फित्ना कुबरा अली वा बनुहु
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
शैलियों
وقد رضي معاوية عن هذه التجارب، فأراد أن يمعن فيها، وأن يتجاوز بغاراته العراق إلى بلاد العرب، وكانت بلاد العرب موطأة لمعاوية، فمكة حرام لا يقاتل أهلها ولا يحب أحد من الخصمين أن يقاتل حولها، وأهل المدينة وادعون يرون أن مكانهم من دار الهجرة ونزولهم حول مسجد النبي وانتقال السلطان عنهم إلى الكوفة قد أمنهم أن يغير عليهم أحد، ومقاتلتهم بعد ذلك قد لحق أكثرهم بعلي ولحق أقلهم بمعاوية.
وفي اليمن شيعة لعثمان يناوئون عامل علي عليها، وهو عبيد الله بن عباس، ولكنهم لا يبلغون بمناوأته الحرب، وإنما يضطرونه إلى أن يصطنع فيهم الشدة فيلقونه بالنكير.
وقد عظم أمر هذه الشيعة حتى كتب العامل فيهم إلى علي، وأرسل علي من يحاول إصلاحهم، ويرهبهم بمقدم الجند، فكتبوا إلى معاوية يستنصرونه ويستحثونه، واختار معاوية رجلا جلدا صليبا قاسي القلب غليظ الكبد جافي الطبع من قريش، هو بسر بن أرطاة، فأمره أن يختار الجند على عينه، ففعل، ثم وجهه إلى بلاد العرب وأوصاه أن يقسو على أهل البادية من شيعة علي حتى يملأ قلوبهم ذعرا، وأن يأتي المدينة فيرهب أهلها حتى يروا أنه الموت، ثم يأتي مكة فيرفق بأهلها ولا يروعهم، ثم يأتي اليمن فيخرج عنها عامل علي وينصر فيها شيعة عثمان.
ومضى بسر بن أرطاة فأنفذ أمر معاوية وأضاف إليه من عند نفسه قسوة وغلظة وإسرافا في الاستخفاف بالدماء والأموال والحقوق والحرمات، فكان كثير الفتك في البادية، وجاء المدينة فروع أهلها حتى أراهم الكارثة رأي العين، ثم أمرهم بالبيعة لمعاوية ففعلوا، وأتى مكة فلم يرع فيها أحدا، وهم أن يروع أهل الطائف ويوقع بهم، ولكن المغيرة بن شعبة نصح له وأشار عليه، فكف عنهم ومضى إلى اليمن، ففر عنها عامل علي وأعوانه، ونشر فيها الروع بالإسراف في القتل، ثم أخذ البيعة لمعاوية، وبلغ خبره عليا فأرسل جارية بن قدامة لرده عن اليمن في ألفي رجل، ولم يكد جارية يدنو من اليمن حتى فر منها بسر بن أرطاة ورجع إلى الشام مفسدا في الأرض أثناء رجوعه، مسرفا في القتل والنهب حتى ذبح ابني عبيد الله بن عباس، وكانا صبيين، وانتهى جارية بن قدامة إلى اليمن، فأضاف قتلا إلى قتل بمن أهلك من شيعة عثمان، ورد اليمن إلى طاعة علي، وعاد إلى مكة فعرف فيها أن عليا قد قتل، فمضى راجعا إلى الكوفة بعد أن أخذ بيعة المكيين والمدنيين للخليفة الجديد في العراق.
وقد رجع بسر بن أرطاة إلى معاوية موفورا، ولكنه أسرف في سفك الدماء على الناس كما أسرف على نفسه أيضا، فما رأى إلا أن نفسه قد تأثرت بكثرة ما سفك من هذه الدماء، وما اقترف من إثم ونكر، فانطبع هذا كله في أعماق ضميره، ولعل صورا منه كانت تبدو له بشعة مروعة إذا اشتمل عليه النوم، وهو على ذلك قد جن حين تقدمت به السن، فجعل يهذي بالسيف فيما يقول المؤرخون، لا يطمئن إلا إذا أعمله فأكثر إعماله، حتى اتخذوا له سيفا من خشب كانوا يضعونه في يده ويقربون إليه الوسائد، فما يزال يعمل سيفه ضربا لها حتى يدركه الإعياء فيغشى عليه، فإذا أفاق عاد إلى مثل ما كان فيه، وما زال هذا دأبه حتى قضى.
ولم يقنع معاوية بهذه الغارات التي أشرنا إليها آنفا، وإنما مضى في الغارات يصبها على أطراف علي، ومضى عمال الأطراف يقاومون هذه الغارات، يفلحون في مقاومتها حينا ويخفقون فيها حينا آخر، حتى شغل بها أهل العراق، فأرق ليلهم وأقلق نهارهم وزادهم إيثارا للعافية ورغبة في السلم وفزعا من الموت.
الفصل الخامس والثلاثون
ثم لم تكن هذه الغارات وحدها هي التي أقلقت عليا وأقضت مضاجع أهل العراق، وإنما كانت هناك حروب داخلية يسيرة، ولكنها على ذلك مزعجة، وكان الخوارج بالطبع هم الذين يثيرون هذه الحروب، فقد قتلهم علي في النهروان، ولكنه لم يأت عليهم جميعا ولم يستأصل مذهبهم، ومتى استطاعت القوة القوية، والبأس البئيس والإرهاب الرهيب قضاء على رأي أو استئصالا لمذهب، وعسى أن يكون هذا كله مقويا للرأي ومعينا على نشره وداعيا ملحا إلى نصره.
وقد ترك علي في نفوس من بقي من الخوارج وفي نفوس أحيائهم وذوي عصبتهم أوتارا لم يكن بد من الطلب بها، وقد طلبوا بها جادين في ذلك غير وانين ولا مقصرين، فخرجوا أرسالا، يخرج الرجل ومعه المائة أو المائتان فيمضون أمامهم حتى ينتهوا إلى مكان يؤثرونه، فيقيمون فيه وقتا يقصر أو يطول، يهيئون أنفسهم أثناء ذلك للقتال، فإذا تم لهم من ذلك ما يريدون نصبوا للحرب، وأخافوا الناس من حولهم، وعرضوا الأمن العام للخطر الشديد، فيضطر علي إلى أن يرسل إليهم رجلا من أصحابه ويجرد معه طائفة من الجند، فيمضي هذا الرجل حتى يلقى القوم فيقاتلهم أشد القتال، حتى إذا قتلهم أو فض جمعهم عاد إلى علي، ولم يكن يعود حتى يخرج رجل آخر، ومعه قوم آخرون من الخوارج، وتتجدد القصة ثم لا تنقضي إلا لتتجدد.
وكذلك خرج أشرس بن عوف الشيباني، فلما قتل وقتل معه أصحابه خرج هلال بن علفة التيمي، من تيم الرباب، فلم يكد علي يفرغ من أمره حتى خرج الأشهب بن بشر البجلي، فلما قتل خرج سعيد بن قفل التيمي، من تيم الله بن ثعلبة بن عكابة، فلم يكد يعود الذين حاربوه وقاتلوه من أصحاب علي حتى خرج أبو مريم السعدي، من سعد مناة بن تميم، وقد امتاز هذا الرجل بأنه لم يخرج في أصحابه من العرب وحدهم وإنما تبعه كثير من الموالي.
अज्ञात पृष्ठ