From the Masterpieces of Abul Hasan Ali Nadwi in the Call to Allah
من روائع أبى الحسن الندوى في الدعوة إلى الله
प्रकाशक
مطبعة السلام
संस्करण संख्या
الأولى
प्रकाशन वर्ष
٢٠٠٥ م
प्रकाशक स्थान
ميت غمر - مصر
शैलियों
من روائع
أبى الحسن الندوي
فى الدعوة إلى الله ﷾
إعداد
محمد على محمد إمام
1 / 1
دار الكتب والوثائق القومية
إمام / محمد علي محمد
من روائع أبى الحسن الندوى
في الدعوة إلى الله
إعداد /
محمد علي محمد إمام ... الدقهلية
الطبعة الأولي ٢٠٠٥ م
عدد الصفحات (٥٥)
المقاس (١٢ سم × ١٦ سم)
الدعوة إلى الله.
رقم الإيداع
١٥٣٥
تاريخ الإيداع
سنة ٢٠٠٥ م
حقوق الطبع محفوظة للمؤلف
1 / 2
المقدمة
الحمدُ لله الذى لا ينبغى الحمدُ إلا له وأسأله ﷾ أن يصلى ويسلم على سيدنا محمد ﷺ وآله وبعد .. إخوانى وأحبائى فى الله ﷿ يسعدنى أن أقدم لكم هذه الرسالة العظيمة التى ألقاها شيخنا أبو الحسن الندوى فى إحدى اجتماعات التبليغ والدعوة وهى رسالة عظمية النفع قد تكلم فيها عن الدعوة إلى الله ... ﷿ منذ بعثة الرسول ﷺ وولادة الأمة المحمدية وبعثتها، وبين فيها كيف كان حال الصحابة رضى الله عنهم وهم نواة هذه الأمة حيث كانوا ميدانًا عمليًا لتطبيق هذا الدين ..؟
وكيف شغلوا أنفسهم بنصرة هذا الدين العظيم ..؟! وكيف عملوا على ازدهار الإسلام وانتشاره ..؟! وكيف كانت نصرة الله ﷿ معهم ..؟! ولما تركت الأمة حياة العبودية والدعوة إليها صار حالها إلى ما وصلت إليه حتى
1 / 3
قيض الله ﷿ أحد علماء الهند وهو الشيخ إلياس ﵀ حيث قام بإحياء جهد الدعوة إلى الله وأخذ يرسل الجماعات شرقًا وغربًا .. وقد قام العجم بهذا الجهد خير قيام .. وهم يتحفون العالم بهذه الدعوة المباركة وخاصة العرب وهم أحفاد الصحابة رضى الله عنهم ويقولون لهم هذه بضاعتكم ردت إليكم، والحمد لله لاقت هذه الدعوة ... – المباركة – القبول فى كثير من دول العالم وبخاصة الدول العربية .. وهذا ما نقرأه فى هذه الرسالة المباركة التى نسأل الله ﷿ أن ينفعنا بها والعمل بما فيها ..
وقد كنت أودعتها كتابى (كلمات مضيئة فى الدعوة إلى الله ﷿ ولقد أشار إلىَّ بعض المحبين أن أفردها فى رسالة مستقلة حتى يعم بها النفع للجميع فاستجبت لذلك ..
أخوكم
محمد على محمد إمام
1 / 4
الدعوة إلى الله
من البداية إلى النهاية .
أيها السادة المسلمون أنتم شامة بين الناس لا لأنكم تمتازون عن زملائكم في الشارة واللباس، بل لأنكم تمثلون تلك الأمة العظمية التى كانت ولا تزال شامة بين الأمم.
* حال العالم قبل ظهور الأمة المحمدية:
كان العالم قبل ثلاثة عشر قرنًا سائرًا سيره الطبيعى ... لا ينكر من أمره شئ، فكانت القرى والمدن عامرة بالسكان، وكانت العواصم الكبرى زاخرة العمران، شامخة البنيان، وكانت الحرف البشرية ووجوه المعاش فى ازدهار وانتشار، كانت الزراعة، وكانت التجارة، وكانت الصناعة، فبينما كانت سكة الفلاح فى شغل ونشاط، كانت القوافل التجارية غادية رائحة بين الشرق والغرب، وكانت الأسواق مشحونة بالمتاجر والبضائع وكان الصانعون مكبين على أعمالهم، وكانت الحكومات والإمارات والدول غنية بأموالها ورجالها لكل وظيفة رجل كفؤ بل رجال أكفاء وكان على وجه الأرض
1 / 5
من كل نوع من البشر وكل لون من الحياة وكل مظهر من مظاهر المدنية، لا يرى فى الحياة الإنسانية المادية عوزًا وفراغ ولم تكن فى المدنية وظيفة شاغرة يترشح لها مترشح جديد، وكانت كأس الحياة مترعة فائضة لا تطلب المزيد.
* ظهور الأمة المحمدية:-
فى هذه الحال ظهرت أمة فى جزيرة العرب ووجد نوع جديد من البشر، وكأنى بالأمم المعاصرة وهى تتساءل: أى داع إلى ظهور أمة جديدة والأمم على وجه الأرض كثيرة منتشرة وما شغل هذه الأمة الحديثة وما مهمتها فى ... العالم ..؟!
* هل بعثت الأمة للزراعة؟
إذا كانت هذه الأمة إنما بعثت للزراعة وعمارة الأرض فقد كان فى فلاحى الطائف وأكارى مدينة يثرب، وزراع وادى الفرات والنيل وربوع كنكا وجمنا غنى عن أمة زراعية جديدة فقد أصبحت أراضى هؤلاء الفلاحين وبلادهم جنة تدر لبنًا وعسلا، وإذا كان المسلمون إنما بعثوا ليشتغلوا بالزراعة فقط فلماذا لم يبعثوا فى العراق والشام وفى مصر
1 / 6
والهند مثلًا وهى بلاد مخصبة زراعية ولماذا كان مبعثهم فى وادٍ غير ذى زرعٍ؟
* وهل بعثت الأمة للتجارة؟
وإذا كانت هذه الأمة إنما بعثت للتجارة فقد كان فى يهود يثرب وفى أنباط الشام وفى أقباط مصر وتجار السند كفاية، فقد أحكموا فن التجارة وانتشروا فى العالم، وإذا كانوا قد بعثوا ليشتغلوا بالتجارة حقًا، فلماذا لم يبعثوا على طريق القوافل التجارية وبالقرب من أسواق التجارة الكبرى؟
* وهل بعثت الأمة للصناعة؟
وإذا كانت هذه الأمة إنما بعثت للصناعة وأعمال اليد فقد كان فى قيون البلاد المتمدنة وأصحاب الصنائع والحرف ... - وإنهم لكثير - غنى وكفاية .. !!
* وهل بعثت الأمة لتنضم إلى الحكومات؟
وإذا كانت هذه الأمة بعثت لتنضم إلى الحكومات الرومية والإيرانية وتشغل أفرادها وظائف هذه الحكومات ومناصبها، فقد كان فى أهل الشام وفارس غنى وكفاية فى الإدارة ويزاحمون الأجانب بالمناكب ويدفعونهم بالراح.
1 / 7
* وهل بعثت الأمة للتوسع في الشهوات والملذات؟
وإذا كانت هذه الأمة إنما بعثت لعيش هنيئ، ومطعم شهى، ومشرب مرئ، وملبس رضى ومسكن بهي لا لشئ آخر، وإنما مناها وهمها أن تلقى لبوسًا ومطعمًا لم تكن بدعًا من الأمم، وكانت منافسة لنا فحق لنا أن نقاتلها ونذودها عن مناهلنا وقد ضاقت بنا مواردنا فكيف تسع أمة جديدة؟
* وهل تريد ملكا؟
وإذا كانت هذه الأمة إنما تحاول ملكًا أو تريد أن تؤسس دولة فيجب أن تصرح بذلك ولا تتظاهر بالدين وتتخذ لذلك طريق الملوك والفاتحين.
وإن الطريق إلى كل ذلك .. من زراعة وتجارة وصناعة ووظيفة وحياة بذخ وترف وملك وشرف غير الطريق التى سلكتها هذه الأمة الجديدة التى سفهت أحلامنا وعابت آلهتنا ونعت علي عقائدنا وأخلاقنا وأعمالنا ودعت إلى دين جديد وسارت فى سبيل ذلك فى شوكة وقتاد وجاهدت فى غير
1 / 8
جهاد، فقد كان الطريق إلى كل ذلك مسلوكة معبدة قد سلكتها الأمم من قبل.
هذا يا سادتى ما أظنه قد تناجى به ضمير الإنسان الحى فى فجر الإسلام، ولا ألومه، ولا أستغرب هذا السؤال، فإن هذا السؤال طبيعى ينبغى أن يهجس فى قلب الإنسان وينطق به اللسان عند كل ناشئة، فلماذا لا ينشأ هذا السؤال عند ظهور أمة بأسرها ..؟
ما هو الجواب ..؟ إذا كان الجواب فى الإثبات وإذا كان مبعث هذه الأمة فى الحقيقة لشئ مما ذكرنا، ولم تكن لهذه الأمة مهمة جديدة فى العالم ورسالة خاصة إلى الأمم كانت هذه الأمة حقًا من فضول الأمم ومن المتطفلين على مائدة العالم .. !!
ولكن لم يكن مبعثها لهذا ولا ذاك، والأمم والأشخاص لا يبعثون لشئ من هذا وإنما هى من طبائع البشر لا تحتاج إلى نبوة النبى وبعثة أمة وجهاد طويل وزلزال عالمى لم يسبق فى التاريخ، زلزال فى المعتقد والأخلاق والمجتمع والميول والنزعات وفى نظام الفكر ومنهاج الحياة.
1 / 9
* لقد بعثت الأمة لغرض سام جدًا
لقد كان مبعثها لغرض سامٍ جدًا، لمهمة غريبة طال عهد الإنسانية بها وتشاغلت أمم الأنبياء عنها حتى نسيتها وذلك ما خاطب به الله ﷾ هذه الأمة ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ﴾ (١) فنبه على أن هذه الأمة ليست نابتة نبتت فى الأرض كأشجار برية أو حشائش شيطانية بل أنها أمة أخرجت ولأمر ما أخرجت، وإنما لم تظهر لمصلحتها فقط كسائر الأمم بل أنها أخرجت للناس، وذلك ما تمتاز به هذه الأمة فى التاريخ فما من أمة إلا وهى تسعى لأغراضها كأنما خلقت لها، وهى خير أمة أخرجت للناس وذلك يرجع إلى شغلها ومهمتها وهى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والإيمان بالله.
_________
(١) سورة آل عمران - الآية ١١٠.
1 / 10
* في أي مكان ظهرت هذه الأمة؟
ظهرت نواة هذه الأمة فى مكة فى قلب جزيرة العرب.
* مجابهه قريش لها:
فقام العقلاء من قريش وهم الآخذون بزمام الحياة فى البلاد - ونثروا كنانتهم وقاسوا الناشئة الجديدة بمقاييسهم التى عرفوها وألفوها ووزنوها فى ميزان الإنسان الذي طالما وزنوا فيه أصحاب الطموح فوجدهم خفيفة الوزن طائشة الكفة وذهبوا إلى إمام الدعوة الإسلامية وأول المسلمين فى العالم ﷺ فقال قائلهم " إنك قد أتيت قومك بأمرٍ عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع منى أعرض عليك أمورًا تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها.
قال فقال له رسول الله ﷺ قل يا أبا الوليد أسمع.
قال يا ابن أخى إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا، جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت إنما تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا.
1 / 11
استمع رسول الله ﷺ لكل ذلك فى هدوء وتأنٍ، ثم رفضه فى غير شك ولا تأخير، ولم يكن هذا العرض من قريش على شخص الرسول ﷺ بل كان على هذه الأمة التى كان يمثلها ويقودها، ولم يكن رفض رسول الله ﷺ لما عرضت قريش رفضًا عن نفسه الكريمة فقط بل كان رفضًا عن أمته إلى آخر الأبد.
اقتنعت قريش بهذه المحاورة ويئست من مساومة هذه الأمة ولم تعد تعرض على الرسول ﷺ مباشرة وعلى هذه الأمة بواسطة ما عرضت من قبل وقطعت منها أملها.
وكان بعد ذلك صراع مستمر ونزاع طويل ولم يكن نزاعًا فى أغراض المادة، وشهوات البطن والاستئثار بموارد الرزق والتغلب على الأسواق بل كان نزاعًا بين الإسلام والجاهلية بمعنى الكلمتين نزاعًا بين حياة العبودية والانقياد لله ﷾ ولرسوله ﷺ، وبين الحياة الحرة المطلقة التى لا تعرف قيدًا ولا تخشى معادًا ولا حسابًا.
1 / 12
* غزوة بدر وبيان مهمة الأمة:
وكان فى نتيجة ذلك معركة بدر الحاسمة، وقد قاد النبى الكريم ﷺ إلى ساحة القتال جيشًا لا يزيد عدد المقاتلين فيه على ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا والجيش المنافس فيه ألف، وكان النبى ﷺ يعلم يقينًا أن لو وكل المسلمون إلى أنفسهم وقوتهم المادية لكانت النتيجة معلومة واضحة، نتيجة كل قليل ضعيف أمام قوى كثير العدد.
فزع الرسول الكريم ﷺ إلى الله ﷿ فى إنابة نبى وإلحاح عبد ودعاء مضطر وشفع لهذه العصابة فى كلمات صريحة واضحة نيرة خالدة هى خير تعريف لهذه الأمة وبيان لمهمتها وغرضها الذى خلقت له.
لم يقل رسول الله ﷺ لو هلكت هذه العصابة وكانت فريسة للعدو أقفرت المدينة وأوحشت أسواقها وكسدت التجارة، وبطلت الزراعة أو تعطل شغل من أشغال الحياة ... أو وقفت إدارة الحكومات، لم يقل رسول الله ﷺ شيئًا من
1 / 13
ذلك لأن شيئًا منها لم يتوقف على المسلمين ولم يقم بهم بل كان قبل وجود المسلمين ولا يزال فى غنى عنهم.
ولكن الرسول الكريم ﷺ ذكر شيئًا بعث المسلمون لأجله وقام بالمسلمين وحدهم فقال " اللهم إن تهلك هذه العصابة لن تعبد .. "
* شرط بقاء الأمة:
أجاب الله ﷿ دعاء النبى الكريم ﷺ وقضى بانتصار المسلمين على عدوهم وبقائهم، فكأنما كان بقاء المسلمين مشروطًا بقيام حياة العبودية بهم وقيامهم بها، فلو انقطعت الصلة بينهم وبين العبادة ورواجها وازدهارها فى العالم انقطعت الصلة بينهم وبين الحياة ولم يبق على الله لهم حق وذمة، وأصبحوا كسائر الأمم خاضعين لنواميس الحياة وسنن الكون بل كانوا أشد جريمة وأقل قيمة من الأمم الأخرى إذ لم يشترط لبقائها وحياتها مثل ما اشترط لهم
1 / 14
وكان كما أخبر الله ﷿ ﴿قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا﴾ (١).
وقد حافظ المسلمون على هذا الشرط وبروا بهذا العهد وتذكروا أنهم إنما نُصروا على عدوهم، وقد كاد يأتى عليهم ويستأصلهم فى ساحة بدر، وتركوا على ظهر الأرض لأن عبادة الله ﷾ منوطة بهم على أرض الله ﷿.
بهذه الرسالة انبثوا فى العالم وحملوها إلى الملوك والسوقة والأمم، وفى سبيل ذلك هاجروا وجاهدوا ولأجل ذلك حاربوا وعاهدوا، ولم يزالوا يعتقدون أنهم مبعوثون من الله وحاملوا راية الإسلام فى العالم.
* ربعي بن عامر ﵁ يبين لرستم قائد الفرس مقصد بعثة الأمة:
أرسل سعد قبل القادسية ربعى بن عامر إلى رستم قائد الجيوش الفارسية وأميرهم فدخل عليه وقد زينوا مجلسه بالنمارق المذهبة والزرابى الحرير وأظهر اليواقيت واللآلئ الثمينة، والزينة العظيمة وعليه تاجه وغير ذلك من الأمتعة الثمينة وقد جلس على سرير من ذهب ودخل ربعى بثياب
_________
(١) سورة الفرقان - الآية ٧٧.
1 / 15
صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد وأقبل وعليه سلاحه ودرعه وبيضه على رأسه فقالوا له ضع سلاحك، فقال إنى لم آتكم وإنما جئتكم حين دعوتمونى، فإن تركتمونى هكذا وإلا رجعت، فقال رستم ائذنوا له فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق، فخرق عامتها فقالوا له ما جاء بكم؟ فقال الله إبتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله .. ومن ضيق الدنيا إلى سعتها .. ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه لندعوهم إليه فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه ومن أبى قاتلناه أبدًا حتى نفضى إلى موعود الله ﷿، قالوا: وما موعود الله؟ قال الجنة لمن مات على قتال من أبى والظفر لمن بقى .. !! (١).
* عتاب الله لمن تلكأ عن المهمة:
أباح الله ﷿ للمسلمين الطيبات وفسح لهم فى طرق الكسب ووجوه المعاش ولم يضيق عليهم فى ذلك فقال ﴿قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ
_________
(١) البداية والنهاية - ابن كثير.
1 / 16
قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ (١) وقال ﷿ ﴿فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ (٢) ولكن الله ﷿ لم يبعثهم لذلك أمة، ولم يرضه لهم غاية ومهمة بل خلقهم للسعى للآخرة وخلق أسباب الحياة لهم قال النبى الكريم ﷺ " إن الدنيا خلقت لكم وإنكم خلقتم للآخرة " وجعل الحياة وأسبابها خاضعة لمهمتهم التى بعثوا لأجلها فإذا زاحمتهم فى سبيل مهمتهم أو غلبتهم عليها رفضوها وإذا تلكأ المسلمون فى ذلك عاتبهم الله ﷿ عتابًا شديدًا وقال ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا
_________
(١) سورة الأعراف - الآية ٣٢.
(٢) سورة الجمعة - الآية ١٠.
1 / 17
حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ ... الْفَاسِقِينَ﴾ (١).
أراد الأنصار ﵃ أن يفرغوا لإصلاح أموالهم لأيام اكتفاء بأنصار الإسلام فعاتبهم الله ﷿ على ذلك وأنزل ﴿وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ (٢).
قال سيدنا أبو أيوب الأنصارى ﵁ .. إنما نزلت فينا معشر الأنصار، إنا لما أعز الله دينه وكثر ناصروه قلنا فيما بيننا لو أقبلنا على أموالنا فأصلحناها فأنزل الله هذه الآية (٣)
ولكن مع الأسف الشديد قد تشاغل المسلمون اليوم بالدنيا كالأمم الجاهلية وسعوا ورائها وعقدوا حياتهم بها، فإذا أشرفتم على مدنهم وبلادهم من مرقب عالٍ لم تميزوا بينهم وبين أفراد أمة جاهلية، سعى وراء المادة فى غير اقتصاد، واكتساب من غير احتساب، سهر فى غير طاعة، وعمل
_________
(١) سورة التوبة - الآية ٢٤.
(٢) سورة البقرة - الآية ١٩٥.
(٣) واه أبو داود، انظر حياة الصحابة - ١/ ٤٥٤.
1 / 18
فى غير نية، تجارة فى لهو عن ذكر الله وحرفة فى جهل عن دين الله ﷿، ووظيفة فى الإخلاص لغير الله وحكومة فى مشاقة حكم الله، شغل فى ضلالة، وقعود فى بطالة .. !!
* حال الأمة اليوم:
هل إذا أطلعتم يا سادتى على بلاد إسلامية ورأيتم هذه الأمة فى غدواتها وروحاتها إلى الأسواق والإدارات ومصالح الحكومة عرفتم أنها أمة خلقت لشيء آخر، وبُعثت لغرض آخر أسمى من هذه الأغراض التى يسعى لها الكافر والمؤمن؟
* حجة ظاهرة علي المسلمين:
إن هذا الأسلوب من الحياة لحجة ظاهرة لأهل الجاهلية على المسلمين فلو نطقوا لقالوا ما ذنبنا أيها المسلمون إذ عرضنا على نبيكم المال والسيادة والملك فأبى ورفض كل ذلك ألا نراكم تسعون وراء الذى رفضه نبيكم كأنما خلقتم لأجله، أما آذيتم نبيكم بقبول ما رفضه عنه وعنكم؟!
وإذا كنتم تسعون لمال أو جاه أو شرف أو حكم على قطعة أرض فلماذا تظاهرتم بالدين وأقمتم وأقعدتم الدنيا لأجله
1 / 19
وكدرتم علينا صفو العيش، لقد كنتم وكنا فى غنى عن هذه الحروب الطويلة التى أيتمت البنين وأيئمت النساء وأجلت الناس عن الأوطان!
أعيدوا إلينا إذًا تلك الدماء التى أريقت فى ساحة بدر وأحد وحنين وخيبر واليرموك والقادسية، وأعيدوا إلينا تلك النفوس التى قتلت فى سبيل الدين!
وماذا يكون جوابنا لو تعرض لنا أحد من أخلافهم الأحياء وقال ما غنائكم أيها المسلمون لقد سهمتمونا فى أسباب الحياة وخلفتم لنا فوق ذلك مشاكل كثيرة فى الحياة السياسية والاجتماعية، ولا نراكم تسدون عوزًا وتصلحون خللًا أو تلمون شعثًا أو تقيمون زيغًا فى الحياة .. !!
عفوًا أيها السادة وسماحًا أيها الكرام فقد طال العتاب وقديمًا قال الشاعر العربى " وفى العتاب حياة بين أقوام ".
* لماذا كتب الله لنا الخلود والظهور؟
إن حياة الأمم أيها السادة الكرام بالرسالة والدعوة وأن الأمة التى لا تحمل رسالة ولا تستصحب دعوة حياتها مصطنعة غير طبيعية، وأنها كورقة انفصلت من شجرتها
1 / 20