفاة الشاه طهماسب، بينما وجود غيرها أو عدم وجودها لا يفيد مطلقا أن الصورة لا يمكن نسبتها إلى هذا العصر. ويلوح لنا أن هذه العمامة كانت في أول الأمر شعار أفراد الأسرة الصفوية وأتباعهم، وكان المصورون يرسمون العصا الصغيرة باللون الأحمر، ثم ضعف شأن هذه العمامة وبدأ القوم يغيرون لون العصا، ثم أصبح وجودها نادرا في الصور الصفوية التي صنعت بعد وفاة الشاه طهماسب سنة 984ه/1576م.
وقد كان لقيام الدولة الصفوية أثر كبير في توحيد الأساليب الفنية، بعد أن حققت هذه الدولة الوحدة السياسية في البلاد الإيرانية؛ فلا غرو أن أصبحت منتجات مصوري البلاط في تبريز وقزوين أنموذجا ينسج على منواله النابهون من المصورين في سائر العاهلية الصفوية.
ومن أعلام المصورين في هذه المدرسة شيخ زاده وخواجة عبد العزيز وأقا ميرك وسلطان محمد ومظفر علي ومير سيد علي ومحمدي وسيد مير نقاش وشاه محمد ودوست محمد.
أما شيخ زاده فقد كان خراساني الأصل، وكان تلميذا لبهزاد، وانتقل معه إلى تبريز كما يظهر من صورة عليها إمضاؤه، وهي في مخطوط من أشعار حافظ، كتب لسام ميرزا، الأخ الأصغر للشاه طهماسب ، ومحفوظ الآن في مجموعة كارتييه
Cartier
وتمثل هذه الصورة مجلس وعظ،
52
ويبدو في رسم الأشخاص وتصوير ما أحدثه بعض المستمعين من شغب، إما لفرط التأثر والإعجاب بما قاله الواعظ وإما لسبب آخر، نقول، يبدو من ذلك - ومن رسم العمائر والجدران والأبواب ذات الزخارف الدقيقة - أن الفنان مشبع جدا بالأساليب الفنية التي نعرفها في بهزاد وتلاميذه.
ويميل الأستاذ الدكتور كونل
Kuhnel
إلى أن ينسب إلى شيخ زاده نحو أربع عشرة صورة من خمس عشرة موجودة في مخطوط جميل من المنظومات الخمسة لنظامي، كتبه سنة 931ه/1525م الخطاط الكبير سلطان محمد نور، ومحفوظ الآن في المتحف المتروبوليتان بنيويورك. وهذه الصور آية في الجمال بألوانها البديعة وزخارفها الدقيقة ورسومها الغنية. وقد نسبها مارتن
Martin
إلى أقا ميرك، ونسبها ساكسيان
Sakisian
إلى محمود مذهب.
53
ومن تلاميذ بهزاد المصور خواجه عبد العزيز ، والمعروف أنه قدم من أصفهان وأن الشاه طهماسب درس عليه فن التصوير،
54
ومن الآثار الفنية التي خلفها هذا المصور صورة أمير صفوي، محفوظة الآن في إحدى المرقعات بمكتبة طوب قابوسراي بإستانبول وعليها إمضاؤه، وقد أضاف إلى اسمه أنه تلميذ الأستاذ بهزاد.
ونبغ من تلاميذ بهزاد المصور العظيم آقاميرك. وقد نشأ في أصفهان، ثم هاجر منها واتصل ببهزاد. وأتيح له أن يحظى بصداقة الشاه طهماسب. وقيل: إنه ظل يعمل في بلاطه حتى سنة 957ه/1550م. وثمة خمس صور عليها إمضاؤه، وهي في مخطوط من المنظومات «الخمسة» للشاعر نظامي، كتب في تبريز بين عامي 946 و949ه/1539-1543م للشاه طهماسب بيد الخطاط المشهور شاه محمود النيسابوري، ويفخر اليوم بحيازته المتحف البريطاني بلندن، وتمثل إحدى هذه الصور تتويج خسرو
55
ونرى في صورة أخرى خسرو وشيرين على العرش، وفي ثالثة مجنون ليلى بين الوحوش في الصحراء، أما الرابعة فتمثل قصة كسرى أنوشروان يصغي للبومتين اللتين تتحدثان على أنقاض قصر حل به الخراب؛ لأن صاحبه كان ظالما (انظر شكل
47 )، وتمثل الخامسة رجوع شابور إلى فسطاط خسرو. وتدل هذه الصور - بما فيها من عمائر وزهور وأشجار - على تأثر آقاميرك بأستاذه بهزاد، ولكننا نلاحظ فيها - فضلا عن ذلك - تفوق ميرك في تزيين الملابس بالزخارف المختلفة، وقصوره عما وصل إليه أستاذه في تنويع السحنة في الأشخاص، وإكسابها بعض الحياة والتعبير والحركة.
ومن أعلام المصورين في العصر الصفوي سلطان محمد، وقد قيل: إنه كان أستاذا للشاه طهماسب في فن التصوير، ولعله خلف بهزاد في إدارة مجمع الفنون الملكي، وأكبر الظن أن نشاط هذا المجمع لم يعد مقصورا على فنون الكتاب، بل امتد أيضا إلى صناعة الخزف ونسج الحرير والسجاد.
ومهما يكن من الأمر فإننا نجد إمضاء سلطان محمد على صورتين في مخطوط نظامي سالف الذكر، إحداها تمثل بهرام جور يصيد الأسد، والثانية تمثل خسرو يفجأ شيرين تستحم،
56
وتمتازان بدقة الزخارف على الملابس وبإبداع الألوان وإتقان رسوم الحيوان، وبالأشخاص ذوي الوجوه الجميلة التي تخلو من أي تعبير قوي. وصفوة القول أن أسلوب سلطان محمد يشبه أسلوب آقاميرك إلى درجة لا يمكن تفسيرها بأن كليهما كان تلميذا لبهزاد فحسب؛ بل قد تحملنا على القول بأنهما تعاونا في العمل تعاونا وثيقا، ولم تكن لكل منهما ذاتية فنية مستقلة عن الآخر إلى حد كبير.
ولا يفوتنا أن مخطوط نظامي الذي اشترك في تصويره أعلام المدرسة الصفوية صورة غير ممضاة، ولسنا ندري لأي الفنانين يمكننا نسبتها، تلك هي صورة السلطان سنجر والعجوز التي تقدمت إليه تشكو من أن أحدا من جنوده سرق مالا لها.
57
وهذه قصة مشهورة صورها كثير من المصورين الإيرانيين، وقد كان سنجر آخر ملوك دولة السلاجقة في أيام مجدها وقبل أن تقوم على أنقاضها دويلات سلجوقية صغيرة الشأن في القرن السادس الهجري (منتصف الثاني عشر الميلادي). ويحكى عنه أن عجوزا اعترضت موكبه شاكية أحد جنوده؛ فغضب وقال لها ما معناه: كيف حدثتك نفسك بمضايقتي بشكواك التافهة؟! ألا ترين أني خارج لأفتح بلادا وأعاقب أمما بأجمعها؟! فأجابته قائلة: «وأي فائدة تجني من الانطلاق لقهر الأمم الأجنبية إذا كنت غير قادر على حفظ النظام بين جنودك؟!»
وفي اعتقادنا أن هذه الصورة ذات الثروة الزخرفية العظيمة، من الآثار الفنية التي يمكن نسبتها إلى سلطان محمد أو إلى آقاميرك في آخر حياته.
58
ومن أبدع الصور التي رسمها سلطان محمد اثنتان في مخطوط من أشعار حافظ في مجموعة كارتييه
Cartier
إحداهما تمثل أميرا صفويا بين أتباعه وغلمانه في «كشك» في حديقة، وقد جلسوا حوله حلقة يزيدها بهاء الألوان نضارة. أما الصورة الثانية فتمثل منظر شراب، وتبدو فيها مهارة الفنان ودعابته وتوفيقه في تصوير الحركة؛ فإن المنظر كله يكاد يكون كاريكاتوريا: تدار كئوس الخمر؛ فيتناولها فريق، بينما نرى آخرين يترنحون من السكر، ويتدحرج بعضهم على الأرض، وفي الطابق العلوي شيخ ينظر في مرآة في يده، ويشترك الملائكة في الشراب من شرفة تطل على الباقين، بينما يطرب الجميع موسيقيون، بينهم شيخ وغلامان وثلاثة أشخاص آخرين في هيئة كاريكاتورية تجعلهم أقرب إلى القردة منهم إلى الآدميين. وفي طرف الصورة حديقة ذات سياج خشبي، وقف بجواره رجل يقبض على إبريق من الخمر يتدلى في حبل طويل، أمسك به رجل في شرفة تطل على الحديقة.
59
وثمة صورة أخرى يرجح أنها من رسم سلطان محمد، ولا عجب فإنها تكاد تكون أبدع ما صوره الفنانون في عصر الأسرة الصفوية. وهي من الصور التي لا إمضاء عليها في مخطوط نظامي الذي كتب للشاه طهماسب، والمحفوظ في المتحف البريطاني. وتمثل هذه الصورة قصة المعراج،
60
وقد كانت أحب قصص السيرة النبوية إلى الإيرانيين؛ فرسموها في عدد كبير من الصور والمخطوطات. ولكننا لا نعرف صورة لهذه القصة أصاب فيها الفنان حظا من التوفيق والسمو أوفر من صورة المعراج في مخطوط نظامي (انظر شكل
46 )، فإن المرء يؤخذ لأول وهلة بإبداع ألوانها وجلال مظهرها، ويرى فيها السماء بسحبها البيضاء، والنبي - عليه السلام - راكبا فرسه «البراق» ذات الوجه الآدمي، وفي يمين الصورة بالجزء السفلي نرى الأرض التي تركها النبي وحولها غلاف أبيض كروي، وأمام النبي سيدنا جبريل يقود الركب في السموات، وبين الرسول وسيدنا جبريل ملك مجنح يحمل مبخرة معلقة في عصاة ويخرج منها لهب ذهبي، وعلى يسار النبي
صلى الله عليه وسلم
ملك آخر يحمل صحنا فيه بخور يحترق، وفي الصورة ملائكة آخرون يحمل بعضهم أطباقا من الجواهر والفواكه وفي يد أحدهم تاج ثمين. وصفوة القول أن في الصورة خيالا واسعا وحركة وحياة تجعلها من أبدع آيات التصوير الإيراني. كما أننا نلاحظ في رسم النبي عليه السلام ما اتبعه الفنانون الإيرانيون في معظم الأحيان من إخفاء سحنة الرسل.
وفي مجموعة البارون موريس دي روتشيلد مخطوط من شاهنامه تاريخه سنة 944ه/1537م، وفيه 256 صورة كبيرة يظهر في رسمها أسلوب أعلام المصورين في المدرسة الصفوية، ولا سيما سلطان محمد. وأكبر الظن أنها من عمل تلاميذهم، ولكنها عظيمة الشأن؛ لأنها كثيرة العدد، وتجمع المميزات الفنية في المدرسة الصفوية مع شتى الموضوعات التي عرض لها المصورون من قصص الشاهنامه.
ومن المصورين الذين نسجوا على منوال سلطان محمد مصوران آخران هما شاه محمد الأصفهاني ومير نقاش. وأكبر الظن أن الأخير خلفه في إدارة مجمع الفنون. وقد امتاز هذا المصوران برسم شبان الطبقة الأرستقراطية في أوضاع أنيقة وأساليب متكلفة؛ كما يظهر في صورة محفوظة في متحف الفنون الجميلة بمدينة بوستن، وتمثل أميرا صفويا في يده زهرة
61
وعليها إمضاء شاه محمد، وكما يظهر في صورة أخرى من النوع نفسه محفوظة الآن في المتحف البريطاني، وتنسب إلى المصور مير نقاش.
أما مظفر علي فقد كان من تلاميذ بهزاد، واشترك في تصوير مخطوط نظامي الذي كتب للشاه طهماسب والمحفوظ في المتحف البريطاني، كما اشترك فيه أيضا المصوران ميرزا علي التبريزي ومير سيد علي. وامتاز الأخير بجمعه عدة مناظر، بعضها فوق بعض، في الصورة الواحدة، وبعنايته بتسجيل حياة المدن والريف في صوره. ويبدو ذلك في الصورة التي رسمها في المخطوط سالف الذكر، وهي تمثل عجوزا تقود «المجنون» أسيرا إلى خيمة ليلى،
62
وقد خرج المصور على التقاليد الموروثة؛ فصور ربع ليلى وما يجري فيه من الأعمال اليومية، وما أثاره قدوم «المجنون» من العداء والفضول؛ فليلى جالسة في خيمتها والعجوز على مقربة منها، ومعها المحب المتيم يرسف في قيوده، والصبية يقذفونه بالأحجار. وفي الصورة خيام أخرى انصرف من فيها من النساء إلى أعمالهن المنزلية، وثمة سيدة تجلب ماء من القناة، وأخرى تحلب شاة، وبجوارها راعيان يحرسان قطيعا من الغنم، وفي يد أحدهما مغزل بينما الثاني يعزف في مزمار.
ولم يكن نشاط هذا الفنان مقصورا على إيران فحسب، بل لقد ذهب إلى الهند وكان له فيها شأن عظيم؛ وذلك أن الإمبراطور الهندي المغولي همايون فقد عرشه سنة 951ه/1544م وفر إلى بلاد الشاه طهماسب؛ حيث أتيح له أن يلقى مير سيد علي؛ فأعجب به إعجابا شديدا وألح عليه في مرافقته إلى كابل، ثم إلى دهلي؛ حيث عهد إليه بإدارة العمل لإنتاج 2400 صورة كبيرة لقصة الأمير حمزة. وقد اشتغل في هذا العمل عشرات المصورين، وظلوا يعملون عدة سنين،
63
ولكن إدارته انتقلت منذ سنة 956ه/1549م إلى مصور إيراني آخر: هو عبد الصمد الشيرازي. وأكبر الظن أن هذا الفنان الأخير لم يصب ما ناله من الشهرة إلا بفضل عمله الفني في الهند؛ فقد رحل إليها شابا، وارتقى فيها درجات المجد حتى اختاره الإمبراطور «أكبر» أستاذا له. وكان تأثيره الفني في تصوير قصة الأمير حمزة أعظم من تأثير سلفه مير سيد علي، بل إنه لم يلبث أن تأثر بالبيئة الهندية، وأصبحت صوره هندية إلى حد كبير. والواقع أن لدينا نماذج من آثاره الفنية نستطيع بوساطتها أن نتبع تطوره الفني، وأن نشهد انفصاله التدريجي عن الأساليب الفنية في المدرسة الصفوية بتبريز؛ حيث نشأ وبدأ حياته الفنية.
وممن أنجبتهم هذه المدرسة مصورون أتيح لهم أن يرحلوا إلى تركيا، وعلى رأسهم كمال التبريزي الذي كان تلميذا لميرزا علي، وشاه قولي الذي كانت له حظوة كبيرة في بلاط السلطان سليمان القانوني، وولي جان الذي عرف بميله إلى تصوير الدراويش والشبان والشابات بالملابس التركية.
وتألق نجم فنان كبير في نهاية المدرسة الصفوية الأولى، وهو المصور محمدي الذي درس التصوير على والده سلطان محمد، وامتاز بالتفوق في رسم المناظر الريفية، والعناية بتسجيل الحياة اليومية. وكانت حياته الفنية طويلة؛ فإننا نرى إمضاءه على صورة أمير صفوي مؤرخة في تبريز سنة 934ه/1528م، ومحفوظة الآن في مرقعة (ألبوم) بهرام ميرزا في إستانبول، كما نرى صورة أخرى في المرقعة نفسها عليها إمضاؤه في هراة سنة 922ه/1584م.
ولعل أبدع آثاره الفنية رسم محفوظ في متحف اللوفر (انظر شكل
48 ) يرجع إلى سنة 986ه/1578م، وفيه بعض مناظر خلابة من حياة الريف ومضارب القبائل الرحل؛ فثمة فلاح يحرث الأرض وآخر جالس تحت شجرة عليها طيور، وعلى مقربة منها راع يحرس قطيعا من الغنم ويعزف على مزمار في يده وإلى يمينه كلبه، كما نرى خيمتين فيهما نساء يغزلن وينسجن، وخلف الخيمتين رجل يجلب ماء في قدر.
64
وفي المكتبة الأهلية بباريس رسم بريشة محمدي يمثل بعض الأساتذة والطلاب في رحلة إلى منطقة جبلية. وفي مجموعة فيليب هوفر
رسم يشبه هذا الرسم كل الشبه.
65
وقد رسم محمدي صورته، وهي محفوظة الآن في متحف الفنون الجميلة بمدينة بوستن،
66
وهي تمثله وهو حوالي الخمسين من عمره، وعليها «عمل محمدي صورت محمدي». وفي نفس المتحف صورة بريشته تمثل حبيبين لهما قد رشيق ينبئ بما سنعرفه من رسوم المدرسة الصفوية الثانية. وقد أصاب الفنان في هذا الرسم أبعد حدود التوفيق في التعبير عن دلال الحبيبة ومقاومتها المصطنعة.
67
وثمة رسوم أخرى محفوظة أيضا في متحف الفنون الجميلة بمدينة بوستن، وفي مكتبة المجمع بمدينة لينينجراد، وفي المتحف الأهلي بطهران، ويمكن نسبتها إلى هذا المصور.
ولا يفوتنا أن نذكر أن معظم رسوم محمدي لم تكن ملونة كلها، بل كان فيها قليل من اللون الأحمر أو الأخضر في الصخور والحيوانات. (10) المدرسة الصفوية الثانية
وكانت هناك مدرسة صفوية ثانية في عصر الشاه عباس وخلفائه، وهي مدرسة رضا عباسي، وكان مقرها أصفهان. وقد ظل الشاه عباس الأكبر يحكم إيران زهاء اثنين وأربعين عاما (985-1038ه؛ أي 1587-1629م). وكان حاكما عظيما؛ فبقي اسمه في تاريخ إيران رمزا للمجد والعظمة؛ ولكن الحقيقة أن لعصره شهرة في الفنون لا يستحقها كلها؛ فقد كان عصر تأخر بطيء سقط بفن التصوير إلى الهاوية.
وامتازت الآثار الفنية في ذلك العصر بتنوعها؛ إذ كان انتقال العاصمة إلى أصفهان سببا في قربها من المحيط، ونمو علاقات إيران مع الهند والبلاد الغربية؛ فوفدت البعثات والسفارات، وأقبل السائحون والتجار إلى إيران، وعني الفنانون بالنقش على الجدران نفسها، وبرسم الصور المستقلة الكبيرة لتزيين الجدران بها. وفي مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم نخبة طيبة من هذه الصور الكبيرة يظهر فيها تأثر المصورين بأساليب الفنون الغربية من قوانين المنظور وهدوء الألوان وتدرجها (انظر الأشكال
52
و
53
و
54 ).
ومما شاع في ذلك العصر أيضا رسم الصور بدون ألوان أو بألوان بسيطة جدا. والظاهر أن الأمراء ورجال البلاط انصرفوا عن المخطوطات المصورة بعض الانصراف؛ فلم يجد المصورون من يعوضهم عن العمل فيها؛ ولذا فقد ندرت المخطوطات المصورة الثمينة في هذه المدرسة، بينما زاد عدد الصور غير المتقنة التي كانت تصنع لعامة الهواة - أي للسوق - والتي لم يكن إخراجها يتطلب نفقة باهظة.
على أن بعض الصور غير الملونة كان آية في الدقة وإتقان الخطوط، وكانت ترسم في ثقة وبراعة، رسما لم يكن يخلو أحيانا من قوة التعبير أو روح التهكم والسخرية.
والواقع أن الشاه عباس كان يعنى بتشديد العمائر وتزيين جدرانها بالصور الكبيرة من الطراز الإيراني أو بصور أوروبية مما كان يحمله التجار والمبشرون إلى إيران. أما في تصوير المخطوطات فقد جمد المصورون ووقفوا عند تقليد الصور المرسومة في المخطوطات القديمة تقليدا لم يصيبوا فيه حظا كبيرا من التوفيق.
وطرأ على تصوير الأشخاص تطور كبير في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي)؛ فقل عدد المرسومين ولم تعد الصورة تجمع عددا كبيرا منهم؛ بل أصبح المصور يكتفي في رسمه بشخص أو شخصين بقد أهيف، وفي وضع متكلف، وأنوثة تجعل من الصعب التفريق بين صور الفتيان والفتيات. وينسب هذا الطراز في التصوير إلى زعيم المصورين في ذلك العصر، وهو رضا عباسي، الذي قامت حول اسمه مناظرات ومساجلات بين علماء الآثار،
68
وأصبح جلهم يعتقدون بوجود مصورين اثنين بين اسميهما شبه كبير وهما آقا رضا ورضا عباسي. والواقع أن اسم «رضا» كان كثير الذيوع في ذلك العصر.
وأكبر الظن أن الأول أقدم عهدا من الثاني وأقل شهرة منه، ولعله بدأ إنتاجه في بلاط الشاه طهماسب، وظل يعمل حتى نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر) فكان بذلك معاصرا للشاه عباس الأكبر، ولكن الأرجح أنه هروي الأصل وأنه اتصل بالإمبراطور الهندي المغولي جهانجير. ومن آثاره الفنية المعروفة صورة منظر في البلاط محفوظة في متحف قصر جلستان بطهران، وصور أخرى في مخطوط من «أنوار سهيلي» كتب في الهند سنة 1019ه/1610م ومحفوظ الآن في المتحف البريطاني.
69
ومهما يكن من الأمر فإن أسلوبه في الرسم إيراني يذكر بالمدرسة الصفوية الأولى، ولكن ألوانه عليها مسحة هندية ظاهرة.
أما رضا عباسي فإن إمضاءه على كثير من الرسوم المؤرخة تحملنا على الاعتقاد بأن مدة إنتاجه الخصب كانت بين سنتي 1028 و1049 بعد الهجرة (1618 و1639م).
والواقع أن رسوما كثيرة عليها إمضاؤه ولسنا نجزم بصحة نسبتها كلها. وقد كتب الدكتور كونل
Kühnel
بيانا بنحو سبع عشرة صورة يثق بأنها من عمل هذا الفنان،
70
ويتراوح تاريخها بين عامي 1028ه (1718م) و1044ه (1634م)، وأعظمها شأنا صورة في متحف قصر جلستان تمثل مجنون ليلى في الصحراء،
71
وأخرى في المكتبة الأهلية بباريس، وتمثل درويشا يستريح،
72
وثالثة فيها رسم حبيبين، ومحفوظة الآن في مجموعة الدكتور زره
Sarre
في برلين.
73
ورابعة تمثل الدرويش عبد المطلب، وهي الآن في مكتبة المجمع في مدينة لينينجراد،
74
وخامسة تمثل الشاه صفي الدين والطبيب محمد شمسة ومعهما فرس الشاه وغلامان، وهي محفوظة الآن بمكتبة الدولة في لينينجراد.
75
وثمة رسوم أخرى غير مؤرخة، ولكن عليها إمضاؤه: «رقم كمينه رضاي عباسي» أي «رسمه الحقير رضا عباسي». ومن المرجح أن معظمها من رسمه أيضا بالرغم من أن نص عبارة الإمضاء في بعضها يختلف عنه في البعض الآخر. ومن أبدع هذه الصور واحدة في مجموعة كارتييه تمثل منظرا طبيعيا وثلاثة صيادين، ويتجلى فيها الإبداع في التأليف التصويري، وفي إتقان تصوير الطبيعة على النحو الذي نعرفه عند المصورين في الشرق الأقصى (انظر شكل
49 ).
وقد كان رضا عباسي قليل الإنتاج في شبابه، يقبل على الرسوم التخطيطية والتوضيحية ولا يعنى بالصور في المخطوطات، ثم دخل في خدمة البلاط في بداية القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) فأضاف إلى اسمه «رضا» نسبة إلى الشاه؛ فأصبح «رضا عباسي»، وزاد إنتاجه وحسنت سيرته، وأصبح له تأثير عظيم في الحياة الفنية بأصفهان، ودرس عليه تلاميذ كثيرون تألفت منهم المدرسة الصفوية الثانية.
ومن المصورين الذين ذاع صيتهم في هذه المدرسة الفنية معين المصور وحيدر نقاش ومحمد قاسم التبريزي ومحمد يوسف ومحمد علي التبريزي. وينسب إلى رضا عباسي وإلى هؤلاء المصورين عدد كبير من الصور بعضها أقل من المتوسط في الجودة والإتقان، ويمتاز أكثرها بما أشرنا إليه من قدود ممشوقة وأوضاع متكلفة. وكان معين المصور أقربهم إلى قلب رضا عباسي، وقد رسم صورتين لأستاذه
76
وهما - فيما نعلم - اثنتان من ست صور وصلتنا لأربعة من رجال الفن. أما الصورة الثالثة فترجع إلى عصر المدرسة الصفوية الأولى، وتمثل الأستاذ بهزاد، وهي محفوظة الآن في مكتبة يلدز بإستانبول. والرابعة صورة محمدي من عمل المصور نفسه، وهي الآن في متحف الفنون الجميلة بمدينة بوستن. والخامسة صورة معين نفسه، وقد رسمها سنة 1083ه/1672م، وهي محفوظة الآن في المكتبة الأهلية بباريس. وفضلا عن ذلك فإن المصور محمد شفيع رسم صورة محفوظة الآن في مجموعة الدكتور زرة
Sarre
ويرجح أنها صورة والده رضا عباسي.
ومهما يكن من شيء فإن معينا المصور نسج على منوال أستاذه رضا، ولكنه لم يلحقه في دقة الرسم وإتقانه. وقد خلف عددا من الرسوم والصور، ولعل أطرفها ست صور كبيرة في مخطوط من الشاهنامه في مجموعة شستر بيتي
Chester Beatty
77 (انظر شكل
51 ).
وقد نبغ من تلاميذ رضا عباسي ومعين مصورون آخرون؛ مثل مير أفضل توني وحبيب الله المشهدي وملك حسين الأصفهاني ومحمد يوسف الحسيني وشاه قاسم ومحمد قاسم
78
ومحمد علي.
أما الشاه عباس الثاني الذي حكم إيران بين عامي 1052 و1077 بعد الهجرة (1642-1667م) فقد كان شديد الإعجاب بالغرب وفنونه؛ فأرسل المصور محمد زمان ليدرس التصوير في روما. وقيل إن هذا المصور اعتنق المسيحية، ثم سافر إلى الهند ولم يرجع إلى إيران إلا سنة 1087ه/1676م. ومهما يكن شيء، فقد تأثر هذا الفنان بالأساليب الفنية الأوروبية، ولا سيما في مراعاة قواعد المنظور، وفي الصور الدينية؛ كرسم الأسرة المقدسة والملائكة والقديسين وما إلى ذلك من المناظر الدينية المسيحية.
79
على أنه لم يفقد روحه الإيرانية تماما. وقد رسم هذا الفنان سنة 1086ه/1675م ثلاث صور في مخطوط نظامي الذي كتب للشاه طهماسب، والذي اشترك في تصويره أولا أعلام المصورين في المدرسة الصفوية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل زاد تأثر المصورين الإيرانيين عامة بأساليب الفنون الغربية، وتخلوا عن كثير من الأساليب الإيرانية في التصوير؛ فكان هذا فاتحة اضمحلال التصوير الإيراني؛ كما تدل على ذلك الصور الزيتية الكبيرة التي ذاع رسمها في عصر فتح علي شاه بين عامي 1211 و1250 بعد الهجرة وفي القرن الماضي؛ فإن صناعتها أوروبية أكثر منها إيرانية. (11) مميزات الصور الإيرانية
بقي علينا بعد ما سردناه من تاريخ مدارس التصوير في إيران أن نستنبط من الصور الإيرانية عامة بعض الملاحظات التي تلفت نظر الأخصائيين من مؤرخي الفنون الجميلة وغيرهم من رجال الفن.
ولعل أبين ما نلاحظه في الصور الإيرانية أن قوانين المنظور غير محترمة، وأن الصورة مكونة في مستوى واحد، وأن الفنان لا يعنى برسم أجزاء الجسم رسما يحترم فيه الطبيعة وعلم التشريح، ولا يكترث بتوزيع الضوء وبيان الظل، وإنما يفرط في توزيع الألوان التي تكسب الصورة حياة أخرى وبريقا بديعا وألوانا سحرية عجيبة.
ولا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نعتبر هذه الصفات عيوبا؛ فالواقع أنها جزء لا يتجزأ من الصور الإيرانية، وهي التي تميزها عن غيرها، وتجعل لها سحرها الخاص؛ ولذا فإننا - إذا أردنا أن نفهم الصور الإيرانية وأن نتذوقها - وجب علينا أن نعرف هذه الأصول والصفات، وأن نبتعد عن موازنة الصور الإيرانية بالصور الغربية. ولسنا نجهل أن ما عنيت به الفنون الكلاسيكية من الدقة في تصوير الطبيعة وأجزاء الجسم الإنساني ليس كل شيء في الفن، وإلا لأصبح التصوير الشمسي «الفتوغرافيا» أرقى الفنون وأدقها، وغدت جل نزعات الفنون الحديثة انحطاطا لا شك فيه.
بل إننا نستطيع أن نقرر في هدوء واطمئنان أن هذا العالم المجرد الذي تخلقه الصور الإيرانية ليس خرقا لحرمة الطبيعة كما يبدو لأول وهله، بل هو طبيعة ثانية، فيها ما فيها من ظرف وخيال ونضارة.
أجل إن إهمال قوانين المنظور وجهل الأساليب الغربية في توزيع الضوء والظل يجعلان الصور لا تبدو مجسمة كما نعرف في الفنون الكلاسيكية، والفنان الإيراني لا يعنى بتأثير الضوء ولكنه مأخوذ بعظمته؛ فنرى الضوء يسطع على كل شيء في الصورة الإيرانية بدون اختلاف أو تدرج أو توزيع، كما أن جل المناظر في الصور الإيرانية هادئة بل جامدة ولا حركة فيها؛ مما يكسبها شيئا من البساطة والسذاجة لا يتعارض مع ما نحسه فيها من الأرستقراطية والامتياز، ولكن علينا ألا ننسى أن تلك الصور زخرفية قبل كل شيء، وتوضيحية على الرغم من أننا قد نجد بها في بعض الأحيان شيئا من روح المزاح والتهكم.
وكان المصور الإيراني لا يكترث بظواهر الأشياء، وخير دليل على هذا مثال ضربه الأستاذ بنيون
Laurence Binyon ، وهو منظر رجل ينتشلونه ليلا من جب عميق كان مسجونا فيه؛
80
فالمصور الإيراني الذي يرسم هذا المنظر لا يفوته رسم النجوم لبيان جمال الليل، ولكنه يرسم كل ما عداها في وضح النهار، ولا يفوته أن يزيل جزءا من الأرض حتى نرى الرجل في الجب كما نرى الذين ينقذونه،
81
وهو في ذلك كله لا يتقيد بما يعرفه الغرب من أصول الرسم وقواعده.
ولعل تلك الطبيعة الزخرفية هي التي حببت إلى الفنانين الإيرانيين رسم الأشخاص ذوي الوجوه الاصطلاحية التي لا يتأثر بها المشاهد فلا يشغله عن الجانب الزخرفي في الصورة شاغل، ومع ذلك فإن الإيرانيين لم يعجزوا - حين أرادوا - عن رسم الصور الشخصية لأفراد معينين، كما لم يفتهم في بعض الأحيان التعبير عن الحالات النفسية المختلفة، بل إنهم استطاعوا رسم المناظر الطبيعية لذاتها؛ كما يظهر من صور عثر عليها الأستاذ أقا أوغلو
Aga Oglu
في إستانبول وليس فيها صور أشخاص أو حيوانات قط، بل تمثل كلها مناظر طبيعية جميلة.
82
أجل، إن تصوير المناظر الطبيعية لم يكن عندهم فرعا مستقلا من فروع التصوير، ولم تكن له المكانة التي وصل إليها عند الغربيين والصينيين، ولكنهم عرفوه ولم ينصرفوا عنه لعجز؛ وإنما لأنه لم يوافق طبيعتهم الفنية واعتقادهم أن الإنسان هو المحور الذي تدور حوله هذه الحياة؛ فالفنان الإيراني يأخذ من الطبيعة ما يريد، ولكنه لا يتقيد بها، وهو لا يتبع أسلوب الفنانين التأثريين
impressionists
فيرسم «الأثر» الذي تجمعه العين والعقل من الأصل الذي يراد تصويره، ويرسم المنظر كما يتذكره؛ فيصور ما يلفت النظر ويسترعي الانتباه فيه، ولا يعنى بالتفاصيل عناية خاصة، وإنما يقربه إلى العين فلا يعبأ بالبعد، وله بعد ذلك أساليبه الخاصة في إظهار دقة الشكل وجماله.
أما الألوان في الصور الإيرانية فلا تتدرج ولا تختلط ولا تتجمع حول مركز مشترك، ولكن فيها من التباين والتنافر والشذوذ ما لا يحتمله التصوير في الفنون الأخرى. والواقع أن الصور الإيرانية لم تبلغ غايتها في دقة الألوان ونضارتها إلا على يد المدرسة التيمورية والمدرسة الصفوية في القرنين التاسع والعاشر بعد الهجرة (الخامس عشر والسادس عشر بعد الميلاد). وقد وفق المصورون حينئذ إلى التخفيف من الشذوذ والتنافر بتصغير المساحات الملونة وتكرارها؛ مما يجعلنا نجد الألوان غير المتقاربة تتجاور في هدوء وبهاء، ولا يخفف من حدتها إلا وضعها في أشكال هندسية صغيرة أو وحدات موزعة في أسطح كبيرة ذات ألوان أخرى.
وحسبك أن تمعن النظر في إحدى الصور الإيرانية الجميلة من مدرسة هراة أو المدرسة الصفوية؛ لتعجب بلون الزهور البيضاء والصحاري السمراء والسماء الذهبية والملابس المختلفة الألوان مما يؤلف مجموعة من الألحان الموسيقية العذبة.
ولا يفوتنا أن نلاحظ أن الصور الإيرانية قبل مدرسة هراة كانت غير شخصية، وأن الفنانين لم يكتبوا إمضاءاتهم عليها إلا نادرا جدا، وأن أول الفنانين الذين ظهرت شخصيتهم ظهورا بينا هو المصور بهزاد، الذي رفع مكانة المصورين، وجعلهم يفخرون بآثارهم الفنية.
وصفوة القول أن الصور الإيرانية لها تقاليد فنية اصطلاحية تشبه في بعض الوجوه الصور الهندية والصينية واليابانية، ولكن لها فضلا عن ذلك ذاتية قوية وسحرا خاصا؛ فرسم الصخور كأنها المرجان، والتعبير باللون الذهبي عن الصحاري تحف بها خضرة الأشجار وألوان الزهور والعمائر، كل هذا عنصر هام في الصور الإيرانية يكسبها ما لها من طابع خاص.
وقد يعاب على المصور الإيراني ما سنعرض له في نهاية هذا الكتاب حين نذكر أن الفنانين المسلمين عامة يتبعون تقاليد فنية موروثة، ولا يحيدون عنها إلا بقدر ما يختلف أحدهم عن الآخر في إتقانها؛ فالمصور الإيراني فنان يعمل - في معظم الأحيان - بيده أكثر مما يعمل بعقله، وأكثر الفنانين المسلمين لا يختلفون عنه في هذا الشأن؛ ولذلك قيل عنهم في بعض الأحيان إنهم صناع فحسب.
ومعظم الصور الإيرانية توضيحية، ولكنها لا تختلف في ذلك عن كثير من الصور الغربية في العصور السابقة؛ فتلك توضح قصص الشاهنامه وكليلة ودمنة ودواوين الشعر والقصص المنظومة، وهذه توضح قصص الميثولوجيا (علم الأساطير القديمة) أو الكتاب المقدس. ولكن المصور الإيراني لم يستطع في أغلب الأحيان أن يصل إلى التعبير عن الحالة النفسية بوساطة وجوه الأشخاص في الصورة كما نعرف في الفنون الغربية.
التجليد
أكبر الظن أن جلود المخطوطات في إيران كانت تصنع حتى القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) على الطريقة المصرية الإسلامية، والمعروف أن صناعة التجليد ازدهرت عند الأقباط في مصر قبل الفتح الإسلامي، ثم تطورت على يد المسلمين تطورا بسيطا في القرون الأولى بعد الهجرة حتى اتخذت شكلا إسلاميا ظاهرا منذ القرن السابع الهجري (القرن الثالث عشر الميلادي).
وتمتاز جلود الكتب الإسلامية عامة بأن كعوبها مستوية وغير بارزة، كما تمتاز بأنها تساوي ورق الكتاب في الحجم، وبأن جانبها الأيسر ذو امتداد يعرف باسم «اللسان». ولم يستخدم المسلمون في تجليد الكتب إلا الخشب والجلد ثم الورق المضغوط والمدهون باللاكيه؛ وذلك لأن تجنب الترف والبذخ صرفهم عن استخدام الذهب والمعادن النفيسة في التجليد كما فعل أهل بيزنطة.
وقد نقلت أساليب التجليد القبطية التي ورثها المسلمون إلى سائر أنحاء الشرق الأدنى والأوسط على يد النساطرة؛ فاقتبسها المانويون مثلا في بلاد التركستان الشرقية، كما تشهد بذلك جلود الكتب التي عثر عليها فون لوكوك مدير البعثة الأثرية الألمانية التي نقبت عن الآثار في «طرفان» من أعمال أواسط آسيا، وهي جلود مخطوطات مانوية، ويمكن نسبتها إلى ما بين القرنين السادس والتاسع بعد الميلاد ، ولا تختلف كثيرا في أساليب الصناعة والزخرفة عن جلود الكتب القبطية.
1
وليس بمستغرب أن تكون هناك علاقة بين الأقباط وأتباع المذهب المانوي؛ فقد كشفت في مصر حديثا كتب مانوية مكتوبة باللغة القبطية.
وكذلك امتد نفوذ الأساليب القبطية الإسلامية في التجليد إلى إيران؛ فكانت الجلود الأولى من الخشب المغطى بالجلد والمزين بالرسوم الهندسية، ثم استخدم الورق عوضا عن الخشب واستخدمت الزخارف المكونة من الرسوم والخطوط المتشابكة.
بل إن ذلك النفوذ امتد أيضا إلى بلاد منغوليا في أواسط آسيا؛ حيث عثر في أطلال مدينة كانت عامرة في العصور الوسطى على جلد كتاب ينسب إلى القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) وعليه زخارف من إطار ذي فروع نباتية عربية، وفي وسطه جامة أو صرة من جدايل، وفي كل من الأركان الأربعة ربع جامة.
ومهما يكن من الأمر فقد استخدم الإيرانيون في التجليد طريقة الدق؛ أي الضغط، كما استخدموا أيضا التخريم والدهان والتلبيس بالقماش. وكانوا أحيانا يقطعون الجلد بالرسم المخصوص الذي يريدونه، ثم يلصقونه على القماش الملون، ويذهبون الخطوط والرسوم بعد ذلك. واستخدموا في بعض الأحيان طريقة قوامها طبقتان من الجلد تلصق إحداهما فوق الأخرى بعد أن تخرق الموضوعات الزخرفية المطلوبة في الطبقة العليا.
وقد عرف المسلمون التجليد في إيران وغيرها من الأقاليم الإسلامية في القرون الأولى بعد الهجرة، وذكر ابن النديم في كتابه الفهرست أسماء بعض المجلدين كابن أبي الحريش الذي كان يجلد في خزانة الحكمة للمأمون، ولكن أقدم ما نعرفه من جلود الكتب الإيرانية يرجع إلى نهاية القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) وإلى القرن الثامن (الرابع عشر الميلادي). أما الذي يرجع إلى القرن السابع فجزء من جلد كتاب عثر عليه الأستاذ بوب
A. U. Pope
بالمسجد الجامع في نايين، وفي وسطه زخرفة من أشكال هندسية صليبية الشكل، بينما وصلنا من القرن الثامن (الرابع عشر الميلادي) عدد قليل من الجلود محفوظة بمتحف الفنون الإسلامية والتركية في إستانبول.
2
وأعظمها شأنا جلد مصحف للسلطان الجايتو سنة 710ه/1310م وجلد مخطوط من تبريز وتاريخه سنة 735ه/1334م، وكل هذه الجلود ذات زخارف هندسية وجامات وإطار من الخطوط المتشابكة.
وقد قيل إن تيمورلنك في نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) استقدم إلى بلاطه مهرة المجلدين في مصر والشام.
3
وهكذا نرى أن الزعامة في هذه الصناعة ظلت إلى عصر تيمور معقودة لهذين البلدين.
على أن صناعة التجليد الإيرانية لم تبلغ أوج عظمتها ولم تصبح إيرانية حقا إلا في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) على يد المجلدين من مدرسة هراة. ولا غرو فقد عرفنا أن هذا العصر شهد في إيران إنتاج أفخر المخطوطات ذات الخط الجميل والزخارف المذهبة والصور البديعة والجلود الثمينة؛ وذلك بفضل النهضة الفنية في البلاد، وبفضل المجامع التي أنشأها لفنون الكتاب شاه رخ وبايسنقر، وجمعا فيها الفنانين من كل أطراف المملكة.
4
ولم تكن صناعة التجليد وقفا على هراة؛ فقد حازت فيها قصب السبق، ولكن كانت هناك مراكز أخرى في سمرقند ومرو ومشهد وبلخ ونيسابور وشيراز وتبريز.
وفي الحق أن صناع جلود الكتب في إيران أصابوا في القرن التاسع الهجري أبعد حدود التوفيق في الخروج على الأساليب الهندسية القديمة في الزخرفة؛ وابتدعوا تركيب الزخارف من المناظر الطبيعية ذات الحيوانات والطيور الحقيقية والخرافية، ووصلوا إلى الإتقان في دقة الرسم وأسلوب الصناعة وسلامة النسب.
وقد استطاع الفنانون الوصول إلى إتقان الزخارف المذكورة بعد أن تخلوا عن طريقة الضغط أو الدق بالآلة البسيطة التي كانت تنتج الرسوم الهندسية ورسوم الفروع النباتية؛ فاستخدموا القوالب المعدنية المستقلة التي كانوا يضغطون فيها الجلد بقوة فتظهر فيه النتوءات الشديدة البروز على شكل العناصر الزخرفية النباتية والحيوانية، بل والصور الآدمية أيضا.
وفي القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) كان المصورون عونا كبيرا لصناع الجلود في رسم الحيوانات والأشجار والنباتات والأشخاص، في دقة ورشاقة يبدو تأثير الشرق الأقصى في أساليبها الفنية؛ فكانت الجلود تبدو في بروزها كأنها من المسكوكات، كما أنتج الفنانون في القرن العاشر الهجري بعض الجلود الفاخرة المخرمة من الورق والجلد المقطوع بدقة كأنها الخيوط، وكانت هذه الجلود ذات طبقات متعددة تختلف كل واحدة في لونها عن الأخرى ، وتوضع بعضها فوق بعض. وكانوا يعنون بباطن الجلود وألسنتها عنايتهم بالجزء الخارجي منها، ولكنهم فقدوا في هذا القرن بعض ما كان لهم في القرن السابق من المهارة وحسن الذوق في هذا الميدان.
وكانت معظم جلود الكتب في هذا العصر من جلد الماعز، وتشبه في زخارفها السجاجيد في كثير من الأحيان؛ فكثيرا ما نرى في وسطها جامة أو صرة بيضاوية، وفي الأركان الأربعة أجزاء من جامات، وفي الجامة وأرباع الجامات رسوم نباتية أو حيوانية أو رسوم سحب صينية.
واستخدم المجلدون الإيرانيون في مدرسة هراة طريقة الزخرفة برسوم اللاكيه، وذلك منذ منتصف القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي). وأقدم ما نعرفه من هذه الجلود يرجع إلى سنة 931ه/1525م. وامتاز بعضها بجمال الألوان التي غلب عليها الأسود والذهبي، ولكن صناعتها لم تلبث أن تأخرت في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي)، ثم تأثرت بالأساليب الفنية الأوروبية في عصر فتح علي شاه (1212-1250ه أي 1797-1834م). على أن تلك الجلود كانت ميدانا لفن التصوير، ولم يكن للمجلدين فيها شأن عظيم. •••
ويجب علينا ألا ننسى ما كان لمدرسة هراة من تأثير على المراكز الفنية الأخرى في إيران؛ فقد مر بنا أن انتقال الفنانين من بلد إلى بلد في العالم الإسلامي كان أمرا شائعا، فضلا عن أن المجمع الذي أنشئ لفنون الكتاب في هراة انحل عندما وقعت هذه المدينة في يد الشيبانيين سنة 913ه/1507م؛ فتفرق الفنانون في المراكز الفنية الجديدة في إيران وفي بلاط الهنود المغول والأتراك العثمانيين.
كما أن علينا أن نذكر دائما أن الجلود الثمينة التي يمكننا اعتبارها آيات في الفن ودقة الصناعة لم يكن المقصود بها أن تكون غلافا لحفظ الكتاب فحسب، ولكنها كانت جزءا ثمينا منه؛ فكان الكتاب يوضع بجلده في حافظة من الديباج أو القطيفة.
وقد كان للأساليب الإسلامية الإيرانية في التجليد تأثير على هذه الصناعة في مدينة البندقية. والمعروف أن الأوروبيين في العصور الوسطى كانوا يزخرفون جلود الكتب بطبع الرسوم عليها بواسطة المكابس المعدنية، وكانت الزخارف التي تنتجها هذه الطريقة بارزة فقط، ثم أدخل الفنانون المسلمون الذين استقروا في البندقية الطريقة الشرقية في تزيين الرسوم المطبوعة بملء أجزائها الغائرة بصبغات ذهبية.
وقد اشتغل كثير من المجلدين الإيرانيين في تركية؛ فأنتجوا في القرنين التاسع والعاشر بعد الهجرة جلودا ثمينة لا تكاد تختلف عما كان ينتجه زملاؤهم في إيران، ولا شك في أن هذه الجلود الإيرانية والتركية في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) كانت أبدع من جلود الكتب المصنوعة في أي بلد أوروبي في ذلك العصر. •••
على أن فنون الكتاب في إيران بدأت في الاضمحلال منذ نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر)، وبدأ الفنانون يحرصون على الإنتاج السريع الذي لا يمكن أن يسفر عن النتائج الطيبة التي عرفناها في المخطوطات الجميلة في القرن التاسع (الخامس عشر الميلادي). ولا ريب في أن النهضة الحديثة في إيران ستفلح في أن تعيد لتلك الفنون مجدها الأول.
السجاد
السجاد أكثر منتجات الفن الإيراني انتشارا في العالم، وأكبر الظن أن شهرة إيران في هذا الميدان ترجع إلى العصور القديمة، وأنها كانت تصدر السجاد إلى الإغريق ثم إلى البيزنطيين ثم إلى الغربيين في العصور الوسطى. ولا عجب فقد كانت أبهة السجاجيد الإيرانية أول ما يبدو لمن يزور إيران من الرحالة أو يتصل ببلاطها من السفراء ورجال البعثات، فضلا عن أن موازنة هذه السجاجيد بما كان ينتجه الغرب لم تكن لتترك أي مجال للشك في التفوق العظيم الذي أحرزه الإيرانيون في هذا الميدان.
على أن أقدم السجاجيد الإيرانية المعروفة ترجع إلى عصر السلاجقة في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). وكان نسج السجاد شائعا بين القبائل الرحل وبين الأسرات الإيرانية العادية وفي المصانع التجارية المختلفة. أما اهتمام البلاط والأمراء بإنتاج السجاد فقد بدأ في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، وأنشئت مصانع النسج الشاهانية لينسج فيها مهرة الصناع السجاجيد الجميلة لقصور الشاه أو للأمراء والملوك الأجانب الذين يأمر بإهدائها إليهم.
ولا ريب في أن إيران كانت أكبر مركز لصناعة السجاد في الشرق كله، وأن المراكز الأخرى تأثرت بأساليبها الفنية كل التأثير، كما نرى في الهند وتركيا اللتين تأثرتا بها مباشرة، ثم بلاد القوقاز التي كانت منتجاتها في هذا الميدان خليطا من الأساليب التركية والإيرانية، ثم مصر وإسبانيا اللتين تأثرتا بها عن طريق تركيا.
1
ولعل السبب في ازدهار الصناعة في إيران هو تشجيع الملوك والأمراء ورجالات الدولة، وإنفاقهم الأموال الطائلة في إنتاج أحسن الفرش والأبسطة، وأفخرها مادة وحسن صناعة، على يد كثيرين من العمال، يشتغلون الشهور الطويلة في صنع سجاجيد تخرج آية في الفن، ولا يدري المرء بأي شيء يعجب فيها، أبنضارة الألوان وانسجامها أم بجمال الزخارف ودقتها أم بمتانة الصناعة وإتقانها؟! •••
وقد كتب الأستاذ أحمد زكي بك في العدد الخاص الذي أصدرته مجلة الثقافة عن إيران في 14 مارس سنة 1939 مقالا نفيسا عن الأبسطة والسجاجيد، جاء فيه أن عالما إنجليزيا اسمه رتشارد هكلوت
Hakluyt
عاش في القرن السادس عشر الميلادي، ونشر كتابا اسمه «الرحلات» قال فيه يخاطب التاجر الرحالة من تجار بلده: ... وفي فارس ستجد أبسطة من الصوف الخشن ذات فضالات من خيط مرسلة عند أطرافها، فهذه أحسن أبسطة الدنيا، وألوانها أجمل ألوان، فإلى هذه المدائن والبلدان فتوجه، وفيها فاعمل كل حيلة لتتعلم من أهلها كيف تصبغ هذه الفتائل؛ فهي مصبوغة بحيث لا يؤثر في لونها مطر أو خل أو خمر. فإذا أنت بلغت منهم علم ذلك، واكتنهت كنه هذا السر العجيب أمكنك أن تستخدمه في صبغ القماش وأنت واثق؛ فالصبغة التي تثبت في الفتائل الخشنة تكون أكثر ثبوتا في الثوب المنسوج ... واسأل عن سوائل الصباغة وحوائج الصبغ، وتعرف أثمانها. وإذا أنت استطعت أن تعود برجل واحد يحسن صناعة الأبسطة التركية، فقد غنمت الخير الكثير لأمتك، والكسب والعمل لشركتك.
ولسنا نريد في هذا المقام أن نعرض للناحيتين العلمية والصناعية في نسج السجاد،
2
فهما لازمتان للأخصائيين ورجال العلم من المشتغلين بهذه المسائل، ولكنا نخشى أن يكون في بحث هاتين الناحيتين خروج عن المسحة الفنية العامة التي نريدها لهذا الكتاب، فحسبنا أن نقتطف بشأنهما ما نحتاجه من مقال الدكتور أحمد زكي بك؛ فقد أصاب فيه أبعد حدود التوفيق في تبسيط البيانات العلمية البحتة.
وقد ذكر الأستاذ في مقاله أن الخيوط كانت تصبغ قبل نسج السجاجيد والأبسطة، «وأن كل اعتماد الشرق في قديمه كان على صبغات نباتية أو حيوانية قليلة - قليلة بالنسبة لألوف الأصباغ المصطنعة اليوم اصطناعا. فكانوا يغطسون الغزل فيها فيحصلون على ألوان بعدد هذه الصبغات، ثم هم يعيدون تغطيس الغزل في غير صبغته الأولى؛ فيؤلفون بهذا بين الصبغات المختلفة؛ فيحصلون منها على ألوان جديدة عديدة، هي أوساط بين تلك الصبغات؛ وبهذا يوسعون فيما ضيقت الطبيعة عليهم فيه. ومن أمثلة هذه الأصباغ وأشهرها النيلة أو النيلج، وهي زرقاء، ثم الفوة وهي حمراء، وكلتاهما من النبات.» •••
وتدل المصادر الأدبية والتاريخية على أن إيران في بداية العصر الإسلامي كانت أعظم البلاد شهرة في إنتاج السجاد؛ فكانت السجاجيد الإيرانية الثمينة تفرش في الحفلات الرسمية ببلاط بيزنطة في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي). وكتب جغرافيو العرب الأقدمون عن كثير من المدن الإيرانية، وذكروا أنها كانت مركزا لنسج السجاد،
3
وأكبر الظن أن زخارف السجاجيد الإيرانية غلبت عليها العناصر الهندسية والنباتية منذ بداية العصر الإسلامي إلى القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي).
ومهما يكن من الأمر فإن أقدم المعروف من السجاد اليدوي في إيران يرجع إلى القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، ففي متحف بولدي بدزولي
في ميلان سجادة إيرانية بديعة، عليها بيت شعر فارسي نصه:
شد أز سعى غياث الدين جامي
بدين خوبي تمام اين كارنامي
سنة 929
ومعناه أن هذه التحفة الجميلة تم صنعها في سنة 929 (1523م) على يد غياث الدين جامي.
4
وثمة سجادة أخرى قد تكون أقدم قليلا من سجادة بولدي بدزولي، إذا صح ما يقال عن أنها كانت بين الغنائم التي استولى عليها السلطان سليم العثماني حين فتح مدينة تبريز سنة 920ه/1514م،
5
وهذه السجادة في مجموعة المستر بجيان
Bégian ، ونحن لا نميل إلى تصديق ما يقال عن صلتها بفتح تبريز حتى يقوم على صحته دليل قوي. وأكبر ظننا أنها ترجع إلى نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي).
وثمة سجادة أخرى مشهورة جدا طولها 52‚11 مترا وعرضها 34‚5، وهي تحفة فنية نادرة المثال محفوظة الآن في متحف فكتوريا وألبرت بلندن. وقد كانت قبل ذلك في مدينة أردبيل بضريح الشيخ صفي الدين جد ملوك الأسرة الصفوية، وفي وسط هذه السجادة جامة أو صرة كبيرة، وحولها جامات أخرى صغيرة وبيضاوية، والأرضية تزينها رسوم الزهور والزخارف النباتية ذات الألوان البراقة. أما الأركان ففي كل منها رسم يتكون من ربع جامة كبيرة حولها جامات صغيرة، وإطار هذه السجادة غاية في الجمال ، فهو مكون من أشرطة مملوءة بدوائر ومستطيلات ذات فصوص، فضلا عن رسوم الزهور والزخارف النباتية، وفي طرف من أطراف السجادة مستطيل فيه بيتا شعر لحافظ الشيرازي،
6
وتحته العبارة الآتية: «عمل بنده دركاه مقصود كاشاني سنة 946»؛ أي عمل خادم الأعتاب مقصود القاشاني سنة 946ه/1539م.
7 •••
أما السجاجيد التي ترجع إلى ما قبل العصر الصفوي فلم يصل منها شيء يستحق الذكر، والذي نعرفه عنها مستمد من رسمها في الصور الإيرانية واللوحات الفنية الأوروبية التي ترجع إلى القرن الرابع عشر الميلادي. وأكثرها سجاجيد صغيرة ذات زخارف هندسية أو رسوم حيوانات محورة عن الطبيعة. وفي القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) كانت الزخارف هندسية فحسب، كما نرى في نوع أطلق عليه اسم هولبين، وهو المصور الألماني هانس هولبين
Hans Holbein
الأصغر الذي عاش في بداية القرن العاشر الهجري (1497-1543م) ورسم في بعض صوره سجاجيد من هذا النوع.
ولا غرو فقد كانت هناك تجارة واسعة في السجاد الإيراني بين الشرق والغرب في العصور الوسطى، ولم ترد هذه السجاجيد في اللوحات الفنية فحسب؛
8
بل جاء ذكرها مرارا في القوائم التي كانت تكتب عن الكنوز الفنية في القصور والمجموعات الفنية المختلفة. وقد عني باقتنائها الملوك والأمراء وأعلام الفنانين ولا سيما روبنز
Rubens ، الذي كانت له منها مجموعة طيبة، اضطر إلى بيعها في نهاية حياته. •••
وكانت السجاجيد الإيرانية تختلف باختلاف صانعيها والذين كانت تصنع لهم؛ فضلا عن أنها تطورت، فكانت صناعتها في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) شابة فتية، وبلغت عصرها الذهبي في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر)، ثم دب إليها الضعف في القرنين الثاني عشر والثالث عشر (الثامن عشر والتاسع عشر). وأما في القرن الحالي فقد فقدت نضارتها القديمة، بل غدت منتجاتها سوقية ولا يمكن موازنتها بالسجاجيد الإيرانية القديمة، اللهم إلا بعض السجاجيد التي يعنى بها عناية خاصة.
وطبيعي أن أبدع السجاد الإيراني ما كان يصنع للملوك وكبار الأمراء، ثم يليه الذي كان يصنع في المراكز الرئيسية التي اشتهرت بنسج السجاد؛ مثل أصفهان وكرمان وقاشان وقم وتبريز وكرباغ وهمذان وشستر وهراة ويزد. وكانت أكثر الصادرات من هذا النوع، فضلا عن أن رجال الطبقة الوسطى كانوا يقبلون عليه إقبالا شديدا. أما أبسط الأنواع فهي التي كانت تصنعها القبائل الرحل وعامة الشعب في المدن.
وكثيرا ما كان الملوك والأمراء يطلبون إلى أعلام المصورين والرسامين أن يقوموا بإعداد الرسوم التي تزين بها السجاجيد الفاخرة. والمعروف أن المصورين كان لهم في البلاط وفي الحياة الاجتماعية نفوذ كبير بين القرنين التاسع والحادي عشر بعد الهجرة (الخامس عشر والسابع عشر بعد الميلاد) فلم يصوروا المخطوطات فحسب، بل أشرفوا على شتى أنواع الزخرفة: في العمائر وعلى المنتجات الخزفية والمنسوجات والسجاد. ولعل أعظم من اشتغل من المصورين بعمل زخارف السجاد هم بهزاد وسلطان محمد وسيد علي. •••
وتتركب السجاجيد والأبسطة من الرقعة والخميلة، أما الرقعة فالنسيج التحتاني وتصنع من القطن وخيوط الكتان، وأما الخميلة فالنسيج الفوقاني وهو في أكثر الأحيان من الصوف الطويل الشعرات أو الحرير.
والسجاجيد نوعان: يدوي شرقي ومكني غربي، وقد قال الدكتور أحمد زكي بك في مقاله سالف الذكر: إنهما يختلفان اختلافا كبيرا من حيث تركيبهما ونسيجهما، «ففي اليدوي الشرقي تستقل رقعة السجاد عن خميلته، والرقعة فيه نسيج ككل الأنسجة، له سداه وله لحمته، وهو كأبسط ما تكون الأنسجة. والخميلة عبارة عن خصل مستقلة من الصوف الممشوط تعقد من أواسطها على خيوط السدى عقدا. أما في المكني الغربي فخميلته من رقعته فما هي إلا نتوءات خرجت بها خيوط سدى الرقعة عن مستوى الرقعة فبانت كحلمات الثدي، والثدي كثيرة عديدة.
ومنسج البساط الشرقي بسيط؛ فهو يتكون من عارضتين من الخشب متوازيتين، تمد بينهما خيوط السدى وطول هاتين العارضتين هو عرض البساط، وبعد ما بينهما هو طوله. وتعقد خصل الصوف عقدا على خطوط السدى. وهذه الخصل تبلغ البوصتين طولا، وقد تقصر وقد تطول، وتختار ألوانها حسب الرسم الموجود أمام الناسج، فإذا تم الصف أو بعض الصف دفعه بالمشط جذبا إلى أخواته وشد عليه خيطين أو أكثر من خيوط اللحمة، ثم عاد سيرته الأولى بعقد الخصل على السدى. ويختلف نوع العقدة باختلاف البلاد، ويستخدم نوعها في تعرف البلد الذي عقدت فيه؛ فالعقدة التركية تلتف الخصلة الواحدة من الصوف فيها حول خيطين متجاورين من السدى بحيث تجمع بينهما من أعلى، ثم يدور طرفاها غائصين في مستوى الرقعة وراء هذين الخيطين ثم يجتمعان فينفذان بينهما صاعدين معا متلامسين إلى وجه الرقعة؛ فيحلان محلهما من خميلة البساط. أما العقدة الفارسية فتلتف الخصلة فيها وراء خيط واحد من السدى، ولا تلتف حول جاره وإنما تحتضنه من تحته احتضانا، وفي كلتا الحالتين من التفاف واحتضان ينتهي طرفاهما فوق الرقعة في مكانهما من الخميلة.
ويتبين من صفة هاتين العقدتين أن الخصل - وهي التي تتألف منها خميلة السجاد اليدوي - لا تكون رأسية أبدا على سطح الرقعة بل تنام ملقية بأطرافها نحو طرف السجاد اليدوي، ويتعسر بل يتعذر على المكنات تقليدها.
ويلاحظ في العقدة الفارسية أنها تأذن باكتناز الخصل أكثر مما تأذن به العقدة التركية؛ ومن أجل هذا يستطاع معها نسج أبسطة فيها الخصل أرق وأكثر، وفي رقة الخصل وكثرتها مجال للتلوين والتصوير أوسع وأفسح.»
9 •••
ويرجع جمال السجاد الإيراني وشهرته إلى إبداع ألوانه وتناسقها وحسن توزيعها، وإلى متانة الصناعة والعناية بالصوف؛ حتى لقد كانت الغنم تربى خصيصا ويعنى بنظافة صوفها لينسج منه السجاد، كما أن الحرير وخيوط الذهب والفضة كانت تدخل في صناعة السجاجيد الشاهانية النفيسة.
وقد مر بنا أن أقدم السجاجيد الإيرانية المعروفة ترجع إلى العصر السلجوقي. والحق أننا قد نستنبط من المصادر التاريخية والأدبية وجود سجاجيد إيرانية ثمينة في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) في بلاط الدولة الغزنوية. ومع ذلك كله فإننا نستطيع أن نقول إن صناعة السجاد في إيران تطورت ببطء في العصر الإسلامي ولم تبلغ أوج عزها إلا في القرن العاشر بعد الهجرة، ثم بدأت في الاضمحلال منذ نهاية القرن الحادي عشر (السابع عشر الميلادي).
ولكنا نستطيع أن نعتبر نسج السجاد بالرغم من هذه الحياة القصيرة خير الصناعات التي تمثل العبقرية الفنية الإيرانية؛ ولا غرو فقد كانت هذه الصناعة أعم وأكثر انتشارا ولا يعيبها في شيء أن أبطالها لم تردد الألسنة أسماءهم كما رددت أسماء الخطاطين والمذهبين والمصورين.
10
وأكثر السجاجيد الإيرانية القديمة مستطيلة الشكل، وألوانها هادئة تغلب عليها الزرقة والحمرة، ونجد أن ما كان فيها من أصفر قد بهت بمرور الزمن وانكسرت حدته. (1) تقسيم السجاجيد الإيرانية وتاريخها
وقد اختلف رجال الفنون في تقسيم السجاجيد الإيرانية فبعضهم يقسمها باعتبار زخرفها، بينما يذهب آخرون إلى تقسيمها بحسب مراكز صناعتها في إيران، ولكن الوصول إلى هذا التقسيم الأخير ليس سهلا ميسورا؛ لأن البيانات الصحيحة بهذا الشأن نادرة جدا، فضلا عن أن المصانع في البلاد الإيرانية المختلفة كانت تقلد أي طراز ينال رواجا كبيرا ولو كان موطنه في بلد آخر.
11
وعلاوة على ذلك فإن مركز الصناعة قد يكون قرية وقع عليها الاختيار؛ لسهولة الوصول إليها ولكثرة المواد الأولية حولها ولجودة مياهها، بينما يكون تصميم السجاد وإعداد رسومه في مصانع البلاط بالعاصمة أو في بلد كبير آخر؛ فتكون العاصمة أو هذا البلد الآخر أعظم شأنا من القرية التي يكون العمل فيها مقصورا على النسج وتنفيذ ما تطلبه المراجع الفنية الرئيسية.
12
ولا يجب أن ننسى أمرا يتعلق بطبيعة الفن الإسلامي عامة وهو أنه فن ملكي أرستقراطي؛ فكانت المصانع المختلفة تقبل على إنتاج النوع الذي يحوز رضاء الشاه؛ فيصعب أن ينسب هذا النوع إلى إقليم بالذات؛ ولكن بعض الملوك - كالشاه عباس مثلا - كانوا يحرصون على أن تحتفظ مصانع كل إقليم بمميزاتها الخاصة؛ ولعل هذا الحرص كان سببا في أن بعض المراكز الفنية مثل جوشقان قالي احتفظت بطابع خاص في كل ما أنتجته من السجاد.
وقصارى القول أنه من الممكن تقسيم السجاجيد الإيرانية إلى أنواع مختلفة بحسب زخارفها، كما يمكن نسبة بعض هذه الأنواع إلى مصانع بعض المدن الإيرانية المعروفة، ولكن بعض المدن الأخرى لا يمكن أن تنسب إليها أنواع بالذات، كما أن بعض الأنواع لا نستطيع نسبتها إلى أي مدينة بالذات.
وكان مؤرخو الفنون الإسلامية في بداية هذا القرن يميلون إلى نسبة بعض السجاجيد الإيرانية إلى عصر سابق بقرن أو قرنين عن العصر الذي تنسب إليه الآن. والحق أن معظم السجاجيد المصنوعة في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد) يمكن تأريخها على وجه التقريب؛ وذلك بفضل بعض السجاجيد المؤرخة التي وصلتنا، وبفضل ما كتبه في وصف السجاجيد الإيرانية بعض الرحالة الغربيين، وما جاء عنها في البيانات التي كتبت عن الكنوز الفنية في بعض القصور والمجموعات الأثرية في القرون الماضية، وبفضل موازنة رسومها وزخارفها بما نعرفه في المؤرخ من المخطوطات والصفحات المذهبة والمنسوجات.
وفضلا عن ذلك فإن تصوير السجاجيد الإيرانية في اللوحات الفنية الأوروبية عنصر له قيمته في تأريخها، والمعروف أن أكثر السجاجيد التي رسمها المصورون الأوروبيون في لوحاتهم الفنية من منتجات آسيا الصغرى، ولكنا نعرف أيضا أن السجاجيد المصنوعة في شرقي إيران والتي تنسب إلى هراة رسمت كثيرا في اللوحات الفنية الأوروبية التي ترجع إلى نهاية القرن السادس عشر الميلادي (العاشر الهجري) والنصف الأول من القرن السابع عشر.
على أن تأريخ السجاجيد الإيرانية - على وجه عام - أمر محفوف بكثير من الصعاب، فإننا إذا أردنا الحكم بحسب الموضوعات الزخرفية وتطورها لم نجد النجاح حليفنا في كل الأحوال، وحسبنا أننا نجد في السجادة الواحدة موضوعات زخرفية مختلفة في تطورها؛ فيحملنا بعضها على تقديم تاريخ التحفة، ويدفعنا البعض الآخر إلى تأخيره.
ومهما يكن من الأمر فإن أعظم السجاجيد الإيرانية شأنا ما يرجع إلى القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد). وقد قدر الأستاذ بوب
A. U. Pope
عدد المحفوظ من هذه السجاجيد في المتاحف والكنائس والمجموعات الخاصة، والذي ظهر منها في أسواق السجاجيد الأثرية، قدره بزهاء ثلاثة آلاف سجادة كاملة. (1-1) السجاجيد ذات الصرة أو الجامة
وهي نوع من صناعة شمالي إيران ولا سيما في تبريز وفي قاشان، وترجع أحسن منتجاته إلى القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، وقد بدأ الاضمحلال يدب إليها منذ القرن التالي.
وتتكون زخارف هذه السجاجيد من صرة أو جامة في الوسط ذات أشكال مختلفة أو فصوص، وقد يمتد من طرفي الجامة الأعلى والأسفل موضوع زخرفي أو إناء معلق إلى جانبي السجادة، وفي الأركان أرباع جامات. وهذا النوع من الزخرفة عام في الفنون الإسلامية، ولا سيما في جلود الكتب والصفحات الأولى المذهبة في المخطوطات، وهو من أكبر الأدلة على غرام الفنانين المسلمين بالتوازن والتقابل في الرسم والزخرفة.
وأما أرضية هذا النوع من السجاجيد فكانت من رسوم الزهور والفروع النباتية المحورة أو السيقان ذات الزوايا، فضلا عن رسوم السحب الصينية.
واستعملت فيها الألوان الأحمر والأخضر والأزرق الفاتح والغامق والأسمر والأصفر والأبيض. وامتازت تلك السجاجيد بأن لها إطارا ثانويا صغيرا داخل الإطار الخارجي. ويمكننا أن نقول إن المعروف من السجاجيد ذات الصرة أكثر عددا من المعروف من سائر أنواع السجاجيد الإيرانية، وإن تلك السجاجيد من أبدع منتجات السجاجيد في شمال غربي إيران؛ حيث كانت البيئة وطبيعة البلاد في إقليم آذربيجان مرتعا للفنون الجميلة، ولا سيما فن صناعة السجاد.
ومن المحتمل أنها كانت تفرش في المساجد لخلو معظمها من الرسوم الآدمية والحيوانية، ولكن ثمة سجاجيد ذات جامة وفي زخارفها رسوم آدمية وحيوانية مثل السجادة المشهورة في متحف بولدي بدزولي
. ومن أبدع ما أخرجته مصانع السجاد في البلاد سجاجيد ذات جامة ومصنوعة من الحرير المحلى بالخيوط المعدنية. وتنسب السجاجيد الحريرية في أغلب الأحيان إلى مدينة قاشان.
وفي مجموعة سمو الأمير يوسف كمال جزء كبير من سجادة ذات صرة، وأرضيتها حمراء في الوسط وزرقاء في الأركان، أما الصرة فعلى هيئة مربع ذي أضلاع غير مستقيمة بل فيها انكسار هندسي. وتكثر في هذه السجادة النفيسة زخارف المراوح النخيلية والسحب الصينية، وأكبر الظن أنها من صناعة شمال غربي إيران في النصف الأول من القرن العاشر الهجري
13 (السادس عشر الميلادي).
وقد تطورت السجاجيد ذات الجامة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر بعد الهجرة (الثامن عشر والتاسع عشر بعد الميلاد) إلى طراز السجاجيد الحديثة التي تنسج في كرباغ، والتي تشبه السجاجيد القديمة في الشكل والرسوم والألوان. (1-2) السجاجيد ذات الزهريات
ويظن أنها كانت تصنع في الأقاليم الوسطى من إيران في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد). وقد امتاز بها عصر الشاه عباس؛ حتى إنها تنسب إليه في بعض الأحيان.
وقد غلبت هذه التسمية على هذا النوع من السجاجيد؛ لأن في زخارفه رسوما تشبه الزهريات. وعلى كل حال فإن زخارفه كلها من الزهور وليس فيه زخارف تتوسط السجادة، وإنما كل رسومه مرتبة في توازن حول محورها الأوسط. وتمتاز السجاجيد ذات الزهريات بمتانتها ودقة صناعتها وكثافة وبرها وضيق إطارها وأرضيتها الزرقاء أو الحمراء، وبما فيها من معينات من سيقان الزهور والفروع النباتية والزهريات والزهور والمراوح النخيلية (بالمت)، كما نلاحظ أن زخارفها غير متأثرة بأساليب المصورين والمذهبين والمجلدين، وأن الألوان التي استخدمت فيها مختلفة جدا وبراقة وغير هادئة، أما في المساحة فإنها تمتاز بأنها طويلة بالنسبة إلى عرضها فقد يبلغ طولها في بعض الأحيان ثلاثة أمثال عرضها. (1-3) السجاجيد ذات الرسوم الحيوانية
وأكبر الظن أنها من صناعة شمالي إيران في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد) وهي إما تمثل مناظر صيد كالسجادتين المشهورتين في متحف فينا ومتحف الفنون الزخرفية في باريس، وإما تمثل رسوم حيوانات خرافية أو محورة عن الطبيعة وعلى أرضية مملوءة برسوم الزهور والنبات.
وقد أفلح بعض صناع السجاد في إكساب هذه الرسوم روحا وحياة وحركة دونها ما وصل إليه أعلام المصورين والمذهبين.
ومن أجمل السجاجيد ذات الرسوم الحيوانية سجادة من الصوف محفوظة في المتحف المتروبوليتان بنيويورك، وأصلها من ضريح الشيخ صفي الدين في أردبيل ، وقوام زخارفها رسم متكرر يمثل أسدا ونمرا يهاجمان حيوانا من حيوانات الصين الخرافية، وإطار هذه السجادة مكون من فروع نباتية متصلة (أرابسك) وبينها رسوم سحب صينية (تشي).
14
وفي نفس المتحف سجادة حريرية بديعة تنسب إلى قاشان (انظر شكل
62 ) وزخارفها الحيوانية في ستة صفوف، نرى فيها الأسد والفهد والنمر والتنين والغزال وابن آوى والثعلب والأرنب على أرضية من الأشجار والزهور، أما الإطار فمن مراوح نخيلية يحف بكل منها طائران بريان. (1-4) السجاجيد البولندية
هي سجاجيد من الحرير محلاة بخيوط الذهب والفضة، ولعلها من منتجات مصانع البلاط بأصفهان في نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وبداية الحادي عشر، وقد غلبت عليها هذه التسمية؛ لأنها كانت تنسب إلى بولندة حينا من الزمن.
أما زخارفها فخليط من زخارف الأنواع الأخرى من السجاجيد الإيرانية وألوانها غنية، وفي أكثر الأحيان لا تكون الأرضية كلها ذات لون واحد، بل تكون السجادة ذات أرضيات مختلفة الألوان. وأهم الألوان المستخدمة في السجاجيد البولندية هي الأصفر الفاتح والأخضر الباهت والبرتقالي والأزرق الفيروزجي والأحمر القرمزي، ولم يكن هذا النوع دقيق الصناعة؛ ولذا كانت أكثر النماذج الباقية منه في حالة غير جيدة.
ومن أقدم السجاجيد البولندية المعروفة واحدة بين الكنوز الفنية في كاتدرائية سان مارك بمدينة البندقية أهداها سفير الشاه عباس إلى حاكم البندقية (الدوج) سنة 1603م، كما نعرف أيضا أن بعثة من شاه إيران أهدت إلى دوق هولشتاين جوتورب
Hollstein Gottorp
سنة 1639 ست سجاجيد «بولندية» نفيسة بينها سجادة التتويج المشهورة والمحفوظة الآن في قصر روزنبرج
Rosenborg
بمدينة كوبنهاجن؛ ولذا فإن المرجح أن هذه السجاجيد «البولندية» ذات الألوان الرقيقة والأرضية الفضية أو الذهبية التي تلائم الذوق الغربي، كانت تصنع في إيران لتهدى إلى الملوك والأمراء في الغرب.
15 (1-5) السجاجيد المزخرفة برسوم الحدائق
كانت تصنع في شمالي إيران في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد)، ولكن في المصادر التاريخية أن كسرى الأول (531-579م) كان يملك سجادة نفيسة عليها رسم صادق لروضة غناء، أما السجادة التي كانت في قصر كسرى الثاني بالمدائن ثم وقعت غنيمة في يد العرب الفاتحين، فقد أطنب المؤرخون في وصف حديقتها وأشجارها وقنواتها وطيورها وزهورها.
وعلى كل حال فإن زخارف هذا النوع من السجاجيد تبدو كأنها خريطة أو مصور لحديقة، يبين طرقاتها وأقسامها ومجاري المياه فيها فضلا عما فيها من النبات والزهور.
والواقع أن حب الحدائق والزهور من أبين الصفات في الفن الإيراني، وأن الزهور والنباتات تزين أرضية أكثر أنواع السجاجيد المعروفة.
16
ولم يكن غير طبيعي عند الإيرانيين أن تكون الحدائق والزهور في السجاجيد ميدانا للحيوانات المختلفة كالأسد والفهد والنمر والغزال والثعلب وحمار الوحش، فضلا عن الطيور والحيوانات الخرافية التي يرجع معظمها إلى الأساليب الفنية والأساطير السائدة في الشرق الأقصى.
وأقدم المعروف من السجاجيد المزخرفة برسوم الحدائق واحدة محلاة بخيوط الذهب والفضة ومحفوظة في مجموعة فيجدور
Figdor
في فينا، وترجع إلى نهاية القرن العاشر الهجري
17 (السادس عشر الميلادي)، ولكن أكثر النماذج المعروفة ترجع إلى القرن الثاني عشر الهجري.
وأكبر الظن أن هذه السجاجيد كانت تصنع لتهدى إلى ملوك أوروبا وأمرائها، وكانت تدخل في نسجها خيوط الذهب والفضة. (1-6) السجاجيد المزخرفة برسوم الزهور
كانت تصنع في خراسان وتنسب في أكثر الأحيان إلى هراة، ومعظمها يرجع إلى القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد)، وقوام زخارفها فروع نباتية ومراوح نخيلية (بالمت) ورسوم سحب صينية. وقد جاءت هذه السجاجيد في بعض اللوحات الغربية من القرن السابع عشر الميلادي، والأرضية في معظم السجاجيد المنسوبة إلى هراة حمراء اللون بينما الإطار أخضر، ونلاحظ في سجاجيد هراة المصنوعة في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) أن رسوم المراوح النخيلية فيها أكبر، وأنها تشتمل - فضلا عن الزخارف المعروفة في القرن السابق - على وريقات طويلة مقوسة، وأنها أقل دقة في الصناعة وانسجاما في الألوان.
ولا عجب في أن تكون خراسان مركزا عظيما من مراكز صناعة السجاد؛ فقد كان هذا الإقليم في طليعة الأقاليم الإيرانية في الأدب والسياسة والفن. وقد ازدهرت فيه منذ القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) أساليب فنية في عصر الدولة الغزنوية والعصور التالية، وكانت هراة مركزا عظيما من مراكز الثقافة الإيرانية، فضلا عن أن هذا الإقليم امتاز بصوفه الطيب وأصباغه الصالحة. (1-7) سجاجيد الصلاة
كانت تصنع في شمال غربي إيران ولا سيما في تبريز، وامتازت بالآيات القرآنية المكتوبة بالخط النسخي والكوفي والنستعليق في أرضية السجادة وفي مناطق تحف بها. ويتوسط السجادة رسم عقد يمثل المحراب. ومعظم المعروف من هذا النوع لم يكن غاية في الجمال والإبداع؛ لأن الفنان لم يفلح تماما في أن يستخدم الكتابة عنصرا زخرفيا متقنا.
وأبدع النماذج المعروفة من هذا الطراز سجادة حريرية محلاة بخيوط معدنية، وترجع إلى نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، وقد كانت في مجموعة السيدة بارافيتشيني، ثم اشتراها حضرة صاحب السمو الأمير يوسف كمال.
18 •••
وصفوة القول أن السجاد كان للإيرانيين ميدانا واسعا لإظهار تفوقهم في اختيار الألوان. وقد بلغ ما استخدموه منها في بعض الأحيان زهاء عشرين لونا في السجادة الواحدة؛ ومع ذلك فقد أصابوا أبعد حدود التوفيق في ترتيبها بحيث تكون السجادة وحدة متماسكة في ألوانها. وكانت مصانع البلاط تبذل الجهود الوافرة في إنتاج السجاجيد التي تمتاز عن سائر الأنواع المعروفة والتي تبعث العجب بجمالها وحسن تنسيقها وإبداع مادتها وزخارفها.
والظاهر أن السجاجيد الإيرانية لم تكن تصنع كلها لتفرش على الأرض؛ فإننا نرى في صور المخطوطات رسوم بعض السجاجيد المعلقة أو التي تظل مجلسا من المجالس. وقد كان تعليق السجاجيد في الحفلات أمرا معروفا في أوروبا في عصر النهضة، كما أننا لا نزال نرى أثره حتى اليوم في تعليق الأبسطة الثمينة من الشرفات التي يطل منها الملوك أو رؤساء الحكومات على الشعب أو يستعرضون منها جيوشهم أو فريقا من رعاياهم. •••
وفي مصر مجموعة ثمينة جدا من السجاد الإيراني تعد من أكمل مجموعات العالم في هذا الميدان، وهي للدكتور علي باشا إبراهيم عميد كلية الطب، وقد قضى في جمعها السنين الطوال، وبذل النفقات الطائلة. وفي الحق أن كثيرا من سجاجيد هذه المجموعة لا نظير له إلا في قليل جدا من المتاحف أو المجموعات الخاصة الأوروبية؛ ولذا كانت كعبة الأخصائيين في الفنون الإسلامية، يحرصون على مشاهدتها كلما ألقوا عصا التسيار في مصر، فضلا عن أن بعض التحف من هذه المجموعة قد عرض في أعظم المعارض الدولية للفن الإيراني أو الفنون الإسلامية.
أما دار الآثار العربية فليست غنية جدا في السجاد الإيراني النفيس؛ لأنها لم تبدأ في العناية بجمعه إلا في السنوات الأخير. ولعل أبدع ما فيها سجادة من الحرير الموشى بالذهب والفضة، ترجع إلى نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، وتتكون زخارفها من السيقان والفروع النباتية الدقيقة المتصلة بخطوط متعرجة على شكل السحب الصينية (تشي)، ويتوسط هذه السجادة جامة كبيرة ذات فصوص عديدة، أما الإطار فيتكون من خمس مناطق غير متساوية في العرض، وأعرضها المنطقة الثانية من الخارج وبها بحور فيها كتابات.
19
وأكبر الظن أن هذه التحفة من صناعة شمال غربي إيران، وقد أهداها إلى الدار حضرة صاحب السمو الأمير يوسف كمال.
كما أن في دار الآثار جزءا من سجادة نفيسة مصنوعة من الصوف، وقوام زخارفها زهور كبيرة محورة ومنسقة وبعيدة عن الطبيعة، وذات ألوان متعددة على أرضية ذات لون أزرق قاتم، وهذه القطعة من أجمل التحف المعروفة من السجاجيد «ذات الزهريات».
20
وفي الدار - عدا ذلك - سجاجيد إيرانية أخرى ولكنها من صناعة القرنين الثاني عشر والثالث عشر بعد الهجرة (الثامن عشر والتاسع عشر بعد الميلاد).
الخزف
كانت صناعة الخزف من أهم الميادين التي حاز فيها الإيرانيون المكانة الأولى بين الأمم الإسلامية، وقد ساعدتهم على ذلك العجينة التي امتازت بها بلادهم، والتي تصلح بنوع خاص لصنع الأواني الخزفية؛ فيسهل تشكيلها وحفر الزخارف فيها أو طبعها، كما تمتاز برقتها وقلة وزنها.
وليس من شك في أن هذه الصناعة بلغت على يد السلاجقة والمغول بين القرنين السادس والثامن بعد الهجرة (الثاني عشر والرابع عشر بعد الميلاد) غاية الإتقان في الهيئة والزخرفة، اللتين تدلان على أوفر قسط من الخيال السعيد والذوق السليم. وإن صح لدى بعض الخبراء أن الأواني الإغريقية في عصرها الذهبي كانت في الهيئة والأناقة آية دونها كل الأواني الأخرى، وإن صح لدى آخرين أن الخزف الذي صنع في الشرق الأقصى، ليس له نظير في الظرف والرونق - فإن فريقا ثالثا من الخبراء والهواة يرون في تلك الأواني الإغريقية والصينية جمودا، ودقة آلية في الشكل، وثقلا لا يرونه في الخزف الإيراني، فيحكمون له بالتفوق والسمو على سائر أنواع الخزف.
وعلى كل حال فقد امتازت التحف الخزفية الإيرانية في العصر الإسلامي بجمال الشكل وتناسق النسب وبريق الطلاء وإبداع الزخارف وتنوعها،
1
فضلا عن تنوع الأشكال نفسها
2
ومناسبة الزخارف لمادة التحفة وشكلها. ولا غرو فقد كانت لإيران منذ العصور القديمة تقاليد قديمة في صناعة الخزف، كما يظهر من القطع الخزفية التي كشفت في نهاوند، والتي تزينها زخارف هندسية جميلة. ثم كان عصر الكيانيين، وصارت الجدران المصنوعة من الآجر تغطى - كما في قصر مدينة السوس - بطبقة من المينا، يمكن أن نعدها الخطوة الأولى في تزيين الجدران التي قدر لها في العصر الإسلامي أن تكسى بألواح القاشاني وأجزاء الفسيفساء الخزفية. وفي العصر الساساني ازدهرت صناعة الخزف كما ازدهرت الفنون الأخرى. ولما انتشر الإسلام في إيران بدأت هذه الصناعة في التطور التدريجي حتى تخلت عن قسط كبير من الأساليب الفنية الساسانية، وطبعت منتجاتها بطابع يجمع بين العناصر الزخرفية الإسلامية وبين ما ورثه الصناع من أساليب إيرانية. على أننا لا نعرف كل ما نريد عن الخزف الإيراني في فجر الإسلام، مع أننا نعرف عنه في ذلك العصر أكثر مما نعرف عن أي ميدان آخر من ميادين الفن الإيراني في العصر نفسه؛ لأن العمائر التي ترجع إلى ما قبل القرن الخامس الهجري تعد على أصابع اليد الواحدة، والصور أو النقوش التي صنعت قبل القرن السابع الهجري نادرة جدا، وأقدم السجاجيد التي نعرفها ترجع إلى القرن التاسع، ولكن لدينا من التحف الخزفية ما يرجع إلى القرن الثاني وما بعده.
على أن أعظم ما وفق إليه الخزفيون الإيرانيون في الإسلام هو إتقان أنواع الطلاء المختلفة، ثم إبداع الألوان الفاخرة وتنويعها، وامتازت بعض المراكز الفنية وبعض البلاد بإيثار بعض الألوان على غيرها.
واستخدم هؤلاء الخزفيون شتى الوسائل في زخرفة منتجاتهم؛ فكانوا يضغطون باليد على العجينة اللينة لتهيئة حافتها، أو تكوين بعض العناصر الزخرفية فيها، وكانوا يحفرون الرسوم بطرق مختلفة وفي عمق متنوع، ويشكلون الزخارف البارزة تشكيلا دقيقا وجميلا، كما كانوا في بعض الأحيان يخرمون جدران الأواني ويغطون الخروم بالطلاء فتبدو شفافة. وذلك كله فضلا عن تزيين التحف بالرسوم ذات اللون الواحد أو المتعددة الألوان، فوق الطلاء أو تحته، وكان التذهيب والبريق المعدني يكسبان التحف نضارة عجيبة.
ومن الموضوعات الزخرفية التي استخدمها الإيرانيون في الخزف الرسوم الهندسية، ولا سيما المناطق والدوائر والعقود المتشابكة والطيور المتقابلة أو المتدابرة، والحيوانات التي تحيط بها الفروع النباتية والوريقات والزهور، فضلا عن الرسوم الآدمية،
3
ولعل معظمها يمثل مناظر البلاط وحفلات الطرب فيه، أو مناظر القصص المختلفة في الشاهنامه أو بعض مناظر الحياة الاجتماعية كرسم الدراويش الراقصين على السلطانية المحفوظة في متحف اللوفر.
4 (1) دراسة الخزف الإيراني
لا تزال دراسة الخزف الإسلامي في إيران أمرا عسيرا، حقا إن لدينا بعض القطع المؤرخة
5
أو التي عليها إمضاء صانعيها،
6
وإننا نعرف مخطوطا في إستانبول يبحث جزء منه في صناعة الخزف، وقد ألفه عالم من قاشان سنة 700ه/1301م،
7
فضلا عن أننا نستطيع أن نستنبط بعض البيانات من عجينة التحف ونوع طلائها وشكل قاعدتها ودقة صناعتها، ولكن هذا كله غير كاف للوصول إلى نتائج حاسمة في تقسيم التحف الخزفية الإيرانية ومعرفة تاريخ صناعتها والمراكز الفنية التي تنسب إليها.
والواقع أننا لا نزال في دراسة الخزف نعتمد على الحفائر اعتمادا كبيرا؛ فإننا نعرف أن وجود قطع خزفية أصابها التلف في الفرن بسبب شدة الحرارة أو عدم كفايتها، أو بسبب التصاق القطع بعضها ببعض، أو بسبب آخر، كل هذا يدل على أنها من صناعة المكان الذي يعثر عليها فيه؛ لأنه ليس معقولا أن يتجر القوم بمثل هذه القطع أو يجلبونها من مكان إلى آخر، ولكننا لا نستطيع - لسوء الحظ - أن نذهب إلى أن كل الحفائر التي قام بها المنقبون عن الآثار في إيران كانت منظمة ويمكن الاطمئنان إلى نتائجها. وفضلا عن ذلك فإن كثيرا من المراكز الفنية لم تقم فيها أي هيئة بحفائر علمية بعد.
ومهما يكن من الأمر فإن مؤرخي الفنون الإسلامية يسيرون في تقسيم الخزف الإيراني على أساليب شتى؛ فبعضهم يقسمه بحسب عصوره، ويقسمه فريق آخر بحسب المراكز الصناعية التي يرجح نسبته إليها، كما يقسمه فريق ثالث بحسب نوع صناعته وزخارفه. ولعل الأصلح اتباع التقسيم الأول ومعرفة التحف الخزفية التي تنسب إلى القرون الأولى بعد الهجرة، ثم تلك التي ترجع إلى العصور الوسطى الإسلامية، وأخيرا ما صنع منذ القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي). وقد نستطيع بعد ذلك أن نصل في كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة إلى تحديد الإقليم الذي صنعت فيه التحفة وإلى تقسيم التحف مرة أخرى، بحسب أسلوبها الصناعي. أما تحديد التاريخ فإننا نوفق إليه بوساطة دراسة الزخارف وتطورها، والحكم على طراز الكتابة، فضلا عن الاهتداء بالقطع المؤرخة التي نعرف منها حتى الآن زهاء مائتين، يرجع أقدمها إلى سنة 562ه/1166م. (1-1) الخزف الإيراني في فجر الإسلام
لسنا نعرف تماما كيف كانت صناعة الخزف وزخارفه في القرن الأول ونصف القرن الثاني بعد الهجرة. ومن أقدم التحف التي وصلتنا في هذا الميدان ما عثرت عليه البعثة الألمانية في حفائر المدائن
8 (اكتيسيفون) من خزف غير مدهون وآخر ذي طلاء أخضر، فضلا عن الخزف ذي البريق المعدني، كما عثر في إقليم خوزستان على مجموعة خزفية من أزيار كبيرة، بعضها ذو طلاء وبعضها لا طلاء له.
9
أما الزخارف فمطبوعة، وساسانية الطراز، وقوامها في أكثر الأحيان شريط من رسوم الحيوانات، ولكننا نعرف أن صناعة الخزف في نهاية القرن الثاني وفي القرن الثالث بعد الهجرة بدأت في الازدهار، متأثرة بالأساليب الفنية التي أخذها الشرق الأدنى عن الصين في تلك الصناعة.
10
ولا غرو فقد كانت بلاد الجزيرة تجلب الخزف الصيني منذ العصور القديمة، وقد عثر المنقبون عن الآثار في المدائن (اكتيسيفون) وفي سامرا على كميات وافرة من هذا الخزف. (1-2) خزف بلاد ما وراء النهر
كانت بلاد ما وراء النهر وبلاد التركستان إيرانية بحتة إلى القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)؛ بل كانت في عصر الدولة السامانية من أزهر الأقاليم الإسلامية؛ فكان بلاط هذه الدولة في سمرقند محط رحال العلماء والأدباء وموطن النهضة الإيرانية الأولى، وذاع صيت بخارى وسمرقند في العالم الإسلامي كله.
ومن خير الأدلة على مدنية تلك البلاد في القرون الأولى بعد الإسلام ما أنتجته من تحف خزفية تمتاز ببساطتها واتزانها مع جمال ألوانها وإبداع زخارفها ذات المسحة الفنية الممتازة. ولا عجب فإن صناعة الخزف فن قديم في هذا الإقليم. وأكبر الظن أن مركزها كان في مدينة شاش (طشقند الحالية) التي كتب المقدسي عن جودة ما كانت تصدره من خزف، ومدينة أفراسياب التي عثر فيها المنقبون عن الآثار على كميات وافرة من الخزف محفوظة الآن في متاحف سمرقند والهرميتاج وفكتوريا وألبرت وفي برلين. ومعظم هذا الخزف ذو أرضية سوداء أو سمراء، وعليها زخارف يبدو فيها التأليف الحسن، ويظهر فيها لون أحمر لا نكاد نراه في سائر أنواع الخزف الإيراني. وقوام هذه الزخارف رسوم نباتية ومراوح نخيلية (بالمت) ورسوم طيور كالبط والبجع، ثم زخارف بالخط الكوفي الجميل (انظر شكل
71 ) تمتاز كلها بدورانها حول مركز واحد؛ مما يكسبها شيئا من الحركة والخفة. (1-3) الخزف الأبيض ذو النقوش الزرقاء والخضراء
وهذا ضرب من الخزف عثر على كمية منه في أطلال سامرا؛ فنسب في بداية الأمر إلى هذه المدينة، ولكن وجدت منه نماذج أخرى في أطلال مدن إيرانية، ولا سيما الري وساوه وقم. والمرجح الآن أنه من صناعة إيران، وأنه انتشر منها إلى سائر أنحاء الشرق الأدنى حتى لقد وجدت بعض قطع منه في أطلال الفسطاط،
11
وقد لوحظ في بعض الأحيان اختلاف العجينة المصنوع منها؛ مما يدل على أن إنتاجه لم يكن مقصورا على إقليم واحد، بل كان موزعا على مراكز فنية متعددة.
وأكبر الظن أن هذا الخزف كان منتشرا بين القرنين الثالث والخامس بعد الهجرة (التاسع والحادي عشر بعد الميلاد)، كما يدل وجوده في أطلال سامرا التي هجرت سنة 270ه/883م، وأسلوب الخط في الكتابات التي توجد على بعض قطع منه، والتي يمكن نسبتها إلى نهاية القرن الرابع الهجري.
ومعظم منتجات هذا النوع من الخزف سلطانيات أو صحون غير عميقة وبها حافة منبسطة وقاعدة منخفضة جدا؛ مما يجعل وضع السلطانيات أو الصحون في بعضها وإعدادها للتجارة والأسفار أمرا ميسورا. أما الزخارف فبعضها هندسي كالمثلثات والدوائر، والمثلثات المتداخلة والمتصلة على هيئة «خاتم سليمان»، وبعضها نباتي كأوراق المراوح النخيلية (البالمت) والوريدات، وبعض رسوم أخرى كالنخلة المرسومة في سلطانية جميلة محفوظة الآن بالمتحف الأهلي في طهران (انظر شكل
71 ). وقد نرى على بعض الأواني من هذا الخزف كتابات تسير في عرض الإناء من طرف إلى آخر أو ترسم في قاعدته على هيئة مربع. كما نرى أن عددا من الأواني ليس عليه من الزخارف إلا أربع مناطق من «البقع» الخضراء والزرقاء، وعلى بعض القطع إمضاءات مثل: «عمل الأحمر» و«عمل كثير بن عبد الله» و«عمل أبي خالد»، وكلها على قطع وجدت في أطلال سامرا.
12 (1-4) الخزف ذو البريق المعدني
ومما زاد الخزف الإيراني نضارة وجمالا ما وصل إليه المسلمون في إكسابه بريقا معدنيا، يختلف لونه بين الأحمر النحاسي والأصفر الضارب إلى الخضرة، ويغنيهم عن الأواني الذهبية والفضية التي كان رجال الدين في الإسلام يكرهونها لما تدل عليه من ترف وإسراف.
13
وقد عثر المنقبون على نماذج من الخزف ذي البريق المعدني في إيران والعراق ومصر وإفريقية والأندلس، واختلفوا في موطن صناعتها، فنسبها بعضهم إلى إيران، ونسبها آخرون إلى مصر، ونسبها الألمان من رجال الآثار الإسلامية إلى العراق. ويميل كثير من الأخصائيين في الوقت الحاضر إلى الأخذ بهذا الرأي الأخير.
14
والحق أن هذه الصناعة وجدت في إيران والعراق ومصر في فجر الإسلام، وأننا لا نملك من الأدلة ما يجعلنا ننسب ابتداعها إلى قطر من هذه الأقطار الإسلامية، ولكن وجودها في إيران منذ العصور الإسلامية الأولى ثابت بأدلة قوية، فقد عثر في أطلال بعض المدن الإيرانية على قطع خزفية ذات بريق معدني وعليها إمضاء صانعيها، وتدل أسماؤهم التي تغلب عليها المسحة الإيرانية على أنهم من إيران نفسها؛ مما يحمل على ترجيح كون هذه القطع الخزفية مصنوعة في إيران وليست واردة من الخارج. وفضلا عن ذلك فقد وجد في أطلال مدينة ساوه قطعتان تالفتان في الفرن، كما وجدت البعثة الفرنسية في مدينة السوس قطعا أخرى تالفة، وأطلال فرن خزفي وحوامل من التي توضع عليها الأواني لإحراقها في الفرن، بل إن بعض هذه الحوامل عليه آثار المادة المكونة للبريق المعدني. ويجدر بنا ألا نغفل هنا ما كتبه المؤرخون والجغرافيون المسلمون عن شهرة بعض البلاد الإيرانية في إنتاج الخزف اللامع المذهب.
وأصحاب النظرية القائلة بنسبة ابتداع البريق المعدني إلى الإيرانيين يحتجون بأن إيران كانت في القرنين الثاني والثالث بعد الهجرة، قد قطعت شوطا بعيدا في سبيل الحضارة الإسلامية، وكانت لها صناعة خزفية زاهرة، وبأن ما وجد فيها من الخزف ذي البريق المعدني أكثر مما وجد في العراق، فضلا عن أنه وجد في مراكز فنية مختلفة ومتباعدة، بينما لم يوجد بالعراق إلا في سامرا. ثم إن أبدع أنواع الخزف ذي البريق المعدني عثر عليها بإيران في مدينتي الري وساوه. والحق أن الأدلة التي يسوقها القوم لنسبة الفضل في ابتداع البريق المعدني حجج معقولة إلى حد كبير.
ومهما يكن من الأمر فإن البريق المعدني الذي نعرفه في الخزف الإسلامي ذهبي اللون في درجات مختلفة. وتنقسم النقوش ذات البريق المعدني إلى أقسام ثلاثة: الأول نقوش ذهبية اللون على أرضية بيضاء، والثاني نقوش حمراء أو قرمزية على أرضية تكون في أغلب الأحيان بيضاء أيضا، والثالث نقوش متعددة الألوان صفراء وسمراء وزيتونية على أرضية بيضاء. ويتطلب إنتاج الأواني ذات البريق المعدني إحراقها إحراقا أوليا بعد تمام عملية التجفيف، ثم طلاءها بالدهان أو المينا، وهي المادة الزجاجية التي تطلى بها الأواني الخزفية المحروقة إحراقا أوليا، ثم ترسم النقوش فوق الدهان بطبقة دقيقة من الأملاح المعدنية، وتحرق بعد ذاك في فرن خاص إحراقا نهائيا في درجة حرارة منخفضة.
15
ولا يجب أن ننسى أن الخزف ذا البريق المعدني هو أقدم أنواع الخزف الإسلامي التي نرى عليها نقوشا آدمية، وبعض هذه النقوش يدل على براعة نسبية في الرسم وعناية بالخطوط التي تكسب الصورة مسحة خاصة وذاتية قوية. وحسبنا الصحن الموجود في مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم في القاهرة
16 (انظر شكل
73 )، وبريقه المعدني ذهبي اللون على أرضية بيضاء منقطة ويتوسطها رسم شخص يعزف على القيثار، وله قلنسوة مدببة وشارب رفيع، وفي نفس المجموعة صحن آخر عليه رسم سيدة.
ومن أبدع التحف الخزفية من هذا النوع كأس في مجموعة ألفونس كان
Alphonse Kann ، عليها رسم رجل ذي قبعة مدببة ومنتهية بزخرفة تشبه ذيل السمكة، وفي يده راية كبيرة وخلفه رسم طاووس.
17
ويدل رسم الصور الآدمية في التحف التي نعرفها من هذا الخزف ذي البريق المعدني، على أن الفنانين لم يصلوا بعد إلى حد الإتقان في هذا الميدان، على عكس ما أدركوه في الرسوم الزخرفية عامة وفي بعض رسوم الحيوان والطيور، بل الحق أن معظم رسومهم الآدمية ذات تعبير قوي ولكنها بسيطة وتشبه رسوم الأطفال. ومن أبدع النماذج ذات الزخارف المستمدة من عالم الطير كأس في مجموعة برانجوين
Rrangewyn
بمتحف فتزويليام
Fitzwilliam
في مدينة كمبردج؛ فإن على هذه الكأس رسم طاووس جميل يدل بإتقانه، وبمناسبته أرضية الكأس، وبروحه الزخرفية البديعة على توفيق الفنان الذي رسمه توفيقا لا حد له (انظر شكل
72 ).
ويمكننا أن ننسب هذا الخزف ذا البريق المعدني إلى القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة (التاسع والعاشر بعد الميلاد). على أننا لا نستطيع أن ننسب أي قطعة معينة إلى فترة محدودة في هذين القرنين، اللهم إلا إذا راعينا إتقان الرسم وموافقته لسطح الإناء وإبداع الألوان، وما إلى ذلك من دقة الصناعة والزخرفة، مما يحمل على نسبة التحفة إلى فترة متأخرة، كمل فيها تطور الصناعة واستقرت أصولها وقواعدها.
18
وثمة مجموعة من لوحات القاشاني ذي البريق المعدني صنعت بمدينة قاشان في بداية القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وتشبه في رسومها الأواني الخزفية التي تحدثنا عنها في السطور السابقة، حتى ليمكننا أن نتساءل عما إذا كانت صناعة القاشاني ذي البريق المعدني في قاشان ليست وليدة الصناعة التي ازدهرت في القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة. (1-5) تقليد الخزف الصيني
قلد الخزفيون المسلمون في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) بعض أنواع الخزف الوارد من الشرق الأقصى، وعلى رأس هذه الأنواع طراز امتاز بدهانات متعددة الألوان كانت تغطي سطح الإناء على النحو المعروف في ضرب مشهور من الخزف، كان يصنع في الصين في عهد أسرة «تنج»
19 (618-906م)، وقد أتقن المسلمون تقليد هذا الخزف حتى لقد يصعب في بعض الأحيان أن نميز لأول وهلة القطعة الصينية الأصيلة من تقليدها المصنوع على يد الخزفيين المسلمين. وقد عثر المنقبون عن الآثار على قطع من هذا النوع في الري والسوس وإصطخر وساوه وفي بعض البلاد بإقليمي مازندران وتركستان.
والألوان المستعملة في هذا الخزف كثيرة وجميلة، ويسودها الأسمر والأصفر والأخضر، وقد نرى بعض زخارف من دوائر ورسوم نباتية محفورة تحت الدهان، ولكنها لا تظهر بوضوح؛ لأن أول ما يلفت النظر في هذا الخزف هو ألوانه المختلطة البديعة. وأكبر الظن أنه يرجع إلى القرنين الثاني والثالث، وفي بعض الأحيان إلى القرن الرابع بعد الهجرة.
ومن أنواع الخزف الصيني الأخرى التي قلدها المسلمون الخزف الأبيض التام؛ فكانوا يصنعون منه الصحون والسلطانيات ذات الحافة المشطورة بأقواس متقابلة.
20
وقد وفق بعض الخزفيين في إتقان هذا التقليد.
وقصارى القول أن الإيرانيين قلدوا بعض أنواع الخزف الصيني، ثم تطورت منتجاتهم في هذا الميدان؛ فوصلوا إلى أصناف مختلفة لا محل لشرحها هنا. (1-6) الخزف ذو الزخارف المحفورة تحت الدهان
ومما صنعه الخزفيون الإيرانيون في القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة (التاسع والعاشر بعد الميلاد) نوع من الخزف يمتاز بزخارفه «المحزوزة» في عجينة الإناء بأسلوب يذكر بالحفر في المعادن. وأكبر الظن أن صناعته لم تنتشر إلا بعد أن هجر الخليفة العباسي مدينة سامرا ورجع إلى بغداد سنة 270ه/883م؛ لأن المنقبين عن الآثار لم يعثروا في أطلال سامرا على قطع من هذا الخزف.
ومعظم زخارف هذا النوع دوائر وأجزاء من دوائر متشابكة ومتصلة، وقد يكون فيها رسوم حيوانات أو طيور، فضلا عن الوريدات وأوراق الشجر. ولعل أشهر التحف الخزفية من هذا الطراز سلطانية في القسم الإسلامي من متاحف الدولة ببرلين،
21
وسلطانية أخرى كانت سابقا في مجموعة بوتييه
،
22
وسلطانية ثالثة كانت سابقا في مجموعة فينييه
Vignier ، وتمتاز بزخرفتها التي تمثل قرص الشمس في الوسط ويحيط به رسوم أربعة معابد نار، حور اللهيب فوقها عن طبيعته فظهر على هيئة جزء من ورقة شجر.
23
وثمة قسم من هذا النوع يرجح أنه من صناعة مدينة آمل، ويمتاز بأن زخارفه مرتبة في مناطق مكونة من دوائر ذات مركز واحد، وأبدع النماذج المعروفة من هذا القسم سلطانية محفوظة في المتحف البريطاني تختلف فيها هذه المناطق مساحة وزخرفة.
24
وفي معهد الفن بشيكاغو إناء على هيئة قمع فوق قاعدة نصف كروية، ويمتاز بأنه مؤرخ وعليه إمضاء صانعه «يحيى»، ولكن التاريخ غير كامل؛ لأن رقم المئات غير موجود؛ فكل ما نستطيع قراءته هو 83، ولكن المستنبط أن هذا النوع من الخزف صنع بعد القرن الثالث الهجري، وأنه لم يوجد مع خزف آخر من القرن السادس؛ ولذا فإن الأرجح أن التاريخ المقصود هو 383ه/993م، وليس من المستحيل أن يكون 483ه/1090م.
25
وقد لاحظ بعض مؤرخي الفنون الإسلامية كثرة الموضوعات الزخرفية الساسانية على الخزف ذي الزخارف المحفورة تحت الدهان، كما لاحظوا أن بينها رسم معبد النار، ورسم النسر الذي يحمل إلى السماء البطل الذي ينشد الخلود،
26
فأرادوا نسبتها إلى خزفيين من الزرادشتيين في إقليم مازندران، ولكننا لا نظن أن استخدام مثل هذه الزخارف يستلزم أن يكون الصناع من عبدة النار؛ فالحق أن الصانع قد يسير في تزيين منتجاته على بعض أساليب زخرفية موروثة بدون أن يعنى بتفسيرها أو بحث أصولها. (1-7) الخزف في عصر السلاجقة وعصر المغول
وصل الخزفيون الإيرانيون إلى قمة مجدهم الصناعي بين القرنين الخامس والثامن بعد الهجرة (الحادي عشر والرابع عشر بعد الميلاد)؛ فنضجت منتجاتهم، وأتقنوا كل الأساليب الصناعية والزخرفية؛ فكانوا يستخدمون الزخارف المحفورة والبارزة والمخرمة والمجسمة، ويرسمون النقوش فوق الدهان أو تحته، ويحلونها بالتذهيب أو بالبريق المعدني. وإذا استثنينا الصيني فقد عرفوا في ذلك العصر كل أنواع الخزف، وصنعوا منها شتى الأشكال المختلفة في الحجم والمتنوعة في الألوان البراقة الجميلة، وحذقوا رسم الصور الآدمية والحيوانية والنباتية، واستخدموا في رسمها مهرة المصورين والمذهبين، وفتح لهم استخدام الخزف في الزخارف المعمارية بابا جديدا زادهم مثابرة ونشاطا. وتأثروا في بعض الأحيان بالأساليب الفنية الصينية، ولكنهم ظلوا مخلصين للروح الإيرانية في الصناعة والزخرفة. وقد حاولوا تقليد الصيني الوارد من الشرق الأقصى، غير أن الظاهر أنهم لم ينجحوا في ذلك.
والمعروف أن غزو المغول قضى على أكبر مراكز الصناعة الخزفية في إيران؛ فدمرت مدينة الري سنة 617ه/1220م ومدينة قاشان سنة 621ه/1224م، ولكن الراجح أن صناعة الخزف نفسها لم تتأثر بذلك إلى حد كبير، اللهم إلا في كمية الإنتاج. وخير دليل على ذلك أن بعض التحف الخزفية الجميلة عليها تواريخ تثبت أنها صنعت بعد الغزو المغولي بزمن غير طويل. (1-8) خزف ذو زخارف محفورة
صنع الخزفيون الإيرانيون في نهاية القرن الرابع وفي القرنين الخامس والسادس وبداية القرن السابع بعد الهجرة أنواعا مختلفة من الخزف ذي الزخارف المحفورة، منها نوع أبيض ورفيع وغاية في خفة الوزن ومحفور فيه زخارف دقيقة أو محلى برسوم بارزة بروزا خفيفا، وتتكون من أوراق شجر محورة عن الطبيعة أو من فروع نباتية (انظر شكل
76 -
77 ). وقد نرى بينها كتابات كوفية،
27
وعمد الخزفيون في بعض الأحيان إلى زخرفة الإناء بخروم في بدنه تسد بوساطة الدهان، وينفذ الضوء منها فيزيد سائر الزخرفة ظهورا ويكسب التحفة رقة عجيبة. وأبدع القطع من هذا النوع محفوظة في المتحف البريطاني وفي متحف فكتوريا وألبرت بلندن. وأكبر الظن أن معظمها من صناعة قاشان حوالي القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، ومن المحتمل أن بعض هذا الخزف كان يصنع في مدينة الري وفي أصفهان وقم.
ومن الخزف ذي الزخارف المحفورة نوع آخر أزرق أو أخضر، ويمتاز أيضا برفعه وخفة وزنه وزخارفه المحفورة حفرا متقنا، ولا سيما في رسوم الحيوان والطير. ومن أجمل التحف المعروفة من هذا النوع صحن في مجموعة يومورفوبولوس
Eumorfopoulos ، ومعظمها ينسب أيضا إلى قاشان في القرن الخامس الهجري.
على أن أبدع أنواع الخزف ذي الزخارف المحفورة ما امتاز بتعدد ألوانه وسيادة العنصر التصويري فيه. أما الألوان التي شاع استعمالها في هذا الضرب من الخزف فهي الأزرق بدرجاته المختلفة، والأخضر المائل إلى الزرقة، والأخضر الفاتح، والأحمر الأرجواني، والأصفر الفاتح، فضلا عن لون الباذنجان بين السواد والحمرة. ومعظم التحف الباقية من هذا النوع صحون واسعة. على أن مجموعة باريش وطسون
فيها إناء من نوع الألبارلو
albarello ،
28
وفي مجموعة السر أرنست ديبنهام
Debenham
كأس، وفي المتحف البريطاني وعاء غريب الشكل
29
يظن أنه وعاء للحلوى، أما زخارف هذا النوع فطيور كالطاووس والغزال والإوز والصقر، أو كائنات خرافية كأبي الهول والطائر الذي له وجه سيدة. وتظهر الزخرفة على أرضية صفراء فاتحة أو بيضاء وتزينها رسوم فرع نباتية.
وأجمل التحف المعروفة من هذا النوع صحن من مجموعة يومورفوبولوس
Eumorfopoulos
عليه رسم شخص في ملابس فضفاضة يرقص بين موسيقيين فوق دكة يحملها كلبان أو ضبعان.
30
وفي القسم الإسلامي من متاحف الدولة ببرلين صحن مشهور عليه رسم ديك في وضع زخرفي، وعليه طابع العظمة والقوة (انظر شكل
80 )، وفي متحف كليفلاند صحن آخر كان في مجموعة أيفريت ماسي
Everit Macy
وفيه رسم باز أنقض على ديك رومي (انظر شكل
79 ). وفي مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم صحن جميل عليه رسم طائر له وجه سيدة، كما أن المتحف المتروبوليتان بنيويورك فيه بعض صحون من هذا النوع. وعلى كل حال فإن هذا الخزف ينسب أيضا إلى الري وقاشان في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي).
وثمة نوع رابع من الخزف ذي الزخارف المحفورة، نرى الرسوم فيه محفورة حفرا دقيقا تحت الدهان، ويستعمل فيه اللون الأصفر والأسمر والذهبي والأخضر ولون الباذنجان، ولكنا نجد الألوان مفصولة بعضها عن بعض، كما يبدو ذلك في المثلثات الصغيرة التي تزين حافة الإناء وتكون زخرفة كأسنان المنشار. ومعظم زخارف هذا الخزف طيور تقوم على أرضية من الأغصان والفروع النباتية.
31
ومما يلفت النظر أن سلطانيتين من هذا النوع عليهما اسم صانعهما «أبو طالب»، وإحداهما في متحف اللوفر والأخرى في معهد الفن بمدينة شيكاغو . (1-9) خزف جبري
ومن أعظم أنواع الخزف الإيراني شأنا في العصر الإسلامي نوع قائم بذاته، ويعرف باسم «جبري» وهو اسم عبدة الشمس في إيران. وقد نسبه تجار العاديات وغيرهم إلى عبدة الشمس؛ لأنهم ظنوه من صناعتهم قبل أن ينتشر الدين الإسلامي في كل الأقاليم الإيرانية. ولعل الذي دفع إلى هذا الزعم ما نراه في رسوم هذا الخزف من حيوان وطيور لا ينتظر أن يقدم المسلمون على استخدامها، فضلا عن أن بعض الزخارف البارزة في هذا الخزف تشبه الزخارف التي استخدمت في الأواني الفضية التي تنسب إلى العصر الساساني.
كان هذا الخزف ينسب إذن إلى القرنين الأول والثاني بعد الهجرة (السابع والثامن بعد الميلاد)، ولكن حدث أن كشفت بعض قطع منه ووجد عليها كتابات بحروف كوفية، تجعل من الراجح نسبتها إلى القرنين الرابع والخامس بعد الهجرة (العاشر أو الحادي عشر)؛ فمن المحتمل أن يكون خزف «جبري» من منتجات إيران في الأربعة القرون الأولى بعد الفتح الإسلامي.
وعلى كل حال فإن الزخارف في هذا الضرب من الخزف تكون في الغالب من كتابات كوفية، ومن رسوم طيور أو حيوانات حقيقية أو خرافية، ولا سيما الأسد والثور والجمل وأبو الهول والغريفون والباز والطاووس والنسر، ولكنها محفورة حفرا عميقا في الطبقة البيضاء الرقيقة التي تكسو السطح بحيث يصل هذا الحفر إلى العجينة الحمراء المصنوع منها الإناء. وتعلو العجينة والطبقة البيضاء التي تغطيها مادة زجاجية شفافة ذات لون أصفر أو أخضر أو أسمر قاتم.
ولعل أكثر ما يلفت النظر في هذا النوع من الخزف مظهر الحياة والقوة التي تبدو على رسومه الزخرفية. وفي مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم بالقاهرة نماذج طيبة جدا تمثل أكثر الأصناف المعروفة منه، والتي يطلق على كل منها اسم المدينة الإيرانية التي يظن أنه عثر عليه فيها مضافا إلى اسم «جبري» الذي يطلق على تلك الأصناف مجتمعة.
وصفوة القول أن هذا الخزف شعبي إلى حد كبير، وصناعته تذكر بالأساليب الفنية الساسانية، وتختلف عن الخزف الذي كان يصنع للبلاط وكبار رجال الدولة. وطبيعي أن الفن الشعبي يكون أكثر تمسكا بالأساليب الفنية الموروثة من فنون البلاط.
وقد عثر على معظم هذا الخزف في إقليمي كردستان ومازندران؛ فلفت النظر منذ البداية بقوة رسومه وبإتقان توزيعها في قاع الإناء وجوانبه، وبإبداع لونه ولا سيما الأخضر منه.
ومن أثمن التحف المعروفة من هذا الخزف سلطانية في مجموعة جنتر
F. h. Gunther
عليها رسم نسر عظيم (انظر شكل
82 )، وسلطانية أخرى في مجموعة واربرج
Warburg
عليها رسم دقيق وجميل النسب لنسر فوق أرضية من وريقات نباتية،
32
وسلطانية في معهد الفن بمدينة شيكاغو عليها زخرفة من كتابة بالخط الكوفي فوق أرضية من الأغصان والفروع النباتية.
33
والظاهر أن بعض هذه الكتابات كان يشمل إمضاء الصانع، كما نرى في قنينة بمجموعة أوسكار رفائيل
Oscar Raphael
عليها اسم محمود بن إبراهيم بن عبد الوهاب، وفي سلطانية بمجموعة المستر بوب
عليها اسم بدر مكررا ثلاث مرات.
34
وفي دار الآثار العربية بالقاهرة بعض الأواني النفيسة من خزف «جبري»، أعظمها شأنا كأس كانت في مجموعة بوتييه
وعليها رسم جمل باللون الأصفر الفاتح فوق أرضية سمراء.
35 (1-10) خزف مازندران
امتاز إقليم مازندران بإنتاج ضروب معينة من الخزف، أشهرها ثلاثة تنسب إلى ثلاث مدن؛ هي ساري وآمل وأشرف.
فالنوع المنسوب إلى ساري يرجعونه إلى نهاية القرن الرابع وإلى القرن الخامس بعد الهجرة، ومعظمه سلطانيات عليها زخارف تحت الدهان من رسوم متعددة الألوان تمثل طيورا خرافية على أرضية بيضاء. وبين الأمثلة المعروفة من هذا النوع سلطانية في مجموعة لويزون
Lewisohn ،
36
وأخرى في مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم، والأخيرة عليها رسم تخطيطي لطائر باللون الأسمر فوق أرضية صفراء فاتحة، وتحته ثلاثة خطوط مزدوجة ينتهي كل منها بدائرة تحدها منطقة لونها بني غامق، وفي الدائرة منطقتان: سمراء وبيضاء ثم خضراء وسوداء (انظر شكل
88 ).
أما آمل فينسب إليها خزف أبيض عليه زخارف محفورة، وفيه خطوط ونقط باللون الأخضر أو بلون الباذنجان. وإذا استثنينا إناء مكسورا وأصله على هيئة الألباريلو؛
37
فإن المعروف من هذا الخزف صحون كبيرة وثقيلة الوزن، ذات عجينة ضاربة إلى الحمرة، وعليها غشاء لونه أبيض أو أصفر فاتح. ومن الزخارف التي نراها عليه رسوم الإوز والبط والسمك والسباع والغزلان والطواويس، وبعض هذه الزخارف مرتب بأسلوب يذكر بالمنسوجات والتحف المعدنية الساسانية.
وفي مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم سلطانية من هذا الخزف، قوام زخارفها مناطق دائرية متحدة المركز، وفي وسطها رسم طائر. وقد كانت هذه التحفة النفيسة في مجموعة بوتييه
.
38
وينسب تجار الآثار الإيرانية إلى مدينة أشرف نوعا غير جيد من الخزف، يمت ببعض الصلة إلى الخزف المصنوع في آمل، ولكنه أثقل منه وزنا وسمكا، ودهانه أصفر، عليه رسوم بسيطة باللون الأخضر، يغلب أن تكون في حافة الإناء، بينما نرى في وسطه جامات محفورة تحت الدهان حفرا عميقا. وأكبر الظن أن هذا الخزف المصنوع في آمل وفي أشرف يرجع إلى القرنين السابع والثامن بعد الهجرة (الثالث عشر والرابع عشر بعد الميلاد). (1-11) خزف مدينة الري
كانت مدينة الري منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) من أعظم بلاد العالم الإسلامي، فكتب عنها ابن حوقل أنها أجمل مدن الشرق بعد بغداد. وكتب ياقوت الحموي: «فأما الري المشهورة فإني رأيتها وهي مدينة عجيبة الحسن مبنية بالآجر المنمق المحكم الملمع بالزرقة، مدهون كما تدهن الغضائر ... وكانت مدينة عظيمة خرب أكثرها. واتفق أنني اجتزت في خرابها في سنة 617 وأنا منهزم من التتر فرأيت حيطان خرابها قائما، ومنابرها باقية، وتزاويق الحيطان في حالها؛ لقرب عهدها بالخراب، إلا أنها خاوية على عروشها.»
39
ثم نقل ياقوت ما كتبه الإصطخري في كتاب «الممالك والمسالك»؛ حيث قال: «وهي مدينة إذا جاوزت العراق إلى المشرق فليس مدينة أعمر ولا أكبر ولا أيسر أهلا منها إلى آخر الإسلام إلا نيسابور فإنها في العرضة أوسع، فأما اشتباك الأبنية والعمارة واليسار فإن الري تفضلها.»
40
وقد أيدت الحفائر في أنقاض هذه المدينة ما كتب عن فخامة بيوتها وازدهار الصناعات الفنية فيها، ولا سيما الخزف والمنسوجات والتحف المعدنية. وأكبر الظن أن الري كان لها في ذلك العصر ما نراه الآن في بعض المدن الكبيرة من تركز المصانع في الضواحي. ولعل وجود المصانع الكبيرة في الضواحي والقرى التابعة للري هو الذي أنقذها إلى حد ما من الخراب الذي جره غزو المغول على كثير من المدن الكبرى في الشرق الأدنى.
والمعروف أن سلاطين السلاجقة كانوا من أعظم رعاة الفن في التاريخ الإيراني، وقد كان طغرل الثاني - آخر الذين حكموا منهم في إيران - شديد العناية بالفن والفنانين؛ فبلغت في عصره (573-592ه/1177-1194م ) الصناعات الفنية في مدينة الري أوج عظمتها. وكان على رأس هذه الصناعات - بل أعظمها على الإطلاق - صناعة الخزف.
وقد عقد البيروني في كتابه «الجماهر في معرفة الجواهر» فصلا في ذكر القصاع الصينية، كتب فيه:
وكان لي بالري صديق من الباعة أصبهاني، أضافني في داره؛ فرأيت جميع ما فيها من القصاع والإسكرجات والنوفلات والأطباق، والأكواز والمشارب، حتى الأباريق والطسوس والمحارض والمنارات والمسارج وسائر الأدوات، كلها من خزف صيني؛ فتعجبت من همته في ذلك في التجمل.
41
ولكن وفاة طغرل الثاني وغارة أمراء خوارزم شاه، وما ترتب على ذلك من الاضطراب، جر على مدينة الري خسارة كبيرة، قبل أن يضربها المغول الضربة العظمى سنة 621ه/1224م. على أن موقعها في ملتقى الطرق الرئيسية في إيران أتاح لها أن تقوم ثانية، وأن تستعيد قسطا وافرا من مكانتها الأولى في التجارة والصناعة.
42
ومهما يكن من الأمر فإن مدينة الري كانت من أعظم مراكز الصناعة الخزفية في إيران، إن لم تكن أعظمها على الإطلاق. ولا غرو أن نسب إليها مؤرخو الفنون أصنافا عديدة من الخزف.
فثمة تحف خزفية عثروا على نماذج قليلة منها في الري وفي بلاد الجزيرة، وهذه التحف - في أكثر الأحيان - أطباق غير عميقة ولها حافة منبسطة، أما طلاؤها فأبيض اللون كالقشدة، وعليه طبقة من المينا. وأهم الزخارف التي استخدمت في هذا النوع رسم البراق، فضلا عن الطيور والبط والإوز. ولعل أبدع القطع المعروفة من هذا الخزف طبق في القسم الإسلامي من متاحف برلين، وعليه رسم نسر أو ديك كبير، ثم طبق آخر في مجموعة يومور فوبولوس بلندن، وعليه رسم منظر رقص وموسيقى فوق مرسح يسنده حيوانان ضاريان. أما أهم الألوان المستخدمة في هذه المجموعة المنسوبة إلى القرنين الخامس والسادس بعد الهجرة (الحادي عشر والثاني عشر بعد الميلاد)، فهي الأزرق والأخضر والأرجواني.
وقد كان لمدينة الري المكانة الأولى في استخدام الخزف ذي البريق المعدني في شتى أنواع المنتجات الخزفية؛ كالأواني والمحاريب والمقاعد والموائد والتماثيل الآدمية والحيوانية. واختلفت الزخرفة بالبريق المعدني في هذا العصر عما عرفناه عنها في العصر السابق؛ فأصبحت الأرضية هي التي تغطى بالبريق المعدني، بينما نرى رسوم الأشخاص بيضاء محجوزة في تلك الأرضية. وقد كان الشائع في العصر السابق أن صور الأشخاص هي التي تغطى بالبريق المعدني دون سائر الأرضية.
وقد استعمل الخزفيون في الري عددا وافرا من الزخارف الهندسية والنباتية، ورسموا معظم الحيوانات التي عرفوها في ذلك الوقت، ولا سيما الأرنب وكلب الصيد، كما اتخذوا بعض الزخارف من مناظر الرقص والطرب والموسيقى والصيد ولعب الصوالجة (البولو) والحفلات الرسمية، بل لقد رسم أحدهم صورة طبيب يفصد سيدة أنيقة، وذلك في قاع سلطانية محفوظة في القسم الإسلامي من متاحف برلين.
43
وتمتاز التحف الخزفية البديعة ذوات البريق المعدني من صناعة الري بوضوح رسمها وصفائه وبإبداع تأليف زخارفها، كما يتجلى مثلا في الصحن المحفوظ في مجموعة برانجوين بمتحف فكتوريا وألبرت، وهو يرجع إلى القرن الخامس أو السادس بعد الهجرة (الحادي عشر أو الثاني عشر بعد الميلاد)، وقوام زخرفته رسم فارس جليل المنظر فوق حصان من الجياد الكريمة (انظر شكل
78 ).
ويظهر توفيق الفنان في تصوير الحركة على إبريق في معرض فرير
Freer Gallery
تتكون زخرفته من رسم ثعلب يطارد أرنبا (انظر شكل
88 ). كما أن بعض الخزفيين كانوا يقلدون شكل الأواني المعدنية. ومن أمثلة ذلك إبريق في مجموعة بلزبري
A. Pillsbury
يرجع إلى نهاية القرن السادس الهجري (انظر شكل
84 ).
وقد اتخذت الفنون الإيرانية اتجاها جديدا منذ نهاية القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)؛ فصارت الدقة والظرف والأناقة تغلب عليها شيئا فشيئا. ولا غرو فقد ازدهرت فنون الكتاب، وظهر تأثير المذهبين والمصورين على سائر الفنون، كما نرى جليا في سلطانية بمعهد الفن في شيكاغو
44
مؤرخة من محرم سنة 587ه/1191م،
45
وتمتاز عدا ذلك بما ذاع في ذلك الوقت من الميل إلى الزخرفة باتخاذ الخطوط أو الدوائر لتقسم سطح الآنية إلى مناطق تكسب الرسم شيئا من الأناقة والاتزان.
وكثر في ذلك العصر اتخاذ الحروف الكوفية لتزيين حافة الآنية. وكان الفنانون يعنون في بعض الأحيان برسم تلك الحروف فيمكن قراءتها، كما كانوا يرسمونها في أحيان أخرى بطريقة تبعدها عن أصولها وتجعلها زخرفة شبه كتابية. واستعملوا كذلك الخط «المحقق»
46
في الكتابة التي تدور حول حافة الإناء.
وكان الخزفيون في مدينة الري يصنعون لوحات القاشاني ذي البريق المعدني، ولكن منتجاتهم في هذا الميدان لم تصل إلى حد كبير من الإتقان، كما كان بعضهم ينقش بالبريق المعدني البلاطات المصنوعة من الملاط، على النحو الذي نراه في قطعة محفوظة في مجموعة كلكيان
Kelekian ، رسم عليها أربعة أشخاص تحيط برءوسهم هالات من النور، ويركب أحدهم حمارا أو فرسا،
47
وقد يكون المقصود رسم السيد المسيح - عليه السلام - داخلا بيت المقدس، وربما كان الفنان الذي رسم هذا المنظر مسيحيا، ولكننا لا نوافق الدكتور توماس أرنولد في قوله بأن كثيرين من الفنانين في مدينة الري كانوا من المسيحيين؛ لما نراه من إقبالهم على استعمال الصور الآدمية في منتجاتهم؛
48
فقد مر بنا أن الفنانين المسلمين لم يتركوا تصوير المخلوقات الحية تركا تاما؛ فضلا عن أننا نرى مثل هذه الصور في منتجات مدن إيرانية بعيدة كل البعد عن المراكز الدينية المسيحية في الشرق الأدنى.
ولم تكن التحف الخزفية ذوات البريق المعدني من صناعة الري ذات لون واحد، بل استعملت فيها ألوان أخرى إلى جانب البريق المعدني، كما يظهر في محراب خزفي صغير في دار الآثار العربية بالقاهرة، مؤرخ من سنة 585ه/1189م ونرى فيه اللون الفيروزجي.
49
ولا ريب في أن الخزفيين بمدينة الري كانوا مغرمين بالتجديد والتنويع في منتجاتهم الفنية، وأنهم أصابوا حظا وافرا جدا من التوفيق في زخارف بعض هذه المنتجات وإبداع ألوانها وجمال أشكالها، ولكنهم عمدوا منذ القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) إلى زيادة الكميات التي كانوا ينتجونها، وإلى العمل للسوق العادي وأصحاب الذوق الفني المتوسط، كما أقبلوا في بعض الأحيان على تقليد الأنواع الجديدة التي كانت تصنع في بعض المراكز الفنية الإيرانية الأخرى؛ فكانت نتيجة ذلك أن انحطت أنواع الخزف ذي البريق المعدني في مدينتهم. •••
ولكن ضربا جديدا من التحف الخزفية قدر له أن يصبح فخرا لمدينة الري في تاريخ الفنون الإسلامية، ونقصد بذلك الخزف المصنوع من عجينة ملونة ومغطاة بطلاء قصديري معتم، ترسم فوقه الزخارف بالألوان المختلفة من أزرق وأسود وأخضر وأسمر وأحمر. ويتجلى في هذه الزخارف التأثر العظيم بفن التصوير في المخطوطات من منتجات المدرسة السلجوقية.
50
وكان التذهيب في بعض الأحيان يزيدها حسنا وبهاء.
ومعظم التحف الخزفية المصنوعة من هذا النوع أكواب وأباريق وصحون غير عميقة وسلطانيات مستديرة الجسم أو ذات أضلاع. ومن الأواني التي كثر استخدامها في ذلك الوقت قنينة جسمها بيضي الشكل بين قاعدة صغيرة ورقبة دقيقة تنتهي بأسطوانة سميكة قبل الفوهة (انظر شكل
94 ).
أما زخارف هذه التحف فتكثر فيها رسوم أمراء وأميرات بين رجال الحاشية ونسائها، أو رسوم صيد وقتال وطرب وفروسية. وقد أصاب الفنانون في هذه الزخارف حظا وافرا من التوفيق، كما يظهر مثلا في قنينة محفوظة في مجموعة باريش وطسن
(انظر شكل
94 )، وفي إناء من مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم (انظر شكل
95 )، وكأس في متحف اللوفر بباريس،
51
وفي سلطانية من مجموعة دافيد
David (انظر شكل
91 )، وتمتاز الأخيرة بأن قوام زخرفتها فروع نباتية يحف بها رسم طائرين ورسم حيوانين خرافيين، لكل منهما جناحان ورأس سيدة.
وقد وصلت إلينا أسماء ثلاثة فنانين من الذين عملوا في إنتاج هذا الخزف، وهم: علي بن يوسف، وقد جاء اسمه على سلطانية في معرض فرير
Freer Gallery .
52
والثاني أبو طاهر حسين، وقد جاء اسمه على سلطانية في دار الآثار العربية،
53
وعمله أقل جودة من عمل زميله علي بن يوسف. أما الفنان الثالث فاسمه حسين، وقد جاء هذا الاسم على سلطانية في مجموعة بارلو
J. A. Barlow .
54
ومهما يكن من الأمر فإن هذا الخزف ذا الزخارف المنقوشة فوق الدهان - والذي يعرف باسم مينايي - قد صنع بمدينة الري في النصف الثاني من القرن السادس وفي القرن السابع الهجري (في النصف الثاني من القرن الثاني عشر، وفي القرن الثالث عشر بعد الميلاد)، وقد عثر على أجمل القطع المعروفة منه في أطلال تلك المدينة، كما عثر في أطلالها أيضا على التحفة الوحيدة المؤرخة من هذا الخزف، وهي السلطانية المحفوظة في المتحف البريطاني، والتي ترجع إلى سنة 640ه/1242م،
55
وقد كانت سابقا في مجموعة فرنون ويذرد
Vernon Wethered . (1-12) خزف مدينة قاشان
لا ريب في أن قاشان تستحق في تاريخ الخزف الإيراني مكانة تفوق ما ظنه مؤرخو الفنون الإسلامية في السنين الأخيرة. والواقع أن ما نعرفه عن هذه المدينة أقل بكثير مما نعرفه عن سائر المدن الإيرانية الكبيرة مثل تبريز وهراة والري، ولكن حسبنا - لبيان ما كان لها من عظيم الشأن في تاريخ الفنون الإيرانية - أن كلمة «قاشاني» تستعمل للدلالة على بعض أنواع الخزف حتى اليوم، بعد أن كانت في العصور الوسطى تطلق على الخزف المصنوع في تلك المدينة، كما يظهر من قول ياقوت في معجم البلدان:
قاشان مدينة قرب أصبهان تذكر مع قم، ومنها تجلب الغضائر القاشاني، والعامة تقول: القاشي.
وفضلا عن ذلك فقد ازدهر فيها فن تحسين الخط وصناعة التحف المعدنية، وقد عثر في أطلال قاشان على كميات وافرة من شتى أنواع الخزف، كما عثر فيها على بعض الأفران وعلى نحو ثلاثين قطعة تالفة أثناء حرقها في الفرن؛ مما يدل على أنها صنعت في قاشان ولم تصدر إليها من مراكز صناعية أخرى. كما أن الجغرافيين والرحالة في العصور الوسطى لاحظوا استعمال الخزف المصنوع بمدينة قاشان في كثير من العمائر الجميلة في شتى أنحاء العالم الإسلامي.
وقد جاء كشف المخطوط الذي وجد في إستانبول مؤيدا لما نعلمه عن قاشان في صناعة الخزف؛ فإن مؤلفه أبا القاسم عبد الله بن علي بن محمد بن أبي طاهر أخصائي في هذه الصناعة، كتبه في قاشان سنة 700ه/1300م، ووصف فيه بعض العمليات الفنية في عمل الخزف، وتحدث عن مصادر بعض المواد المستعملة فيه؛ ولا غرو فقد كان من أسرة ذاعت شهرة أفرادها في هذا الميدان، ولا تزال أسماء أخيه يوسف بن علي بن محمد وأبيه علي بن محمد وجده محمد بن أبي طاهر بن أبي حسن باقية على بعض الآثار الفنية الخزفية المعروفة
56 (انظر شكل
35 ).
ومن الخزفيين الذين ذاعت شهرتهم في قاشان أبو زيد وعلي ابنا محمد أبي زيد، وقد اشتغلا بصناعة الخزف ذي البريق المعدني في بداية القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، وجاء اسم أبي زيد على أحد المحاريب في حرم ضريح الإمام رضا بمدينة مشهد.
57
وتاريخ هذا المحراب 612ه/1215م، ومنهم كذلك الحسن بن عربشاه الذي جاء جاء اسمه على محراب من القاشاني ذي البريق المعدني والزخارف البارزة، أصله من جامع الميدان في قاشان ومؤرخ من سنة 623ه/1226م، ومحفوظة الآن في القسم الإسلامي من متاحف الدولة في برلين (انظر شكل
28 )، وجاء اسم هذا الفنان أيضا على بعض لوحات من محراب محفوظ الآن في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
كما أننا نعرف خزفيين آخرين من قاشان مثل علي الحسيني كاتبي، الذي نجد إمضاءه على محراب في متحف الهرميتاج، وحسين بن علي بن أحمد، وقد جاء اسمه على محراب في المتحف المتروبوليتان بنيويورك،
58
وعبد الله بن محمود بن عبد الله الذي نرى إمضاءه على لوحة من القاشاني مؤرخة من سنة 612ه/1215م، وموجودة في حرم ضريح الإمام رضا بمدينة مشهد.
59
والحق أن تلك المحاريب التي تحدثنا عنها الآن تعد من أبدع الآثار الفنية التي أنتجها الخزفيون الإيرانيون في كل العصور. وإذا حكمنا بما نراه في هذه النماذج المعروفة من دقة وإتقان وإبداع ألوان أدركنا أن صناعتها لم تكن مجهولة في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وأنها ارتقت بعد ذلك حتى وصلت إلى الازدهار الذي عرفناه. •••
واستطاع الإيرانيون إتقان صناعة النجوم والتربيعات من الخزف ذي البريق المعدني لكسوة الجدران، ونمت هذه الصناعة نموا عظيما بين القرنين السادس والثاني عشر بعد الهجرة (الثاني عشر والثامن عشر بعد الميلاد). وكانت تلك النجوم الخزفية آية في دقة الصناعة وجمال اللون وإبداع الرسوم النباتية والحيوانية والآدمية التي تزينها. أما سائر الألواح الخزفية التي كانت تكسى بها الجدران، فكانت زخارفها بارزة وتزينها الكتابة الكوفية والنسخية.
وقد اشتهرت قاشان على الخصوص بصناعة اللوحات ذات البريق المعدني من مختلف الأحجام والأشكال، فمنها النجمية والصليبية الشكل وذات الأضلاع المتعددة. وكانت في البداية ملساء ذات زخارف منقوشة فحسب، ولكن بعضها أصبح منذ نهاية القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) ذا زخارف بارزة قليلا. ومهما يكن من الأمر فإنا نجد على هذه اللوحات زخارف مختلفة بين رسوم آدمية وحيوانية ونباتية
60 (انظر شكل
106 )، ويظهر فيها كلها التأثر بفن تصوير المخطوطات.
وقد وصلتنا أسماء ثلاثة فنانين ممن اشتغلوا بصناعة تربيعات القاشاني ذي البريق المعدني: وهم أبو زيد أو أبو رفضة وفخر الدين وجمال الدين، وأعظمهم شأنا هو أبو زيد أو أبو رفضة، وقد عمل في بداية القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، كما يظهر من القطع المؤرخة التي عليها اسمه والتي نرى إحداها في دار الآثار العربية بالقاهرة.
61
وثمة قطع أخرى تشبه هذه القطع الممضاة، حتى لترجح نسبتها إلى هذا الفنان أيضا، ومنها أقدم النجوم المعروفة على الإطلاق، وهي في دار الآثار العربية أيضا، وتاريخها سنة 600ه/1203م، وعليها رسم أربع سيدات فوق أرضية من الزخارف النباتية.
62
ولما زاد تأثر الفنون الإيرانية بالأساليب الفنية الصينية في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) استعمل صناع اللوحات الخزفية رسوم الحيوانات الخرافية الصينية كالتنين والعنقاء، كما يتجلى في قطعتين جميلتين من مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم، معروضتين الآن في دار الآثار العربية.
ولكن صناعة تلك التربيعات القاشانية بدأت في الاضمحلال منذ نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي)؛ فساء نوع البريق المعدني والزخارف النباتية التي كانت أرضية للرسم الرئيسي. ولعل ذلك ناشئ من الإقبال على صناعة الفسيفساء الخزفية التي كانت أقل نفقة وأكثر ملاءمة لتغطية المساحات الواسعة.
وأكبر الظن أن نشاط الخزفيين في قاشان لم يكن وقفا على المحاريب والتربيعات القاشانية، بل لقد أنتجوا ضروبا طيبة جدا من الأواني والتحف ذوات البريق المعدني، استعملوا فيها معظم الرسوم التي عرفناها في زخارف المحاريب والتربيعات، حتى ليمكننا في بعض الأحيان أن ننسب بعض هذه التحف أو الأواني إلى الفنانين الذين جاءت أسماؤهم على بعض المحاريب والتربيعات.
ولعل أبدع الأواني المصنوعة في قاشان سلطانية في مجموعة هافماير
Havemayer ، مؤرخة من سنة 607ه/1210م، وفيها رسم أمير جالس بين نساء من حاشيته.
63
ولا ريب في أن صانع هذه التحفة فنان من الطراز الأول، كما يتجلى في اتزان الزخرفة وفي تمييزه سحنة الأمير تمييزا يكاد يجعل رسمه صورة شخصية.
وقد يكون هذا الفنان نفسه أو أحد تلاميذه صانع الصحن المشهور في مجموعة يومورفو بولوس
Eumorfopoulos (انظر شكل
87 ). وقوام الزخرفة في هذه التحفة رسم خسرو يفجأ شيرين تستحم؛ فنراها في مجرى ماء جلس أمامه خسرو مأخوذا بمنظر الغانية في الماء، وفي حافة الإناء كتابة بالخط النسخي قد محى الزمن بعضها، كما أعيدت كتابة بعض كلمات فيها، وقد قرأ الأستاذ فييت هذه الكتابة كما يأتي:
64 [ا]لسعادة والسلامة والكرامة والنعمة ... الأمير اسفهسلار الكبير العالم العادل المؤيد المظفر المجاهد نصرة الإسلام والمسلمين ... الملوك والسلاطين سيد الأ[مراء] [اسفه]سلار الكبير العالم العادل المؤيد المظفر المنصور ... [ح]سام أمير المؤمنين أعز الله أنصاره وضاعف اقتداره، صنعه السيد شمس الدين الحسيني في شهر جمادى الآخر سنة سبع وستمائة ه[جرية].
وصفوة القول أن قاشان كانت مركزا عظيما جدا من مراكز الصناعة الخزفية، وأن شهرة مصانعها ذاعت في بلاد الشرق الإسلامي قاطبة بين القرنين السادس والثامن بعد الهجرة (الثاني عشر والرابع عشر بعد الميلاد)؛ بل إنها لم تفقد هذه المكانة في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، وحسبنا دليلا على ذلك التربيعة القاشانية المحفوظة في المتحف المتروبوليتان والمؤرخة من سنة 860ه/1455م، والتي لم تفقد ما نعرفه من منتجات قاشان من دقة الصنعة وجمال الزخرفة.
ويمتاز الخزف ذو البريق المعدني من صناعة قاشان بأن معظم موضوعاته الزخرفية كانت توضيحية، وبأن الفنان لا يخص صورة شخص بقسط أوفر من عنايته، بل يوزعها على كل أجزاء الرسم، على عكس ما نعرفه في الخزف المصنوع بمدينة الري. كما عني الفنان برسم الفروع النباتية المتصلة (الأرابسك) رسما دقيقا يغطي معظم الأرضية، وأكثروا من رسم البركة ذات السمك. وبين موضوعاتهم الزخرفية النباتية رسم وريقات شجر فيها صفوف منحنية من نقط متجاورة، ورسم وريقات أخرى ذات خمسة فصوص ورسم شجرة السرو، التي نرى عليها في معظم الأحيان صورة الطائر المعروف باسم «أبو قردان». أما الطيور التي أقبلوا على رسمها في زخارفهم فأهمها أبو قردان هذا ثم البطة والقنبرة والحمامة.
وقد عرف الخزفيون في قاشان صناعة التحف المصنوعة من عجينة ملونة، والمغطاة بدهان فوقه الزخارف بالألوان المختلفة. وقد كان هذا الضرب من الخزف (مينايي) ينسب إلى مدينة الري دائما، حتى عثر على بعض قطع جميلة منه في أرض قاشان، ثم كشف مخطوط إستانبول.
65
والحق أن قصب السبق في إنتاجه كان لمدينة الري دائما، وأن الخزفيين في قاشان لم يتقنوه تماما ولم يثابروا على إنتاجه مدة طويلة، ومع ذلك فقد وصلتنا بعض تحف جميلة منه يرجح أنها من صناعة قاشان. ومنها سلطانية في مجموعة ليهمان
، عليها نقوش فوق الدهان وفيها تذهيب، وقوام زخرفتها رسم شخصين بينهما شجرة وحولهما فرعان نباتيان ورسم طيور صغيرة (انظر شكل
92 ).
وفي دار الآثار العربية بالقاهرة تربيعتان من القاشاني المموه بالمينا، أرضيتهما زرقاء فيروزية اللون وعليهما زخارف من فروع نباتية مزهرة ومذهبة وقليلة البروز، وعلى إحداهما رسم فارسين يحث كل منهما مطيته على العدو إلى الجهة اليسرى، بينما نرى على الأخرى رسم بهرام جور وحبيبته في الصيد، فوق جمل ذي لون أحمر مائل إلى السمرة، وفي يد الملك قوس يشده، أما حبيبته الراكبة خلفه فتعزف على عود،
66
وترجع هذه التحفة إلى القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي).
ويجدر بنا في هذه المناسبة أن نشير إلى الخزف ذي الزخارف البارزة بروزا قليلا، والمذهبة في معظم الأحيان، فإنه يشبه التربيعتين المذكورتين في الصناعة وفي الزخرفة. وأكبر الظن أن معظم الأواني التي صنعت على هذا الطراز مصدرها مدينة الري، ومن المحتمل أن بعضها صنع في قاشان وفي ساوه.
وثمة ضروب أخرى من الخزف لم تكن وقفا على قاشان، ولكن الأرجح أنها نشأت في هذه المدينة أو كانت ذات صلة وثيقة بها. ومن هذه الأنواع خزف أزرق زرنيخي ذو زخارف فوق الدهان منقوشة بالأبيض أو باللونين الذهبي أو الأحمر، ومعظم هذه الزخارف من الرسوم النباتية والهندسية، ولا سيما النقط والدوائر والأرابسك. وقد تضاف إلى هذا رسوم سمك يسبح، كما في سلطانية صغيرة كانت في مجموعة هاردنج
Harding
بلندن.
67
ومن أنواع الخزف الأخرى التي كثر إنتاجها بين القرنين الخامس والسابع بعد الهجرة (الحادي عشر والثالث عشر بعد الميلاد) نوع أخضر فاتح مائل إلى الزرقة وعليه نقوش سوداء. ولا شك في أنه كان يصنع بمدينة قاشان، وإن كان من المحتمل أيضا أن الخزفيين في مدينة الري أنتجوا بعض أنواعه، وقد كان باطن بعض الأواني من هذا النوع مقسوما إلى مناطق تتجمع في القاع ويفصل كلا منها عن الأخرى شريط من الكتابة.
68
على أن أبدع القطع المعروفة من هذا النوع إبريق في المتحف المتروبوليتان بنيويورك، له سطح خارجي مخرم، وقوام الزخرفة في هذه التحفة رسوم غزلان وكلاب صيد وحيوانات مجنحة لها وجوه آدمية،
69
وهي مؤرخة من سنة 612ه/1215م.
وفي مصر تحفة أخرى تشبهها في الصناعة، وهي إبريق في مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم مؤرخ من سنة 562ه/1167م، وتنتهي رقبته على شكل رأس ديك (انظر شكل
90 ). ولا ريب في أن صناعة مثل هذه التحفة تتطلب مهارة فنية عظيمة؛ لثقب سطحها الخارجي في رسوم معقدة بدون كسره أو إتلافه، ولحرق القطعة في الفرن بدون أن تلتوي أو تتجعد.
70
وليس نادرا أن نرى بين التحف الخزفية الإيرانية تماثيل حيوانات أو طيور أو أشخاص جالسين. وفي مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم بضع تحف من هذا النوع، كما أن في دار الآثار العربية طائرا من الخزف ذي اللون الفيروزي المحلى بخطوط سوداء (انظر شكل
100 )، ويرجع إلى القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، وفيها أيضا جمل خزفي أزرق اللون.
71
وفي متحف جامعة برنستون
تمثال خزفي صغير يمثل مغوليا جالسا وفي يده زجاجة نبيذ ذات فوهتين (انظر شكل
97 ). (1-13) الخزف ذو اللون الواحد في مدينتي الري وقاشان
لعل أكثر أنواع الخزف انتشارا في إيران في عصري المغول وبني تيمور هو الخزف الأخضر والأزرق، وأكبر الظن أن مصانع الخزف كانت تنتج منه كميات هائلة أتيح استعمالها لمختلف طبقات الشعب. وكان جل هذه المنتجات ذا شكل أنيق يشهد بحسن الذوق الفني، فضلا عن إتقان الصناعة، وتفهم أسرار تغطية التحف والأواني بالطلاء وحرقها في الفرن. والحق أن الألوان المستخدمة كانت واسعة النطاق؛ فإننا نجد الأخضر والأزرق بدرجاتهما المختلفة، كما نجد في بعض الأحيان الأصفر والأبيض والأرجواني، أما زخارف هذا الخزف فكانت محزوزة أو مخرمة أو بارزة، وكان قوامها رسوم طيور وحيوانات وفروع نباتية وأشرطة من الكتابات. وثمة أطباق من هذا الخزف في قاعها رسم سمكات تسبح،
72
ويظن أنها تقليد لنوع من الأطباق المصنوعة في الصين في عصر «سنج».
73
وفي مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم صحنان جميلان من هذا النوع الإيراني ذي السمكات. والواقع أن هذه المجموعة غنية ببعض القطع الجميلة جدا من الخزف الإيراني ذي اللون الواحد (انظر شكل
83
وشكل
89 ).
ومن التحف الغريبة الشكل، والتي كانت تصنع عادة من هذا الخزف ذي اللون الواحد، قطع على هيئة بيت لا سقف له في معظم الأحيان، وفي صحنه بضعة أشخاص حول آنية أو شجرة سرو، وقد تزين جدران البيت برسوم سباع بارزة أو برسوم عقود متتالية.
74
على أننا لا نعرف تماما الغرض الذي استخدمت له هذه التحف، وقد تكون لعبة للأطفال على نحو ما نراه في حلوى المولد النبوي في العصر الحاضر، كما قد تكون صورة لبعض الحفلات ذات العلاقة بأساطير الإيرانيين ودينهم القديم. (1-14) الخزف المصنوع في مدينة ساوه
تقع ساوه على طريق القوافل من الغرب إلى الشرق، وهي جنوب غربي الري، وسط بينها وبين همذان في الغرب وقاشان في الجنوب،
75
وقد كشفت فيها كميات عظيمة من الخزف ذي البريق المعدني الذي يرجع أقدمه إلى القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، وعثر المنقبون على قطعتين تالفتين في الفرن؛ مما يثبت أن هذا الخزف كان يصنع في ساوه نفسها، وكشفت بعد ذلك مقادير وافرة من أنواع الخزف الأخرى، كما قيل إن آثار بعض أفران الخزف قد ظهرت في أطلالها؛ مما ينبهنا إلى مكانة هذه المدينة بين المراكز الفنية في إيران.
على أن الأساليب الفنية في منتجات هذه المدينة لا تختلف كثيرا عما عرفناه في الري وقاشان، بل الواقع أن ساوه جمعت العناصر الزخرفية التي امتازت بها الأواني الخزفية في الري وقاشان.
ومن منتجات ساوه سلطانية في مجموعة أوسكار رفائيل
Oscar Raphael
وهي مؤرخة من سنة 583ه/1187م، وعليها رسم سيدات في حديقة وأمامهن بركة يسبح فيها السمك (انظر شكل
85 ).
ومنها كذلك إبريق في معرض فرير
Freer Gallery ، يرجع إلى نهاية القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وقوام زخرفته رسوم سيدات وبط ووريقات عليها نقط؛ مما يثبت العلاقة الوثيقة بين منتجات قاشان وساوه (انظر شكل
86 ).
وينسبون إلى ساوه عددا من التماثيل الخزفية التي تمثل بعض الحيوانات والطيور، ومنها أسد رابض من الخزف ذي الدهان الأزرق الفيروزي (انظر شكل
101 )، وهو في مجموعة كيفوركيان
Kevorkian ، ومنها جمل من الخزف ذي الدهان الأزرق الغامق، محفوظ في دار الآثار العربية بالقاهرة (رقم السجل 14358)، وكلاهما ليس تحفة خزفية فحسب، بل يشهد بمهارة الفنانين في صناعة التماثيل أيضا.
وصفوة القول أن ساوه كانت مركزا عظيما لصناعة الخزف، ومن المحتمل أن الخزفيين فيها كانوا ينسجون قصدا على منوال زملائهم في الري وقاشان، كما يحتمل أيضا أن بعضهم نشأ في إحدى هاتين المدينتين ثم هاجر إلى ساوه كسبا للرزق أو فرارا من وجه المغول. (1-15) الخزف المصنوع في سلطاناباد
كان يحيط بمدينة سلطاناباد في القرنين السابع والثامن بعد الهجرة (الثالث عشر والرابع عشر بعد الميلاد) عدد من القرى التي أصابت في صناعة الخزف شهرة واسعة. وقد عثر المنقبون عن الآثار في أطلال تلك القرى على كميات وافرة من الخزف، ينسبونها اختصارا إلى سلطاناباد.
والمعروف أن هذا الخزف يذكر كثيرا بما كان يصنع في مدينة قاشان، بينما لم يعثر في أطلال إقليم سلطاناباد على كثير من الخزف الذي امتازت بصناعته مدينة الري.
وقد لوحظ أن الدهان الذي يغطي الخزف المنسوب إلى سلطاناباد يصيبه الكمخ
76
أكثر من المعروف في سائر أنواع الخزف الإيراني، كما لوحظ أيضا أن بعض أشكال السلطانيات لم نعرفه إلا في سلطاناباد ، ولعله كان وقفا عليها.
77
ويمتاز الخزف الذي صنع في سلطاناباد بقلة الألوان المستخدمة فيه، وبدقة رسوم الحيوانات وبتوزيع الألوان بحيث يصعب التمييز بين ألوان الأرضية وألوان الزخارف. ولعل العناية برسم الحيوان رسما يمثل الطبيعة تمثيلا صادقا، نقول: لعل هذه العناية، راجعة إلى تأثير الشرق الأقصى. ومهما يكن من الأمر فإن الخزفيين في عصر المماليك نسجوا على منوال زملائهم في سلطاناباد، وأنتجوا خزفا جميلا ومزينا برسوم طيور وحيوانات ملونة تحت طبقة المينا.
78
كما يمتاز خزف سلطاناباد بصفاء ألوانه واعتداله واتزانها، ولكن علينا أن نذكر أن ما ينسب من الخزف إلى هذه المدينة وإلى الري لا يمكن الجزم بأنه صنع فيهما؛ فقد حازتا في العصور الوسطى شهرة واسعة، ولكن قاشان وساوه ونيسابور كانت - مثلهما - مراكز عظيمة لصناعة الخزف. وحسبنا أن الحفائر التي قام بها المنقبون عن الآثار في إيران أسفرت عن كشف فرن خزفي واحد في الري، بينما كشفت في قاشان خمسة أفران.
وقد دلت الحفائر في أنقاض بعض المدن الإيرانية على انتشار صناعة الخزف انتشارا واسعا، وعلى أن كثيرا من الأصناف لم تكن وقفا على بلد بعينه، ولا سيما أن أنقاض الأفران وآثار القطع التالفة أثناء حرقها في الفرن تنفي أن تكون النماذج التي عثر عليها في بعض المراكز واردة من مراكز أخرى.
وحسبنا على سبيل المثال أن مدينة سلطانية التي اتخذها السلطان الجايتو خدابنده عاصمة لملكه، وشيد فيها العمائر الضخمة، ازدهرت فيها صناعة الخزف حينا من الدهر، وصنعت فيها أنواع جيدة من الخزف الإيراني،
79
ولكنها لا تختلف عما كان يصنع في المدن الأخرى.
ومهما يكن من الأمر فقد أنتج الخزفيون في سلطاناباد خزفا ذا بريق معدني يصعب تمييزه مما كان يصنع في مدينة قاشان.
على أن أخص ما امتاز بصناعته الخزفيون في سلطاناباد ضرب من الخزف منقوشة زخارفه باللون الأسود أو الرمادي فوق قشرة بيضاء، وفوق الزخارف طلاء شفاف . وقد تكون الزخارف بارزة بعض البروز عوضا عن أن تكون منقوشة فحسب. ومعظم الرسوم التي نجدها على هذا الخزف من زهور اللوتس ووريقات الشجر، وفي بعض الأحيان من الطيور التي تأثر الفنانون في رسمها بالأساليب الصينية تأثرا ظاهرا، والتي قلدها الخزفيون في مصر إبان عصر المماليك.
ومن أبدع التحف الخزفية المنسوبة إلى سلطاناباد إناء صغير في مجموعة يومورفوبولوس
Eumorfopoulos (انظر شكل
103 )، وتمتاز هذه التحفة بأن استدارتها غير تامة وبأن جسمها ذو فصوص، كما تمتاز بأناقتها ودقة صنعها وبإبداع الزخرفة التي تزين قاعها، وهي رسم شخصين يتحدثان أو يفحصان شيئا في اهتمام ظاهر، وترجع هذه التحفة للقرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي). (1-16) الخزف في العصر الصفوي
كان هذا العصر كله نهضة وازدهار في صناعة الخزف الإيراني، وامتازت الأواني فيه بإبداع شكلها وتنوعها، وبالعناية والدقة في رسم زخارفها، وبالذوق السليم والظرف في اختيار ألوانها وأنواعها. وأصاب الفنانون توفيقا عظيما في استخدام اللون الأصفر، ولا سيما في مصانع الخزف بمدينة أصفهان، كما أنهم عرفوا كيف يستخدمون اللون الواحد في صفاء وإتقان يذكران بما وصل إليه الخزفيون الصينيون في هذا الميدان.
وأكبر الظن أن أعلام المصورين كانوا يعنون بإعداد الصور لزخرفة الأواني الخزفية، كما يتجلى في بعض تحف عليها رسوم تنم عن ريشة المصور محمدي،
80
وفي بعض قطع أخرى تشهد رسومها بأنها من عمل رضا عباسي أو أحد الفنانين النابهين الذين تأثروا بأسلوبه الفني.
ومن أعظم مراكز الخزف في إيران إبان العصر الصفوي أصفهان وقاشان ويزد ومشهد وشيراز وكرمان وزرند.
وامتاز العصر الصفوي بنوع من الخزف ذي البريق المعدني كان يصنع في قاشان وأصفهان وتبريز، وأكثر منتجاته أباريق على شكل الكمثرى أو سلطانيات غير عميقة، ومعظم الزخارف المستخدمة فيه من النبات والزهور، فلا ترى عليه الصور الآدمية والحيوانية إلا نادرا. وأرضية هذا الخزف عاجية اللون أو زرقاء فاتحة، أما الموضوعات الزخرفية فذات بريق معدني يختلف بين اللون الأحمر والأصفر والذهبي، ويمتاز بشدة لمعانه؛ إذ تنعكس من التحفة ألوان تكاد تبهر الأبصار.
وقد ازدهرت صناعة هذا الخزف ذي البريق المعدني في نهاية القرن العاشر وفي القرن الحادي عشر بعد الهجرة (في بداية السادس عشر وفي السابع عشر بعد الميلاد).
والمشاهد في معظم الأواني الخزفية ذات البريق المعدني من العصر الصفوي أن أرضيتها ذات لون واحد، يغلب أن يكون الأبيض أو الأزرق النافض (أي الشاحب أو الباهت) أو الأصفر الليموني أو الأخضر الفاتح، ثم تنقش الزخارف بالبريق المعدني فوق الأرضية المذكورة، وتكثر في زخارف هذه التحف رسوم الزهور والأشجار والأعشاب.
وقد وصلت إلينا سلطانية عليها اسم صانعها: «حاتم»، وهي محفوظة الآن في المتحف البريطاني.
81
وأكبر الظن أن معظم التحف المعروفة من هذا الخزف ترجع إلى القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي).
على أن أخص ما امتاز بإنتاجه الخزفيون في العصر الصفوي هو نوع من خزف أبيض كانوا يقلدون به الخزف المصنوع في الشرق الأقصى، وكانت زخارفه زرقاء منقوشة تحت الدهان.
وفضلا عن ذلك كله فقد قلد الإيرانيون أهل الشرق الأقصى في عمل الصيني وفي استخدام الألوان الهادئة والزخارف الصينية، وكان مما أنتجوه في هذا الميدان سلطانيات وأطباق كبيرة الحجم، فيها اللونان الأزرق والأبيض، وتبدو لأول وهلة صينية الصناعة.
82
والمعروف أن الشاه عباس أحضر كثيرين من الخزفيين الصينيين مع أسراتهم إلى إيران لينشروا فيها صناعة الصيني، حتى يمكن أن تصدره إيران إلى البلاد الغربية، وتنال منه الأرباح الطائلة التي كانت تتدفق إلى الشرق الأقصى. والظاهر أن هؤلاء الفنانين استقروا في أصفهان، ولكنهم لم يلبثوا أن تأثروا بالمحيط الفني؛ فدبت إلى منتجاتهم بعض الموضوعات الزخرفية الإيرانية.
وقد روى بعض الرحالة أن تاجرين صينيين كان لهما حانوت لبيع «الصيني» بمدينة أردبيل في بداية القرن السادس عشر الميلادي (العاشر الهجري)،
83
وقد جمع ملوك إيران منذ الشاه عباس مجموعة كبيرة جدا من الخزف الصيني حفظوها في مسجد أردبيل. ومهما يكن من الأمر فقد أصاب الخزفيون الإيرانيون منذ النصف الأول من القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) توفيقا عظيما في صناعة هذا الخزف الأبيض والأزرق، كما يظهر من ثلاث تحف مؤرخة إحداها إبريق نبيذ كبير في متحف فكتوريا وألبرت،
84
ومؤرخ من سنة 930ه/1523م. والثانية قرص في القسم الإسلامي من متاحف برلين،
85
ومؤرخ من سنة 971ه/1563م، وعليه اسم صانعه عبد الواحد. والثالثة تربيعة في متحف فكتوريا وألبرت ومؤرخة من سنة 1001ه/1592م، وعليها إمضاء محمد رضا الإمامي.
ومن القطع الجميلة من هذا النوع قنينة في القسم الإسلامي من متاحف الدولة في برلين، عليها رسم أسد خيالي ينبعث اللهب من كتفيه (انظر شكل
104 )، وقد جاء هذا الرسم على بعض السجاجيد المصنوعة في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي). ومن تلك التحف كذلك بطة في مجموعة المسز دنجوال
Mrs. Kenneth Dingwall (انظر شكل
104 ). •••
وثمة نوع آخر من الخزف الصفوي ينسب إلى قرية كوبجي داغستان (انظر شكل
105 )، وهو صنفان: الأول أسود وأخضر أو أزرق، والثاني متعدد الألوان وذو زخارف آدمية. أما الصنف الأول: فيظن أنه كان يصنع بمدينة تبريز في نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، كما تدل على ذلك بعض القطع المؤرخة، بينما يرجع الثاني إلى القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي).
والمعروف أن أهل كوبجي كانوا يشتغلون بصناعة الأسلحة والتحف المعدنية، وأنهم لم يعنوا بصناعة الخزف؛ ولذا فإن الأرجح أن هذا الخزف الذي عثر عليه في إقليمهم كان يرد من إيران نفسها، وأنهم كانوا يحصلون عليه ثمنا للأسلحة والتحف المعدنية التي كانوا يصدرونها إلى إيران، وأنهم كانوا يقدرونه حق قدره ويحلونه في بيوتهم محل الشرف؛ فيعلقونه على الجدران ويزينون به الغرف.
ولعل أبدع أنواع هذا الخزف الأطباق الرقيقة التي نرى زخارفها سوداء حالكة، وفوقها طلاء أخضر فيروزي يكسو الإناء كله، ثم الأطباق والتربيعات التي تنقش زخارفها باللون الأحمر الباهت أو الأصفر أو الأزرق أو الأخضر فوق قشرة بيضاء، ولكننا نستطيع أن نقول - بوجه عام - إن خزف كوبجي لم يكن في العادة ممتازا في ألوانه أو في دهانه، كما أن رسومه لم تكن متقنة إلا في النادر. •••
وقد قلد الخزفيون الإيرانيون في العصر الصفوي السيلادون الصيني،
86
ولا سيما في مدينة أصفهان، وأصابوا في هذا الميدان نجاحا كبيرا في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي). وصفوة القول أن تأثر الخزفيين الإيرانيين بأساليب زملائهم في الشرق الأقصى كان عظيما جدا في العصر الصفوي، حتى صارت إيران تنافس الصين نفسها في تصدير الخزف إلى أوروبا.
المنسوجات
ذاعت شهرة المنسوجات الإيرانية منذ عصر هيرودوت، وكان أهل روما يدفعون فيها الأثمان الباهظة، ثم أقبل أهل بيزنطة على تقليدها، وبلغت صناعة النسج أوج عزها في العصر الساساني. وقد وصلت إلينا بعض قطع من المنسوجات الحريرية الساسانية. والزخارف مكونة في أكثر هذه القطع من مجموعات دوائر أو أشكال هندسية أخرى فيها رسوم حيوانات أو طيور أو فرسان في الصيد، متقابلة أو متدابرة، في ترتيب هندسي جميل. كما أن بين الحيوانات المتقابلة رسما تخطيطيا محورا عن الطبيعة ويمثل شجرة.
1
والمعروف أن الصينيين كانوا يعجبون بهذه المنسوجات الحريرية الساسانية، وأن حكام الأقاليم الصينية الواقعة بين الصين وإيران كانوا يقدمون من هذه المنسوجات جزية إلى ملوك الصين. والحق أن الإيرانيين في ذلك العصر البعيد وفقوا في ألوان منسوجاتهم جد التوفيق؛ فكان انسجام هذه الألوان وهدوءها يبرزان عظمة الزخارف ويكسبان القطعة سحرا وجمالا. (1) في فجر الإسلام
ولما انتشر الإسلام في إيران، وانقضى دور الزهد والتقشف الذي ساد العالم الإسلامي في نشأته، واختلط العرب بغيرهم من الأمم العريقة في المدنية، تقدمت الصناعات والفنون، ولقيت صناعة النسج تشجيعا خاصا في الأقاليم الإسلامية المختلفة لما سنه الخلفاء والأمراء في مكافأة رجالات الدولة بالخلع الثمينة من نفيس المنسوجات الحريرية.
وأفادت إيران بطبيعة الحال من توحيد جزء كبير من الشرق الأدنى تحت سلطان المسلمين، وما نتج عن ذلك من نشاط التجارة في إيران واتساع صادراتها من المنسوجات الحريرية إلى سائر الأقطار الإسلامية. وأكبر الظن أن الطبقة الأرستقراطية في عصر بني أمية وبني العباس كانت تقبل كثيرا على شراء المنسوجات النفيسة المصنوعة في إيران.
2
ومما يشهد بازدهار صناعة النسج بإيران في فجر الإسلام أن بعض المدن الإيرانية كانت تدفع الجزية عددا من منسوجاتها النفيسة، وترسله إلى بلاط الخليفة.
وقد كتب الجغرافيون والمؤرخون المسلمون في العصور الوسطى عن المدن الإيرانية وما كانت تنتجه من التحف ولا سيما المنسوجات، فإن ابن خرداذبة في كتاب «المسالك والممالك»، واليعقوبي في كتاب «البلدان»، وابن الفقيه في كتاب «البلدان»، وابن رسته في كتاب «الأعلاق النفيسة»، والمسعودي في كتاب «مروج الذهب»، والإصطخري في كتاب «مسالك الممالك»، وابن حوقل في كتاب «المسالك والممالك»، والمقدسي في كتاب «أحسن التقاسيم»، ثم ياقوت في «معجم البلدان»، هؤلاء كلهم وغيرهم من المؤلفين أطنبوا في الحديث عن ازدهار صناعة النسج في كثير من الأقاليم الإيرانية، ولا سيما تستر. وقد ذكر الإصطخري أنها كانت مركزا عظيما لإنتاج الديباج الذي كان يصدر إلى شتى بقاع الدنيا،
3
وكانت تصنع منه كسوة الكعبة، ثم أصبهان والري ونيسابور وقزوين ويزد وبصنا وقاشان وآمل ومرو وكازرون وشيراز، وقد كانت كلها تنتج من المنسوجات الحريرية والقطنية والصوفية ما ذاع صيته في العصور الوسطى.
4
وقد ذكر المسعودي وياقوت أن شابور ذا الأكتاف (شابور الثاني 310-379م)، كان قد غزا بلاد الجزيرة وآمد (ديار بكر)، وغير ذلك من المدن التي كانت تابعة للروم في ذلك الوقت، ونقل كثيرين من أهلها النساجين إلى إقليم خوزستان في إيران؛ فتناسلوا وازدهرت صناعة النسج في هذا الإقليم منذ ذلك التاريخ.
ومما يؤسف له أن كتابات المؤرخين في هذا الشأن ليست لها كل الفائدة المنتظرة؛ لأننا لا نستطيع بفضلها أن نصل إلى تحديد أنواع المنسوجات التي كانت تصنع بإيران في فجر الإسلام، ولا المراكز المختلفة التي كانت تنسج فيها.
ومهما يكن من الأمر فإننا لا نكاد نعرف اليوم نماذج تستحق الذكر من منتجات إيران في صناعة النسج في فجر الإسلام،
5
ولكننا إذا ذكرنا ما نعرفه من حالة سائر الفنون الإيرانية في ذلك العصر، وأنها ظلت مدة طويلة لا تعرف من التجديد ما يخرجها تماما من دائرة الأساليب الفنية الساسانية، نقول: إذا ذكرنا ذلك عرفنا أن صناعة النسج في إيران ظلت في القرون الأولى بعد الإسلام متأثرة بالطراز الساساني في استخدام الزخرفة بالنقط والأشرطة ووريقات الشجر والخطوط المتشابكة والمتقاطعة، وفي استخدام الدوائر المتماسة أو المتداخلة، والمناطق أو الجامات المختلفة الشكل، تضم كل منها بعض مناظر الصيد أو رسوم الحيوانات أو الطيور، الخرافي منها والطبيعي. ولا غرو فقد كان للمنسوجات الساسانية صيت واسع في الشرق الأدنى منذ العصر الجاهلي، فضلا عن أن النساجين في كل البلاد والعصور ميالون بطبيعتهم إلى المحافظة على أساليبهم الصناعية والفنية إلى حد كبير، ولم يلق النساجون الإيرانيون في فجر الإسلام أدنى صعوبة في هذا السبيل؛ لأن العرب الفاتحين لم تكن لديهم خبرة بفن النسج وأساليبه.
على أن القوم بدءوا يهجرون هذه الزخارف منذ القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، ولم يكن هذا عسيرا عليهم؛ فقد كانوا - حتى قبل ذلك الحين - يعرفون في منسوجاتهم بعض الزخارف الأخرى ولا سيما الزهور والنبات.
وقد مر بنا أن الصور في المخطوطات السلجوقية أو المنسوبة إلى مدرسة العراق تمتاز بالملابس المزركشة التي يلبسها الأشخاص. والحق أن زخارف تلك الملابس مثال طيب للجمع بين الأساليب الزخرفية الساسانية والأساليب التي جدت في القرون الأولى بعد الهجرة.
ومن المنسوجات التي تنسب إلى إيران بين القرنين الثاني والرابع بعد الهجرة (الثامن والعاشر بعد الميلاد) ضرب من الحرير عليه رسوم حيوانات بخطوط منكسرة وزوايا ظاهرة. وقد كان العالم الإنجليزي السير أوريل شتاين
Aurel Stein
قد عثر في حفائره ببلاد التركستان الصينية على أقمشة تشبه هذا النوع الذي ينسب إلى إيران، وفي اعتقاده أنها من صناعة بلاد التركستان الغربية، ولا سيما سمرقند وبخارى.
ومن المنسوجات الإيرانية التي نعرفها الآن قطعة منسوجة من الحرير والقطن كانت في كنيسة سان جوس
Saint-Josse ، وهي قرية واقعة على مقربة من مدينة كاليه بفرنسا، وهذه التحفة الثمينة معروضة الآن في متحف اللوفر بباريس، وعليها كتابة نصها: «عز وإقبال للقائد أبي منصور بختكين أطال الله بق[اءه]»،
6
ولعله القائد الذي عاش في بلاط عبد الملك بن نوح أمير خراسان وما وراء النهر، وقد حبس وقتل على يد هذا الأمير في سنة 349ه/960 ميلادية.
7
وقوام الزخارف في هذه القطعة رسوم فيلة كبيرة متواجهة يحف بها شريطان فيهما رسوم طاووس وإبل؛ مما يدل على ما حدث في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) من غلبة الأساليب الإسلامية في زخرفة المنسوجات بأشرطة من رسوم الحيوانات أو بزخارف خطية ونباتية (انظر شكل
107 ).
على أن الأقمشة الإيرانية التي ترجع إلى القرون الأربعة الأولى بعد الفتح العربي ليس لها شأن عظيم من الناحية الفنية، على الرغم من دقة صناعتها وجمال ألوانها، وعلى الرغم من الإقبال الذي كانت تلقاه الرايات والأعلام الجميلة ذات الكتابات الكوفية، مما كانت تنتجه حينئذ مصانع النسج في إيران. (2) في عصر السلاجقة
والحق أن عصر السلاجقة هو الذي بدأت فيه النهضة الشاملة والتقدم الواضح في صناعة النسج؛ وذلك بتأثير تيارين مختلفين: الأول ما أفاده الإيرانيون على يد السلاجقة من الأساليب الصينية التي تتجلى في دقة رسم النبات والطير والحيوان، والثاني ما ازدهر في بلاد الجزيرة من أساليب إسلامية في استخدام الفروع النباتية والأشرطة عوضا عن الموضوعات الزخرفية الساسانية.
والأقمشة السلجوقية معروفة لنا بفضل مجموعة من النسيج الحريري، عثر عليها المنقبون في أطلال مدينة الري، وتعتبر مثالا صادقا للمنسوجات السلجوقية، وتمتاز بأن مظهرها العام يختلف كل الاختلاف عن مظهر المنسوجات الإيرانية في العصور السابقة، ولو أنها محتفظة ببعض العناصر الزخرفية القديمة، مع دقة في الرسم، وإتقان في النسج، ورقة وخفة في الوزن؛ فنرى على بعضها زخارف من أشكال هندسية متعددة الأضلاع، أو زخارف كتابية بالخط الكوفي أو أشرطة من الرسوم الحيوانية، أو دوائر فيها طيور وحيوانات بينها شجرة الحياة، ولكنها دوائر أصغر حجما تكسب التحفة طابعا فنيا، وتبعدها عن القوة والبداوة التي تبدو على بعض الرسوم الساسانية.
ولا ريب في أن مدينة الري كانت في العصور الوسطى مركزا عظيم الشأن في صناعة النسج، كما كانت في صناعة الخزف؛ فقد ذكر المؤرخون والجغرافيون ذيوع صيتها في هذا الميدان، فضلا عن أن أعمال التنقيب عن الآثار في أطلالها لم تسفر عن المنسوجات التي أشرنا إليها فحسب، بل عثر القوم على أنوال ترجح أن تلك الأقمشة كانت تصنع في مدينة الري نفسها.
وتنسب إلى الري قطع تمتاز بجمالها الفني وإبداع ما فيها من الرسوم الحيوانية والآدمية، فضلا عن السطور المكتوبة بالخط الكوفي. وتشبه زخارف هذه الأقمشة ما نعرفه من الرسوم في الخزف المنسوب إلى مدينة الري، ولا سيما رسوم الحيوانات ذات الأجسام الممتدة تتقدم في شبه نشاط وخفة. ومن الزخارف التي تكثر في منسوجات الري دون غيرها رسم الطاووس.
وقد اشتهرت تلك المدينة بصناعة نسيج من الحرير ذي لحمتين اسمه «المنير»، ولكننا لا نظن أن نسجه كان وقفا عليها دون غيرها من البلاد الإيرانية.
ومما ينسب إلى إقليم فارس - جنوب غربي إيران - قطعة جميلة من نسيج الكتان محفوظة في مجموعة المسز وليم مور، وفيها أشرطة منسوجة من الحرير الأبيض والأسود نرى بين زخارفها مناطق فيها رسوم بط وإوز، كما نرى رسوم نجوم مثمنة، وفيها رسوم حمار بين فروع نباتية وفوق رأسه طائر.
8
وثمة قطعة نسيج أخرى تنسب إلى الإقليم نفسه، وترجع إلى القرن الخامس أو السادس بعد الهجرة (الحادي عشر أو الثاني عشر بعد الميلاد)، وقد كانت سابقا في مجموعة رابنو، وتنتهي هذه القطعة بشريط من أربع مناطق، العليا والسفلى واسعتان وفيهما رسوم نباتية سلجوقية الطراز، بينها إوز مرسوم بأسلوب زخرفي جميل، أما المنطقتان الواقعتان في الوسط ففيهما سطران من الكتابة الكوفية (انظر شكل
115 ).
ومما ينسب إلى مدينة يزد قطعة نسيج في مجموعة المسز وليم مور، وترجع هذه التحفة إلى القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) وأرضيتها زرقاء مائلة إلى السواد، وعليها شريط من الكتابة بخط كوفي رائع المظهر، وتزينه رسوم نباتية جميلة
9 (انظر شكل
109 ).
وينسب إلى قاشان ضرب من المنسوجات تكثر في زخارفه رسوم وثيقة الصلة بالرسوم والأساطير التي عرفتها إيران قبل الإسلام؛ ومثال ذلك شجرة الشمس ذات الحبوب الكثيرة والقرون النباتية التي تتفرع منها، ثم رسوم الخيل يتدلى إلى جانبها جراب السيف المقدس،
10
كما نرى على قطعة مشهورة رسم فارسين بينهما شجرة وفي يد كل منهما باز، وتحت حصان كل منهما أسد رابض، كل هذا في منطقة يحدها شريطان ملفوفان،
11
وعلى قطعة أخرى رسم نسر كبير ذي رأسين وجناحاه مبسوطان وبينهما رسم إنسان متوج، وعلى يمينه ويساره رسم أسد مجنح. (3) في عصر المغول
في القرنين السابع والثامن بعد الهجرة (الثالث عشر والرابع عشر بعد الميلاد) زاد تأثر المصانع الإيرانية بالأساليب الصينية في زخرفة المنسوجات؛ بسبب ازدياد الوارد من الأقمشة الصينية واتساع تجارة إيران مع الشرق، ثم بسبب غزوات المغول وقدوم كثيرين من النساجين الصينيين إلى إيران.
وقد مر بنا أن الصين في ذلك الوقت خضعت لأسرة يوان المغولية الأصل، والتي ظلت تحكمها حتى سنة 668ه/1367 ميلادية. وكان طبيعيا أن يعظم التبادل الثقافي والفني بين أبناء البيت الواحد من المغول في إمبراطوريتهم بالصين وإمبراطوريتهم في إيران. والمعروف أن جاليات إسلامية نمت في الصين حينئذ، واشتغلت بنسج الحرير الذي كان يصدر إلى أنحاء الشرق الإسلامي؛ فيؤثر على الأساليب الفنية في مراكز النسج فيه، بل أتيح أيضا أن يؤثر على أساليب الزخرفة في مصانع النسج الإيطالية. وأقبل النساجون في إيران على تقليد الموضوعات الزخرفية الصينية كالتنين والعنقاء وما إلى ذلك من الحيوانات الخرافية، ثم زهرة اللوتس،
12
وعود الصليب (الفاوانيا)، ورسوم السحب الصينية أو «تشي» التي امتازت بها المنسوجات الصينية منذ عصر أسرة هان (202 ق.م-220م).
والمعروف أن بعض مراكز النسج الإيرانية، ولا سيما السوس وتستر، فقدت في عصر المغول شهرتها السابقة؛ بسبب ما أصابها من التدمير على يد جيوشهم، ولكنا لا نجهل أن بعض المراكز الأخرى، ولا سيما هراة ونيسابور، لقيت منهم تعضيدا عظيما، كما أنهم حين دمروا مدينة مرو أبقوا على حياة عدد كبير من الفنانين فيها،
13
ومن المدن التي ذاع صيتها في تجارة المنسوجات في ذلك العصر مدينتا تبريز
14
وقم.
15
على أن عناية المغول بصناعة النسج تظهر من جمال المنسوجات المرسومة في الصور المنسوبة إلى عصرهم، والتي يلبسها الأشخاص المرسومون في الصورة، أو تصنع منها المظلات والستائر وأغطية الأرائك، وغير ذلك من الأشياء الثانوية فيها.
ويلاحظ في رسوم المنسوجات المغولية انتشار الزخرفة بالأشرطة على النحو الذي أقبل عليه النساجون في شتى أنحاء العالم الإسلامي، على أن الأشرطة في الأقمشة المغولية أصبحت ضيقة وروعي في جمعها التنويع وجمال المنظر، كما ملئ بعضها بخطوط هندسية مستقيمة أو منكسرة أو متقاطعة.
16
وقد نرى في رسوم تلك المنسوجات في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) موضوعات زخرفية نباتية محورة عن الطبيعة تحويرا لا يفقدها كل اتصال بها. وتمتاز تلك الموضوعات بأن رسوم أوراق الشجر فيها مدببة، فضلا عن أنها لا تنمو في الساق فحسب، بل قد تنبت من الجذر أيضا، وأحيانا من الأرض نفسها؛ فتغطي النسيج كله وتجعله كالحديقة الغناء، وتزيد الشبه بينه وبين أرضية الصور في المخطوطات التي ترجع إلى نهاية العصر المغولي وإلى المدارس التيمورية المختلفة، ولا سيما مدرسة هراة.
ومن أهم الموضوعات الزخرفية التي انتشرت على المنسوجات في عصر المغول وعصر بني تيمور، رسوم الفروع النباتية (الأرابسك) ورسوم بلاط القاشاني.
17
وتنسب إلى مدينة تبريز مجموعة من الأقمشة المغولية الحريرية، عليها رسوم طيور كبيرة فوق أرضية من أطلس (ساتينيه).
18
وعلى إحدى القطع من تلك المجموعة كتابة بالخط النسخي الكبير باسم السلطان «أبو سعيد» (717-736ه؛ أي 1317-1335م)، وهي محفوظة الآن في إحدى متاحف فيينا، وقد كانت جزءا من كفن رودلف الرابع دوق النمسا.
19
وثمة مجموعة أخرى تظهر فيها شدة التأثر بالأساليب الفنية الصينية، وأشهر القطع المعروفة من هذه المجموعة محفوظة في إحدى الكنائس بمدينة دانزج
Marienkirche
وفي متاحف برلين.
20
ويظن أنها صنعت للسلطان المملوكي محمد بن قلاوون. وقوام زخرفتها رسم طائرين متدابرين في منطقة هندسية ذات اثني عشر ضلعا، فضلا عن مناطق أخرى فيها كتابة بالخط النسخي.
21
ومن الأقمشة التي يظهر فيها التأثر العظيم بأساليب الشرق الأقصى مجموعة ذات زخارف في أشرطة، بعضها مقسم إلى مناطق متعددة. وقد جاء على إحدى هذه القطع اسم ناسجها «عبد العزيز».
22
وقد لاحظ الأخصائيون في صناعة النسج أن عصر المغول لم يأت بجديد في هذا الميدان، بل إن بعض الأنواع الدقيقة لم يتقنها النساجون في ذلك العصر، فضلا عن أن الألوان قل بهاؤها وتنوعها، ولكن الأرجح أن هذا لا يرجع إلى عيب في الصناعة وإنما إلى مراعاة الذوق السائد في تلك الأيام . ولا ريب في أن الألوان الهادئة التي امتازت بها المنسوجات المغولية ترجع إلى تأثير الأساليب الفنية الصينية.
ومهما يكن من الأمر فإننا نرى في المنسوجات المغولية بدء الرشاقة والدقة والعظمة والترف في الزخرفة وفي الصناعة؛ مما مهد لما بلغته المنسوجات في العصر الصفوي. أما الروعة والشدة والحرية في الزخرفة، وما إلى ذلك مما نعرفه في المنسوجات الساسانية والمنسوجات الإيرانية في صدر الإسلام، فلم يبق منها شيء كثير. (4) في عصر التيموريين
كانت الأقاليم الشرقية في إيران أكثر أجزاء الدولة ازدهارا في عصر بني تيمور، وزاد ما كان لخراسان من شأن عظيم في صناعة النسج، وأصبحت سمرقند وهراة في عصر تيمور وخلفائه مركزا عظيما لنسج الأقمشة النفيسة، التي كان الأمراء وكبار رجال الدولة يلبسونها ويتخذون منها أفخر الستائر والفرش والوسادات. وقد استقدم تيمور من الصين ومن الشام نساجين كان لهم نصيب وافر في الذي بلغته صناعة النسج على يد التيموريين من ازدهار وإتقان، وفيما يظهر فيها من أساليب زخرفية صينية وسورية.
والواقع أن المنسوجات الإيرانية في عصر التيموريين تمتاز بزيادة استخدام الزخارف النباتية المتصلة على النحو الذي نعرفه في الأقمشة المصرية والعراقية في ذلك العصر، كما تمتاز أيضا بوجود ضروب جديدة منها: هي الديباج والنسيج المقصب بالذهب والفضة والمزين برسوم طيور صينية الطراز، فضلا عن المخمل «القطيفة» التي شاهدها عندهم في ذلك العصر أحد الرحالة الإيطاليين.
23
وقد ازدهرت صناعة النسج في العصر التيموري بمدينة يزد وأصفهان وقاشان وتبريز، وكانت الأقمشة تصدر من هذه المدن إلى شتى أنحاء العالم الإسلامي.
ومع أننا لا نكاد نجد الآن شيئا من منسوجات هذا العصر، فإننا نعرف عنها كثيرا، ولا سيما من رسومها في صور المخطوطات، وطبيعي أن التأثر بالأساليب الصينية ظاهر فيها تمام الظهور؛ فالعلاقات الوثيقة بين إيران والشرق الأقصى لم تصب في عصر بني تيمور إلا زيادة ونموا، وتبودلت البعثات بين البلدين. وكان الإيرانيون يجلبون من الصين شتى التحف والهدايا ولا سيما المنسوجات والخزف. وقد مر بنا خبر البعثة الإيرانية التي سافرت إلى الصين بين عامي 823 و826ه/1420 و1423م، وكان من أعضائها المصور غياث الدين الذي وصف مشاهداته في تقرير ضمنه بيانات وافرة عن العمارة والملابس.
24
وزاد وجود زهرة اللوتس في زخارف المنسوجات أثناء القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، كما زادت الدقة في رسم الموضوعات الزخرفية عموما، ولا سيما البط الذي استخدم كثيرا في زخارف ذلك العصر.
وصفوة القول أن الأقمشة في عصر بني تيمور خطت خطوة عظيمة في سبيل الوصول إلى إتقان الرسوم الزخرفية والوصول بها إلى دقة ورشاقة، وقرب إلى الطبيعة وما إلى ذلك؛ مما أبعدها عن الشدة والجفاء والروعة التي عرفناها في المنسوجات الساسانية والمنسوجات المنسوبة إلى فجر الإسلام. (5) في العصر الصفوي
إذا صح ما ذكره الرحالة الذين زاروا إيران في العصر الصفوي، فقد كان هذا العصر أعظم العصور الذهبية في صناعة النسج الإيرانية؛ إذ كان الملك والأمراء ورجال البلاط وعلية القوم كلهم يرفلون في الملابس المصنوعة من الديباج وغيره من الأقمشة الثمينة المحلاة بخيوط الذهب والفضة، ويركبون الخيل ذات السروج الغالية النفيسة، ويستعملون في قصورهم ورحلاتهم فرشا وستائر وأدوات مصنوعة من أجمل ضروب النسيج على الإطلاق. والحق أنهم كانوا يسرفون في استخدام الأقمشة البديعة إسرافا لا حد له، وكانوا يصنعون منها كميات وافرة جدا يحمل التجار بعضها إلى أسواق الروسيا وأوروبا؛ حيث كانت تلقى إقبالا عظيما.
وأتقن النساجون الإيرانيون في العصر الصفوي شتى ضروب النسج من ديباج وكتان وأطلس وقطيفة وكتان. كما توصل الفنانون في الصباغة إلى إخراج أدق الألوان وأكثرها تنوعا، وفي الثروة الزخرفية إلى درجة لم يعرفوها من قبل؛ فاتخذوا الزهور والفروع النباتية والمراوح النخيلية ومناظر الحدائق الغناء والطيور والغزلان ورسوم السحب الصينية، وطبعت الرسوم الزخرفية في ذلك العصر بطابع رشيق جذاب ينم عن الأناقة والنضوج الفني.
وظهر في المنسوجات الإيرانية منذ نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) ميل إلى المسحة التصويرية، ظل يزداد حتى أصبح من أبين صفات الأقمشة الإيرانية في العصر الصفوي، وظهرت العلاقة الوثيقة بين زخارف تلك الأقمشة ورسوم المخطوطات وصورها،
25
فضلا عن دقة الرسوم وتقليد الطبيعة تقليدا صادقا بفضل التأثر بالصينيين في هذا الميدان.
وعلى كل حال فإن نسج الحرير بلغ عصره الذهبي في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) برعاية ملوك الأسرة الصفوية، وأنتجت المصانع الإيرانية في ذلك العصر أجمل أنواع الديباج والمخمل المنسوجة بخيوط حريرية مختلفة الألوان ومحلاة في بعض الأحيان بخيوط فضية.
أما زخارفها فمن قصص الشاهنامه أو منظومات الشعراء الإيرانيين المعروفين، أو مناظر تمثل الأمراء والنبلاء في الصيد، فضلا عن مناظر الحفلات في الحدائق والهواء الطلق. ومن الزهور التي استخدمت كثيرا في زخرفة المنسوجات الإيرانية في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد) السوسن والزنبق والخزام والورد. أما الحيوانات والطيور فقد استخدم النساجون منها رسوم الوحوش الضارية والأرنب والغزال والببغاء، كما استخدموا رسم شجر مخروطي الشكل. وكانت كل هذه الموضوعات المختلفة ورسوم المناظر الطبيعية مضافة إلى رسم شتى المناظر من قصة خسرو وشيرين أو ليلى والمجنون. كان كل ذلك يرتب في صفوف أفقية، ويكسب المنسوجات الصفوية بهجة ونضارة تزيدان من قيمتها الفنية.
وطبيعي أن ملابس القوم في هذه الرسوم ولا سيما لباس الرأس تساعد على معرفة التاريخ الذي ترجع إليه، وتجعلها شديدة الشبه بالصور المنسوبة إلى المصور المشهور سلطان محمد.
وكانت أعظم مراكز النسج في هذا العصر تبريز وهراة ويزد وأصفهان وقاشان ورشت ومشهد وقم وساوه وسلطانية وأردستان وشروان، وامتازت منتجاتها بنعومة السطح وبدقة النسج وباتزان الألوان وجمالها.
أما رشت فقد صنعت فيها أقدم قطعة نعرفها من الحرير الصفوي، عليها تاريخ صناعتها. وهي غطاء قبر في الضريح بمدينة مشهد، وعليها أنها من عمل مير نظام في رشت سنة 952ه/1545م، وزخارفها من أشرطة فيها رسوم فروع نباتية ووريدات وكتابات.
بينما اشتهرت تبريز ويزد بنسج الأقمشة ذات الزخارف الآدمية التي كان يقوم برسمها أعلام المصورين في العصر الصفوي ومن ينسج على منوالهم من الفنانين، وفي المتاحف والمجموعات الأثرية الخاصة قطع نسيج صفوية، بعضها شديد الشبه بأسلوب المصور سلطان محمد. وأبدع المعروف من هذا النوع قطعة في متحف فكتوريا وألبرت، عليها رسم فارس فوق أرضية من زهور وأوراق شجر،
26
وتشبه بعض قطع أخرى أسلوب المصور مير نقاش الذي يظن أنه خلف سلطان محمد في رئاسة مجمع الفنون الملكي. ومنها جانبا خمار من الديباج محفوظ في متحف الفنون الزخرفية بباريس، وقوام زخرفتهما رسم ساق بين فروع نباتية دقيقة،
27
وثمة قطع تذكرنا بأسلوب المصور محمدي، وقد جئنا برسم إحداها في لوحات هذا الكتاب (انظر شكل
113 )، وهي محفوظة في متحف تاولوف
Thaulow
في مدينة كيل
Kiel ، وقوام زخرفتها رسم جندي ذي خوذة يقود أسيرا ويتحدث إلى شخص جالس، بينما يقف أمام الأسير شخص آخر، ويقوم المنظر كله فوق أرضية من نبات وأشجار ذات جذوع رفيعة ويعلو كل منها رسم طاووس، أما تحتها فرسم بركة فيها سمكات.
وقد لوحظ أن هذه الرسوم الآدمية والنباتية الأنيقة لا توجد على منسوجات فاخرة من الحرير ذي الخيوط الفضية فحسب، بل نرى رسوما من فصيلتها على أقمشة تقل في جودة النوع والصناعة؛ ويفسرون ذلك بأن مدينة تبريز أصبحت هدفا لغارات الترك منذ سنة 993ه/1585م؛ فنقل الشاه مقر حكمه إلى قزوين، ولكن هذه المدينة الأخيرة لم يقدر لها أن تصبح مركزا فنيا زاهرا كما كانت تبريز من قبلها.
ولا ريب في أن تعاون المصورين والنساجين في يزد وقاشان أسفر عن صنع قطع تعد آية في فن النسج والزخرفة. والظاهر أن مصانع النسج في يزد كانت تحت رعاية الحكومة وإشرافها.
وفي دار الآثار العربية بالقاهرة نماذج طيبة من هذه المنسوجات ذات الصور الآدمية.
وقد وصلت إلينا أسماء بعض النساجين الإيرانيين في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وهم غياث وعبد الله وحسين ويحيى ومعز الدين بن غياث وإيان محمد؛ وذلك على بعض القطع المنسوبة إليهم، والمحفوظة الآن في المتاحف والمجموعات الأثرية بأوروبا وأمريكا.
أما غياث الدين علي فقد كان من أهل يزد،
28
نشأ في أسرة لها بالفن صلة وثيقة؛ فقد كان جده كمال الدين خطاطا مشهورا، وكان لغياث مال وافر ساعده على أن يصبح من بطانة الشاه عباس، ثم ذاع صيته في صناعة المنسوجات المصورة، وكان الشاه يرسل من منتجاته الهدايا إلى الملوك والأمراء. على أننا لا نعرف اليوم إلا ثماني قطع من صناعة هذا الفنان بينها تحفتان من الحرير وتحفتان من «القطيفة». وثمة قطع أخرى ليس عليها اسمه؛ ولكن الأرجح أنها من صناعته.
29
وعلى كل حال فإن رسوم غياث يظهر فيها الأسلوب الفني الذي ينسب إلى رضا عباسي، كما نرى فيها إتقان بعض الموضوعات الزخرفية النباتية كالوريدات والأرابسك وزهرة اللوتس وأوراق العنب والمراوح النخيلية.
ولكن عبد الله لم تكن له مهارة غياث الدين أو شهرته، والقطع الأربع التي عليها اسمه لا تشهد بأنه كان فنانا من الطراز الأول، فضلا عن أنه لم يكن مبدعا، وإنما سار على الأساليب الفنية التي اتبعها النساجون في تبريز من قبله.
بينما لا نعرف عن حسين إلا ما نراه على قطعة صغيرة من الحرير في المتحف المتروبوليتان بمدينة نيويورك موجود فيها: «عمل حسين سنة 1008».
30
وطبيعي أن أسلوب رضا عباسي في تصوير الأشخاص في مواقف يبدو منها الكسل والتخاذل والتخنث، كان له أثر كبير في رسوم الأقمشة الثمينة في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي).
31
ويجدر بنا ألا ننسى ما كانت عليه زخارف المنسوجات التي نحن بصددها من اختلاف وتنوع في حجم الزخارف وفي المظهر العام وفي الألوان المستخدمة. وقد كان الإنشاء الزخرفي فيها بديعا ومحكما بحيث تتدرج رسومها المختلفة، ويستطيع المشاهد أن يرى بدائع أقسامها المختلفة بحسب قرب التحفة أو بعدها عنه، فإنه يعجب بالزخارف الدقيقة إذا كانت التحفة قريبة منه، ويعجب بالمناطق التي تضم هذه الزخارف إذا بعد عن التحفة قليلا، ويؤخذ بجمال المظهر العام إذا زاد بعده عن التحفة فغابت عنه التفاصيل. وخير مثال على هذا قطعة ديباج مشهورة كشفت سنة 1929، وتمتاز بألوانها البديعة ورسمها الدقيق وسطحها المقسم إلى عدد من المناطق، بعضها مكونة من نجوم مثمنة وذات فصوص، وبعضها مثمنة لا فصوص لها، وفي النجمة المتوسطة أمير على عرش، بينما تحتوي النجوم الأخرى على رسوم ملائكة تعزف على آلات موسيقية أو تحمل التحف والهدايا . أما المناطق الصغيرة ففيها رسوم حيوانات عديدة حقيقية وخرافية. وثمة مناطق أصغر حجما وفيها رسوم زهاء تسعين نوعا من الطيور المختلفة المرسومة بأسلوب طبيعي دقيق وفي أوضاع متنوعة.
ولم تكن المنسوجات الإيرانية في العصر الصفوي ذات زخارف آدمية فحسب، بل كان بعضها مزينا برسوم نباتية بحتة، كما يظهر من رسوم الملابس في كثير من صور المخطوطات التي ترجع إلى القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي).
على أن أبدع ما أنتجه النساجون الإيرانيون هو المخمل (القطيفة) ذو الرسوم القوية والألوان البديعة الفنية. وقد اشتهرت بإنتاجه مدينة قاشان في نهاية القرن العاشر وبداية القرن الحادي عشر بعد الهجرة (نهاية السادس عشر وبداية السابع عشر الميلادي)، وامتاز بإبداع ألوانه، وبرسومه التي تشبه إلى حد كبير رسوم الصور في المخطوطات.
ولما تولى الشاه عباس الأكبر (985-1038ه؛ أي 1587-1628م)، وكان كما نعرف من أكبر رعاة الفن والفنانين في إيران، شمل برعايته إنتاج الديباج والمخمل الثمين، وأنشأ المصانع لنسجهما في شتى البلاد ولا سيما في أصفهان. وامتازت المنتجات المنسوجة في عصر الشاه عباس باستخدام الألوان الهادئة ورسم الأشخاص رسما أقرب إلى الطبيعة.
وزادت ثروة إيران في عصر الشاه عباس وعظم الإقبال على المنسوجات الفاخرة؛ فزادت المنتجات زيادة أثرت بعض الشيء على جودة النوع وجمال الرسم، اللهم إلا فيما كان يصنع للبلاط ورجالات الدولة. وكان أهم أنواع الزخارف في نهاية القرن العاشر الهجري (السادس العشر الميلادي) وبداية القرن الحادي عشر رسوم أشخاص ذوي قدود هيفاء وأوضاع فيها كثير من التكلف، وفتيات أو فتيان يكاد المرء يحسبهن نساء، وما إلى ذلك من الصور التي عرفناها في أسلوب المصور رضا عباسي. والواقع أن تأثير هذا المصور وذيوع صور فتيانه وفتياته لم يكن في الصور المستقلة والمخطوطات والمنسوجات فحسب، بل كان في صور الجدران وفي لوحات القاشاني.
على أن أقمشة هذا العصر لا تبلغ في جودتها أقمشة العصور السابقة، فضلا عن أن الفنانين لم يأتوا بجديد في زخارفها وإنما نسجوا على منوال ما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم، ولكنهم عادوا إلى الولع برسوم الزهور والنبات؛ فاتخذوها لزخرفة عدد كبير من منسوجات القرنين الحادي عشر والثاني عشر بعد الهجرة (السابع عشر والثامن عشر بعد الميلاد) وأصابوا فيها توفيقا كبيرا. وشجعهم في هذا السبيل تجار البضائع الصينية الذين كانوا ينزلون مدينة أردبيل، والخزفيون الصينيون الذين كانوا ينزلون شتى المدن الإيرانية.
وقد وصلتنا أسماء بعض النساجين في القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي)، وهم محمد خان وعلي وإسماعيل قاشاني ومعين، وكلهم من مدينة قاشان،
32
ثم مغيث وآقا محمود، وهم من أهل أصفهان،
33
كما نبغ في هذه المدينة المصور شفيع عباسي الذي اشتهر بإتقانه رسوم الزهور والطيور، والذي كان مصور البلاط في عصر الشاه عباس الثاني.
ومما أنتجته مصانع النسج الإيرانية في القرنين الحادي عشر والثاني عشر بعد الهجرة (السابع عشر والثامن عشر بعد الميلاد) أحزمة حريرية طويلة، قوام زخارفها أشرطة أفقية، وتنتهي في طرفيها بمنطقة أوسع مساحة وفيها جامات وزخارف نباتية (انظر شكل
119 ). ويمتاز هذا النوع من الأحزمة بأن النساجين في جنوب شرقي بولندة
34
أقبلوا على تقليده في القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي)، بعد أن استورد بعض التجار الأرمن كميات كبيرة من الأحزمة الحريرية الإيرانية، وأينعت تجارتها حتى اضطروا إلى نسج مثلها في بولندة نفسها، واستخدموا زخارفها المكونة من الأشرطة والرسوم الهندسية ورسوم الزهور، ولم تلبث منتجات الصناعة المحلية أن طغت على الأحزمة الشرقية الواردة من إيران أو إستانبول.
ومما اشتهرت بإنتاجه مدينة يزد نوع من المخمل القرمزي الغامق، كان يتخذ في البيوت محاريب أو سجاجيد للصلاة، وكان قوام زخارفه عددا قليلا من الزهور الكبيرة ذات السيقان الطويلة وذات اللون الأصفر الذهبي، ومعها بعض وريقات خضراء.
وفي متحف فكتوريا وألبرت بلندن قطعة نسيج من صناعة يزد، قوام زخرفتها مراوح نخيلية وفروع نباتية مزهرة، وبينها رسم صلب السيد المسيح، وعلى جانبي الصليب العذراء والقديس يوحنا. ويقال إنها إحدى قطعتين أحضرهما سفير الشاه عباس إلى دوج البندقية سنة 1600 (انظر شكل
117 ).
أما أصفهان عاصمة الدولة في عصر الشاه عباس فقد كان فيها ألوف النساجين، لا ينقطعون عن العمل لإنتاج الكميات الهائلة من الخلع الثمينة التي كانت لازمة للبلاط، أو للهدايا التي يقدمها الشاه. كما أفادت باعتبارها عاصمة البلاد من وجود أعلام المصورين والرسامين الذين كانوا خير عون ومثال للفنانين في صناعة النسج. ولا ريب في أن أصفهان أنتجت شتى أنواع المنسوجات النفيسة، ولكن الظاهر أن النساجين فيها أتقنوا بنوع خاص صناعة الأقمشة ذات الزخارف النباتية الجميلة.
وكذلك مدينة قاشان لم يعد إنتاجها الفني موجها إلى الخزف فحسب، بل أصبحت مركزا عظيما للنسج منذ القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، ولكن المخمل الذي كان ينسج في أنوالها إبان القرن الحادي عشر الهجري بلغ كمية هائلة أثرت في جودة الصناعة إلى حد ما.
أما مدينة مشهد فقد ظهر أنها أيضا من المراكز التي كانت تنسج فيها الأقمشة الفاخرة، وثمة قطعة عليها كتابة تفيد أنها صنعت في تلك المدينة على يد فنان اسمه محمد بن عمر سنة 1065ه/1654م،
35
كما ذكرت منسوجات مشهد في سجلات الجمارك الروسية القديمة.
والواقع أن صناعة النسج ازدهرت في عصر الأسرة الصفوية ازدهارا عجيبا، واستطاع النساجون أن ينتجوا من الحرير ضروبا شتى تختلف في نوعها وفي وزنها وفي سمكها، وقد تدخل في نسجها الخيوط الذهبية فتكسبها بريقا وأبهة عجيبين. (6) في القرن الثاني عشر الهجري
كان الإنتاج عظيما في بداية القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي)، ولكن الأزمة الاقتصادية طغت على البلاد بعد الفتح الأفغاني وقنع القوم بالرخيص من الأقمشة، ولا سيما المنسوجات المطبوعة المعروفة باسم «قلم كار»، وكانت تصنع بمدينة قاشان في القرن الحادي عشر الهجري، وازدهرت صناعتها بعد ذلك في الهند وفي مدينة أصفهان، وأصبحت في القرن الماضي من أهم صادرات الشرق إلى أوروبا ولا سيما من أصفهان وهمذان ويزد.
ومهما يكن من الأمر فقد انحط نوع النسيج، كما قلت جودة المواد والصبغات المستخدمة فيه. والراجح أن أكبر مراكز النسج في هذا العصر كانت في يزد وقاشان وأصفهان وإبيانه وشرقي إيران.
وكانت يزد تنتج الحرير الأخضر ذا الزخارف المكونة من الزهور والأشجار، وأصاب النساجون في قاشان بعض التوفيق في صناعة الأقمشة ذات الزخارف الآدمية، وظل زملاؤهم في أصفهان يقبلون على رسوم الزهور في منسوجاتهم. •••
ولا يفوتنا أن التطريز معروف في إيران منذ العصور القديمة، وقد أشار الرحالة الإيراني ناصر خسرو إلى شارع في أصفهان اسمه شارع الطرازين نسبة إلى التجار الذين كانوا يسكنونه، كما أن الرحالة البندقي ماركو بولو ذكر مهارة السيدات بمدينة كرمان في تطريز المنسوجات الحريرية برسوم الطيور والحيوان والأشجار والزهور. وقد شهد بعض الرحالة الأوروبيين بين القرنين التاسع والحادي عشر بعد الهجرة (الخامس عشر والسابع عشر بعد الميلاد) ما يؤيد قول ناصر خسرو وماركو بولو عن إبداع المنسوجات الإيرانية المطرزة، وفضلا عن ذلك فإن بعض نماذج الأقمشة المطرزة لا تزال باقية حتى اليوم، وأكثرها يرجع إلى القرنين الماضيين، وأهم أنواعها سراويل النساء، وكانت تصنع من القطن وتطرز فيها بالحرير رسوم الزهور، وما إلى ذلك من الزخارف النباتية.
والواقع أن المصادر الأدبية والتاريخية تتحدث عن الأقمشة الإيرانية المطرزة منذ العصر السلجوقي، ولكننا لا نعرف منسوجات إيرانية مطرزة تطريزا زخرفيا صحيحا قبل عصر الدولة الصفوية. والمعروف أن الأعلام والخيام في العصر التيموري كان يعنى بتطريزها عناية خاصة؛ ومما يدل على ازدهار التطريز في العصر الصفوي قطعة محفوظة في متحف الفنون التطبيقية بمدينة بودابست، وترجع إلى القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، وفيها رسم وليمة في الهواء الطلق جمعت زهاء أربعين شخصا يتوسطهم الأمير (انظر شكل
111 )، ويحيط بهذا الرسم إطار فيه رسوم ملائكة مجنحين.
التحف المعدنية
أتقن الفنانون الإيرانيون صناعة التحف المعدنية قبل الإسلام، وظلت لهم المكانة السامية في هذه الصناعة بعد أن أصبحت بلادهم جزءا من العالم الإسلامي. وقد كتب ابن الفقيه الهمذاني في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي) يصف مهارة الإيرانيين في إنتاج التحف المعدنية:
ولفارس فضل في اتخاذ الآلات الظريفة المحكمة من الحديد حتى لقد قال بعض الحكماء - لما وقف على أشياء ظريفة عند بعض الملوك من آلات فارس: لقد ألان الله عز وجل لهؤلاء القوم الحديد وسخره لهم حتى عملوا منه ما أرادوا؛ فهم أحذق الأمة بالأغلال والأقفال والمرايا وتطبيع السيوف والدروع والجواشن
1 ...
والواقع أن التحف المعدنية الساسانية عليها مسحة من القوة والعظمة، قل أن توجد في تحف معدنية أخرى. وخير دليل على ذلك ما وصل إلينا من الصواني والأطباق الذهبية والفضية ذات الزخارف البارزة، وأكثر هذه التحف عثر عليها في جنوبي الروسيا وشمالي إيران، وهي محفوظة الآن في متحف الأرميتاج بمدينة لينينغراد. (1) في فجر الإسلام
وطبيعي أن صانع التحف المعدنية في الإسلام لم يقبل على عمل التماثيل على النحو الذي نعرفه في الفنون الغربية؛ حيث ورث الفنانون الأساليب الفنية الإغريقية والرومانية، وظل الجسم الإنساني عندهم أروع آيات التعبير الفني وأعظمها على الإطلاق.
2
ولدينا صنفان من التحف المعدنية يمكننا اعتبارها حلقة الاتصال بين الطراز الساساني والطرز الإسلامية في إيران؛ فإن بعض التحف من هذين الصنفين يرجع إلى العصر الساساني في القرنين الخامس والسادس بعد الميلاد، وبعضها يرجع إلى بداية العصر الإسلامي أو القرنين السابع والثامن (الأول والثاني للهجرة). هذان الصنفان هما مجموعة من الأباريق البرونزية ومجموعة من تحف معدنية على شكل حيوان أو طائر.
أما الأباريق فذات أشكال مختلفة ولها في أكثر الأحيان مقبض طويل وصنبور ممتد، وقد تزين برسوم حيوانية أو آدمية في مناطق محدودة، ولكن الغالب فيها قبل الإسلام بساطة الزخرفة. على أن ما صنع منها في العصر الإسلامي ظل محتفظا بالأساليب الفنية الساسانية إلى حد كبير، ولم يدخل عليه إلا شيء يسير من الأناقة ودقة الشكل، كما أن الصنبور أصبح في أغلب الأحيان على بدن الإبريق وليس في فوهته، بل إننا نجد الصنبور في بعض القطع على شكل طائر أو حيوان. وفضلا عن ذلك فإن الزخارف في الأباريق الإسلامية أدق وأصغر حجما وأظرف منظرا.
وفي دار الآثار العربية بالقاهرة إبريق بديع من البرونز كشف أثناء التنقيب عن الآثار بمدينة أبي صير في مصر الوسطى؛ حيث قتل مروان بن محمد آخر خلفاء بني أمية، وبدن هذا الإبريق كروي ومزين بنقوش تمثل عقودا في باطنها دوائر، وتحت الدوائر رسوم حيوانات وطيور، ورقبة الإبريق مستقيمة ومزينة بدوائر متماسة وبزخارف نباتية مخرمة،
3
والصنبور على شكل ديك كبير مبسوط الجناحين ومشدود الجسم، وهذا الإبريق بديع الشكل وجميل بزخارفه المحفورة والمخرمة؛ مما حمل علماء الآثار الإسلامية على اعتباره تحفة ملكية، وعلى نسبته إلى الخليفة مروان الثاني الذي لقي حتفه في نفس المكان الذي عثر فيه المنقبون على هذا الإبريق.
أما التحف المعدنية المصنوعة على شكل حيوان أو طائر فقد كانت ساسانية الروح، وإن نسب أكثرها إلى بداية العصر الإسلامي،
4
وهي مباخر أو آنية للماء على شكل بطة أو ديك أو غزال أو حصان أو أسد (انظر شكل
125 ).
ولعل أبدعها بطتان من مجموعة بوبرنسكي في متحف الأرميتاج بلينينغراد، إحداهما من العصر الساساني والأخرى من فجر الإسلام، وتمتاز الأولى بأنها ملساء بينما سطح الثانية مملوء بالخطوط والثنايا والأجزاء البارزة أو المنخفضة. وثمة تحفة أخرى من هذا الصنف كانت محفوظة في مجموعة إندجودجيان
Indjoudjian ، وهي على شكل ببغاء،
5
زخارفها تشبه الرسوم التي عرفناها على خزف «جبري»؛ مما يحملنا على نسبة هذه التحفة إلى القرن الرابع أو الخامس الهجري (العاشر أو الحادي عشر الميلادي).
وتذكرنا هذه المباخر
6
أو الأواني المجسمة بالأواني النحاسية والبرونزية التي صنعها الفاطميون على شكل الحيوان والطير، كما تذكرنا بالآنية التي نقلها الأوروبيون عن الشرق في العصور الوسطى، وكانوا يصنعونها من النحاس الأصفر على شكل فارس أو حيوان أو طائر ليستخدمها رجال الدين في الطقوس الكنسية، وكانت تسمى «أكوامانيل».
7
وفضلا عن ذلك فقد استعملت أشكال الحيوانات المجسمة - بعد ذلك - في ضرب من التحف، الشماعد والأباريق ينسب إلى القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وقد تكون بعض هذه القطع أقدم من ذلك؛ لما نراه فيها من قرب العهد بالروح الساسانية في الشكل والزخرفة.
ومن التحف المعدنية التي تنسب إلى إيران والعراق في القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) مرايا من البرونز تشبه المرايا الصينية، وعليها زخارف بارزة تمثل فرعا نباتيا يحف به من الجانبين رسم أبي الهول، وحول هذه المجموعة شريط دائر من الكتابة الكوفية ، أو عليها رسوم آدمية وحيوانية أخرى تبدو فيها مهارة الفنان في إعداد الزخرفة لشغل المساحة الدائرية.
وكان جل هذه المرايا من البرونز أو الصلب، ولبعضها مقبض وللبعض الآخر حلقة تتصل بجزء بارز في وسط السطح ذي الزخرفة (انظر شكل
130 ).
كما أن الفنانين الإيرانيين في ذلك العصر صنعوا مباخر مختلفة الشكل بعضها ذو زخارف مخرمة وفي بعضها أشكال حيوانات صغيرة،
8
وصنعوا كذلك المسارج والهواوين
9
والسلطانيات ذات الأشكال الأنيقة.
والواقع أن جل ما نعرفه من التحف المعدنية الإيرانية بين القرنين الثالث والسادس بعد الهجرة (التاسع والثاني عشر بعد الميلاد) عثر عليه في خراسان وهمذان والري وسمرقند، وزخارفه من رسوم الحيوان
10
والفروع النباتية والكتابة الكوفية، وكلها محفورة بدقة تناسب جمال الشكل. على أن ما يعلوها من الصدأ في الوقت الحاضر يمنع ظهور التباين بين الزخارف والمساحات التي لا رسم فيها.
ولكن ثمة بعض تحف لا يزال لها جمالها الأول، ومنها عدد من الصواني في كل منها موضوع زخرفي يتوسط قاع الصينية، وتحيط به موضوعات أخرى محفورة على هيئة دوائر ذوات مركز واحد (انظر شكل
129 ). (2) في عصر السلاجقة
كان للتحف المعدنية في عصر السلاجقة القوة والجلال اللذان امتازت بهما الصناعة الساسانية، واللذان كانا يناسبان طبيعة السلاجقة أنفسهم، كما كان لها في بعض النواحي الأخرى دقة وظرف يناسبان اعتناقهم الدين الإسلامي وغرامهم الجديد بالأدب والفن الإيرانيين؛ فقد خلف لنا هذا العصر بعض الأواني البرونزية ذات المظهر القوي، وإلى جانبها تحف من الفضة والذهب تلفت النظر بثروتها الزخرفية ورسومها الدقيقة المطعمة أو المفرغة في سطح الإناء. وفي المتاحف والمجموعات الأثرية الخاصة - ولا سيما مجموعة المستر رالف هراري - تحف كثيرة من هذا النوع، وتشمل عددا كبيرا من الكئوس واللعب الصغيرة والمباخر والأباريق والملاعق والأجزاء المعدنية من عدة الفرس، وعليها زخارف دقيقة من رسوم الحيوانات والطيور التي ألفناها في فنون إيران، فضلا عن الكتابات الكوفية الأنيقة وبعض الرسوم الآدمية.
واستخدم الفنانون شتى الأساليب الصناعية في عمل هذه الزخارف؛ فكان بعضها محفورا وبعضها مفرغا وبعضها وثيق الصلة بأسلوب «النيلو »، وهو أن يحفر الرسم على اللوحة من الفضة، أو الفضة الممزوجة بالذهب، ثم يصب في خطوطه المحزوزة مركب مرتفع الحرارة من النحاس والرصاص والبودق والكبريت وملح النشادر، وبعد برود هذا المركب وتلميع اللوحة يصير فيها تطعيم، أو «تكفيت» أسود على أرضية فاتحة، ويزداد بذلك الرسم دقة ووضوحا. وفضلا عن ذلك كله فقد كان في بعض تلك القطع زخارف بارزة وأخرى مذهبة أو بالمينا. •••
ولكن أسلوبا جديدا في زخرفة التحف المعدنية نشأ على يد الصناع المسلمين في بلاد الجزيرة وفي إيران، ثم بلغ غاية الدقة والإتقان في منتصف القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وهو تطبيق البرونز والنحاس أو تنزيلهما (تكفيتهما) بالفضة والذهب. والمعروف أن التطبيق أو الترصيع أو التركيب أو «التكفيت» طريقة في الزخرفة قوامها حفر رسوم على سطح معدن أو خشب، ثم ملء الشقوق التي تؤلف هذه الرسوم بقطع أخرى من مادة أغلى قيمة.
وإذا تذكرنا أن الصناع كانوا ينتقلون من بلد إلى آخر، وأن إيران وبلاد الجزيرة كانتا في معظم الأحيان في يد أسرة مالكة واحدة؛ أدركنا صعوبة تمييز التحف المعدنية المطبقة بالفضة والذهب في إيران من التحف التي صنعت في الموصل، اللهم إلا إذا دلت كتابة تاريخية في التحفة على محل صناعتها، وهذا نادر. أما الزخارف المطبقة أو المكفتة في هذه التحف فقوامها أشرطة من رسوم دقيقة فيها حيوانات، وفيها كتابات باللغة العربية وفيها صور آدمية لأشخاص قصيري القامة ذوي عمائم وملابس عربية وأحزمة في وسطهم. وقد يكون في الأشرطة جامات بها مناظر صيد أو طرب أو فروسية.
ولا يزال أبدع مثال لهذه الصناعة إناء من مجموعة بوبرنسكي
Bobrinsky
في متحف الأرميتاج عليه كتابة عربية تثبت أنه صنع سنة 559 هجرية/1163م في مدينة هراة على يد صانع اسمه محمد بن عبد الواحد، وطبقه صانع آخر اسمه حاجب مسعود بن أحمد النقاش بهراة،
11
وذلك لأحد كبار التجار الإيرانيين المنسوبين إلى مدينة زبخان. وزخارف هذه التحفة الثمينة مطبقة بالفضة والنحاس الأحمر، وتتكون من أشرطة أفقية فيها مناظر موسيقى ورقص وطرب وشراب وصيد ، وبينها كتابات عربية كوفية ونسخية، وتنتهي بعض قوائم الحروف فيها برءوس آدمية وحيوانية،
12 (انظر شكل
126 ).
وثمة بعض قطع أخرى عليها كتابات وإمضاءات،
13
وتدل كلها على ازدهار صناعة التحف المعدنية في شرق إيران ولا سيما في هراة، كما اشتهرت بهذه الصناعة مدن أخرى مثل أصفهان وهمذان وشيراز.
ومن المرجح أن طراز مدينة الموصل في صناعة التحف المعدنية قد نقل بعض أساليب هذه الصناعة عن إيران، بل الواقع أن الفرق بين الطراز الإيراني والطراز الموصلي لا يزال غير واضح كل الوضوح، وقد مر بنا أن التمييز بينهما أمر غير يسير، ولكن المعروف أن بعض الصناع الذين جاءت إمضاءاتهم على تحف من صناعة الموصل لهم أسماء ذات مسحة إيرانية؛ مما يحملنا على أن نتساءل: هل هاجر هؤلاء الصناع من إيران إلى بلاد الجزيرة، وأتيح لهم أن ينتجوا فيها أبدع التحف المعدنية في الفن الإسلامي؟ ومن المحتمل أن الفنانين الإيرانيين فروا من وجه المغول في بداية القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي)، ونزحوا إلى الغرب في العراق، كما فر الفنانون من العراق في منتصف القرن السابع ولجئوا إلى مصر وسورية.
والمعروف أن الصور في المخطوطات قد تكون عنصرا نافعا في معرفة الإقليم الذي تنسب إليه بعض التحف المعدنية والعصر الذي صنعت فيه، ولكننا لا نستطيع أن ننتفع بها في هذا الصدد إلا فيما يلي القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) الذي ترجع إليه أقدم المخطوطات المصورة المعروفة.
والحق أننا نعرف بوساطة الصور في المخطوطات أشكال بعض التحف المعدنية التي لم تصل إلينا نماذج منها، ومن ذلك مبخرة كانت معروفة في القرنين التاسع والعاشر بعد الهجرة
14 (الخامس عشر والسادس عشر بعد الميلاد).
كما أن التحف الخزفية التي وصلتنا قد تساعدنا أحيانا في معرفة أشكال التحف المعدنية؛ لأن العلاقة كانت وثيقة بينهما؛ ولا غرو فقد كان بعض التحف من الخزف يمكن استخدامه في نفس الغرض الذي استخدمت فيه التحف المعدنية، ولكننا نعلم أن طبيعة المادة التي تصنع منها التحفة كان لها أثر كبير في تشكيلها.
وطبيعي أن ازدهار صناعة تطبيق التحف المعدنية لم يقض على أسلوب الزخرفة بالرسوم البسيطة المحفورة؛ فقد ظل هذا الأسلوب الصناعي الأخير يتطور في سبيل الإتقان، كما يظهر من مجموعة كبيرة من الأواني والأباريق التي ترجع إلى النصف الثاني من القرن السادس وإلى القرن السابع بعد الهجرة (النصف الثاني من القرن الثاني عشر وإلى القرن الثالث عشر بعد الميلاد) والتي لا تطبيق فيها، وإنما زينت برسوم حيوانات متقنة وفروع نباتية دقيقة ووريدات جميلة متزنة، فضلا عن الكتابات الكوفية على نحو ما نرى في بعض أواني المياه ذات الزخارف المحفورة والبارزة بعض البروز (انظر شكل
134 ). •••
وقد عثر حديثا على شماعد من البرونز في مدينة الري تشبه شماعد العصر الفاطمي بعض الشبه، بقاعدتها ذات ثلاثة الأرجل ورقبتها الأسطوانية،
15
ولكنها تمتاز عنها بأنها غنية بزخارفها المخرمة والمحفورة، وبأنها أطول وأخف وزنا (انظر شكل
137 ). (3) في عصر المغول وعصر بني تيمور
على أن سقوط الخلافة العباسية سنة 656ه/1258م كان سببا في انتقال صناعة التحف المعدنية إلى سورية ومصر، ولكن الركود الذي أصابها في إيران كان مؤقتا فلم يلبث أن عاد إلى هذه الصناعة ازدهارها على يد التيموريين في القرنين الثامن والتاسع بعد الهجرة (الرابع عشر والخامس عشر بعد الميلاد)، وامتازت بالأناقة والتهذيب في أشكال الأواني، كما تطورت الزخارف، وأصبحت الصور الآدمية أدق رسما، وظهرت في ملابس الأشخاص الأساليب الإيرانية، كما أصبحت الزخارف الكتابية إيرانية بعد أن كانت في العصور السابقة عربية وكوفية.
وقد ازدهرت في شمال غربي إيران أو في أرمينية مدرسة في إنتاج التحف المعدنية المزينة بالزخارف المحفورة والمطبقة بالنحاس والفضة، وتنسب آثار هذه المدرسة إلى القرنين السادس والسابع بعد الهجرة (الثاني عشر والثالث عشر بعد الميلاد)، وأهمها آنية ذات أضلاع وشماعد عليها تماثيل بارزة معظمها يمثل الأسد أو الصقر. ومن أبدع هذه التحف شمعدان في مجموعة المستر رالف هراري (انظر شكل
131 ).
وقد استخدمت الزخارف البارزة في بعض التحف الفنية الإسلامية، كما نرى على إبريق محفوظ في متحف الهرميتاج، ويرجع إلى القرن الثالث أو الرابع الهجري (التاسع أو العاشر الميلادي)؛ ولهذا الإبريق ثلاث أرجل تشبه الطيور في شكلها، أما هيئته العامة فتذكر بمشكاوات المساجد.
16
وقد عثر على كنز من التحف المعدنية في مدينة همذان سنة 1908، محفوظ الآن في متحف قصر جلستان بعاصمة الإمبراطورية الإيرانية.
وثمة صلة وثيقة بين هذه التحف وبين منتجات المدرسة الفنية في مدينة الموصل؛ وقد يكون السر في ذلك رحيل بعض الفنانين من الموصل إلى إيران، ويحتمل أن الصناع الإيرانيين عنوا بتقليد الآثار الفنية الموصلية تقليدا دقيقا، كما يظهر لنا في صينية من النحاس ذات زخارف محفورة ومطعمة بالذهب والفضة من القرن السابع الهجري
17 (الثالث عشر الميلادي).
ومن أبدع التحف المعدنية الإسلامية التي يمكن نسبتها إلى عصر المغول الإناء الكبير الذي يعرف باسم «معمدانة سان لوي»
Baptistére de Saint Louis
لما يقال من أن أولياء العهد في فرنسا كانوا يعمدون فيه منذ لويس التاسع (1215-1270م)، وهذه التحفة النفيسة محفوظة الآن في متحف اللوفر، وقوام زخرفتها رسوم مطبقة بالفضة بينها صور آدمية مغولية السحنة وشريطان بهما صور حيوانات متتابعة،
18
وعليها إمضاء صانعها: «محمد بن الزين»، وأكبر الظن أنها ترجع إلى نهاية القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي).
والواقع أن صناعة التحف المعدنية في إيران بلغت عصرها الذهبي في نهاية القرن السابع وفي القرن الثامن بعد الهجرة (نهاية الثالث عشر وفي القرن الرابع عشر بعد الميلاد). وحسبنا للدلالة على ذلك الأباريق الجميلة التي كانت تصنع في شمال غربي إيران، وتمتاز ببدنها المضلع الذي تغطيه الأشرطة والجامات أو المناطق ذات الرسوم الآدمية والحيوانية والكتابية على أرضية من السيقان والفروع النباتية المطبقة بالفضة والذهب. وصفوة القول أن التحف التي وصلتنا من هذا العصر تلفت النظر بما في زخارفها من أناقة واتزان، فضلا عن أننا نجد أنها لا تختلف عما سبقها من التحف الإيرانية الإسلامية في خلوها من اسم الصانع أو البلد أو صاحب التحفة، على عكس التحف المصنوعة بعد نهاية القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي).
ومن أنفس التحف المعدنية المطبقة في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي ) شمعدان في مجموعة المستر رالف هراري (انظر شكل
140 )، وهو مطبق بالذهب والفضة، وله هيئة الشماعد التي امتاز بها العالم الإسلامي منذ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي): قاعدة أسطوانية فوقها رقبة صغيرة أسطوانية أيضا، وزخارف هذا الشمعدان دوائر وجامات ذات أربعة فصوص، ورسومها إما هندسية أو زهور محورة عن الطبيعة، وعليه كتابة تدل على أنه صنع سنة 761ه/1360م على يد صانع شيرازي اسمه محمد بن رفيع الدين.
ومنها كذلك طست من النحاس نجمي الشكل وذو زخارف محفورة ومطعمة بالفضة والذهب من القرن السابع أو الثامن الهجري (الثالث عشر أو الرابع عشر الميلادي). وهذه التحفة محفوظة في المتحف المتروبوليتان بنيويورك (انظر شكل
141 )، وقوام الزخرفة فيها وريدة في وسطها تمتد منها خطوط إلى الحافة، فتكون مناطق مملوءة بالرسوم الآدمية والفروع النباتية والزهور.
والملاحظ أن الفروق تزداد ظهورا بين التحف المعدنية في إيران والعراق ومصر منذ القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي).
ومما يلفت النظر في التحف الإيرانية أنها خلت من الأشعرة (الرنوك) التي كانت تزين معظم التحف التي صنعت للمماليك في مصر. والواقع أن هذه الرنوك ميزة من ميزات الطراز المملوكي في وادي النيل.
19
وقد تطورت صناعة تطبيق التحف المعدنية في نهاية القرن التاسع وبداية القرن العاشر بعد الهجرة (الخامس عشر وبداية السادس عشر بعد الميلاد)؛ فأصبحت الزخارف المفضلة هي الخطوط والرسوم الهندسية المتصلة على أرضية من فروع نباتية دقيقة. والواقع أن معظم التحف المعدنية التي وصلتنا من نهاية العصر التيموري تبدو عليها مسحة من الاضمحلال، ولكن أكبر الظن أن هذا راجع إلى فقد النماذج الطيبة من هذه التحف؛
20
فقد كانت سائر الفنون زاهرة في هذا العصر، وكان صناع الأسلحة ينتجون منها أحسن الأنواع، فغير محتمل أن يكون صناع التحف المعدنية وحدهم هم الذين طرأ على أساليبهم الفنية الضعف والاضمحلال.
وقد انتقل الأسلوب الإيراني في صناعة التطبيق إلى مدينة البندقية على يد صناع من الإيرانيين هاجروا إليها، ومنهم محمود الكردي الذي اشتغل بها في بداية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي )، كما انتقل كذلك إلى الهند بفضل الجوار وانتقال الصناع والفنانين.
21 (4) في العصر الصفوي
والمعروف أن صناعة التحف المعدنية ظلت زاهرة في عصر الدولة الصفوية (907-1148ه؛ أي 1502-1736م)، ولكن الآثار الباقية من ذلك العصر قليلة، ويمكننا بوساطتها أن نلاحظ التطور الذي طرأ على الزخارف، وجعلها تمثل الروح التي نعرفها في سائر ميادين الطرز الإيرانية في العصر الصفوي؛ فقد غلبت على التحف المعدنية في هذا العصر رسوم الفروع النباتية والصور الآدمية والحيوانية التي تذكر بما يزين السجاجيد وصور المخطوطات. وقل استخدام الأشرطة الزخرفية، وصار سطح التحفة مغطى برسوم متصلة كأنها الوشي أو التطريز، وفيها بحور أو مناطق ذات زخارف صغيرة الحجم أو كتابة قد يكون فيها اسم الصانع.
والواقع أن التحف المعدنية في العصر الصفوي امتازت بأناقة شكلها وبأن أكثر ما نراه عليها من الكتابة يكون باللغة الفارسية من شعر أو نصوص تاريخية، كما أننا نجد أسماء الأئمة الاثني عشر على عدد كبير منها. وفضلا عن ذلك فإن النحاس الأصفر المستعمل فيها أكثر لمعانا وميلا إلى اللون الذهبي، أما النحاس الأحمر فإنه يبيض بالقصدير تقليدا للون الفضة.
وقد ظهرت أبهة العصر الصفوي في كثير من الأواني التي كانت ترصع بالذهب والأحجار النفيسة والتي لا يزال بعضها محفوظا في متحف طوبقابو سراي بإستانبول، ولعله مما غنمه السلطان سليم في حروبه مع الشاه إسماعيل الصفوي؛ مما يجعل تاريخ صناعته قبل سنة 920ه/1514م.
وكانت الأبواب والصناديق تزين بصفائح من الصلب ذات زخارف تمثل أناقة الفن ودقة الزخارف في ذلك العصر
22 (انظر شكل
147 )، والواقع أن جمال الفروع النباتية والأرابسك ظل محفوظا في التحف المعدنية الإيرانية إلى العصور الأخيرة. •••
وقد كان الفنانون الإيرانيون يصنعون التحف من الذهب والفضة؛ فيتخذون منهما الأواني والحلي، ولكن ما وصلنا في هذا الميدان قليل جدا؛ لأن التحف الذهبية والفضية كانت تصهر ويعاد تشكيلها.
على أن القسم الإسلامي من متاحف الدولة في برلين به قرطان ذهبيان فيهما زخارف محفورة ومخرمة تمثل أرنبين متواجهين وغريفونين متقابلين،
23
كما أن متحف بناكي في أثينا ومعهد الفنون في مدينة ديترويت
Detroit
وبعض المجموعات الفنية الخاصة بها بعض قطع الحلي الإيرانية من خواتم وأسورة وأقراط وما إلى ذلك، مما ينسب في معظم الأحيان إلى القرنين السادس والسابع بعد الهجرة (الثاني عشر والثالث عشر بعد الميلاد).
ولكن من أبدع التحف المصنوعة من الفضة في إيران صينية صنعت بأمر ملكة لتقديمها إلى السلطان ألب أرسلان السلجوقي، ومحفوظة الآن في متحف الفنون الجميلة بمدينة بوستن
Boston ، ومؤرخة من سنة 954ه/1066م، وعليها اسم صانعها: حسن القاشاني، وفي وسطها وعلى حافتها كتابة بالخط الكوفي الكبير،
24
أما زخارفها فمن رسوم الحيوان والفروع النباتية (انظر شكل
127 ).
كما أن مجموعة المستر رالف هراري بها عدد من التحف الفضية التي كشفت حديثا وتنسب إلى القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وفيها مباخر وعلبات صغيرة وقنينات لماء الورد وما إلى ذلك، مما يمتاز بزخارفه الدقيقة المكونة من رسوم حيوانات متتابعة أو متواجهة، ومن فروع نباتية جميلة جدا، وعبارات بالخط الكوفي
25 (انظر شكل
128 ).
أما العصر الصفوي فقد امتاز بعدد وافر جدا من الأواني الفضية والذهبية التي أعجب بها الرحالة في قصور الشاه ورجال البلاط؛ على أن قيمة مثل هذه التحف مادية أكثر منها فنية. (5) الأسلحة
كانت إيران منذ العصور القديمة من أعظم المراكز الفنية شأنا في صناعة الأسلحة بالشرقين الأدنى والأوسط. وطبيعي أنها تأثرت في هذا الميدان - كما تأثرت في كثير من الميادين الفنية الأخرى - بالأساليب الصناعية عند الأمم المجاورة، وأتيح لها أيضا أن تؤثر في تلك الأساليب؛ ومن ثم كانت العلاقة الوثيقة بين الأسلحة الإيرانية، وما استعمله القوم من أسلحة في القوقاز وآسيا الوسطى والهند وبلاد العرب وتركيا ومصر والروسيا.
ولكن ما وصل إلينا من الأسلحة الإيرانية الأثرية نادر جدا، ولسنا نكاد نعرف أي قطعة من العصر الإسلامي قبل نهاية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي). على أن بعض الصور التي كشفت في حفائر مدينة طرفان بآسيا الوسطى تحتوي على رسوم أسلحة تدلنا على بعض ما كان مستعملا في بداية العصر الإسلامي.
26
وفضلا عن ذلك فإننا نعثر في صور بعض المخطوطات الإيرانية في القرنين السابع والثامن بعد الهجرة (الثالث عشر والرابع عشر بعد الميلاد) على رسوم أسلحة لم تصل إلينا أي نماذج منها.
27
أما المدة المحصورة بين نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن السابع فإننا لا نكاد نعرف عن الأسلحة فيها شيئا يستحق الذكر، اللهم إلا أن شمال شرقي إيران كان مشهورا بالأسلحة النفيسة، وأن المصادر الصينية تذكر أن أمير سمرقند سنة 95ه/713م أرسل كمية من السلاح بين الجزية التي كان يدفعها.
28
ولعل أقدم ما نعرفه من الأسلحة الإيرانية درع حديدي محفوظ بالمتحف الحربي
Zeughaus
في برلين، ودرع فرس بالمتحف الحربي في باريس،
29
وهما من القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، ثم جزء من درع فرس محفوظ بمتحف علم الشعوب في ميونخ، ويرجع إلى القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي). وثمة قطع أخرى من القرن العاشر محفوظة الآن بمتاحف الأسلحة الشهيرة، ولا سيما في برلين وتورينو.
وقد كانت الأسلحة في العصر الصفوي تطبق (تكفت) بالفضة والذهب وتزين بالرسوم الجميلة، وفي بعض الأحيان بالأحجار الكريمة أو النادرة. ومن أمثلة ذلك درع مغولي في متحف طوبقابو سراي بإستانبول مكون من ترسين مستديرين، أحدهما للصدر والآخر للظهر، فضلا عن قطع أخرى للرقبة والبطن، والترسان من الصلب، وعليهما آيات قرآنية مطعمة بالذهب.
30
وظهر في ذلك القرن نوع جديد من الدروع اسمه «جهار آينه» أي المرايا الأربع،
31
ويكون من أربع صفائح كبيرة من الحديد متصلة بوساطة «مفصلات»، وإحدى هذه الصفائح لحماية الصدر والأخرى للظهر بينما الاثنتين الباقيتين للجنبين وفيهما ثقبان كبيران يخرج منهما الذراعان.
32
وكثيرا ما كان هذا الدرع يبطن بالحرير ويلبس فوق الزرد. وكانت الصفائح غنية بالمناطق المزينة بالرسوم الجميلة من محفورة ومطبقة بالذهب، فضلا عن بعض الآيات القرآنية التي تتصل بالحرب والنصر، وقد ذاع استعمال هذه الدروع في الهند حتى منتصف القرن الماضي.
أما الخوذات الإيرانية فإن أقدم المعروف منها خوذة كشفت على مقربة من بودابست، ولا تزال حتى اليوم محفوظة في المتحف الأهلي المجري، وعليها زخارف جميلة محفورة في ثلاث مناطق، وقوامها فروع نباتية وكتابات كوفية مزهرة ورسوم أزواج متقابلة من طائر العنقاء الخرافي.
33
ويشبه طراز هذه الزخرفة ما نراه على مجموعة من المنسوجات الإيرانية أو السورية التي ترجع إلى القرن الثامن الهجري
34 (الرابع عشر الميلادي)، وثمة خوذات أخرى أعظمها شأنا في المتاحف الحربية بإستانبول وموسكو وبرلين، وفي المتحف الأهلي بكوبنهاجن. ويرجع معظمها إلى القرن التاسع والعاشر بعد الهجرة (الخامس عشر والسادس عشر بعد الميلاد).
وفي متحف بورت دي هال
بمدينة بروكسل خوذة نصف كروية وعلى حافتها السفلى مناظر صيد مطبقة بالذهب، وكتابة تدل على أنها من عمل صانع اسمه حاجي سنة 1112ه/1700م. وقد احتفظ الإيرانيون بهذا النوع من الخوذات (انظر شكل
150 ) حتى القرن الماضي.
وفي القسم الإسلامي من متاحف برلين درقة من الحديد ترجع إلى النصف الثاني من القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، وقوام زخارفها المحفورة رسوم وريقات شجر وأخرى حلزونية الشكل.
35
كما أن في متحف تاريخ الفن بمدينة فينا درقة أخرى من الحديد ذات زخارف محفورة ومطعمة بالفضة والذهب، وتنسب إلى القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) كما يظهر من طراز الرسوم الهندسية ورسوم الأرابسك الدقيقة التي تغطيها (انظر شكل
49 ).
وقد كانت التروس تصنع في بعض الأحيان من أغصان شجر الصفصاف أو التين الملفوف بخيوط الصوف أو الحرير أو الذهب.
36
ومن أبدع النماذج المعروفة من هذا الطراز ترس في متحف الأسلحة الملكي بمدينة استوكهلم، ويمتاز هذا الترس بما عليه من رسوم حيوانية ونباتية جميلة.
37
على أن أبدع التروس الإيرانية المعروفة ترس محفوظ في متحف قصر أروزهاينايا
Oruzheinaya
بمدينة موسكو. وينسب هذا الترس إلى بداية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) وعليه إمضاء صانعه: محمد. أما زخارفه فتغلب عليها رسوم الحيوانات المختلفة من أسد ونمر ودب وغزال وقرد وكلب وثعلب وغير ذلك. وحافة هذا الترس مذهبة ومرصعة بالجواهر.
38
وقد كانت سيوف الإيرانيين قبل الإسلام قصيرة ومستقيمة، ولم يطرأ عليها بعده تغيير يستحق الذكر. وقد كانت إيران في العصور الوسطى من أهم أقطار العالم الإسلامي في صناعة نصال السيوف من الصلب والحديد، كما شهد بذلك الجغرافيون والرحالة. على أن ما يعنينا من الناحية الفنية بنوع خاص هو أن هذه النصال كانت تطبق بالذهب والفضة ولا سيما في بعض الأقاليم الشرقية من إيران. ومن أبدع السيوف الإيرانية المعروفة سيف في المتحف التاريخي بمدينة درسدن مرصع بالجواهر، ويرجع إلى نهاية القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي).
وقد ذاع اسم الفنان أسد الله الأصفهاني في القرن الحادي عشر الهجري، ووصلتنا بعض النصال المنسوبة إليه، ومنها ما صنع للشاه عباس نفسه. أما سيوف القرن الثاني عشر الهجري (الثامن عشر الميلادي) فقد تطرق إلى صناعتها الانحلال، وأقبل القوم على تزيينها بالجواهر تزيينا بلغ حد الإسراف في بعض الأحيان.
ولعل أقدم الخناجر الإيرانية المعروفة خنجر عثر عليه في مدينة اوسترروده
Osterrode
من أعمال بروسيا الشرقية، ويظن أنه وصل إليها على يد التتار الذين غزوا تلك الأصقاع سنة 813ه/1410م. ومقبض هذا الخنجر حديدي وعليه آثار تذهيب وفيه زخارف من فروع نباتية، يدل أسلوبها على أنه من صناعة القرن الثامن الهجري
39 (الرابع عشر الميلادي). وقد استعمل الإيرانيون منذ القرن التاسع الهجري خناجر ذات نصال مقوسة قليلا، كما ذاعت بينهم في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد) السيوف والخناجر ذات النصال المقوسة تقويسا ظاهرا (انظر شكل
144 ).
وفي متحف الهرميتاج بعض خناجر إيرانية من القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) تشهد بالثروة الزخرفية العظيمة التي امتازت بها بعض الأسلحة الثمينة في ذلك العصر، والتي تظهر في رسومها الشبيهة بالمخرمات (الدانتلا) في دقتها وجمالها.
وقد وصلنا اسم فنان من صناع هذه الخناجر هو أحمد بكلي (أو تكلي)، الذي نجد إمضاءه على خنجر في متحف طوبقابو سراي بإستانبول مؤرخ من سنة 933ه/1527م، وكان من أسلحة سليمان الأول سلطان الدولة العثمانية بين عامي 927 و974ه/1521-1566م. •••
ولا يفوتنا قبل إتمام هذا الفصل أن نشير إلى ما طرأ على التحف المعدنية الإيرانية من ضعف واضمحلال في نهاية القرن الحادي عشر وفي القرن الثاني عشر بعد الهجرة (السابع عشر والثامن عشر بعد الميلاد)؛ فقد عني القوم بإنتاج الأواني الرخيصة للأسواق وذوي الذوق العادي ممن لا يستطيعون أن يدفعوا نفقات التحف الفنية الدقيقة، والتي يقضي فيها الصناع الوقت الطويل ويبذلون الجهود المضنية.
وعلينا أن نلاحظ أيضا أن التحف المعدنية الإسلامية ظلت عصورا طويلة بدون أن يعنى بجمعها الهواة الغربيون والشرقيون عنايتهم بجمع السجاد أو الأقمشة أو المخطوطات أو الزجاج؛ ولذا كان المعروف منها لا يكاد يذكر إلى جانب ما أنتجه الصناع في العصر الإسلامي.
الزجاج والخشب
أما صناعة الزجاج فقديمة في إيران ولا غرو؛ فإن هذه الصناعة معروفة في الشرق الأدنى منذ العصور القديمة. وقد أشار الكاتب الإغريقي أرستوفان
Aristophanes (من كتاب القرن الخامس قبل الميلاد) في إحدى رواياته إلى استعمال كئوس النبيذ من الذهب والزجاج في البلاط الإيراني، كما عثر المنقبون عن الآثار في إقليم لورستان - غربي الهضبة الإيرانية - على بعض أواني من زجاج نصف شفاف ومائل إلى اللون الأخضر، وعلى أسورة من زجاج مطعم بزجاج آخر مختلف الألوان.
ومن أقدم ما نعرفه من التحف الزجاجية الإيرانية ذات الشأن صحن من العصر الساساني وجد في شمالي إيران ومحفور فيه رسم طائر خرافي، وهو محفوظ الآن في إحدى المجموعات الأثرية الخاصة في طهران.
ومع ذلك كله فإن الأرجح أن كثيرا من الأواني الزجاجية التي استعملها الإيرانيون القدماء كانوا يستوردونه من سورية، كما يشهد بذلك نوع التحف الزجاجية التي عثر عليها في حفائر السوس والمدائن.
ولعل أقدم ما نعرفه من الأواني الزجاجية الإيرانية في العصر الإسلامي، يرجع إلى القرنين الثاني والثالث بعد الهجرة (الثامن والتاسع بعد الميلاد)، ويشبه كثيرا ما عثر عليه المنقبون عن الآثار في سامرا.
1
ومن التحف الزجاجية الإيرانية في فجر الإسلام نوع تزينه زخارف محزوزة من خطوط ودوائر وأشكال هندسية. وقد تمثل تلك الزخارف رسوم طيور أو حيوانات، كما نرى في طبق مكسور يظن أنه وجد في أطلال مدينة الري، وهو محفوظ الآن في مجموعة ولفريد بكلي
Wilfred Buckley
وقوام زخرفته رسم طائر خرافي.
2
ولكن الواقع أن تمييز التحف الزجاجية في شتى أنحاء العالم الإسلامي في القرون الأولى بعد الهجرة أمر غير يسير، بل إننا لا نجد فرقا عظيما بين بعض الأباريق الفاطمية من البلور الصخري
3
وإبريق من نفس المادة عثر عليه في إيران،
4
ومحفوظ الآن في مجموعة ولفريد بكلي سالفة الذكر.
5
وفي كنز كاتدرائية سان ماركو بمدينة البندقية سلطانية من الزجاج الأزرق الفيروزي محفور فيها كلمة «خراسان»، وقوام زخرفتها رسوم أرانب محفورة. وأكبر الظن أن هذه التحفة من صناعة إيران أو العراق في القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي).
6
وقد وجدت في مدينة الري بعض نماذج أخرى من التحف الزجاجية ترجع إلى القرنين الرابع والخامس بعد الهجرة (10-11م).
ثم ازدهرت بعد ذلك صناعة الزجاج في إيران، وصارت تصنع منها التحف المختلفة الأشكال، ونجح الصناع في الوصول إلى ضرب من الزجاج الأبيض المضغوط يقلدون به البلور الصخري الذي كان يستعمل في مصر على يد الفنانين في الدولة الفاطمية. واستخدم الزجاجون الإيرانيون شتى أنواع الصناعة في الزخرفة من ضغط وحفر وبروز وأسلاك ملفوفة، وكانوا يصنعون التحف الزجاجية الصغيرة على شكل حيوان، كما يظهر من سمكة زجاجية صغيرة عثر عليها المنقبون في مدينة الري. أما موضوعات الزخرفة فكانت خليطا من الرسوم الهندسية والفروع النباتية والكتابات ورسوم الحيوان،
7
بل والرسوم الآدمية في بعض الأحيان.
8
وقد عرف الإيرانيون طلاء الزجاج بالمينا، كما يظهر من النماذج التي عثر عليها في شيراز وهمذان ونيسابور وسمرقند والري وساوه (انظر شكل
152 ).
ويلوح أن غزو المغول قضى على ازدهار صناعة الزجاج في إيران، كما يظهر من ندرة التحف الزجاجية الإيرانية التي يمكن نسبتها إلى إيران بين القرنين السابع والتاسع بعد الهجرة (الثالث عشر والرابع عشر بعد الميلاد).
ولكن المعروف أن أحد الشعراء في بلاط تيمور في بداية القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، كتب أن هذا العاهل الكبير جمع في سمرقند نخبة من أمهر صانعي الزجاج في ذلك العصر فازدهرت هذه الصناعة على يدهم.
ومن التحف الزجاجية التي يمكن نسبتها إلى مصانع الزجاج التي قامت على يد الزجاجين السوريين في سمرقند، صحن من الزجاج في المتحف البريطاني (انظر شكل
153 ) وهو عسلي اللون ومموه بالمينا، وقوام زخرفته رسم إنسان أو ملاك ذي جناحين وفي يده قنينة نبيذ إيرانية الشكل.
وذاعت في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (16-17م) صناعة الأباريق والقنينات الزجاجية الطويلة الممشوقة (انظر الأشكال
88
و
154 ).
وكانت شيراز أعظم مراكز هذه الصناعة، كما شهد بذلك بعض الرحالة الذين زاروا إيران في ذلك العصر، ولا سيما شاردان
Chardin
وهربرت
Herbert
وتافرنييه
Tavernier . وكان الزجاج في شيراز أبيض أو أخضر أو أزرق، ولم تكن به زخارف مقطوعة أو محفورة.
والأرجح - بوجه عام - أن صناعة الزجاج لم تلق في إيران ما لقيته سائر الصناعات الفنية من عناية، ولعل كثيرا من النماذج التي يعثر عليها المنقبون في إيران ليست من صناعة البلاد نفسها، وإنما استوردتها من سائر أنحاء الشرق الأدنى. وأما منتجات القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (16-17م) فلا شك في أنها صنعت في إيران، وأنها تأثرت بالأساليب الفنية التي نقلها بعض صناع الزجاج الذين قدموا من مدينة البندقية. ومهما يكن من الأمر فإن ألوانها جميلة وفيها أشكال كانت وقفا على إيران، ولكنها ليست ذات شأن فني عظيم.
وقد عرفت بعض المدن الإيرانية منذ فجر الإسلام بمهارة أبنائها في صناعة التحف وقطع الأثاث من الخشب. وكان على رأس هذه المدن الري وقم؛ فازدهرت في الأولى صناعة الأمشاط والأواني، كما اشتهرت الثانية بصناعة الكراسي من خشب الخلنج
9
المأخوذ من غابات طبرستان.
10
على أن أقدم ما نعرفه الآن من التحف الخشبية الإيرانية عمودان وثلاث حشوات من الخشب المحفور، كشفها الأستاذ أندريف
Andreieff
في إقليم تركستان الغربي.
11
وأكبر الظن أنها ترجع إلى القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي)، أما زخارفها فتشبه بعض الزخارف الجصية التي توجد في سامرا وزخارف العصر الطولوني وبداية العصر الفاطمي في مصر، والزخارف الجصية في نايين،
12
وقوامها رسوم أنواع مختلفة من الزهور محورة عن الطبيعة تحويرا كبيرا ومحفورة حفرا عميقا.
وثمة أبواب خشبية كانت في قبر محمود الغزنوي وترجع إلى النصف الأول من القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وهي محفوظة الآن في قلعة أجرا بالهند. وكان في باطن هذه الأبواب حشوات خشبية تشبه في زخارفها التحف الخشبية التي عثر عليها في إقليم تركستان الغربي،
13
أما سطحها الخارجي ففيه أربع حشوات مزينة بأشكال نجمية من الخشب ذي الزخارف العجيبة في دقتها،
14
والتي يتجلى بها توفيق الفنان في تنويع سطح الرسوم وبروز الزخرفة تنويعا يجعلها متعددة الأسطح، وتبدو كأن بعضها يظهر من ثنايا البعض الآخر أو يتحرك فوقه؛ ولا عجب فقد كانت غزنة في القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي) مركزا عظيما من مراكز الثقافة الإيرانية، وازدهرت فيها الفنون، ونما فيها طراز فني امتاز بنضوجه وبثروته الزخرفية.
وفي مجموعة رابنو ثلاث حشوات من الخشب متشابهة في شكلها، ومزينة بكتابة بالخط الكوفي البسيط ذات حروف بارزة وجميلة. ويحيط بكل حشوة منها شريط من الكتابة يضم بين جانبيه إطارا من منطقة ذات زخرفة من فروع نباتية متصلة، وينتهي هذا الإطار المدبب في أعلاه بمنطقة مثلثة تشبه المروحة، وفي الإطار والمنطقة المذكورة كتابات، على إحداها اسم عضد الدولة وتاريخ «سنة ثلاث وستين وثلاثمائة».
15
وفي دار الآثار العربية بالقاهرة حشوة خشبية من هذا الطراز وعليها نفس التاريخ
16 (انظر شكل
155 )، وفيها حشوة أخرى، قوام زخرفتها موضوع زخرفي نباتي يعلوه سطران من الكتابة الكوفية، وتحف به كتابة أخرى في شريط على هيئة عقد إيراني؛
17
مما يجعل هذه الحشوة تشبه المحاريب الإيرانية التي عرفت في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي). وزخارف هذه التحفة تمتاز باتزانها وتوافقها وحسن توزيعها وبعدها عن الطبيعة، وهي بارزة بروزا أساسه حفر الأرضية التي حولها لتبدو الزخرفة بارزة فوقها. ولسنا نعرف تماما مصدر هاتين الحشوتين المحفوظتين في دار الآثار العربية؛ فإنهما تشيران إلى ضريح شيعي ربما كان في إيران نفسها أو في بلاد الجزيرة، وقد كان عضد الدولة في التاريخ المذكور يحكم من إيران مقاطعات خوزستان وفارس وكرمان.
وفي معرض فرير
Freer Gallery
باب جميل ينسب إلى نهاية القرن الخامس الهجري
18 (الحادي عشر الميلادي)، قوام زخرفته مناطق مستديرة ومتصلة، ومكونة من دوائر ذوات مركز واحد، فيها كتابات بالخط الكوفي المزهر، وفي أكبر هذه المناطق - وهي الوسطى - موضوع زخرفي نباتي، وبين تلك المناطق مربعات صغيرة مزينة بوريقات نباتية ، ويتجلى في زخرفة هذا الباب بعض الأساليب التي نعرفها في زخارف الأبواب المعدنية.
وفي المتحف المتروبوليتان بنيويورك حشوة خشبية مؤرخة من سنة 546ه/1151م وعليها اسم الأمير علاء الدولة كرشاسب في كتابة كوفية محصورة بين رسم عقد إيراني، تحف به منطقتان من الزخارف النباتية.
19
وقد كان الأمير عاملا على يزد من قبل السلاجقة.
وثمة تحف خشبية أخرى من العصر السلجوقي - جلها من قونية - ومن أخطرها شأنا منبر جامع علاء الدين في تلك المدينة، وزخارفه محفورة ومخرمة، وتسود فيها الزخارف الهندسية على شكل الأطباق النجمية التي أقبل عليها الفنانون المصريون في عصر المماليك،
20
وعلى هذا المنبر كتابة تفيد أنه عمل «الحاجي الأخلاطي» سنة 550ه/1155م.
21
ومنها كذلك باب خشبي في المتحف الإسلامي بإستانبول، عليه زخارف قوامها دائرة ذات أطباق نجمية فيها رسوم نباتية، وفوق الدائرة وتحتها رسوم أسدين وغريفونين، وترجع هذه التحفة إلى القرن السابع الهجري
22 (الثالث عشر الميلادي). والحق أن هذا المتحف يشتمل على بعض تحف أخرى من العصر السلجوقي، ولكنها من آسيا الصغرى.
23
وقد استخدم الفنانون الإيرانيون في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) العناصر الهندسية في زخرفة الخشب، كما استعملوا الرسوم النباتية في الأساليب الفنية الإيرانية. ومن أبدع أمثلة الزخارف الهندسية ما نراه في سقف بمدخل الإيوان الرئيسي في المسجد الجامع بشيراز،
24
كما أننا نجد أمثلة دقيقة من الزخارف النباتية في بعض المنابر المصنوعة في القرن الثامن الهجري
25 (الرابع عشر الميلادي) وفي بعض الأبواب وكراسي المصاحف، ومن الأخيرة كرسي مصحف من الخشب المخرم والمطعم، مؤرخ من سنة 761ه/1360م ومحفوظ الآن في المتحف المتروبوليتان بنيويورك، وعليه اسم صانعه حسن بن سليمان الأصفهاني
26 (انظر شكل
156 ). وثمة قطع أصاب بها الفنان توفيقا عظيما في الجمع بين الزخارف النباتية والرسوم الهندسية، مثل أبواب مسجد أحمد يسوي في تركستان، وهي مؤرخة من بداية القرن التاسع الهجري
27 (1397-1299م) وعليها اسم صانعها: «عز الدين».
وزاد ازدهار صناعة الحفر في الخشب إبان القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي)، كما يظهر في باب ذي زخارف محفورة وملونة، وهو من خشب الجوز وموجود في جامع شاه زنده بمدينة سمرقند،
28
وكما يظهر كذلك في بابين من قبر تيمور (جورامير) محفوظين الآن في متحف الهرميتاج
Hermitage
29 (انظر شكل
158 ) وفي بعض أبواب المساجد والمدارس مما وفق الصناع فيه إلى أدق الزخارف النباتية والهندسية مع أجمل الكتابات بالخط الكوفي والنسخي والثلث.
وكان إقليم مازندان مشهورا بغاباته الواسعة وأخشابه الثمينة، وقد عثر فيه على بعض تحف خشبية نفيسة معظمها أبواب وتربات عليها تواريخ صناعتها وأسماء صانعيها،
30
وللكتابة في زخرفة هذه التحف المكان الأول.
ومن التحف الخشبية في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي) مصراع باب من خوقند في فرغانة، ومحفوظ الآن في المتحف المتروبوليتان،
31
وقوام زخرفته رسوم غائرة من الفروع النباتية والأرابسك ويحف بها إطاران من فروع نباتية أقل منها عمقا في الحفر.
ومما ينسب إلى القرن نفسه مصراعان من باب خشبي عليهما «عمل علي بن صوفي الباساني» سنة 915ه/1059م، ومحفوظان بالمتحف الأهلي في طهران (انظر
159 )، ولكننا نرى في هاتين التحفتين - وفي غيرهما من التحف الخشبية المنسوبة إلى القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة - برودا وجفافا ينذران بانحطاط صناعة الحفر في الخشب في ذلك العصر الذي سادت فيه فنون الألوان من سجاد وتصوير وخزف. •••
وثمة صناعات فنية أخرى أتيح للإيرانيين أن ينبغوا فيها، ولكن المجال يضيق عن إيفائها حقها من الدرس في هذا الكتاب.
فالحلي والجواهر كان لها شأن عظيم في الحياة الاجتماعية الإيرانية، ولا سيما في البلاط وفي ملابس أهل الطبقة العالية؛ فلا عجب إن تخصص في صناعتها مهرة الفنانين في زنجان وأصفهان وتبريز وسلطانية وغيرها من البلدان الصناعية في إيران، فضلا عن الفنانين الذين عكفوا على صناعة الأواني الفاخرة من الذهب والفضة وتزيينها بالجواهر والمينا؛ لتستعمل في الحفلات وسائر المناسبات العظيمة. ومن تلك الأواني صحن ذهبي في مجموعة كازروني بك في القاهرة، يظهر بعض التأثير الأوروبي فيما عليه من رسوم الزهور والطيور بالمينا (انظر شكل
151 )، وعلى هذا الصحن كتابة تدل على أنه هدية من فتح علي شاه إلى السياسي المستشرق الإنجليزي السر جور أوسلي
Sir Gore Ouseley
سنة 1228ه/1813م، وفي وسطه رسم أسد ، تحته العبارة الآتية: رقم محمد جعفر.
والواقع أن قصور إيران لا تزال عامرة بالتحف النفيسة التي ترجع إلى القرون الثلاثة الماضية، والتي تمتاز بمادتها الثمينة وصناعتها الدقيقة، ولكن تأثرها بالأساليب الفنية الغربية - تأثرا يختلف مداه - يحملنا على اعتبارها تحفا تدل على الثروة والأبهة أكثر مما تدل على الذوق الفني والأساليب الزخرفية التي عرفت عن الإيرانيين في عصورهم الذهبية.
ولا يفوتنا في هذا المقام أن نشير إلى عرش الشاه إسماعيل الصفوي وإلى العرش المعروف باسم عرش الطاووس. أما الأول فمحفوظ الآن في إستانبول، وهو غاية في دقة الصناعة وجمال الزخرفة، والثاني في قصر جلستان بمدينة طهران، وهو فاخر جدا، ويذهب كثير من العلماء إلى أنه صنع في القرن الثاني عشر بعد الهجرة (الثامن عشر الميلادي) من مواد العرش القديم الذي غنمه نادر شاه أثناء حروبه في الهند.
العناصر الزخرفية الإيرانية في العصر الإسلامي
لا ريب في أن الطرز الفنية الإيرانية التي ازدهرت في العصر الإسلامي زخرفية قبل كل شيء، وهي تشبه في هذا الميدان سائر الطرز الفنية الإسلامية عامة. والواقع أنها تشبهها أيضا في تجريد الموضوعات الزخرفية والبعد بها عن أصولها الطبيعية و«في الجمع بينها وربطها وتوزيعها جمعا وربطا وتوزيعا يتجلى فيه التعقيد والبراعة والجدة والابتكار بدون أن يؤثر ذلك في عناصر الزخرفة ذاتها، فيجعلها مملة أو يسلبها ائتلافها وانسجامها وتوافق أجزائها».
ونستطيع أن نقسم عناصر الزخرفة الإيرانية في الإسلام خمسة أقسام: الرسوم النباتية والصور الآدمية والصور الحيوانية والزخارف الكتابية والزخارف الهندسية. (1) الرسوم النباتية
أما الرسوم النباتية فقد أتقنها الفنانون الإيرانيون، ووفقوا فيها توفيقا كبيرا؛ فكانت هذه الرسوم على يدهم أكثر مرونة وأقرب إلى الحقيقة الطبيعية منها في سائر الطرز الإسلامية، وقد نقل عنهم الفنانون في الطراز التركي العثماني هذه المهارة في رسم النباتات والأزهار. وحسبنا أن ندقق النظر في الزخارف النباتية ورسوم الزهور والأشجار في الصور التي خلفتها مدرسة هراة، أو في الخزف والمنسوجات النفيسة المصنوعة في إيران في القرنين العاشر والحادي عشر بعد الهجرة (السادس عشر والسابع عشر بعد الميلاد)، ثم في القاشاني والخزف والمنسوجات المصنوعة بآسيا الصغرى في الوقت نفسه لنتبين جمال العنصر النباتي في الزخارف الإيرانية.
والواقع أن الزخارف النباتية الإيرانية بدأت منذ القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) في أن تكون مثالا صادقا للطبيعة، وأصاب الفنانون أقصى حدود النجاح في هذا السبيل، ولعلهم تأثروا بالأساليب الفنية الصينية التي تسربت إلى إيران على يد المغول وفي عصر الأسرات التي جاءت بعدهم في حكم الشعب الإيراني.
ومن أهم الرسوم النباتية التي استخدمها الإيرانيون في زخارفهم الوريدات والمراوح النخيلية (بالميت) واللوتس والشجيرات والرمان والأوراق، ولا سيما من نبات شوكة اليهود. وطبيعي أن هذه الرسوم النباتية أصابها ما أصاب غيرها في سائر الطرز الإسلامية من تحوير عن أصولها الطبيعية وتنسيق «وتهذيب»
Stylisation ، ولكنها كانت في الطرز الإيرانية أوثق صلة بنماذجها الطبيعية. ومن أبدع الرسوم النباتية والهندسية في بداية العصر الإسلامي في إيران ما نراه في الزخارف الجصية الجميلة بمسجد نايين (انظر شكل
1 ).
كما امتاز عصر الدولة الغزنوية بدقة الزخارف النباتية المكونة من الفروع والسيقان الممتدة في رشاقة واتزان، يمثلان أبدع ما نعرفه في «الأرابسك».
وكان توفيق الإيرانيين عظيما في استخدام الرسوم النباتية ورسوم الزهور، وفي الجمع بينها وبين سائر العناصر الزخرفية، ولا سيما في الصور وزخارف الخزف والسجاد. وفي عصر السلاجقة كان صناع التحف المعدنية يجمعون كثيرا بين الرسوم النباتية والزخارف الهندسية، ومن أعظم الرسوم النباتية شأنا في ذلك العصر ورق العنب ونبات شوكة اليهود (الأكانتس).
واستخدمت الفروع النباتية كثيرا في الزخارف الإيرانية كأرضية تقوم فيها عناصر أخرى آدمية أو حيوانية. وكانت رسوم الفروع النباتية في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) محلاة بالوريقات وبالزهور.
وقصارى القول أن الإيرانيين لم يهملوا العنصر النباتي في زخارفهم، وذلك على الرغم مما نعرفه عن سيادة العناصر الأخرى. والواقع أننا نستطيع أن نلاحظ بوجه عام أن الثقافة الفنية القديمة في البلاد التي قامت فيها الفنون الإسلامية كان لها أثر كبير في توجيه الزخارف الإسلامية فيها؛ فنرى مثلا أن الطرز الإسلامية التي ازدهرت في الشام ومصر وشمالي إفريقية والأندلس، قد قامت على أنقاض أساليب فنية هلينية ورومانية، فسادت فيها الزخارف النباتية والهندسية، بينما قامت الطرز الإسلامية في العراق وإيران على أنقاض الأساليب الفنية القديمة في هذين الإقليمين؛ ولذا غلبت عليها الزخارف الحيوانية والآدمية. (2) الصور الآدمية
لم تكن البيئة والعادات تساعد الفنان الإيراني منذ الزمن القديم على معرفة الجسم الإنساني ودراسته ورسمه وعمل التماثيل له، كما أتيح للفنان الإغريقي مثلا؛ فقد ورثت إيران - كما ذكرنا - الأساليب الفنية التي كانت سائدة في بلاد العراق والجزيرة في الأزمنة القديمة، وكان قوام الرسوم الآدمية في تلك الأساليب الفنية هو تجريد الجسم الإنساني، واتخاذه رمزا وعنصرا للإيضاح والتفسير والدلالة على جلال الملك وعظمة الإله.
وقد مر بنا أن إيران كانت أكثر الأمم الإسلامية استخداما للصور الآدمية في زخارفها، ولكنا نلاحظ أن تلك الصور لها صفاتها الخاصة؛ فالفنان لا يقصد بها إلا التوضيح؛ ولذا كانت في أكثر الأحيان رسما تخطيطيا مجردا وملخصا. وليس السبب في هذا ما نعرفه من كراهية التصوير في الإسلام فحسب، وإنما الحق أن الإيرانيين لم يكترثوا بتلك الكراهية إلى حد كبير، وأنهم رسموا الصور الآدمية في الكتب وعلى التحف، ولكنهم لم يتجهوا في رسمها اتجاه الأمم التي ورثت الفنون الكلاسيكية، واتخذت جسم الإنسان غرضا لذاته فنقلته كما هو واحترمت قوانين الرسم في تصويره.
والواقع أن الإيرانيين لم يكونوا على استعداد فطري لاتخاذ ذلك الاتجاه، ثم إن الإسلام لم يكن من شأنه أن يشجعهم على اتخاذه.
وفضلا عن ذلك كله فإننا نلاحظ أن نهاية العصر الكلاسيكي نفسه شهدت اضمحلالا في الزخارف الآدمية وفي عمل التماثيل، ولكن هذا لا يمنع من أن الفن الهليني كان محتفظا بالزخارف الآدمية في بداية العصر المسيحي، كما يبدو في الفسيفساء وفي الزخارف الجصية البارزة وفي الحلي ، وتغير طابع فن النحت في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد، وذلك في كل أقاليم البحر الأبيض المتوسط؛ فانصرف القوم عن عمل التماثيل المنفصلة المستقلة، وأقبلوا على النحت الزخرفي، وندر وجود مناظر الكائنات الحية في الزخارف المحفورة السورية . ولم يعرف الفن البيزنطي تقليد الطبيعة تقليدا صادقا كالذي امتاز به الفن الإغريقي، وبدأ القوم ينبغون في الرسوم الخيالية والزخرفية، ويؤثرونها على سائر العناصر.
وهكذا نرى أن الإسلام في زخارفه النباتية لم يكن شاذا وخارجا على سنة التطور، وإنما سار في الطريق الذي افتتحته بيزنطة، ثم اتخذه لنفسه حتى صارت الفروع النباتية المتصلة تنسب إليه وتعرف باسم «أرابسك».
1
ومهما يكن من الأمر فقد كانت أكثر الصور الآدمية في الزخارف الإيرانية مستمدة من حياة البلاط، كرسم الأمير على عرشه وفي يده كأس يتهيأ للشرب منها، وحوله أتباعه والقائمون على تسليته بين موسيقي ومطرب وبهلوان، وكرسمه في الصيد مع أتباعه أو في القتال أو في لعبة الصوالجة (البولو)، وغير هذا كله من الموضوعات التي عنوا برسمها في الصورة، والتي مرت بنا في الكلام على ذلك الميدان من الفن الإيراني.
وقد أقبل الفنانون الإيرانيون منذ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) على استعمال الرسوم التوضيحية ذات الصور الآدمية لتكوين منظر أو شرح أسطورة. (3) رسم الحيوان
كانت آسيا منذ العصور القديمة أغنى القارات في استخدام الزخارف الحيوانية، بل إن الفن البيزنطي أخذ عن أشور وإيران جل ما استخدمه من حيوان في رسومه وزخارفه. ولا غرو فقد كان الفن الإيراني في العصور القديمة ثم في العصر الإسلامي غنيا جدا بزخارفه الحيوانية.
ولعل أكثر الحيوانات والطيور التي استخدمها الإيرانيون في زخارفهم هي الأسد والفهد والغزال والأرنب، والطاووس والبط والخيل والباز، والطائر يتدلى من منقاره فرع نباتي على الطريقة الساسانية، ثم الجمل والفيل،
2
فضلا عن الحيوانات الخرافية والمركبة التي تسربت إلى إيران مع غيرها من الأساليب الفنية الصينية، كالتنين مثلا.
وقد كان طبيعيا أن يرحب الإيرانيون بتلك الحيوانات الخرافية التي تتفق في تركيبها مع البعد عن الحقيقة الطبيعية، ذلك البعد الذي كان في أكثر الأحيان المثل الأعلى في الفنون الإسلامية عامة؛ ولذا أخذ الإيرانيون عن الشرق الأقصى كثيرا من تلك الحيوانات الخرافية بدون التفكير في ما كانت ترمز إليه تلك الحيوانات في الصين، ونجح الفن الإيراني في طبع تلك الحيوانات بطابع إيراني وإسلامي ظاهر أولا في تفصيل رسمها، وثانيا في وضعها متتابعة أو الواحد تجاه الآخر، أو في موقف ينقض فيها القوي على الضعيف، وما إلى ذلك من أوضاع امتازت بها إيران في الرسوم الحيوانية. وقد كان لرسم أبي الهول شأن عظيم في زخارف القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي).
وكانت الرسوم الحيوانية الإيرانية في بداية العصر الإسلامي تشبه كثيرا رسوم العصر الساساني في الجفاف والقوة، ولا سيما في رسم المفاصل، كما كانت تشبهها أيضا في اتباع التماثيل والتوازن ورسم الحيوانات والطيور متواجهة أو متدابرة، أو رسمها متتابعة في شريط من الزخرفة.
3
وعلى كل حال فإن الإيرانيين لم يعنوا في الزخارف الحيوانية بتقليد الطبيعة تقليدا صادقا إلا في العصور الذهبية التي تقدم الفن فيها، وفي الحقبات التاريخية التي تأثر في أثنائها بالأساليب الفنية الصينية في رسم الحيوان والنبات.
هذا وإننا نستطيع أن نقول بوجه عام إن الزخارف الآدمية والحيوانية كانت في الطرز الفنية الإيرانية الإسلامية حلقات في سلسلة متصلة؛ فصورة الإنسان أو الحيوان لم تكن مقصودة لذاتها، ولكنها اتخذت موضوعا زخرفيا، وكانت توضع في دوائر أو أشرطة أو أشكال هندسية أخرى منفردة أو متواجهة أو متدابرة، وهي بعد ذلك لا تخرج عن المبدأين العامين اللذين نعرفهما في الفنون الإسلامية: مبدأ كراهية الفراغ والرغبة في تغطية السطوح والمساحات بالزخارف الكافية، ثم مبدأ التكرار الضروري لتحقيق المبدأ الأول.
والواقع أننا إذا تأملنا التحف الإسلامية المختلفة، الإيراني منها وغير الإيراني، من سجاد أو منسوجات أو خزف أو خشب أو تحف معدنية أو جلد أو جص، رأينا في أغلب الأحيان موضوعات زخرفية مكونة من عناصر مجمعة في توافق وتوازن جنبا إلى جنب، وتمتاز بأنها منبسطة غير بارزة وبأنها ذات ألوان شرقية في درجاتها وانسجامها ، وبأن للخيال فيها شأنا عظيما، وبأنها مكررة في أشرطة أو مناطق متعددة الأشكال. (4) الزخارف الكتابية
قامت اللغة العربية بين الأمم الإسلامية في العصور الوسطى مقام اللغة اللاتينية بين الأمم المسيحية، وأفلح العرب في أن يفرضوا لغتهم على بعض الأقاليم المفتوحة مثل مصر، ولكنهم في إيران لم يفلحوا في القضاء على اللغة الإيرانية في كل طبقات الشعب، وإنما تحول الإيرانيون إلى كتابة لغتهم بالحروف العربية، ولم يلبثوا أن استخدموا الكتابة في الزخرفة كما فعلت سائر الأقطار الإسلامية؛ فالمعروف أن الحروف العربية تناسب بطبيعتها الأغراض الزخرفية كل المناسبة.
4
والواقع أن النقوش الخطية من أعظم الزخارف شأنا في الفنون الإسلامية؛ فقد انتشر الخط العربي بنمو الإسلام وامتداده، ووصل في زمن قصير إلى جمال زخرفي لم يصل إليه خط آخر في تاريخ الإنسانية عامة. ولم تستخدم الكتابات على العمائر والتحف لتسجيل اسم صاحب التحفة أو مشيد البناء، أو لبيان التاريخ أو للتبرك ببعض الآيات القرآنية أو العبارات الدعائية فحسب، بل كان الفنان الإيراني - كسائر الفنانين في الأقطار الإسلامية - يستخدم الكتابة لذاتها عنصرا زخرفيا في بعض شواهد القبور وفي الخزف والقاشاني والتحف المعدنية. ونستطيع أن نقول بوجه عام إن الفنانين الإيرانيين استخدموا الخطوط المستديرة، كالخطين النسخي والثلث وغيرهما من الخطوط التي ابتدعوها، كما استخدموا الخط الكوفي. والمعروف أن استعمال الزخارف الكتابية كان أكثر إتقانا في الأقطار الإسلامية الشرقية منه في غربي العالم الإسلامي، وحسبنا أن أبدعها ينسب إلى إيران وديار بكر.
وقد وفق الإيرانيون في الخط الكوفي وفي سائر الخطوط التي استخدموها إلى انسجام وجمال زخرفي عظيمين؛ ولا غرو فقد كان للخط الجميل عندهم مكانة عظمى، كما مر بنا في الكلام عن فنون الكتاب، كما أنهم عرفوا أنواعا كثيرة من الخطوط الكوفية والمستديرة الحروف.
5
على أن الإيرانيين لم يقبلوا على استخدام الكتابة في الزخرفة قبل القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)، والزخارف الكتابية التي ترجع إلى هذا التاريخ نادرة في إيران وكلها بالخط الكوفي. والواقع أن الكتابة الكوفية كانت تلائم الطراز الزخرفي في ذلك العصر، كما كانت تلائم الزخرفة في النسيج والخشب والمعدن. وكانت الزخارف الكوفية يختلف بعضها عن بعض في هيئة الحروف من حيث الدقة والأناقة واتساع الحروف وحسن توزيعها، وذلك بحسب مهارة الصناع والفنانين، ومن أبدعها شريط من الكتابة المنقوشة في ضريح بيرعالمدار سنة 418ه/1027م. وقد ظل الخط الكوفي مستعملا في الزخرفة الإيرانية إلى القرن الماضي، حتى بعد أن عم استخدام الخطوط المستديرة منذ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، وأقبل الفنانون على إكسابها طابعا زخرفيا جميلا.
ولكن معظم الزخارف الكوفية عند الإيرانيين لم يكن لها طابع إيراني خاص، ولم يكن الفرق كبيرا بينها وبين الزخارف الكوفية في سائر الأقاليم الإسلامية، اللهم إلا في الثروة الزخرفية التي كانت تبدو غالبا في الأرضية التي تقوم عليها الكتابة، كما نرى في قطعة النسيج الإيرانية التي ترجع إلى القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي)، والمحفوظة في مجموعة المسز مور (انظر شكل
109 )، وكما نرى في شريط الكتابة الجصية الزخرفية في المسجد الجامع بقزوين، وهي أيضا من بداية القرن الثاني عشر الميلادي (507-509ه)، وكانوا في بعض الأحيان يكسون الآجر بالمينا، ويزينونه بعبارات مكتوبة بالخط الكوفي المستطيل، كما في المسجد الجامع بأصفهان، واستخدموا هذه الكتابات الكوفية المستطيلة في الفسيفساء الخزفية، كما في المسجد الجامع بمدينة يزد، وفي المسجد الجامع بأصفهان.
وفي متحف اللوفر بباريس طبق خزفي من صناعة سمرقند، عليه كتابة بالخط الكوفي الجميل، ربما كان نصها: «العلم أوله مر مذاقته لكن آخره أحلى من العسل السلامة» (انظر شكل
71 )، وهو مثال لإتقان الزخرفة الكتابية وقوة تعبيرها وما يمكن أن يصل إليه الفنان فيها من توفيق عظيم؛ ولا غرو فإن بلاد التركستان الغربية انتخبت نماذج بديعة جدا من الخزف ذي الزخارف الكتابية، ولا سيما في سمرقند وبخارى، ولعل ذلك من آثار الحضارة السامانية.
وقد صنع الخزفيون الإيرانيون في العصر الإسلامي عددا وافرا من القطع الخزفية ذات الزخارف الكتابية بالخط الكوفي البسيط، والكوفي المزهر والخطوط المستديرة.
6
والظاهر أن الصناع الذين كانوا يكتبون على الخزف لم يتقنوا دائما القراءة والكتابة، ولم يعرفوا تماما ما كانوا يكتبون، وإنما كانوا ينقلونه نقلا. ويظهر ذلك جليا من الأخطاء التي نراها في رسم بعض الكلمات والعبارات، حتى ما كان منها كثير الورود في تلك الكتابات مثل «عز ويمن لصاحبه»؛ ولا غرو فقد كانت العربية لغة أجنبية عند الفنانين الإيرانيين.
ومما يجدر ذكره أننا نلاحظ استخدام الكتابة المستديرة الحروف في بعض أنواع الخزف الإيراني وغيره من التحف على نحو يشعر بأن الغرض منها ليس زخرفيا تماما؛ ولعل السبب في ذلك غرام الإيرانيين بالشعر، وحرصهم في كثير من المناسبات على كتابة بعض الأبيات على التحفة الفنية. وفضلا عن ذلك فإن بعض تلك الكتابات لا يقصد به إلا تسجيل تاريخ القطعة واسم صانعها، كما نجد على بعض نجوم القاشاني التي تكسى بها الجدران. وأكثر ما ترى هذه الكتابات النسخية على الخزف المصنوع بإيران في القرنين السادس والسابع بعد الهجرة (الثالث عشر والرابع عشر بعد الميلاد)، ومعظمها لا يختلف خطه عن الخطوط المستديرة الحروف والمستخدمة في المخطوطات، اللهم إلا في لوحات القاشاني الكبيرة ذات الأشرطة الكتابية البارزة؛ فقد استعملت فيها خطوط نسخية محورة بعض التحوير ومختلفة عن الخطوط المستخدمة في المخطوطات.
وفي القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) بلغت الزخارف الكتابية عصرها الذهبي في إيران، وظلت محتفظة بمكانة سامية حتى عصر الدولة الصفوية في القرن العاشر الهجري. (5) الرسوم الهندسية
أما الرسوم الهندسية فإنها أقل شأنا في الطرز الإيرانية منها في سائر الطرز الإسلامية،
7
ولعل ذلك راجع إلى غنى الطرز الإيرانية بالزخارف الآدمية والحيوانية والنباتية.
والمشاهد على كل حال أن الزخارف الهندسية في الفن الإيراني لم تبلغ أوج عزها إلا منذ القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وأنها كانت ملائمة جدا للزخرفة بقوالب الطوب وبالفسيفساء الخزفية؛ فلا عجب أن أصبح لها شأن عظيم في العمارة، كما استخدمت أيضا في رسوم الصفحات المذهبة وفي زخارف الحشوات الخشبية. بينما أصاب الفنانون في تطعيم المعادن أبعد حدود التوفيق في الجمع بين الزخارف الهندسية والزخارف النباتية، أما في الخزف والمنسوجات فإن استخدام الزخارف الهندسية كان نادرا.
وأساس الرسوم الهندسية في الفن الإيراني هو المثلث والمربع والدائرة، وقد أبدع القوم في وصل الزخارف وشبكها وإدخال بعضها في بعض.
ولكن أكثر الزخارف الهندسية التي نجدها في الطرز الإيرانية إنما تكون في زخارف العمائر؛ ففي ضريح الشيخ صفي الدين بأردبيل فسيفساء خزفية بها شبه حروف كوفية في أوضاع هندسية، وترجع إلى القرن السابع الهجري (نهاية القرن الثالث عشر أو بداية القرن الرابع عشر الميلادي). وفي جدار إيوان بالمسجد الجامع في أصفهان أشكال متعددة الأضلاع في أوضاع نجمية، وترجع إلى القرن الثامن الهجري (بداية القرن الرابع عشر)، وتشبه كل الشبه ما كان معاصرا لها من الزخارف الهندسية في مصر. وفي السقف بغرفة القبة الصغرى في المسجد المذكور رسوم هندسية جميلة ترجع إلى نهاية القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي)، وتمتاز بأن أشكالها مكونة من خطوط أصلها أجزاء من محيطات دوائر؛ مما يكسب المجموعة كلها طابعا طريفا وجميلا باختلافه عن سائر الرسوم الهندسية التي ذاع استعمالها في الطرز الإسلامية.
وفي جنبد سرخ بمدينة مراغة زخارف هندسية جميلة، وقوامها رسم الصليب المعقوف، وترجع إلى منتصف القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي). وبالمسجد الجامع في يزد زخارف هندسية بارزة من الخزف والجص. وفضلا عن ذلك فإننا نجد الأشكال الهندسية المختلفة في زخارف بعض التحف الخزفية، ولا سيما منتجات مدينة ساوه في القرنين السابع والثامن بعد الهجرة (الثالث عشر والرابع عشر بعد الميلاد).
وطبيعي أيضا أن تستخدم الزخارف الهندسية في تذهيب بعض المخطوطات الثمينة، ولا سيما المصاحف في القرنين السابع والثامن بعد الهجرة (الثالث عشر والرابع عشر بعد الميلاد)، كما يظهر في بعض أجزاء من مصحف محفوظة في دار الكتب المصرية، وقد كتبها وذهبها عبد الله بن محمود الهمذاني سنة 713ه/1313 ميلادية، للسلطان المغولي الجايتو خدابنده، وأبعاد هذه الأجزاء 40 × 50 سنتيمترا، وصفحاتها المذهبة غنية بزخارفها الهندسية الغريبة في تنوعها ونضارتها.
وقد مر بنا أن الإيرانيين استخدموا الرسوم الهندسية في الزخارف المحفورة في الخشب، ولا سيما في التوابيت والصناديق وما إلى ذلك.
وتمتاز الزخارف الهندسية الإيرانية المتقنة بأنها أكثر اتزانا وتنوعا وأعظم تركيبا من الزخارف الهندسية في الطرز الإسلامية الغربية كالطراز المغربي الأندلسي والطراز المملوكي المصري. وقد تكون الأولى أقل تعقيدا من الثانية، ولكنها تدل في أعظم الأحيان على عمق تفكير هندسي وعلى مسحة علمية تبز المسحة الآلية المملة التي نراها في بعض الرسوم الهندسية المغربية، على أن هذا لا يصدق إلا على النماذج الجيدة من الرسوم الهندسية الإيرانية، أما الأنواع العادية فلا تختلف كثيرا عما نعرفه في إيران وبلاد المغرب. •••
والمشاهد بوجه عام أن الزخارف الساسانية لم تتغير في العصر الإسلامي إلا تدريجيا، وبسرعة تختلف بحسب المادة وبحسب الموقع الجغرافي المحلي في إيران؛ فالمعروف مثلا أن المقاطعات الشرقية كانت أكثر محافظة على الروح الإيرانية، بينما كانت المقاطعات الغربية مرتعا أكثر خصوبة وأعظم استعدادا لقبول الأساليب الفنية المأخوذة من بلاد الجزيرة ومن سورية، وهي الأساليب التي لها بالفنون الكلاسيكية في البحر المتوسط علاقة وثيقة. •••
ولا يفوتنا قبل إتمام الكلام عن العناصر الزخرفية في الفن الإيراني الإسلامي أن نشير إلى موضوع زخرفي نسميه في الاصطلاح الفني «تشي»، وقد أخذه الإيرانيون عن الفن الصيني وهو زخرفة إسفنجية الشكل، ولعلها كانت في الشرق الأقصى رمزا لعنصر من عناصر الطبيعة كالسحب والبرق، ثم اقتبسها الفنانون الإيرانيون فيما اقتبسوه من الأساليب الفنية الصينية. وتظهر هذه الزخرفة جليا في السجادة الحرير الموشاة بالذهب والفضة، والتي أهداها سمو الأمير يوسف كمال إلى دار الآثار العربية؛ فإن في هذه السجادة منطقة وسطى وحولها خمسة إطارات أو مناطق غير متساوية في العرض، وأولها من الداخل مزين بخطوط متعرجة على شكل السحب الصينية التي نحن بصددها الآن.
8 •••
بقي علينا في ختام هذا الفصل أن نشير إلى ميزة في الزخارف الإيرانية في العصر الإسلامي، بل في الفنون الإسلامية عامة، وهي أن الأساليب الفنية الإسلامية لم تعد تحمل إلى حد كبير طابع الملك والأمير والسلطان، كما كانت الفنون الإيرانية في العصور القديمة، ولم تعد مظهرا من مظاهر الدين والعبادة كما كانت تلك الفنون نفسها وكما كان الفن المصري القديم، وإنما أصبحت في معظم الأحيان فردية وشعبية ودنيوية،
9
ولكن الطراز الإيراني في الإسلام احتفظ بقسط من ذلك الأسلوب القديم أكبر مما احتفظت به سائر الطرز الفنية الإسلامية، التي لم تتأثر بما كان للملك في إيران القديمة من مكانة شبه إلهية.
تأثير الفن الإيراني الإسلامي على الفنون الأخرى
لسنا نريد هنا أن نتحدث عما كان للفنون الإيرانية من شأن عظيم في العصور القديمة، وعما نقلته عنها سائر الفنون قبل الإسلام؛ فإن هذا ميدان واسع لسنا نفيد منه في هذا المقام إلا أن إيران كانت منذ القدم مصدرا لكثير من الأساليب الفنية التي نقلتها المدنيات الأخرى، وأن انتشار الفن الإيراني لم يعادله أو يفقه إلا انتشار الفن الإغريقي، وأن العلاقة بين إيران وبيزنطة كان لها في ميدان الفنون صدى عظيم الشأن.
والحق أن إيران لم تفقد في العصر الإسلامي هذه المكانة، ولا سيما في صناعة المنسوجات، ولم يكن الإيرانيون أساتذة الفن للأقاليم التي خضعت لهم سياسيا فحسب، بل امتد تأثيرهم إلى مصر والشام وصقلية وبعض الأقطار الأوروبية.
أما الأقاليم التي كانت خاضعة لحكمهم حينا من الزمان، والتي طبعت الفنون فيها بطابع إيراني ظاهر، فأهمها بلاد القوقاز، التي سادت فيها الثقافة الإيرانية على الرغم من الأجناس المختلفة التي كانت تسكنها. والواقع أن السجاد والتحف المعدنية والخزفية والقاشاني، وما إلى ذلك من الآثار الفنية التي كانت تصنع في القوقاز، لا تختلف كثيرا عن منتجات إيران، وقد يصعب تمييزها منها على غير ذوي الخبرة في الفنون الإسلامية. ولم يكن هذا التأثير الإيراني في الأساليب الفنية في القوقاز ملموسا في التحف فحسب،
1
بل كانت بعض العمائر القوقازية تشهد بامتداد الأساليب المعمارية الإيرانية إلى تلك البلاد. وخير مثال على ذلك كله قصر الخان في مدينة باكو وقد شيد في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي)، ثم لوحات القاشاني التي كانت تزين بها جدران العمائر ولا سيما المساجد، فضلا عن التحف المعدنية التي اشتهرت بصناعتها بلاد القوقاز، والتي لم تكن تختلف كثيرا عما كان يصنع في أصفهان.
أما آسيا الصغرى فقد كانت في عصر السلاجقة إقليما من إمبراطوريتهم كما كانت إيران نفسها. والواقع أن الفن في بلاد الجزيرة وفي بلاد الأناضول كان منذ القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) متأثرا بالفن الإيراني كل التأثير، ولما انفصلت تلك الأقاليم عن إيران على يد الأتراك العثمانيين لم تنقطع صلتها الفنية والثقافية بإيران؛ فالخزف الذي كان يصنع في أسنيك والذي ينسب خطأ إلى رودس، والديباج الثمين الذي كان ينسج في آسيا الصغرى، والسجاجيد التركية التي كانت تشبه في اللون والزخرفة السجاجيد المصنوعة في شمالي إيران، وما إلى ذلك من التحف الفنية التي تنسب إلى الطراز العثماني، كل هذه كانت تحمل في ثناياها الأساليب الفنية الإيرانية، وتشهد بأن هذا الطراز العثماني يمت للطرز الإيرانية بأوثق الصلات.
2
ولا غرو فقد كان الفنانون الإيرانيون يرحلون إلى تركيا لكسب العيش والوصول إلى الشهرة، والعمل في بلاط السلطان أو الاشتغال بتصميم بعض العمائر وزخرفتها، ولسنا ننسى أن الذي شيد المسجد الأخضر في بروسة كان مهندسا إيرانيا من تبريز. وفضلا عن ذلك فقد كان الأتراك العثمانيون في حروبهم مع الأسرة الصفوية في إيران يحرصون على الانتفاع بخدمات الأسرى الذين كانوا يتقنون فنا من الفنون أو يلمون بإحدى الصناعات الدقيقة.
بل إن الدولة العثمانية بما كان لها من علاقات بالدول الأوروبية، كانت طريقا انتقلت بوساطته الأساليب الفنية الإيرانية إلى جزر البحر المتوسط وإيطاليا وسائر الدول الأوروبية.
3
وقد كانت آسيا الصغرى واسطة لنقل بعض الأساليب الفنية الإيرانية إلى أوروبا قبل قيام الدولة العثمانية؛ فقد استطاعت بيزنطة أن تقلد الخزف الإيراني الذي نعرفه اليوم باسم خزف «جبري»، وأنتجت نوعا من الخزف يشبهه في الزخارف وفي اللون، ثم نقلت إيطاليا عن بيزنطة هذا النوع الجديد، وتطورت هذه الصناعة حتى تمخضت في القرن السابع الهجري (الثالث عشر الميلادي) عن الخزف المصنوع في مدينة أورفيتو
Orvieto .
وقد كانت الأساليب الفنية في أفغانستان شرقا وفي التركستان شمالا جزءا من الأساليب الفنية الإيرانية، كما أن الطراز الإسلامي في الهند قام على أكتاف المصورين الإيرانيين الذين كانوا يعملون في البلاط الإمبراطوري، والذين كانوا المثل الذي ينسج على منواله تلاميذهم من الهنود. والواقع أن «أجرا» و«لاهور» و«دلهي» وغيرها من المدن الهندية كانت مزدحمة بالفنانين الإيرانيين، يحرص الجميع على الانتفاع بمواهبهم.
4
أما أثر إيران في الطراز الإسلامي العباسي فقد أشرنا إليه في أول هذا الكتاب.
5
والمعروف أن بغداد كانت في العصر العباسي من أعظم مدن الدنيا، كما كانت معينا واسعا للثقافة والفنون الإيرانية، وكان الفنانون الإيرانيون يعملون في تجميلها بالعمائر الفخمة والتحف النفيسة. ويمكننا أن نتبين الأساليب الفنية التي انتقلت منها إلى سائر الأقطار الإسلامية، والتي لا شك في أنها إيرانية الأصل. ومن ذلك العقد المدبب؛ فإن كثيرين من العلماء يظنون أنه نشأ في العراق، ثم نقله المعماريون في الشام ومصر وجزيرتي رودس وصقلية، ونقله النورمنديون من الجزيرة الأخيرة إلى فرنسا وإنجلترا. وكذلك الحشوات الخشبية في المنبر المشهور بجامع القيروان يرجح أنها من صناعة فنانين إيرانيين في بغداد.
6
وقد تأثرت بعض الطرز الإسلامية في مصر والشام بالأساليب الفنية الإيرانية، وكان أكثرها تأثرا في هذا الميدان الطراز الفاطمي؛ فإن الزخارف المحفورة في التحف الخشبية الفاطمية والرسوم النباتية والحيوانية التي تزين الخزف ذا البريق المعدني، وأشكال التحف المعدنية وزخارفها والصور التي رسمت في العصر الفاطمي مثل: صور الحمام الذي كشفته دار الآثار العربية بجهة أبي السعود جنوبي القاهرة، وما إلى ذلك من التحف الفاطمية، كل ذلك يدل على التأثير القوي الذي كان لإيران على الأساليب الفنية الفاطمية.
7
وكذلك أعجب الفنانون في الشرق الأقصى بالأساليب الفنية الإيرانية، وكان تبادل الهدايا والتحف بين ملوك الصين وإيران سببا في انتشار بعض الزخارف الإيرانية في فنون الشرق الأقصى. وقد كان إعجاب ملوك الصين بالتحف الإيرانية شديدا، حتى كانوا يضمونها إلى أثمن التحف الصينية التي كانوا يحتفظون بها بين كنوزهم الفنية العظيمة. والواقع أن الصلة الثقافية بين الصين وإيران قديمة، وقد ترجع إلى ما قبل العصر الكياني. وقد لوحظ أن الديانة البوذية حين انتقلت من الهند إلى الصين مارة بوسط آسيا الذي كان مشبعا بالثقافة الإيرانية؛ تأثرت بهذه الثقافة إلى حد كبير.
8 •••
ولسنا نجهل أن الأساليب الفنية الإيرانية وما تفرع منها في الطرازين التركي والفاطمي أثرت على فنون الغرب في بعض الميادين، كما أثبت ذلك علماء الفنون والآثار من غربيين وشرقيين.
فالآلات الفلكية الإيطالية والأوروبية - كالأسطرلاب مثلا - نقلها الأوروبيون عن نماذج إسلامية صنعت في إيران أو في إسبانيا الإسلامية، وكذلك الأواني التي كان القسس الأوروبيون يستخدمونها في العصور الوسطى ويسمونها «أكوامانيل»، ويصنعونها على أشكال الحيوانات والطيور، كانت مأخوذة عن نماذج إيرانية وفاطمية.
والأواني الخزفية ذات البريق المعدني تعلم الإيطاليون صناعتها من الأندلس، التي كانت قد أخذتها عن الشرق الأدنى ولا سيما إيران، وكذلك التحف العاجية المصنوعة في صقلية تأثر صانعوها بالأساليب الفنية في الطرازين الفاطمي والإيراني، والمنسوجات الإيرانية والتركية والفاطمية كان لها أثر كبير على زخارف المنسوجات في صقلية وجنوبي إيطاليا، أما صناعة السجاد فإنها تكاد تقوم على أسس إيرانية، وقد مر بنا أن بعض المصورين الإيطاليين والألمان في القرنين الخامس عشر والسادس عشر بعد الميلاد أقبلوا على رسم السجاجيد والأقمشة وبعض التحف الإسلامية الأخرى في لوحاتهم.
9
والأساليب الفنية في التجليد عند الإيطاليين منذ عصر النهضة لم تنج من تأثير الأساليب الإيرانية
10
في هذه الصناعة.
وعرفنا فضلا عن ذلك أن طائفة من الفنانين الإيرانيين في صناعة المعادن رحلوا إلى البندقية، وكان تأثيرهم عظيما في صناعة تطعيم البرونز بالفضة والذهب، كما أن «ألبومات» الزخرفة في عصر النهضة بأوروبا كانت تشتمل على جزء وافر من الزخارف الإسلامية، ولا سيما الإيرانية.
وقد ثبت عدا ذلك أن إيران كانت على اتصال وثيق بشمالي أوروبا في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي)،
11
ووجدت في بعض أطلال شبه جزيرة اسكندناوة قطع من العملة الإيرانية وكأس من الفضة، كما ثبت أن الزخارف المحفورة على بعض تلك التحف الشمالية متأثرة بالأساليب الفنية الإيرانية.
12
والواقع أن بعض العلماء يذهبون إلى أن اتصال شمالي أوروبا في نهاية القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) بشمالي آسيا وبإيران والهند، كان أوثق من اتصاله بجنوبي أوروبا نفسها ، وأن الأساليب الفنية المستمدة من الفنون الإغريقية والرومانية والمسيحية لم تتغلب على الأساليب الفنية الآسيوية الأصل في الفنون الشمالية إلا بعد بداية القرن الخامس الهجري (الحادي عشر الميلادي).
وعلى رأس الذين بحثوا في الاتصال الفني بين آسيا والشعوب الشمالية الأستاذ جوزيف ستريجوفسكي، الذي نسب إلى إيران قسطا وافرا من أصول الفنون المسيحية، والذي كان شديد الإيمان باتصال الثقافة الفنية بين إيران وشمالي آسيا وشمالي أوروبا. ومما كتبه في هذا الصدد:
13
In my studies on the origin of Christian art, it was in Asia, in the art of Iran, that I first discovered a powerful rival to the culture of Greece and Rome, and it is from that country, situated on the southern part of Northern Asia, that the art Known to us as mediaeval, was derived. Later, however, I saw that this Iranian world was closely related to the North of Europe, and that to understand the one it was necessary to be acquainted with the other.
ولا شك في أن بعض الأساليب المعمارية الإيرانية تسربت إلى مصر والشام، ثم إلى صقلية وبعض الأنحاء الأوروبية الأخرى. والواقع أن أحد المؤلفين الغربيين واسمه رسل سترجيس
Russel Sturgis
قد عرف بقوله إن تأثير بعض عناصر العمارة الإيرانية على عمارة أوروبا إبان العصور الوسطى يكاد يعادل تأثير العمارة الرومانية نفسها.
14
وليس هذا بغريب؛ فقد استطاع المسلمون في الأقاليم التي فتحوها أن يؤثروا في الأساليب المعمارية، فبدأت في التطور السريع حتى أصبحت هناك طرز معمارية إسلامية تختلف باختلاف الأقاليم الإسلامية، ولكن لها شخصية ظاهرة وصفات مشتركة، تجمعها على الرغم من تعدد أصولها، وكما كانت هذه الطرز المعمارية الإسلامية وليدة الأساليب المعمارية القديمة، فقد استطاعت أيضا أن تؤثر على العمارة في العصور الوسطى، ولا سيما في الأصقاع التي امتد إليها نفوذ المسلمين السياسي أو الثقافي كصقلية والأندلس وجنوبي فرنسا وجنوبي إيطاليا والبلقان وجزر البحر المتوسط والأصقاع الإسلامية في أفريقيا وجزائر الهند الشرقية.
وقد اقتبس الغربيون أثناء الحروب الصليبية بعض الأساليب المعمارية في سورية ومصر، ولم يكن كل ما اقتبسوه سوريا أو مصريا بحتا؛ فالمعروف أن العمارة الإسلامية في العراق ومصر والشام تأثرت ببعض الأساليب الإيرانية منذ القرن الثالث الهجري (التاسع الميلادي).
وكذلك يلاحظ أن العقد الإنجليزي التيودوري في البناء لا يختلف كثيرا عن العقد الإيراني المدبب الذي ينتهي انحناؤه بخطين مستقيمين، كما أن بعض الأساليب المعمارية التي استخدمت في السقوف والقباب بأوروبا في العصور الوسطى ربما كانت مأخوذة عن إيران والشرق الإسلامي. •••
وإذا أردنا أن نتبين تأثير الفن الإيراني في سائر الفنون، ولا سيما الغربية منها لا يجب أن نقف عند الأساليب الفنية نفسها، وإنما يجدر بنا أن نفطن إلى أن كثيرا من المثل العليا في الفنون الغربية من أناقة ودقة وتماثل في الرسوم والزخارف ترجع إلى أصول إيرانية.
وفضلا عن ذلك كله فإن بعض الفنانين الأوروبيين في بداية القرن الحالي جذبتهم الأساليب الفنية الإيرانية؛ فتأثروا بألوان الصور الإيرانية، وأدخلوا في آثارهم الفنية عناصر تدل على نزعتهم في التأثر بالمحيط الفني الإيراني، ورغبتهم في الخروج عن المألوف من قواعد الفنون الأوروبية التي لم تكن تتطور وتتغير إلا بقدر وببطء.
فالمصور الفرنسي هنري ماتيس
Matisse
الذي اشتهر بأساليبه العجيبة في مزج الألوان واستخدامها، وبثورته على النزعات الفنية التي سادت في بداية هذا القرن، كان من المعجبين بالفن الإيراني، وكانت لديه مجموعة نفيسة من التحف الإيرانية، وقد اعترف بتأثير بعض الأساليب الفنية الإيرانية على فنه، كما أن بعض النقاد الأوروبيين كانوا يشبهون لوحاته الفنية بالصور الإيرانية أو الهندية، وبالصور المذهبة في مخطوطات العصور الوسطى.
وكذلك المصور والحفار الإنجليزي فرانك برانجوين
Brangwyn
الذي ولد سنة 1867 وبدأ حياته الفنية برسم الصور الحائطية، اعترف أيضا بفضل المثل العليا في الفن الإيراني على أساليبه الفنية العامة، ولا سيما في المناظر الشرقية التي كانت يرسمها في بعض الأحيان.
والمصور الهولندي ماريوس باور
Marius Bauer
الذي ولد سنة 1864، زار تركيا والهند ومصر وأتيح له أن يعجب بفنون إسلامية وثيقة الصلة بالفن الإيراني، فلا عجب إذا رأينا في بعض رسومه روحا إيرانية قربتها إلى قلوب الهواة في هولندة.
والمصور الإنجليزي وليم روتنشتاين
William Rothenstein
الذي ولد سنة 1872 وعين في سنة 1920 مديرا للكلية الملكية للفنون في سوث كنسنجتن، عمد إلى الفن الإيراني فاستوحاه بعض الأساليب الفنية التي أكسبت صوره نضارة ظاهرة.
أما المصور الجزائري المعاصر محمد راسم، فقد أفلح في أن ينسج في صوره على منوال الصور الإيرانية في المخطوطات النفيسة، ومع أن له دراية واسعة بالتصوير الغربي، فقد اختار أن يتبع الأساليب الفنية الإيرانية وأن يكون فنه زخرفيا قبل كل شيء، وألا يستخدم الظل والضوء على الطريقة الغربية إلا بقدر، وقد أصاب في ذلك كله نجاحا كبيرا، حتى قال الأستاذ جورج مارسيه
Marçais
في خطبته بمعرض الفنون الوطنية بالجزائر (5 مارس سنة 1937): إن نهضة عظيمة أحيت فن التصوير الإسلامي بفضل هذا الفنان ومن تأثروا به من تلاميذه والمعجبين بأسلوبه الفني. •••
والواقع أن جل النزعات الحديثة في الفن يبدو فيها رجوع إلى بعض مبادئ الفن الإيراني، ولكننا لا نزعم أن كثيرين من الفنانين المحدثين قد تأثروا بالفن الإيراني، وإنما الحق أن بعدهم عن الأصول الفنية الكلاسيكية يكسب آثارهم الفنية طابعا شرقيا إلى حد ما، وحسبنا أنهم لا يعنون الآن بأن تكون الصورة مثالا صادقا للطبيعة المنقولة عنها، بل يقنعون بالفكرة والمنظر العام وشيء من الشبه بين «الأصل» والصورة. •••
وصفوة القول أن إيران أتيح لها - بفضل موقعها الجغرافي - أن تكون حلقة الاتصال بين المدنيات الشرقية القديمة والمدنيات الغربية؛ فكان لها في تاريخ العمارة شأن عظيم، وتسربت أساليبها الفنية إلى الشرق الأقصى وإلى وسط أوروبا وجنوبيها، وإلى البلاد الشمالية المحيطة ببحر البلطيق؛ وذلك بفضل التجارة في وسط آسيا والمحيط الهندي والبحر المتوسط وطرق التجارة من الروسيا إلى البلاد الاسكندنافية، فضلا عن الهدايا التي كان الملوك والأمراء يعنون بتبادلها؛ فخرا بصناعات بلادهم وإبقاء للعلاقات الودية بينهم.
خاتمة
رأينا في الصفحات السابقة كيف تطور الفن الإيراني في الإسلام، وألممنا في شيء من الاختصار بالميادين المختلفة التي أظهر فيها الإيرانيون عبقريتهم الفنية، ونود الآن أن نختتم حديثنا بلمحة عامة عن مميزات هذا الفن.
ولعل أول ما يلفت النظر في العمائر والتحف الفنية الإيرانية ما فيها من عظمة وفخامة، ولكنها عظمة ممتازة، ومشربة بالدقة وحسن الذوق والبراعة والتوفيق في الاختيار؛ فإن الشعب الإيراني شعب ذو مزاج رقيق في فنه وأدبه وحياته الاجتماعية، والذين يفهمون مقام قصائد حافظ ورباعيات الخيام وقصص سعدي في الأدب العالمي، يمكنهم أن يعرفوا مكانة الفن الإيراني بين سائر الفنون، وأن يدركوا ما يمتاز به من أرستقراطية قوامها الرقة والإبداع والإتقان.
وفضلا عن ذلك فالإيرانيون شعب فنان ذو غريزة زخرفية قوية؛ ولذا يكاد الفن يشمل كل ما يستخدمه الإيراني في حياته، بل إن الصانع العادي لا يقنع في منتجاته بنصيب قليل من جمال الفن ورونقه.
والإيرانيون يحبون الزهور والحدائق، ولا يملون الحديث عنها في أدبهم وشعرهم، وهم بعد ذلك يتخذونها عنصرا أساسيا من عناصر الزخرفة عندهم . •••
والفنون الإيرانية في الإسلام أكثر الطرز الإسلامية تماسكا ووحدة، وحسبك أن توازن بين الطرز الفنية في مصر: الطولوني والفاطمي والمملوكي؛ لتدرك أن الفرق بين كل منها والذي يليه أكبر من الفرق بين الطراز السلجوقي والطراز الإيراني التتري والطراز الصفوي.
أجل، إن البناء أو التحفة المصرية الإسلامية لها ذاتيتها في كل العصور، وإننا نستطيع أن ندرك لأول وهلة أن القطعة الفنية من منتجات مصر، ولكننا نشعر أن العمائر أو التحف الإيرانية أشد وحدة، وأن غير الأخصائيين إذا نسبوها إلى طراز آخر، فإنما ينسبونها إلى طراز متأثر بالفن الإيراني كل التأثر كالطراز العثماني أو الطراز الهندي.
وقصارى القول أن الطرز الفنية الإيرانية عظيمة التماسك ووافرة الاستقلال عن غيرها من الطرز الإسلامية التي لم تتأثر بالأساليب الفنية الإيرانية، بيد أن الطرز الإسلامية جميعا في إيران وفي مصر وفي سائر الأقطار الإسلامية مشتركة في صفات عدة هي التي تكسبها الطابع الإسلامي. •••
فالفن الإسلامي عامة فن غير شخصي، والفنان المسلم في إيران ومصر وإفريقية والأندلس والشام وتركيا لا يعمل على أن يعبر عن الطبيعة، أو عن الحقيقة أو عن شعوره تعبيرا خاصا يميزه عن غيره من الفنانين، ولا يثبت وجوده باتخاذه طريقا خاصا وأسلوبا معينا ينم عنه، وإنما نراه في أكثر الأحيان يتبع السبيل المطروق، ويقتفي أثر الأقدمين، ويسير على الأساليب الفنية الموروثة. والفنان الماهر يفوق غيره في إتقان الرسم أو الزخرفة، ولكنه قل أن يبتدع شيئا جديدا. ولعل هذا أكبر سبب في أن أكثر التحف الإسلامية مجهولة الصانع، ونحن حين نعجب بهذه التحف قل أن نفكر في صانعها؛ لأنها جزء من كل: هو الطراز الذي تنسب إليه، ولأننا نستطيع أن نعرف البلد الذي صنعت فيه والعصر الذي ترجع إليه، ولكن صانعها لم يترك لنا من شخصيته ما يساعد على تسجيل اسمه لنا، وما يبعث فينا الشوق إلى معرفته. أجل إن هناك حالات شاذة ولكنها تثبت القاعدة كما يقولون، والفنان إذن وسيلة وأداة، ومنتجاته لا تدل عليه؛ ولذا لم يكتب المسلمون في تاريخ حياة الفنانين ، حتى إننا إذا عثرنا على اسم فنان لم نجد عنه في كتب التاريخ والأدب ما يمكننا أن نتبين منه بيئته والعوامل التي أثرت في فنه. والحق أن البون شاسع بين حال الفنانين في تاريخ الغرب ونصيبهم في الشرق الإسلامي؛ فاللغات الإغريقية واللاتينية ثم اللغات الأوروبية غنية بما فيها من مؤلفات في تاريخ الفنانين ودرس البيئة التي عاشوا فيها والعوامل المختلفة التي أثرت في فنونهم، بل إن بعض مؤرخي الفنون يكرسون حياتهم العلمية لدرس فنان من الفنانين وإماطة اللثام عن كل دقيقة صغيرة في حياته وفي آثاره الفنية، أما في الإسلام عامة فإن نصيب الفنان من العناية كان ضعيفا هينا.
والواقع أن الفنانين في الإسلام لم يفتنوا بمنتجاتهم من ناحية الجدة والإبداع، فكانوا في معظم الأحيان لا يكتبون على تلك التحف أسماءهم، ولم يشعروا بلزوم ذلك ولم يفكروا فيه، كأنهم كانوا يعلمون أنهم في الغالب صناع وليسوا فنانين.
ولا ريب في أن هذه الصفة من صفات الفنون الإسلامية غير واضحة لكثيرين من المشتغلين بالفنون، وحسبك أن أحد الزملاء كتب العبارة الآتية في مقال عن «بدائع الفن الإيراني»:
وظاهرة من أهم ظواهر الفن الإيراني وحدة معانيه في جميع نواحي الفنون وفي جميع عصوره التاريخية؛ فالفنون الإيرانية مجموعة لها شخصية متحدة تتلاشى من ورائها شخصية الفنان، وإذا كنا لا نعرف إلا القليلين من رجال الفن الإيراني؛ فذلك لأنهم كانوا يدمجون شخصيتهم في شخصية قومية أعلى، وكانوا يعتقدون أنهم إنما يعملون لمجد خالد لا لمنفعة شخصية.
وفي رأينا أن الزميل الفاضل لم يكن موفقا كل التوفيق في الجزء الأخير من هذه العبارة؛ لأن الواقع أن قلة الإمضاءات في الفنون الإسلامية وندرة البيانات عن الفنانين ترجعان إلى طبيعة الفن الإسلامي في قلة الإبداع والابتكار ، وفي اتباع الفنانين مجموعة من الأساليب الفنية الموروثة، كما ترجعان إلى أرستقراطية الفنون الإسلامية، وإلى أن الأمير أو الثري الذي يشيد له البناء أو تصنع له التحفة الفنية، يأبى أن يسود اسم المهندس أو الفنان، ويحرص على أن يكون الفضل كل الفضل لشخصه بوصفه المنفق على تشييد البناء أو صاحب التحفة.
1
ولكن لا يفوتنا أن نذكر أن الطرز الإيرانية هي أحفل الطرز الإسلامية بالحالات الشاذة عن القاعدة التي شرحناها في السطور السابقة؛ وذلك لأن الطرز الفنية الإيرانية كانت أكثر فهما للحياة من سائر الطرز الإسلامية. ويرجع ذلك إلى أن الفنانين الإيرانيين لم يكترثوا بتحريم تصوير الكائنات الحية أو تجسيمها؛ فاتسع الأفق الفني عندهم، وأقبلوا على توضيح المخطوطات بالصور، وعلى إنتاج التحف البديعة، وأصاب بعضهم في هذا السبيل توفيقا حق له أن يفخر به وأن يسجله لنفسه، أو ظن خطأ أنه أصاب ذلك التوفيق فسجله بدون أن يستحقه. •••
وكان الإيرانيون كسائر الشعوب الإسلامية يكرهون الفراغ في زخارفهم ويميلون إلى تغطية كل المساحات المراد تزيينها، فلا يتركون من سطحها شيئا بدون زخارف، ولكنهم لم يبالغوا في ذلك كل المبالغة بل لقد أدركوا أحيانا - ولا سيما في زخرفة الخزف - ما يمكن أن يفيدوه من ترك بعض الفراغ بين العناصر الزخرفية المختلفة. •••
وثمة ميزة أخرى للطرز الإيرانية في الإسلام، وهي أنها أكثر الطرز الإسلامية اتصالا بالتاريخ القومي في الأقاليم التي قامت فيها؛ فقد عمد الإيرانيون إلى تاريخهم الوطني، واتخذوا منه موضوعات عديدة للتصوير والزخرفة، ورسموا قصصه في الخزف وفي الصور التي زينوا بها المخطوطات وغير ذلك.
ولعل السبب في ذلك أنهم الأمة الوحيدة التي لم يقطع الإسلام صلتها بتاريخها القديم بعد أن فتحها العرب، وأصبحت جزءا من إمبراطوريتهم. وحسبك أن تمعن النظر في الطرز الفنية التي قامت في مصر: الطولوني والفاطمي والمملوكي؛ فإنك لن ترى فيها كبير صلة بالعصر الفرعوني أو العصر الإغريقي الروماني أو العصر القبطي من عصور التاريخ المصري؛ ولا غرابة فإن المصريين فقدوا بعد الفتح العربي لغتهم وأدبهم القديم، بينما إيران صمدت للعنصر العربي طويلا ولم تفقد لغتها القديمة، وإن كتبتها بالحروف العربية، واستعارت لها من اللغة العربية آلاف المفردات والتراكيب. وفي القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) قامت نهضة قوية في إيران، وذاع استخدام اللغة الفارسية في الأدب من جديد، وزاد اعتزاز الإيرانيين بتاريخهم الوطني القديم وبعبقريتهم الفنية التي ورثوها عن أسلافهم الساسانيين. وكان بعد ذلك كتابهم العظيم «الشاهنامه» سجلا لتاريخ بلادهم، وما ألم بها من الأحداث الخرافية والواقعية، فضلا عن سير أبطالهم المشبعة بطرائف الأخبار وقصص الحب والبطولة، وكان لهذا كله أكبر أثر في فنونهم وفي الموضوعات التي أقبلوا على تصويرها أو اتخذوها عناصر زخرفية.
وحسبك دليلا على خلود الثقافة الإيرانية في تاريخ إيران - على الرغم من التقلبات السياسية - أن هذه الملحمة الإيرانية الوطنية نظمها الفردوسي برعاية محمود الغزنوي الذي كان تركي الأصل، والذي عني برعاية الثقافة الإيرانية الإسلامية، وعاش في بلاطه بعض ذوي الشأن الخطير من شعراء إيران.
بل إن الثقافة الإيرانية كانت حينا من الزمن من ألزم الأشياء للطبقات العالية في الشرق الإسلامي؛ وذلك بعد أن زادت مكانة اللغة الفارسية حتى صارت تعنى بدراستها الطبقة المثقفة في الولايات التركية منذ القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي). وقد ظلت الفارسية ذائعة في بلاد الهند حتى القرن الماضي (التاسع عشر الميلادي)، ولا يزال لها في تلك البلاد شأن غير يسير. •••
ومما تمتاز به التحف الإيرانية على غيرها من التحف الغربية ومنتجات الشرق الأقصى أن في أشكال التحف الإيرانية شيئا من الحرية والحياة والبعد عن الدقة والكمال الآليين. وحسبك أن توازن بينها وبين الأواني الإغريقية مثلا لتتبين في هذه شيئا من الجمود والشدة والجفاف، ربما كان أساسه التزام أشكال معينة وأدائها بدقة تذكر بالآلات التي تنتج آلاف القطع المتماثلة، والتي لا تتميز إحداها عن الأخرى. •••
وإذا جاز لنا أن نتكلم عن وحدة فنية عامة في إقليم من الأقاليم التي ساد فيها الإسلام، فإن هذا الإقليم هو إيران؛ لأن الفن الإيراني في الإسلام - ولا سيما الفنون الزخرفية أو الفرعية - يمكن اعتباره متصلا إلى حد كبير بالفن الإيراني القديم؛ فالعبقرية الفنية قديمة في الشعب الإيراني، وكانت تتكيف بأهواء الأسرات الحاكمة في البلاد بدون أن تفقد طابعها الوطني كله، حتى أصبحت الطرز الإيرانية في الإسلام أغنى الطرز الفنية الإسلامية بآثار الفنون التي كانت سائدة في البلاد قبل الإسلام. حقا إن الطراز الهندي الإسلامي يصدق عليه هذا القول أيضا، ولكن علينا أن نذكر أنه قام على أكتاف الإيرانيين، وأنه تأثر بهم تأثرا كبيرا، حتى إن بعض الباحثين لا يعتبرونه طرازا فنيا قائما بذاته. •••
ولا يجدر بنا أن ننسى ما في التحف الفنية الإيرانية من نضارة تكسبها شبابا دائما، وتبعد عنها في أكثر الأحيان ذلك الوقار والجفاء والهيبة التي تحيط بالتحفة الفنية فتطبعها بطابع آخر. وحسبك أن تنظر إلى صورة إيرانية ثم إلى لوحة فنية غربية من العصر نفسه؛ لترى أن شعورك في الحالتين لا يكون واحدا؛ فللصورة الإيرانية سحرها الخاص، وخيالها الواسع، وثروتها الزخرفية، وألحانها المتكررة كالموسيقى الشرقية، وفي اللوحة الغربية ألوانها المملوءة بالمعاني، وتكوينها الباعث على التفكير، ومغزاها في بيان نعيم الحياة أو آلامها. وقصارى القول أن اللوحة الفنية الأوروبية أكثر نضوجا، وأنفذ إلى أعماق الحقيقة، وأقدر على بيان الجمال الروحي في الحياة والطبيعة، وعلى تصوير التضحيات البشرية في الدين والوطنية والمثل العليا.
وإننا لا نلمس هذه النضارة والشباب الفني في الصور الإيرانية فحسب، بل نراها في الخزف وألواح القاشاني والمنسوجات، حتى العمائر الإيرانية لا نجد فيها كل الوقار والجفاف والهيبة التي نراها في العمائر الإسلامية في سائر الأقطار الإسلامية.
ولا ريب في أن هذه الميزة كأكثر الميزات الأخرى في الفن الإيراني، ترجع لدرجة كبيرة إلى طبيعة إيران ومناخها وشمسها وبيئة الفنانين فيها. وقد اختلفت الآراء في تحديد ما كان لهذه العناصر من التأثير في الفن الإيراني؛ فبالغ بعض الكتاب في مقدار هذا التأثير، كما بالغ تين
Taine
في كتابه «فلسفة الفن» ومارش فيلبس
في كتابه «الفن والبيئة» في تقدير تأثيرها على الفنون عامة، ورأى آخرون أن تأثير تلك العناصر لا يمكن إهماله، ولكن يجب الحذر من المبالغة في تقدير شأنه.
بيد أننا نستطيع أن ننسب إلى الموقع الجغرافي كثيرا من طبيعة الفن الإيراني؛ فإن إيران تقع في وسط المدنيات العظيمة في العصور القديمة والوسيطة، وكان اتصالها عظيما بالبلاد التي قامت فيها تلك المدنيات؛ فتأثرت بها وأثرت فيها، وقد عاب بعضهم على الفنون الإيرانية أنها أخذت أصولها عن بلاد السومريين والبابليين والحيثيين والأشوريين والمصريين القدماء والإغريق والرومان والبيزنطيين، ولكن الواقع أن هذه سنة الفنون كلها، وأن الفنون كما تأخذ تعطي، وأن الفن الإيراني القديم أعطى الطرز الإسلامية جزءا كبيرا من عناصرها الأولى كما أعطاها الفن البيزنطي جزءا آخر.
ومما يخالف روح البحث العلمي الصحيح أن بعض الباحثين الذين يريدون أن يزجوا بالقومية في كل شيء يزعمون أن الفن الإسلامي أصيل لم يتأثر بغيره، وإنما أثر في فنون الأمم الأخرى.
2
وهذا غير صحيح؛ لأن الفن الإسلامي تأثر في إيران وفي مصر وفي غيرها من الأقطار الإسلامية بالأساليب الفنية القديمة التي كانت قائمة في تلك البلاد، ثم أتيح له أن يؤثر في غيره من الفنون، ولا سيما بوساطة المدنية الإسلامية في الأندلس وجزيرة صقلية وبوساطة الحروب الصليبية، ثم بوساطة اتصال البلاطين العثماني والإيراني بالبلاد الغربية. •••
وقد كان من حسن حظ إيران أن الذين فتحوها من عرب وتتر وأفغان، كانوا أقل منها في المدنية وأفقر في الأساليب الفنية، فلم يأتوا بشيء يطغى على العبقرية الفنية الإيرانية طغيانا تاما. والأمم التي كانت لها أساليب فنية زاهرة كالإغريق أو الصين أو الهند لم يقدر لها أن تغلب إيران على أمرها؛ ولذا بقيت السيادة الفنية في الفنون الإيرانية لإيران نفسها، وأخذت إيران عن تلك الأمم كثيرا من الأساليب، ولكنها طبعتها بعد ذلك بالطابع الإسلامي القوي، وظلت العبقرية الفنية الإيرانية قوية وغالبة في كل مراحل التاريخ الفني الإيراني. •••
وهناك ميزة عامة في الفنون الإسلامية، ولكنها أظهر ما تكون في الطرز الإيرانية، ونقصد طموح الصانع أو الفنان إلى الكمال الفني، وقدرته على الصبر، واستهانته بالوقت في هذا السبيل. وحسبك أن تفكر في النقوش الدقيقة على التحف، وفي صور المخطوطات، وفي عقد السجاجيد؛ لتدرك الوقت والصبر اللازمين لها. والواقع أن هذا طبيعي ولازم إلى حد كبير في الفنون الإسلامية، وهي كما نعرف فنون زخرفية قبل كل شيء، والمعيار الأساسي في الحكم على منتجاتها هو النظر دون الفكر، فضلا عن أن هذه الفنون لا تستخدم من الموضوعات ما يثير الشعور أو يؤدي إلى التأثر العميق؛ فليس غريبا أن تكسب في ميدان الزخرفة ما فقدته في ميدان الشعور والتأليف الفني. •••
وقد وفق الفنانون الإيرانيون في العصر الإسلامي إلى تعضيد السلاطين والأمراء، ولعل هذا من أعظم أسباب ازدهار الطرز الفنية الإيرانية؛ لأن المصور الذي يقضي السنين في تزيين مخطوط واحد، وصانع السجادة التي يلزمها العدد الوافر من العمال والمقادير الكبيرة من الحرير والصوف وربما الذهب والفضة، والفنان الذي يشتغل الأشهر الطوال في إنتاج تحفة أو إتمام زخرفة، كل هؤلاء كانوا يحتاجون إلى من يقوم بأودهم ويجزيهم عن هذه الأعمال خير الجزاء. وكان السلاطين والأمراء هم الذين يفعلون ذلك؛ ولا عجب فإن الفنون الإسلامية عامة فنون ملكية إلى حد كبير، والأمير وحاشيته هم الدعامة التي يقوم عليها الفن ويعتمد عليها أهله، أما رجال الدين في الإسلام فلم يشملوا الفنانين برعايتهم كما فعلت الكنيسة المسيحية في الغرب. وصفوة القول أن أكثر الملوك والحكام في إيران كانوا يقدرون رجال الفن وينفقون الأموال الطائلة في تشجيعهم والانتفاع بجهودهم وتيسير سبل العمل لهم.
وحسبنا أن نعرض بعض الأسماء في تاريخ إيران لنرى العلاقة الوثيقة بين الحكام وبين الإنتاج الفني؛ فعلى يد الأمراء السلاجقة قامت العمائر ذات القباب والأقبية، وشيد غازان خان (694-703ه/1295-1304م) الجامع الأزرق في تبريز، بينما ترجع بعض أجزاء المسجد الجامع في أصفهان إلى عصر الجايتو محمد خدابنده (703-716ه/1304-1316م) الذي شيد جامع فرامين والضريح الفخم في سلطانية، وبنى جامع جوهر شاد على يد شاه رخ الذي أسس في هراة مجمعا لفن الكتاب؛ فأصبحت هذه المدينة في عصره مركزا كبيرا لصناعة التصوير، وأسس ابنه بايسنقر مكتبة أخرى ومجمعا للفنون جمع فيه الخطاطين والمذهبين والمجلدين والمصورين.
وكان الشاه إسماعيل الصفوي يقدر المصور بهزاد بنصف مملكته؛ وقد جاء في بعض المصادر التاريخية أن هذا الشاه اشتد جزعه حين نشبت الحرب بين الترك والإيرانيين سنة 920ه/1514م وخشي أن يقع بهزاد والخطاط المشهور شاه محمود النيسابوري في يد أعدائه؛ فأخفاهما في قبو، وتم النصر للترك؛ فدخلوا تبريز ثم رحلوا عنها، ولما عاد الشاه إسماعيل كان أول ما عني به أن يطمئن على بهزاد وزميله، وأن يستوثق من بقائهما في خدمته. وكذلك كان الشاه طهماسب مصورا ماهرا وراعيا للفن والفنانين، والشاه عباس الأكبر يرجع إليه الفضل في تجميل أصفهان وجعلها مركزا عظيم الشأن للعلوم والفنون.
وأما صاحب الجلالة الشاه رضا، إمبراطور إيران الحالي، فيعير الفنون قسطا وافرا من رعايته ويشملها بنصيب عظيم من عنايته، وقد تم بفضله ترميم كثير من العمائر، وانقضى عهد تسرب التحف الإيرانية الجميلة إلى البلاد الأجنبية، وعاد إلى الفنون والصناعات الدقيقة الازدهار الذي عرفته في العصور الذهبية من تاريخ إيران، فضلا عما عنيت به حكومة جلالته من تنظيم المتاحف وتشجيع رجال الفن.
المراجع
(1)
ابن بطوطة: تحفة الأنظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار (طبعه وترجمه إلى الفرنسية سانجنتي وديفريمري، باريس سنة 1853). (2)
ابن النديم: الفهرست (طبعة مصر سنة 1348ه). (3)
أحمد زكي بك: الأبسطة والسجاجيد (ص53-59 في العدد الخاص الذي أصدرته مجلة «الثقافة» عن إيران في 14 مارس سنة 1939). (4)
الإصطخري: مسالك الممالك (طبعة دي جويه في المكتبة الجغرافية العربية). (5)
زكي محمد حسن: التصوير في الإسلام عند الفرس (من مطبوعات لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة سنة 1936). (6) ---
الفن الإسلامي في مصر (من مطبوعات دار الآثار العربية، القاهرة سنة 1935). (7) ---
كنوز الفاطميين (من مطبوعات دار الآثار العربية، القاهرة سنة 1937). (8) ---
في الفنون الإسلامية (من مطبوعات اتحاد أساتذة الرسم، القاهرة سنة 1938). (9)
زكي محمد حسن: التصوير وأعلام المصورين في الإسلام (ص1-28 في كتاب «نواح مجيدة من الثقافة الإسلامية» تأليف عبد الوهاب عزام وزكي محمد حسن وإسماعيل مظهر وقدري حافظ طوقان وإسماعيل أحمد أدهم، هدية المقتطف السنوية سنة 1938). (10) ---
إيران، مفاخر فنونها (مبحث ملحق بعدد شهر يونية سنة 1938 من مجلة المقتطف). (11) ---
تراث الإسلام، الجزء الثاني في الفنون الفرعية، ترجمه إلى العربية وشرحه الدكتور زكي محمد حسن (مطبوعات لجنة الجامعيين لنشر العلم، في لجنة التأليف والترجمة والنشر سنة 1936). (12)
شاهين مكاريوس: تاريخ إيران (مطبعة المقتطف بمصر سنة 1898). (13)
عبد الوهاب عزام: الصلات بين العرب والفرس وآدابهما في الجاهلية والإسلام (ص125-164 في كتاب «نواح مجيدة من الثقافة الإسلامية»، هدية المقتطف سنة 1938). (14) ---
انظر الفردوسي. (15)
علي بك بهجت: فهرست مقتنيات دار الآثار العربية، تأليف هرتز بك وتعريب علي بك بهجت (المطبعة الأميرية بمصر سنة 1327ه). (16)
الفردوسي: الشاهنامه (نظمها بالفارسية أبو القاسم الفردوسي، وترجمها نثرا الفتح بن علي البنداري، وقاربها بالأصل الفارسي، وأكمل ترجمتها في مواضع وصححها وعلق عليها وقدم لها الدكتور عبد الوهاب عزام، من مطبوعات لجنة التأليف والنشر سنة 1932). (17)
محمد عوض محمد: إيران (ص5-12 في العدد الخاص الذي أصدرته مجلة الثقافة عن إيران في 14 مارس سنة 1939). (18)
محمد كرد علي: الإسلام والحضارة العربية، جزآن (من مطبوعات لجنة التأليف والترجمة والنشر، القاهرة سنة 1934 و1936). (19)
المسعودي: مروج الذهب (طبع مصر سنة 1346ه). (20)
المكتبة الجغرافية العربية (
B. G. A. ): سلسلة من كتب الجغرافيا العربية نشرها دي جويه وفريق من المستشرقين في ليدن من سنة 1870 إلى سنة 1894، وتشتمل على الكتب الآتية: (أ)
مسالك الممالك للإصطخري. (ب)
المسالك والممالك لابن حوقل. (ج)
أحسن التقاسيم للمقدسي. (د)
فهارس وشروح وحواشي للأجزاء الثلاثة الأولى. (ه)
البلدان لابن الفقيه. (و)
المسالك والممالك لابن خرداذبة. (ز)
الأعلاق النفيسة لابن رسته وكتاب البلدان لليعقوبي. (ح)
التنبيه والإشراف للمسعودي. (21)
ميرزا حبيب: خط وخطاطان (إستانبول سنة 1306ه). (22)
ياقوت الحموي: معجم البلدان (طبعة وستنفلد في ليبزج). (1)
AGA-OGLU, MEHMET: Persian bookbindings of the fifteenth century. University of Michigan Publications.
Ann Arbor,
1935. (2)
AGA-OGLU, MEHMET: The Landscape miniatures of an anthology of 1389 (in
Ars Islamica,
III, 1938). (3)
D’ALLEMAGNE, R.: Du Khorassan au Pays des Bakhtiaris.
1911. (4)
ARNE, T. J.: The Swedish Archӕological Expedition to Iran 1932-1933 (in
Acta Arch
ӕ
ologica,
VI, fasc. 1-2, pp. 1-48). (5)
ARNOLD, THOMAS W.: Painting in Islam.
Oxford,
1928. (6)
ARNOLD, THOMAS W.: The Survival of Sasanian Motifs in
Studien zur Kunst des Ostens,
J. Strzygowski gewid-met,
Wien
1923, S. 95-97). (7)
ARNOLD, THOMAS W.: Survivals of Sasanian and Manichӕan Art in Persian Painting.
Newcastle-upon-Tyne , 1924. (8)
ARNOLD, THOMAS W.: Bihzad and his Paintings in the Zafar-Namah M S.
London,
1930. (9)
ARNOLD, TH. AND GROHMANN, A.: The Islamic Book.
London
1929. (10)
ARNOLD TH. & R. A. NICHOLSON: A Volume of Oriental Studies presented to Edward Browne.
Cambridge.
1922. (11)
ATHAR E IRAN , Annales du Service Archéologique de L’Iran (depuis 1936). (12)
BAHRAMI, M: Recherches sur les carreaux de revêtement lustré dans la céramique persane du XIII
e
au XV
e
siècle.
1937. (13)
BARBIER DE MEYNARD: Dictionnaire géographique de la Perse.
1861. (14)
BINYON, L.: Asiatic Art in the British Museum (
Ars Asiatica,
t. VI,
1925). (15)
BINYON, L.: The Poems of Nizami.
London.
1928. (16)
BINYON, L. WILKINSON & GRAY: Persian Miniature
Oxford,
1933. (17)
BLOCHET, E.: Les Peintures des manuscrits orientaux de la Bibliothèque Nationale
1914-20. (18)
BLOCHET, E.: Les Enluminures des manuscrits orientaux, turcs, arabes, persans de la Bibliothèque nationale.
1926. (19)
BLOCHET, E.: Musulman Painting. Translated from the French by Cicely Binyon.
London.
1927. (20)
BODE, W. & KÜHNEI., E.: Antique Rugs from the Near East.
New York,
1922. (21)
BRECK, J. AND F. MORRIS: The James F. Ballard collection of Oriental rugs.
New York
1923. (22)
BRITION, NANCY PENCH: A Study of Some Early Islamic Textiles in the Museum of Fine Arts,
Boston,
1938. (23)
BROWNE, E, G.: A Literary History of
(24)
BUCKLEY, WILFRED: Two glass vessels from Persia (in
Burlington Magazine,
vol. LXVII, August 1925, pp. 66-77). (25)
BULLETIN OF THE AMERICAN INSTITUTE FOR PERSIAN ART AND ARCHEOLOGY.
New York. (26)
Bulletin of the Museum of Fine Arts.
Boston. (27)
Burlington Magazine.
London. (28)
CHARDIN, SIR JOHN: A New and Accurate Description of Persia and Other Eastern Nations.
London,
1724. (29)
CHARDIN, SIR JOHN: Travels in Persia, with on Introduction by Sir Percy Sykes.
London,
1927. (30)
CLAVIJO: Embassy to Tamerlane (éd. Guy Le Strange)
London,
1928. (31)
COHN-WIENER, E.: Die Ruinen der Seldschukenstadt von Merw und das Mausoleum Sultan Sandschars (in Jahrbuch der Asiatischen Kunst II, 1925, S. 115-122). (32)
COHN-WIENER, E.: Turan.
Berlin,
1930. (33)
COHN-WIENER, E.: Das Kunstgewerbe des Ostens,
Berlin.
1923. (34)
COOMARASWAMMY, A. K.: Les Miniatures orientales de la collection Goloubev au Museum of Fine Arts de Boston (
Ars Asiatica,
t. XIII,
1929). (35)
Cox, R.: Les Soieries d’art.
1914. (36)
CRESWELL, K. A. C.: The History and Evolution of the Dome in Persia (
Journal of the Royal Asiatic Society,
July 1914 p. 681-701). (37)
CRESWELL, K. A. C.: Persian domes before 1400 A. D. (in Burlington Magazine 26, 1914-15 pp. 146-155). (38)
CRESWELL, K. A. C.: Early Muslim Architecture,
Oxford,
1932. (39)
CHRISTENSEN, ARTHUR: L’lran sous les Sassanides.
1936. (40)
DEAN, BASHFORD: Handbook of Arms and Armor, European and Oriental.
New York (Metropolitan Museum of Art), 1915. (41)
DENIKE, BORIS: Quelques monuments de bois sculpté au Turkestan occidental (in Ars Islamica, vol II, pp. 69-83). (42)
DENNISON ROSS, E. (
editor ): Persian Art.
Oxford,
1930. (43)
DIEZ, ERNST: Die Kunst der islamischen Volker.
Berlin,
1922. (44)
DIEZ, ERNST: Churasanische Baudenkmäler I.
Berlin,
1918. (45)
DIEZ, ERNST: Die Elemente der persischen Landschaftsmalerei.
Wien,
1922. (46)
DIEZ, ERNST: Persien. Islamische Baukunst in Churasan.
Hagen i. W.
1923. (47)
DIEZ, ERNST: Isfahan (in Zeitschrift für bildende Kunst, 26, 1915, S. 90-104, 113-128). (48)
DIEZ, ERNST: Stylistic analysis of Islamic art (in Ars Islamica, vol. III, No 2, pp. 201-212). (49)
DILLEY, A. U.: Oriental Rugs and Carpets.
London.
1931. (50)
DIMAND, M.S.: A Handbook of Mohammedan decorative Arts.
New York,
1930. (51)
DIMAND, M.S.: Dated Specimens of Mohammedan Art in the Metropolitan Museum of Art. Part I (in
Metropolitan Museum Studies,
1928, Vol. I, part I, pp. 99-113). (52)
DIMAND, M.S.: Dated Persian doors of the fifteenth century (in
Bulletin of the Metropolitan Museum of Art,
vol. XXXI, no. 4, April 1936). (53)
DIMAND, M.S.: Persian Velvets of the Sixteenth Century (in
Bulletin of the Metropolitan Museum of Art,
vol. XXII, 1927, pp. 108-111). (54)
DIMAND, M.S.: Loan Exhibition of Persian rugs of the so-called Polish type.
New York, (The Metropolitan Museum of Art) 1930. (55)
ENCYCI.OPÉDIE DE L’ISLAM. (56)
ERDMANN, KURT: Orientteppich. (Bilderheft der Islamichen Abteilung, Staatliche Museen in Berlin, Heft 3)
Berlin,
1935. (57)
ERDMANN, KURT: Die sasanidischen Jagdschalen (in
Jahrbuch d. Preuss. Kunstsammlungen,
LVII, pp. 193-232). (58)
ETTINGHAUSEN, RICHARD: Important pieces of Persian pottery in London collections (in
Ars Islamica,
vol. II, I, pp. 45-64, 21 figs). (59)
FALKE, OTTO VON: Kunstgeschichte der Seidenweberei.
Berlin,
1913. (60)
FLEMMING, E.: Textile Kunst.
Berlin,
1923. (61)
FLETCHER, BAMISTER: A History of Architecture on the comparative method.
London,
7th éd. 1924. (62)
FLURY, S.: La décor épigraphique des monuments de Ghazna (in
Syria,
VI. 1925). (63)
GABRIEL, ALBERT: Le Masdjid-i Djum'a d’Isfahan (in
Ars Islamica,
vol. II, I, pp. 7-44, 34 figs.). (64)
GABRIEL ROUSSEAU: L’art décoratif musulman.
1934. (65)
GANZ, P.: L’Oeuvre d’un Amateur d’art. La Collection de Monsieur F. Engel Gros. 2 vol.
Geneva-Paris,
1925. (66)
GAY; V.: Glossaire archéolohique du Moyen-Age et de la Renaissance, II,
1928. (67)
GLÜCK, HEINRICH UND ERNST DIEZ: Die Kunst des Islam.
Berlin.
1925. (68)
GODARD. A: Les Monuments de Maragha (Publications da la Societé des Etudes Iraniennes, N°9)
1934. (69)
GOTTLIEB, T.: Kaiserlich-Konigliche Hofbibliothek, Bucheinbande, 100 Tafeln mit Einleitung.
Wien,
1910. (70)
GRATZL, EMIL: Islamische Bucheinbande des 14. bis 19. Jahrhunderts.
Leipzig
1924. (71)
GRAY, B.: Persian Painting.
London,
1930. (72)
GRAY, B: Die Kalila wa Dimna der Universität Istanbul (in
V. 1933). (73)
GREY, C.: A narrative of Italian travels in Persia (Trans). Hakluyt Society, 1873. (74)
GROTE-HASENBALG, W.: Der Orientteppiche, seine Geschichte und seine Kultur.
Berlin,
1922. (75)
GROUSSET, R.: Les civilisations de l’orient, t. I: L’Orient.
1929. (76)
GROUSSET, R.: L’Iran extérieur: son art (Publications de la Societé des Etudes Iraniennes et de l’art persan.
1932). (77)
GUNTHER, R.T.: The astrolabes of the world.
Oxford,
1932. (78)
HAKLUYT, R.: The principal navigations, voyages, traffiques and discoveries of the English nation, II.
London-New York (Everyman), 1926. (79)
HAWLEY, W. A.: Oriental Rugs antique and modern.
New York
1913. (80)
HERBERT, TH.: Travels in Persia, 1627-1629, éd. Sir William Foster.
London
1928. (81)
HERZFELD, E.: Die Malereien von Samarra.
Berlin
1927. (82)
HERZFELD, E.: Der Wandschmuck der Bauten von Samarra und seine Ornamentik.
Berlin
1923. (83)
HERZFELD, E.: Archaeological History of Iran.
London,
1935. (84)
HERZFELD, E.: Ara Tor von Asien.
Berlin
1920. (85)
HEYD, W: Histoire du Commerce du Levant. 2 vol.
Leipzig
1923. (86)
HOESON, R. L.: A Guide to the Islamic Pottery of the Near-East (British Museum)
London,
1932. (87)
HOESON, R. L.: The George Eumorfopoulos collection, Cotalogue. (88)
HUART, CL.: Les calligraphes et les miniaturistes de I’orient musulman.
1908. (89)
ISLAM (der). (90)
JACOBY, A.: Eine Sammlung orientalischer Teppiche.
Berlin,
1923. (91)
KENDRICK, A. F. & ARNOLD, T. W.: Persian stuffs with figure-subjects (
Burlington Magazine.
November 1920 pp. 237-44). (92)
KENDRICK: Guide to the Collection of Carpets (Victoria & Albert Museum, Department of Textiles)
London,
1920. (93)
KENDRICK: Notes on Carpet Knotting and Weaving (Victoria and Albert Museum, Department of Textiles). (94)
KOECHLIN, R.: Les céramiques musulmanes de Suse au Musée du Louvre,
1928. (95)
KOHLHAUSSEN, H.: Islamische Kleinkunst (Museum fur Kunst und Gewerbe.
Hamburg,
1930). (96)
KÜHNEL, ERNEST: Die Islamische Kunst (in A. Springer: Handbuch der Kunstgeschichte, Band VI, S. 373-584).
Leipzig,
1929. (97)
KÜHNEL, ERNEST: Islamische Kleinkunst.
Berlin
1925. (98)
KÜHNEL, ERNEST: Datierte persische Fayencen (in
Jahrbuch der asiatischen Kunst. Band I , 1924 S. 42-52). (99)
KÜHNEL, ERNEST: Miniaturmalerei im islamischen Orient. 2
e
éd.
Berlin
1923. (100)
KÜHNEL, ERNEST: Meisterwerke der Archäologischen Museen in Istanbul, Band III. Die Sammlung Türkischer und Islamischen Kunst im Tschinili Köschk.
Berlin und Leipzig,
1938. (101)
KÜHNEL, ERNEST: Das Landschaftsbild in der islamischen Buchmalerei (in
Die graph. Künste,
Wien, 50, 1927, S. 1-9). (102)
KÜHNEL, ERNEST: Datierte persische Fayencen (in
Jahrbuch der asiatischen Kunst,
Band I, 1924 pp. 42-52). (103)
KÜHNEL, ERNEST: Sammlung Oskar Skaller, Berlin, Persische Keramik, vornehmlich 13-14. Jahr.
Berlin
1927. (104)
KÜHNEL, ERNEST: Die Abbasidischen Lüsterfayencen, in
Ars Islamica, (1934) pp. 149-59. (105)
LAMM, G. J.: Mittelalterliche Gläser und Steinschnittarbeiten aus dem Nahen Osten.
Berlin,
1930. (106)
LAMM, G. J.: Glass from Iran in the National Museum, Stockholm.
Uppsala
1935. (107)
LAMM, G. J.: Cotton in Mediaeval Textiles of the Near East.
1937. (108)
L. LANGLÈS (éd.) Voyages du Chevalier Chardin, Paris 1811. (109)
LE COQ, A. VON: Bilderatlas zur Kunst und Kulturgeschichte Mittel-Asiens.
Berlin,
1925. (110)
LE COQ, A. VON: Die Buddhistische Spätantike in Mittelasien, II, Die manichaeischen Miniaturen,
Berlin,
1923. (111)
LE STRANGE, G.: The Lands of the Eastern Caliphate.
Cambridge,
1930. (112)
MANKOWSKI, TADEUSZ: Influence of Islamic Art in Poland (in
Ars Islamica,
vol. II, pp. 63-117). (113)
MARÇAIS, G.: L’art musulman (in
Nouvelle Histoire Universelle de L’Art,
publiée sous la direction de Marcel Aubert vol. II). (114)
MARÇAIS, G.: Manuel d’Art Musulman, L’Architecture.
1926. (115)
MARTEAU, G. & H. VEVER: Miniatures Persanes.
1913. (116)
MARTIN. F.: The Miniature Painters of Persia, India and Turkey from the VIII to the XVIII century.
London
1912. (117)
MARTIN. F.: Figurale persische Stoffe aus dem Zeitraum 1550-1650.
Stockholm,
1899. (118)
MARTIN. F.: Die Persische Prachtstoffe im Schlosse Rosenborg in Kopenhagen.
Stockholm,
1901. (119)
MASSIGNON, L.: Les méthodes de réalisation artistique des peuples de L’lslam, in
Syria,
II (1921). (120)
MAYER, L. A.: Annual Bibliography of Islamic art and Archӕology. Edited by L. A. Mayer. vol. I, II & III. (for 1935, 36 & 37). (121)
MEZ, A.: Die Renaissance des Islams.
Heidelberg,
1922. (122)
MIGEON, GASTON: Manuel d’art musulman; Arts plastiques et industriels. 2 vol. 2
e
éd.
1927. (123)
MIGEON, GASTON: L’Orient musulman. 2 vol. (Documents d’Art, Musée du Louvre)
1922. (124)
MIGEON, GASTON: Les Arts musulmans. (Bibliothèque d’histoire de I’art.)
1927. (125)
MIGEON, GASTON: Exposition des arts musulmans au Musée, des arts décoratifs.
1922. (126)
MIGEON, GASTON: Un tissu de soie persan du X
e
siècle au Musée du Louvre (in Syria 3, 1922 p. 41-3). (127)
MIGEON, GASTON: Les Arts du tissu,
1929. (128)
MINER, D.: The Art of Persia and the Asiatic migrations (in
Handbook of the Collection, Walters Art Gallery, Baltimore,
Maryland, U. S. A., pp. 42-50). (129)
MORGENSTERN, L.: L’exposition d’art iranien de 1935 à Leningrad. (
Revue des Arts Aslatiques,
X, 1936). (130)
MORITZ: Arabic Palӕography.
Cairo,
I. (131)
MOUSA A.: Zur Gesehichte der islamischen Buchmalerei in Aegypten.
Cairo,
1931. (132)
MUMFORD, J. K.: The Yerkes Collection of Oriental carpets.
London-New-York,
1910. (133)
NASIRI FHOSRAU: Relation du voyage de Nasiri Khasrau, éd. et traduction de Ch. Chefer.
1881. (134)
NEUGEBAUER, R. UND TROLL, S.: Handbuch der orientalischen Teppichkunde.
Leipzig,
1930. (135)
(in
Bulletin de L’Institut d’Egypte,
vol. XVII, fasc. I pp. 23-68). (136)
1920. (137)
editor aud Phyllis Arckerman, assistant editor.
Oxford,
1938. (138)
London,
1930. (139)
Studio, London,
December, 1930, pp. 3-24). (140)
QAZWINI, M. ET L. BOURAT: Deux documents inédits relatifs à Behzad (in
Révue de Monde Musulman,
XXVII 1914). (141)
RABINO, H. S.: Mazanderan and Asterabad,
London,
1928. (142)
REATH, N. A. & SACHS, E. B.: Persian Textiles.
New Haven,
1937. (143)
RÉPERTOIRE CHRONHI.OGIQUE D’KI’IGRAPHIE ARABE. Le Caire, depuis 1931. (144)
RÉVUE DES ARTS ASIATIQUES. (145)
RIEFSTAHL, M.: Persian Islamic stucco sculptures (in
The Art Bulletin,
XIII (1951), pp. 439 III 463). (146)
RIEFSTAHL, M.: The Parish-Watson collection of Mohammedan potteries,
New York,
1922. (147)
RITTER, H., RUSKA, J., SARRE, F., WINDERLICH, R.: Orientalische Steinbücher und Fayencetechnik. (Istanbuler Mitteilungen, herausgegeben von der Abteilung Istanbul des Archӕologischen Institutes des Deutschen Reiches)
Istanbul,
1935. (148)
RIVIÈRE, H.: La Céramique dans l’art musulman,
1914. (149)
RODER, KURT: Zur Technik der persischen Fayence im. 13-14 Jahrundert. (in
Zeitschrift der Deutschen Morgenländischen Gesellschaft,
N. F., Band 14 pp. 225-242). (150)
RODER, KURT: Uber glasierte Irdenware und chinesisches
Studien zur Geschichte und Kultur des Nahen und Fernen Ostens,
Heffening und W. Kirlel, Leiden, pp. 133-144). (151)
SAKISIAN, A.: La Miniature Persane du XII
e
au XVII
e
siecle.
1929. (152)
SAKISIAN, A.: Les tapis de Perse à la lumière des arts du Iivre (in
Artibus Asiae,
vol. V, fasc. 1, pp. 9-22, fasc. 2-4, pp. 223-235). (153)
SAKISIAN, A.: La reliure persane du XIV
e
au XVII
e
siècle. (Actes du Congrés de l’Histoire de l’Art,
1921, I). (154)
SALADIN, H.: Manuel d’Art musulman; L’Architecture.
1907. (155)
SALLES, G. ET BALLOT, M. J.: Les Collections de l’Orient Musulman (Musée du Louvre).
1928. (156)
SARRE, FRIEDRICH: Die Mohammedanische Baukunst in Persien (in
Zeitschrift der Gesellschaft für Erdkunde,
Berlin-1919, Heft 3-4). (157)
SARRE, FRIEDRICH: Ardabil. Grabmoschee des Schech Safi.
Berlin,
1924. (158)
SARRE, FRIEDRICH: Islamische Bucheinbände.
Berlin
1923. (159)
SARRE, FRIEDRICH: Denkmäler persischer Baukunst 2 vols.
Berlin,
1910. (160)
SARRE, F. & HERZFELD, E.: Archäologische Reise im Euphrat-und-Tigris-Gebiet.
Berlin,
1911. (161)
SARRE, F. & HERZFELD, E.: Erzeugnisse islamischer Kleinkunst, II Seldschukische Kleinkunst.
Leipzig,
1909. (162)
SARRE, F. & HERZFELD, E.: Die Kunst des Alten
Berlin,
1921. (163)
SARRE, F. & HERZFELD, E.: Die Keramik von Samarra.
Berlin,
1925. (164)
SARRE, F. & MARTIN, F. R. (
Editeurs ): Die Ausstellung von Meisterwerken muhammadanischer Kunst in München, 1910. 3 vol.
München,
1912. (165)
SARRE, F. & MITTWOCH, E.: Zeichnungen von Riza Abbasi,
München
1914. (166)
SARRE, F. & TRENKWALD, H.: Old Oriental Carpets. 2 vols.
Vienna & London,
1926-1929. (167)
SCHMIDT, HEINRICH: Persische Seidenstoffe der Seldjukenzeit (in
Ars Islamica,
vol. II, no 1. pp. 85-90). (168)
SCHULZ, PH. WALTER: Die persisch-islamische Miniaturmalerei 2 Bānde.
Leipzig
1914. (169)
SCHWARZ: Iran im Mittelalter.
Leipzig,
1926. (170)
SMIRNOFF, V.: L’Argenterie orientale.
St. Petersburg
1909. (171)
SMITH, MYRON B.: Material for a Corpus of early Iranian Islamic Architecture I. Masdjid-i Djum’a, Demawend, with “Note épigraphique par Jedda Godard” (in Ars Islamica, vol. II, no. 2, pp. 153-183). (172)
STCHOUKINE, Ivan: Les Miniature Persanes, Musée National du Louvre.
1932. (173)
STCHOUKINE, Ivan: Les manuscrits illustrés musulmans de la bibliothèque du Caire (in
Gazette des Beaux-Arts,
t. XIII, Mars 1935, pp. 138-158). (174)
STCHOUKINE, Ivan: Notes sur des peintures persanes du sérail de Stanbul (in
Journal Asiatique.
t CCXXI, pp. 117-140). (175)
STCHOUKINE, Ivan: La Peinture iranienne sous les derniers Abbasides et les II-khans.
Bruges,
1936. (176)
STRZYGOWSKI, JOSEF: Die bildende Kunst des Ostens.
Leipzig
1916. (177)
STRZYGOWSKI, JOSEF: Altai-Iran und Volkerwanderung.
Leipzig,
1917. (178)
STRZYGOWSKI, JOSEF: Asiens Bildende Kunst.
Augsburg,
1930. (179)
STRZYGOWSKI, JOSEF: Asiatische Miniaturmalesei (im Verein mit H. Glück, S. Kramrisch, E. Wellesz).
Klagenfurt,
1933. (180)
TAESCHNER, F.: Zur Ikonographie der persischen Bilderhand schriften (in
Jahrbuch der asiatischen Kunst . II 1925). (181)
TATTERSALL, C.E.C.: Fine Carpets in the Victoria and Albert Museum.
London,
1924. (182)
TAVERNIER, J.B.: The six travels of John Baptista Tavernier,
London,
1684. (183)
TAVERNIER, J.B.: Voyages en Perse.
1930. (184)
VICTORIA & ALBERT MUSEUM, DEPARTMENT OF TEXTILES: Brief guide to the Persian woven fabrics.
London,
1922. (185)
VICTORIA & ALBERT MUSEUM, DEPARTMENT OF TEXTILES: Brief guide to the Persian Embroideries.
London,
1929. (186)
VIOLLET, HENRI ET S. FLURY: Un monument des premiers siècles de l’hégire en Perse (in
Syria
2, 1921 p. 226-34, 305-16). (187)
WALLIS, H.: Persian Ceramic Art belonging to Mr. F. Du Cane Godman.
London,
1894. (188)
WIET, GASTON: L’Exposition persane de 1931. (Publications du Musée de l’Art Arabe du Caire)
le Caire,
1931. (189)
WIET, GASTON: L’Exposition d’art persan de Londres (in
Syria,
t. XIII, 1933). (190)
WIET, GASTON: Exposition d’art persan.
le Caire,
1935 (Societé des Amis de l’Art, 2 vols. 72 pl.). (191)
WIET. G.: L’Epigraphie Arabe de l’exposition d’art persan du Caire, (in
Mémoires presentés á L’Institut d’Egypte
XXVI,
Le Caire , 1935). (192)
ZAKY M. HASSAN: Les Tulunides.
1933. (193)
ZAKY M. HASSAN: Hunting as practised in Arab Countries of the Middle Ages.
Cairo,
1937. (194)
ZELLER. R.: Orientalische Sammlung Henri Moser-Charlottenfels. Die persischen Waffen (in Jahrbuch des Bernischen Museums in Bern, XV Jag. 1935). (195)
ZIAUDDIN, M.: Moslem calligraphy.
Calcutta,
1939.
اللوحات
اللوحة 1 (أ) عقد بجوار المحراب في المسجد الجامع بنايين، حوالي سنة 350ه/960م. (ب) المحراب وبعض الأعمدة بالمسجد الجامع في نايين، حوالي سنة 350ه/960م (عن بوب).
شكل 1
اللوحة 2
شكل 2: منارة المسجد الجامع في نايين.
اللوحة 3
شكل 3: قطاع من قاعة القبة الصغرى في المسجد الجامع بأصفهان، مؤرخة سنة 481ه/1088م (عن شرودر).
اللوحة 4
شكل 4: قبو وعقود في المسجد الجامع بأصفهان (عن بوب).
اللوحة 5
شكل 5: إيوان بالمسجد الجامع في جلبيجان، من سنة 498-512ه/1104-1118م (عن بوب).
اللوحة 6
شكل 6: جنبد قابوس في جرجان، مؤرخة 397ه/1006م (عن بوب).
اللوحة 7
شكل 7: قبر مؤمنة خاتون في نخجران، مؤرخ سنة 582ه/1186م (عن زره).
اللوحة 8
شكل 8: برج محمود بن سبكنيجين في غزنة، مؤرخ سنة 421ه/1030م (عن بيرون).
اللوحة 9
منارة في بسطام مؤرخة 514ه/1120م (عن بوب).
منارة في سمنان من القرن 5ه/11م (عن بيرون).
شكل 9
اللوحة 10
شكل 10: قلعة بم (عن شرودر).
اللوحة 11
شكل 11: باب وإيران في المسجد الجامع بأصفهان، من القرن 8-10ه/14-16م (عن بوب).
اللوحة 12
شكل 12: قبر تيمور في سمرقند من سنة 808ه/1405م (عن زره).
اللوحة 13
شكل 13: الركن الغربي والإيوان الشمالي الغربي من مسجد جوهر شاد بمدينة مشهد، مؤرخ سنة 821ه/1418م (عن بوب).
اللوحة 14
شكل 14: الإيوان الشمالي الشرقي في مسجد جوهر شاد بمدينة مشهد، مؤرخ سنة 821ه/1418م (عن بوب).
اللوحة 15
شكل 15: منظر تفصيلي في الإيوان الجنوبي الشرقي من مسجد جوهر شاد بمدينة مشهد (عن بوب).
اللوحة 16
شكل 16: منظر داخلي من المسجد الجامع بمدينة يزد، القرن 9ه/15م (عن بوب).
اللوحة 17
شكل 17: ردهة في المسجد الجامع بمدينة يزد، القرن 9ه/15م (عن بوب).
اللوحة 18
شكل 18: قصر جهل ستون بأصفهان، من نهاية القرن العاشر الهجري (نهاية القرن السادس عشر الميلادي) (عن بوب).
اللوحة 19
شكل 19: الباب الخارجي في مسجد الشاه بأصفهان، مؤرخ سنة 1025ه/1616م (عن بوب).
اللوحة 20
شكل 20: باب داخلي في مسجد الشاه بأصفهان (عن بوب).
اللوحة 21
شكل 21: منظر داخلي في مسجد الشاه بأصفهان (عن بوب).
اللوحة 22
شكل 22: ضريح قدم جاء بمدينة نبسابور، من القرن 11ه/17م (عن بوب).
اللوحة 23
قنطرة في أصفهان، من بداية القرن 11ه/17م (عن بوب).
قبة مدرسة مادرشاه بأصفهان، مؤرخة سنة 1126ه/1714م (عن بوب).
شكل 23
اللوحة 24
شكل 24: مدخل السوق في مدينة يزدن من بداية القرن الماضي (عن بوب).
اللوحة 25
شكل 25: تخطيط ضريح الجايتو في مدينة سلطانية (عن جودار).
اللوحة 26
شكل 26: تخطيط مدرسة خرجود (عن بوب).
اللوحة 27
شكل 27: تخطيط مسجد شاه في أصفهان (عن بوب).
اللوحة 28
شكل 28: محراب من القاشاني ذي البريق المعدني والزخارف البارزة، أصله من جامع الميدان في قاشان مؤرخ سنة 623ه/1226م، وعليه اسم صانعه الحسن بن عربشاه، محفوظ في القسم الإسلامي من متاحف الدولة في برلين.
اللوحة 29
شكل 29: محراب من القاشاني ذي البريق المعدني من فرامين، عليه إمضاء علي بن محمد بن أبي طاهر ومؤرخ سنة 663ه/1264م، في مجموعة كيفوركيان (Kevorkian) .
اللوحة 30
شكل 30: محراب من الفسيفساء الخزفية، من منتصف القرن 8ه/14م، في المتحف المتروبوليتان بنيويورك.
اللوحة 31
شكل 31: فسيفساء خزفية كانت في خانقاه بمدينة أصفهان، من القرن 9ه/15م، في مجموعة كيفوركيان .
اللوحة 32
شكل 32: محراب من الفسيفساء الخزفية في مسجد الشيخ لطف الله بأصفهان، مؤرخ سنة 1028ه/1618م (عن بوب).
اللوحة 33
شكل 33: تربيعات قاشاني من قصر جهل ستون بأصفهان، من القرن 11ه/17م، في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
اللوحة 34
شكل 34: جزء من نقش حائطي، من القرن 6ه/12م، في مجموعة هيرامانك
Heeramaneck .
اللوحة 35
شكل 35: الصفحة الأولى من مخطوط إيراني كتبه سلطان محمد نور سنة 929ه/1523م في معرض فرير
Freer Gallery .
اللوحة 36
شكل 36: صفحة من مخطوط المنظومات «الخمسة» للشاعر نظامي، كتب للشاه طهماسب بين عامي 946 و949ه/1539 و1543م، ومحفوظ في المتحف البريطاني.
اللوحة 37
شكل 37: النبي عليه السلام يبعث سيدنا حمزة وسيدنا عليا في مهمة، المدرسة السلجوقية، في مخطوط من كتاب جامع التواريخ لرشيد الدين، مؤرخ سنة 714ه/1314م، ومحفوظ في الجمعية الآسيوية بلندن وفي مكتبة جامعة أدنبره.
اللوحة 38
شكل 38: المجنون على قبر ليلى، مدرسة شيراز سنة 813ه/1410م، من مخطوط في مجموعة جلبنكيان
Gulbenkian .
اللوحة 39
شكل 39: بهرام جور والصور السبع، مدرسة شيراز سنة 813ه/1410م، من مخطوط في مجموعة جلبنكيان
Gulbenkian .
اللوحة 40
شكل 40: القتال بين جيوش كيخسرو وأفراسياب، مدرسة هراة سنة 833ه/1429م، من مخطوط شاهنامه في مكتبة قصر جلستان بطهران.
اللوحة 41
شكل 41: هماي أمير إيران يستقبل في حديقة القصر همايون ابنة قيصر الصين، مدرسة هراة سنة 834ه/1430م، صورة من مخطوط ضائع، ومحفوظة في متحف الفنون الزخرفية بباريس.
اللوحة 42
شكل 42: فقهاء يتجادلون في مسجد، مدرسة هراة، من تصوير بهزاد في مخطوط من «بستان» سعدي، مؤرخ سنة 894ه/1489م، ومحفوظ في دار الكتب المصرية.
اللوحة 43
شكل 43: بناء مسجد، تنسب إلى المصور بهزاد من مخطوط للمنظمومات «الخمسة» للشاعر نظامي، في المتحف البريطاني.
اللوحة 44
شكل 44: مناظر في حمام، تنسب للمصور بهزاد، من مخطوط للمنظومات «الخمسة» للشاعر نظامي، في المتحف البريطاني.
اللوحة 45
شكل 45: قطب الدين يقاد سجينا إلى المسجد الجامع في شيراز، المدرسة الصفوية في تبريز سنة 935ه/1529م، في مخطوط من ظفرنامه لشرف الدين علي يزدي، ومحفوظ في مكتبة قصر جلستان بطهران.
اللوحة 46
شكل 46: صورة المعراج، من المدرسة الصفوية الأولى في تبريز، ولعلها من تصوير سلطان محمد في مخطوط من المنظومات «الخمسة» لنظامي، كتب للشاه طهماسب بين عامي 946 و949ه/1539 و1543م، ومحفوظ في المتحف البريطاني.
اللوحة 47
شكل 47: كسرى أنوشروان ووزيره يسمعان البومتين، من المدرسة الصفوية الأولى في تبريز، من مخطوط من المنظومات «الخمسة» لنظامي، كتب للشاه طهماسب بين عامي 946 و949ه/1539 و1543م، ومحفوظ في المتحف البريطاني.
اللوحة 48
شكل 48: منظر في الريف، للمصور محمدي سنة 986ه/1578م، في متحف اللوفر بباريس.
اللوحة 49
شكل 49: منظر طبيعي وثلاثة صيادين، عليه إمضاء المصور رضا عباسي، من نهاية القرن 10ه/17م. في مجموعة كارتييه
L. Cartier .
اللوحة 50
شكل 50: صورة ضرب «بالفلقة»، للمصور محمد قاسم سنة 1014ه/1605م، في المتحف المتروبوليتان بنيويورك.
اللوحة 51
شكل 51: إسكندر وزوجته روشنك، من المدرسة الصفوية الثانية بأصفهان، في القرن 11ه/17م، في مخطوط شاهنامه بمجموعة شستر بيتي
Chester Beatty ، وعليها إمضاء معين المصور.
اللوحة 52
شكل 52: لوحة فنية إيرانية من القرن 12ه/18م، من مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 53
شكل 53: لوحتان فنيتان من إيران، القرن 12ه/18م، من مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 54
شكل 54: جلد كتاب إيراني، من بداية القرن 10ه/16م، في مجموعة جلبنكيان
Gulbenkian .
اللوحة 55
شكل 55: جلد كتاب إيراني من عمل محمد صالح التبريزي، في القرن 10 أو 11ه/16 أو 17م، في مجموعة جلبنكيان
Gulbenkian .
اللوحة 56
شكل 56: سجادة إيرانية، من القرن 10ه/17م، في القسم الإسلامي من متاحف الدولة ببرلين.
اللوحة 57
شكل 57: رسم جزء من سجادة كاملة من صناعة تبريز، في بداية القرن 10ه/17م،
محفوظة في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
اللوحة 58
شكل 58: سجادة حريرية من صناعة تبريز في النصف الأول من القرن 10ه/16م، محفوظة في متحف الفنون الزخرفية بباريس.
اللوحة 59
شكل 59: سجادة إيرانية محلاة بخيوط معدنية، من صناعة تبريز في نهاية القرن 10ه/16م، من مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 60
شكل 60: سجادة من صناعة تبريز في النصف الثاني من القرن 9ه/16م، في متحف المنسوجات بمدينة ليون بفرنسا.
اللوحة 61
شكل 61: سجادة حريرية من صناعة قاشان في النصف الثاني من القرن 9ه/16م،
في متحف جوبلان بباريس.
اللوحة 62
شكل 62: سجادة حريرية من صناعة قاشان في النصف الثاني من القرن 10ه/16م، في المتحف المتروبوليتان بنيويورك.
اللوحة 63
شكل 63: سجادة من صناعة شمال غربي إيران في نهاية القرن 10ه/16م، في المتحف المتروبوليتان بنيويورك.
اللوحة 64
شكل 64: سجادة ذات أشجار ومناطق، من صناعة شمال غربي إيران في بداية القرن 11ه/17م، محفوظة في مجموعة مكلهيني
Mclihenny .
اللوحة 65
شكل 65: جزء من سجادة إيرانية، من القرن 11ه/17م، في مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 66
شكل 66: سجادة ذات زهريات، من صناعة تبريز في بداية القرن 11ه/17م، في متحف الفنون الزخرفية بباريس.
اللوحة 67
شكل 67: رسم جزء من سجادة إيرانية كاملة (هراة)، من القرن 12ه/18م، في مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 68
شكل 68: سجادة من الحرير، من القرن 11ه/17م، في القسم الإسلامي من متاحف الدولة ببرلين.
اللوحة 69
شكل 69: رسم جزء من سجادة إيرانية كاملة، مؤرخة سنة 1194ه/1780م، من مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 70
شكل 70: زير من الفخار بدون دهان، وعليه زخارف مطبوعة، من خوزستان في القرن 2 أو 3ه/8 أو 9م، في مجموعة نيجات ربى
Nejat Rabbi .
اللوحة 71
صحن خزفي، القرن 3ه/9م. في المتحف الأهلي بطهران.
صحن خزفي من بلاد ما وراء النهر. القرن 3ه/9م، في متحف اللوفر.
شكل 71
اللوحة 72
شكل 72: صحنان من الخزف ذي البريق المعدني ، القرن 3-5ه/9-11م.
اللوحة 73
شكل 73: صحن من خزف ذي بريق معدني، من القرن 3ه/9م، من مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 74
شكل 74: سلطانية من الخزف ذي البريق المعدني، من القرن 4ه/10م، في مجموعة ألفونس كان
Alphonse Kann .
اللوحة 75
شكل 75
اللوحة 76
في معهد الفنون بمدينة شيكاغو.
في متحف الفنون الجميلة بمدينة بوستن.
شكل 76: كوبان من الخزف الأبيض ذي الزخارف المحفورة، القرن 4 أو 5ه/10 أو 11م.
اللوحة 77
شكل 77: صحن من الخزف الأبيض ذي الزخارف المحفورة، من القرن 4ه/10م، في مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 78
شكل 78: صحن من الخزف ذي البريق المعدني، من صناعة الري في القرن 5ه/11م، في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
اللوحة 79
شكل 79: صحن من الخزف ذي الزخارف المحفورة والمتعددة الألوان، من القرن 5ه/11م، في متحف كليفلاند.
اللوحة 80
شكل 80: صحن من الخزف ذي الزخارف المحفورة والمتعددة الألوان، من القرن 5ه/11م، في القسم الإسلامي من متاحف الدولة ببرلين.
اللوحة 81
شكل 81: إناء من الخزف ذي النقوش المتعددة الألوان، من القرن 5ه/11م، في مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 82
شكل 82: سلطانية من الخزف ذي الزخارف المحفورة من القرن 5ه/11م، في مجموعة جونتر
F. M. Gunther .
اللوحة 83
شكل 83: إبريق من الخزف ذي الدهان الأزرق والزخارف المحفورة من القرن 5ه/11م، في مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 84
شكل 84: إبريقان من الخزف ذي البريق المعدني، من صناعة الري في القرن 6ه/12م.
اللوحة 85
شكل 85: سلطانية من الخزف، عليها نقوش فوق الدهان، من ساوه ومؤرخة سنة 583ه/1187م في مجموعة أوسكار رفائيل
Oscar Raphael ، فوق: منظرها من الداخل.
اللوحة 86
شكل 86: إبريق من الخزف ذي البريق المعدني، وعليه نقوش فوق الدهان، من نهاية القرن 6ه/12م، في معرض فرير
Freer Gallery .
اللوحة 87
شكل 87: صحن من الخزف، مؤرخ سنة 607ه/1210م، في مجموعة يومورفوبولوس.
اللوحة 88
شكل 88
اللوحة 89
شكل 89: إبريق من الخزف من القرن 7ه/13م، في مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 90
شكل 90: إبريق من الخزف ذي الدهان الأزرق وله سطح خارجي مخرم مؤرخ من 562ه/1166م، في مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 91
شكل 91: سلطانية من الخزف، عليها نقوش فوق الدهان من القرن 7ه/13م، في مجموعة دافيد
C. L. David .
اللوحة 92
شكل 92: سلطانية من الخزف، عليها نقوش فوق الدهان وفيها تذهيب، من صناعة قاشان في القرن 7ه/13م، في مجموعة ليهمان
.
اللوحة 93
شكل 93: صحن من الخزف ذي البريق المعدني، من صناعة الري في القرن 7ه/13م، في مجموعة موسى
Moussa .
اللوحة 94
شكل 94: قنينة من الخزف عليها نقوش فوق الدهان، من صناعة الري في القرن 7ه/13م، في مجموعة باريش وطسن
.
اللوحة 95
شكل 95: إناء خزفي من صناعة الري في القرن 7ه/13م، في مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 96
شكل 96: إبريق خزفي من صناعة سلطاناباد، في القرن 7ه/13م، من مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 97
شكل 97: تمثال من الخزف ذو دهان أزرق ونقوش سوداء، من صناعة قاشان أو ساوه في القرن 7ه/13م، في متحف جامعة برنستون
.
اللوحة 98
شكل 98: تمثال خزفي من صناعة سلطاناباد في القرن 7ه/13م، من مجموعة الدكتور علي باشا إبراهيم.
اللوحة 99
شكل 99: تحفة من الخزف ذي البريق المعدني، من القرن 7ه/13م، في القسم الإسلامي من متاحف الدولة ببرلين.
اللوحة 100
شكل 100: طائر من الخزف، من القرن 7ه/13م، في دار الآثار العربية بالقاهرة.
اللوحة 101
شكل 101: أسد من الخزف ذي الدهان الأزرق، من القرن 7ه/13م، في مجموعة كيفوركيان
Kevorkian .
اللوحة 102
شكل 102: شباك من الخزف المخرم ذي الدهان الأزرق، من القرن 7ه/13م، في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
اللوحة 103
شكل 103: في مجموعة يوموربولوس
Eumorfopoulos .
اللوحة 104
شكل 104: بطة وقنينة من الصيني ذي الزخارف الزرقاء تحت الدهان، القرن 9 أو10ه/15 أو16م.
اللوحة 105
شكل 105: صحن من الخزف ذي زخارف متعددة الألوان ومنقوشة تحت الدهان، من القرن 11ه/17م، في مجموعة طباخ
Tabbagh .
اللوحة 106
شكل 106: مجموعة من لوحات القاشاني ذات البريق المعدني، من قاشان جزء منها مؤرخ من سنة 665ه/1267م، في متحف اللوفر بباريس.
اللوحة 107
شكل 107: قطعة نسيج من الحرير، يرجح أنها من صناعة خراسان في القرن 4ه/10م، في متحف اللوفر.
اللوحة 108
شكل 108: قطعة نسيج من الحرير، من القرن 5 أو 6ه/11 أو 12م، كانت سابقا في مجموعة رابنو
Rabenou .
اللوحة 109
شكل 109: قطعة نسيج من الحرير، من القرن 6ه/12م، في مجموعة المسز مور
Mrs. Moore .
اللوحة 110
شكل 110: قطعة من نسيج محلى بخيوط الفضة، من القرن 8ه/14م، في متاحف الدولة ببرلين.
اللوحة 111
شكل 111: قطعة نسيج مطرزة بالحرير، من صناعة شمال غربي إيران في القرن 10ه/16م، محفوظة في متحف الفنون التطبيقية بمدينة بودابست.
اللوحة 112
شكل 112: قطعة من نسيج محلى بخيوك معدنية من القرن 10ه/16م، في متحف الفنون الزخرفية بباريس.
اللوحة 113
شكل 113: قطعة من نسيج محلى بخيوط معدنية، من القرن 10ه/16م، في متحف تاولو
Thaulow
بمدينة كيل
Kiel .
اللوحة 114
شكل 114: رداء من القطيفة، من صناعة يزد في القرن 11ه/17م، في متحف استوكهلم.
اللوحة 115
شكل 115: قطعة من نسيج محلى بخيوط معدنية، من صناعة «مغيث» بأصفهان، في عصر الشاه عباس الأكبر، محفوظة في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
اللوحة 116
شكل 116: قطعة من القطيفة المحلاة بخيوط معدنية من صناعة أصفهان، في القرن 11ه/17م، محفوظة في المتحف المتروبوليتان بنيويورك.
اللوحة 117
شكل 117: سجادة من الحرير، منسوجة على شكل عباءة كاهن، وفيها منظر صلب السيد المسيح، من القرن 11ه/17م، محفوظة في متحف فكتوريا وألبرت بمدينة لندن.
اللوحة 118
شكل 118: قطعة نسيج من الحرير، من صناعة يزد في القرن 11ه/17م، محفوظة في مجموعة أكرمان
Aekerman .
اللوحة 119
شكل 119: حزام من الحرير، من القرن 11ه/17م، في دار الآثار العربية بالقاهرة.
اللوحة 120
شكل 120: رداء من الديباج، من القرن 12ه/18م، في متحف المنسوجات بمقاطعة كولومبيا بأمريكا.
اللوحة 121
شكل 121: حصيرة من القطن مطرزة بالحرير، من صناعة أصفهان في القرن 11 أو 12ه/17 أو 18م، محفوظة في مجموعة أكرمان وبوب
Ackerman-Pope .
اللوحة 122
شكل 122: قطعة نسيج مطرزة بالحرير، من صناعة رشت أو أصفهان في القرن 12ه/18م، محفوظة في المتحف المتروبوليتان بنيويورك.
اللوحة 123
شكل 123: إبريق من البرونز ينسب إلى الخليفة الأموي مروان الثاني، من القرن 1ه/7م، في دار الآثار العربية بالقاهرة.
اللوحة 124
شكل 124: رسم جزئين من الزخارف المحفورة على الإبريق المنسوب إلى مروان الثاني، في دار الآثار العربية بالقاهرة.
اللوحة 125
شكل 125: مبخرة من البرونز على الطراز الساساني، من القرن 2ه/8م، في القسم الإسلامي من متاحف الدولة ببرلين.
اللوحة 126
شكل 126: قدر من البرونز، ذات زخارف محفورة ومطعمة بالفضة والنحاس الأحمر، صنعت في هراة سنة 559ه/1163م، وعليها إمضاء صانعيها: محمد عبد الواحد ومسعود بن أحمد، في متحف الهرميتاج.
اللوحة 127
شكل 127: صينية من الفضة ذات زخارف محفورة، عملت للسلطان ألب أرسلان سنة 459ه/1066م، وعليها إمضاء صانعها حسن القاشاني، محفوظة في متحف الفنون بمدينة بوستن
Boston .
اللوحة 128
شكل 128: قنينة لماء الورد من الفضة فيها تذهيب، وعليها زخارف محفورة من القرن 5 أو 6ه/11 أو 12م، في مجموعة هراري.
اللوحة 129
شكل 129: صينية من النحاس ذات زخارف محفورة، من القرن 6ه/12م، في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
اللوحة 130
شكل 130: مرايا من البرونز ذات زخارف بارزة، من القرن 5-7ه/11-13م، في مجموعة هراري.
اللوحة 131
شكل 131: شمعدان من النحاس ذو زخارف محفورة ومطعمة بالفضة، من القرن 6 أو 7ه/12 أو 13م، في مجموعة هراري.
اللوحة 132
شكل 132: إبريق من النحاس، ذو زخارف محفورة ومطعمة بالفضة، من القرن 6 أو 7ه/12 أو 13م، في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
اللوحة 133
شكل 133: إناء من البرونز ذو زخارف محفورة ومطعمة بالفضة والنحاس الأحمر، من القرن 6 أو 7ه/12 أو 13م، في المتحف البريطاني.
اللوحة 134
شكل 134: إناء من البرونز ذو زخارف محفورة، من القرن 6 أو7ه/12 أو13م، في متحف الهرميتاج.
اللوحة 135
شكل 135: شمعدان من البرونز ذو زخارف محفورة ومطعمة بالفضة، من القرن 6 أو 7ه/12 أو 13م، في متحف جلستان بطهران.
اللوحة 136
شكل 136: هاون من البرونز ذو زخارف محفورة، من القرن 6 أو 7ه/12 أو 13م، في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
اللوحة 137
في متحف اللوفر بباريس.
في معهد الفنون بمدينة ديترويت.
شكل 137: شمعدان أو حاملان من البرونز المخرم، وعليهما زخارف محفورة. القرن 6 أو 7ه/12 أو 13م.
اللوحة 138
شكل 138: شمعدان مطعم بالذهب والفضة، من القرن 7ه/13م، في القسم الإسلامي من متاحف الدولة في برلين.
اللوحة 139
شكل 139: صندوق من البرونز ذو زخارف محفورة، من القرن 7ه/13م، في متحف فكتوريا وألبرت بلندن.
اللوحة 140
شكل 140: شمعدان من النحاس ذو زخارف محفورة ومطعمة بالفضة والذهب، وعليه إمضاء صانعه محمد بن رفيع الدين الشيرازي سنة 761ه/1360م، في مجموعة رالف هراري.
اللوحة 141
شكل 141: طست من النحاس ذو زخارف محفورة ومطعمة بالفضة والذهب، من القرن 7 أو 8ه/13 أو 14م، في المتحف المتروبوليتان بنيويورك.
اللوحة 142
شكل 142: صينية من النحاس ذات زخارف محفورة ومطعمة بالذهب والفضة، من القرن 7ه/13م، في متحف قصر جلستان بطهران.
اللوحة 143
شكل 143: إناء من البرونز، من القرن 8ه/14م، في القسم الإسلامي من متاحف الدولة ببرلين.
اللوحة 144
شكل 144: خناجر إيرانية ذات زخارف محفورة ومطعمة، من القرنين 9 و10ه/15 و16م.
اللوحة 145
شكل 145: شمعدان من النحاس ذو زخارف محفورة، من القرن 10 أو 11ه/16 أو 17م، في متحف الهرميتاج.
اللوحة 146
شكل 146: درقة من الحديد ذات زخارف محفورة ومطعمة بالفضة والذهب، من القرن 10ه/16م، في متحف تاريخ الفنون بمدينة فيينا.
اللوحة 147
شكل 147: صفائح باب من الصلب المخرم، القرن 10ه/16م، في مجموعة هراري.
اللوحة 148
شكل 148
اللوحة 149
شكل 149: مقلمة من النحاس ذات زخارف محفورة ومطعمة بالفضة، من القرن 11ه/17م، في متحف باكي بأثينا.
اللوحة 150
شكل 150: خوذة من الصلب من صناعة «حجي»، سنة 1112ه/1700م، في متحف بورت دي هال بمدينة بروكسل.
اللوحة 151
شكل 151: صحن ذهبي من القرن الماضي، في مجموعة كازروني بك.
اللوحة 152
شكل 152: جزء من صحن زجاجي مموه بالمينا، من صناعة همذان في القرن 7ه/13م، في متحف قصر جلستان بطهران.
اللوحة 153
شكل 153: صحن من الزجاج عسلي اللون ومموه بالمينا، من صناعة هراة أو سمرقند، في القرن 9ه/15م، في المتحف البريطاني.
اللوحة 154
شكل 154: زجاجتان من صناعة شيراز، اليمنى خضراء واليسرى زرقاء، القرن 12ه/18م.
اللوحة 155
شكل 155: حشوة من الخشب مؤرخة من سنة 363ه/974م، في دار الآثار العربية بالقاهرة.
اللوحة 156
شكل 156: كرسي مصحف، من الخشب المخرم والمطعم، مؤرخ سنة 761ه/1360م، ومحفوظ الآن في المتحف المتروبوليتان بنيويورك.
اللوحة 157
شكل 157: تربة من الخشب محفور فيها كتابات وزخارف، وعليها اسم المتوفى: «تاج الملك والدين أبو القاسم بن الإمام موسى الكاظم»، ومؤرخة سنة 877ه/1473م، ومحفوظة الآن في مدرسة الفنون بجزيرة رودس.
اللوحة 158
شكل 158: حشوات من الخشب ذي الزخارف المحفورة، من باب في ضريح تيمور بسمرقند، ومحفوظة الآن في متحف الهرميتاج.
اللوحة 159
شكل 159: مصراعان من باب خشبي عليهما «عمل علي بن صوفي الباساني»، سنة 915ه/1509م، في المتحف الأهلي بطهران.
اللوحة 160
شكل 160: صندوق من الورق المضغوط وذو نقوش باللاكيه، عليه كتابة تفيد أنه صنع للشاه عباس على يد صانع اسمه يوسف، وهو محفوظ الآن في القسم الإسلامي من متاحف برلين.
अज्ञात पृष्ठ