فن السيرة
فن السيرة
प्रकाशक
دار الثقافة
संस्करण संख्या
٢
शैलियों
(٣) وصنف ثالث، يصور الصراع الروحي، وهو ملموح في سيرة ابن الهيثم، وفي بعض ما كتبه المحاسبي في " كتاب النصائح " (١) وواضح في " المنقذ من الضلال " للغزالي. وليس هذا الكتاب سيرة ذاتية بالمعنى الدقيق. لأنه لا يصور إلا جانبًا من أزمة روحية. تعرض لها الغزالي، دون نظر إلى ما عداها؛ ولكنه رسم هذه الأزمة بدقه فقال: " ولم أزل في عنفوان شبابي؟ منذ راهقت البلوغ قبل العشرين إلى الآن، وقد أناف السن عل الخمسين؟ اقتحم لجة هذا البحر العميق، وأخوض غمرته خوض الجسور، لا خوض الجبان الحذور، وأتوغل في كل مظلمة، وأتهجم على كل مشكلة، وأتقحم كل ورطة، وأتفحص عن عقيدة كل فرقة، واستكشف أسرار مذهب كل طائفة، لأميز بين محق ومبطل، ومتسنن ومبتدع، لا أغادر باطنيًا إلا وأحب أن أطلع على بطانته، ولا ظاهريًا إلا وأريد أن أعلم حاصل ظهارته، ولا فلسفيًا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته، ولا متكلمًا إلا واجتهد في الاطلاع على غاية كلامه ومجادلته، ولا صوفيًا إلا وأحرص على العثور على سر سفوته، ولا متعبدًا إلا وأترصد ما يرجع إليه حاصل عبادته، ولا زنديقًا معطلًا إلا وأتجسس وراءه، للتنبه لأسباب جرأته في تعطيله وزندقته، وقد كان التعطش إلى درك حقائق
(١) انظر المنقذ من الضلال (المقدمة): ٣٣ وما بعدها.
1 / 136