फित्ना कुबरा अली वा बनुहु
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
शैलियों
فهؤلاء زعماء الثورة، منهم من قتل قبل أن تشب الحروب على علي، ومنهم من قتل أثناء هذه الحروب، ومنهم من خالف إمامه ثم قتل أثناء الخروج عليه، ومنهم من قتله معاوية وأصحابه جهرة أو سرا.
وواضح أن الذين ثاروا بعثمان حتى حصروه وقتلوه لم يقتلوا عن آخرهم، وإنما بقي منهم خلف كانوا أتباعا لأولئك الزعماء الذين ذكرنا قتلهم، والمهم أن قادة الثورة قد ماتوا من دونها، وأن الثورة قد فقدت بموتهم عقولها المفكرة المدبرة، فأدرك سائر أصحابها الفشل والتخاذل والتواكل، وألقوا بأيديهم وآثروا العافية، وكانت الظروف التي أرادوا أن يقاوموها بثورتهم أقوى من أن تقاوم.
ولكن كلمة الظروف هذه غامضة تحتاج إلى شيء من الوضوح، وأول هذه الظروف وأجدرها بالعناية والتفكير: الاقتصاد، فقد كان نظام الخلافة - كما تصوره الشيخان - يسيرا سمحا لا عسر فيه، أخص ما يوصف به أنه لا يستطيع أن يستقر ولا أن يستقيم إلا إذا آمن به أشد الإيمان وأعمقه أولئك الذين أقيم لهم من المسلمين، والإيمان بهذا النظام يقتضي قبل كل شيء إيمانا خالصا بالدين الذي أنشأه، إيمانا يتغلغل في أعماق القلوب، ويسيطر على دخائل الضمائر والنفوس، ويسخر لسلطانه عقول الناس حين تفكر، وأجسامهم حين تعمل، وألسنتهم حين تقول، إيمانا لا يقبل شركة مهما يكن لونها، إيمانا بالله لا شريك له من الآلهة والأنداد، وإيمانا بالدين لا شريك له من المنافع والأهواء، وهذا النوع من الإيمان، إن تحقق للكثرة من أصحاب النبي، فإنه لم يخلص من بعض الشوائب، لا بالقياس إلى الذين أسلموا بأخرة، ولا بالقياس إلى الذين كان النبي يتألفهم بالمال، ولا بالقياس إلى كثير من الأعراب الذين قال الله فيهم:
قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم .
وكان النبي
صلى الله عليه وسلم
يعرف المنافقين من أهل المدينة ومن غيرهم، يدله الوحي عليهم وينبئه الله بأمرهم، وربما أنبأه الله بأن منهم قوما لا يعلمهم هو وإنما يستأثر الله وحده بعلمهم، فلما قبض النبي انقطعت أو كادت تنقطع وسائل العلم بهؤلاء المنافقين، فكان المؤمنون المخلصون كالشعرة البيضاء في الثور الأسود، كما قال النبي، كانوا قلة قليلة، وليس أدل على ذلك من ارتداد العرب بعد وفاة النبي، وجهاد أبي بكر وأصحابه حتى ردوهم إلى الطاعة بعد تلك الخطوب الكثيرة التي نعرفها، ثم تجاوز الإسلام بلاد العرب وبسط سلطانه على ما فتح من الأرض أيام الشيخين وأيام عثمان، فكثر الذين خضعوا لهذا السلطان غير مؤمنين به ولا مخلصين له، وإنما الخوف وحده قوام ما كانوا يبذلون من طاعة.
وكذلك كان الفتح مصدر قوة ومصدر ضعف للدولة الجديدة في وقت واحد، كان مصدر قوة؛ لأنه بسط سلطانها ومد ظلها على أقطار كثيرة من الأرض، وكان مصدر ضعف لأنه أخضع لها كثرة من الناس لا يؤمنون بها وإنما يخافون منها ويرهبون سطوتها، وكان مصدر قوة لأنه جبى لها كثيرا من المال الذي لم يكن يخطر لها على بال، وكان مصدر ضعف لأن هذا المال أيقظ منافع كانت نائمة، ونبه مآرب كانت غافلة، ولفت إليه نفوسا كانت لا تفكر إلا في الدين، ثم خلق حاجات لم تكن معروفة ولا مألوفة، أظهر للعرب فنونا من الترف وخفض العيش فأغراهم بها ودعاهم إليها، ثم عودهم إياها، ثم أخذهم بها أخذا، إلا قلة قليلة جدا استأثر الدين بها من دون الدنيا، وشغلها التفكير في الله عن التفكير في المال والمنافع والحاجات.
وقد لقي عمر العناء كل العناء في سياسته للعرب أيام خلافته، ثم لم يشق وحده بهذا العناء الذي لقيه، وإنما شقي به العرب كلهم، ضاقوا بسياسته ضيقا شديدا، شق عليهم العدل الذي يسوي بين القوي والضعيف، وشق عليهم الشظف الذي كان يريد أن يمسكهم فيه ويضطرهم إليه، فلما مات سري عنهم وابتسموا للدنيا وابتسمت الدنيا لهم، ولكن هذا الابتسام لم يتصل إلا ريثما استحال إلى عبوس عابس وشر عظيم، فالابتسام للمال يغري بالاستزادة منه، والاستزادة منه تفتح أبوابا من الطمع لا سبيل إلى إغلاقها، وإذا وجد الطمع وجد معه زميله البغي، ووجد معه زميل آخر هو التنافس، ووجد معه زميل ثالث هو التباغض والتهالك على الدنيا. وإذا وجدت كل هذه الخصال وجد معها الحسد الذي يحرق قلوب الذين لم يتح لهم من الثراء ما أتيح لأصحاب الثراء، وإذا وجد الحسد حاول الحاسدون إرضاءه على حساب المحسودين، وحاول المحسودون حماية أنفسهم، وكان الشر بين أولئك وهؤلاء، وهذا كله هو الذي حدث أيام عثمان، وهو الذي دفع أهل الأمصار إلى أن يثوروا بعمالهم، ثم إلى أن يثوروا بخليفتهم، ثم إلى أن يحصروه ويقتلوه.
وقد هم علي أن يرد العرب إلى مثل ما كانوا عليه أيام عمر، ولكن أيام عمر كانت قد انقضت ولم يكن من الممكن أن تعود.
अज्ञात पृष्ठ