وللسلطان آفات أشهرها أربع: وهي التراخي والفساد والصلف والمحاباة.
وعلاج التراخي تسهيل الوصول إليك وتعيين المواعيد، وإتمام ما في يدك، واجتناب المداخلة بين الأعمال إلا للضرورة التي لا محيد عنها.
وعلاج الفساد لا ينحصر في كف يدك أو أيدي أعوانك عن الأخذ، بل ينبغي مع ذلك أن تكف أيدي الطلاب وأصحاب الحاجات عن العطاء، فإن النزاهة المفهومة تؤدي أحد هذين الغرضين، ولكن النزاهة المصرح بها في مقت واضح للرشاوى تؤدي الغرض الآخر، ولا يكن قصاراك أن تتجنب الغلطة دون أن تتجنب معها المظنة.
ومن مظنة الرشوة والفساد تقلب الخطط واختلافها البين بغير سبب بين؛ ولهذا يجمل بك كلما غيرت رأيك أن تجهر بتغييره وبالسبب الذي دعاك إليه، ولا تفعل ذلك خلسة في الخفاء.
ومن مظنة الرشوة والفساد أن يكون لك تابع في موضع الثقة والسر، ولا يرى له من الجدارة ما يفسر هذا التقريب.
أما الصلف والخشونة فهما مجلبة للشكاية في غير ضرورة، وإذا كانت الصرامة تبعث الخوف فإن الصلف ليبعث الكراهية، بل حتى اللوم من الرئيس في معرض العقاب ينبغي أن يقترن بالوقار، ولا يتجاوز ذلك إلى التعيير والإيجاع.
أما المحاباة فهي شر من الرشوة؛ لأن الرشوة تأتي بين حين وحين، ولكن الرجل الذي يحابي ويجامل لا يزال بمعزل عن الإنصاف، كما قال سليمان الحكيم: «محاباة الوجوه ليست صالحة فيذنب الإنسان لأجل كسرة خبز.»
وصدق الأقدمون حيث قالوا: «إن المنصب يكشف الرجال بعضهم لما هو أجمل وبعضهم لما هو أقبح» ... وقد قال تاسيتس عن غلبا: إنه كان مرشحا لولاية الملك بالإجماع لو لم يتول الملك فعلا ... «وقال عن فسبسيان: إنه الإمبراطور الوحيد الذي تبدل بعد الولاية خيرا مما كان.» وإن كان الكاتب قد عنى الكفاية في ذاك، وآداب المعاملة والأخلاق في هذا.
وإنها لعلامة من علامات النبل في الطبيعة أن تنصلح ببلوغ الشرف والجاه؛ لأن مكان الشرف والجاه هو مكان الكفاءة، وكما يشاهد في الطبيعة أن الأشياء عنيفة الحركة حين تندفع إلى أماكنها، ولكنها قليلة العنف حين تتحرك في أماكنها، كذلك الكفاءة تتحرك مع الطموح عنيفة وعند الوصول إلى مكانها هادئة رصينة.
وسلالم الصعود إلى المناصب الرفيعة كلها حلزونية لفافة ... فإن كانت هناك شيع فمن الحسن للمرء أن يتحيز وهو صاعد، وأن يلتزم الحيدة وهو واصل.
अज्ञात पृष्ठ