फित्ना कुबरा अली वा बनुहु
الفتنة الكبرى (الجزء الثاني): علي وبنوه
शैलियों
فابن السوداء لم يخرج مع علي إلى الشام، وأصحاب ابن السوداء خرجوا معه ولكنهم كانوا أنصح الناس له وأوفى الناس بعهده وأطوع الناس لأمره، لم يأتمروا ولم يسعوا بالفساد بين الخصمين، وإنما سمعوا وأطاعوا وأخلصوا الإخلاص كله، حتى إذا رفعت المصاحف خرج بعضهم مع المحكمة الذين أنكروا الصحيفة وما فيها كحرقوص بن زهير، وأقام بعضهم على طاعة علي وإن أنكر الصحيفة وكره الحكومة كالأشتر.
وأقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية وعن ابن السوداء في حرب صفين أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء إنما كان متكلفا منحولا، قد اخترع بأخرة حين كان الجدال بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية. أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصرا يهوديا إمعانا في الكيد لهم والنيل منهم، ولو قد كان أمر ابن السوداء مستندا إلى أساس من الحق والتاريخ الصحيح لكان من الطبيعي أن يظهر أثره وكيده في هذه الحرب المعقدة المعضلة التي كانت بصفين، ولكان من الطبيعي أن يظهر أثره حين اختلف أصحاب علي في أمر الحكومة، ولكان من الطبيعي بنوع خاص أن يظهر أثره في تكوين هذا الحزب الجديد الذي كان يكره الصلح وينفر منه ويكفر من مال إليه أو شارك فيه.
ولكنا لا نرى لابن السوداء ذكرا في أمر الخوارج، فكيف يمكن تعليل هذا الإهمال؟ أو كيف يمكن أن نعلل غياب ابن سبأ عن وقعة صفين وعن نشأة حزب المحكمة؟
أما أنا فلا أعلل الأمرين إلا بعلة واحدة؛ وهي أن ابن السوداء لم يكن إلا وهما، وإن وجد بالفعل فلم يكن ذا خطر كالذي صوره المؤرخون وصوروا نشاطه أيام عثمان وفي العام الأول من خلافة علي، وإنما هو شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة وحدهم ولم يدخروه للخوارج؛ لأن الخوارج لم يكونوا من الجماعة ولم يكن لهم مطمع في الخلافة ولا في الملك، وإنما كانوا قوما يثورون بكل خلافة وينتفضون على كل ملك، ويحاربون الخلفاء والملوك ما وجدوا إلى حربهم سبيلا، ثم هم لم يكونوا حزبا باقيا متصلا عظيم الخطر، ولا سيما بعد أن انقضى عصر بني أمية، وإنما ضعف أمرهم وفل حدهم بعد أن تقدم الزمان بدولة بني العباس، وبقي مذهبهم معروفا بين المتكلمين، ولكنه اتخذ في الحياة العملية أطوارا مختلفة، قد نعرض لها في غير هذا الجزء من هذا الكتاب.
فلم يكونوا إذن حزبا تحتاج خصومته إلى الجدال الشديد المتكلف الذي يبغضهم إلى الناس ويزهد فيهم أصحاب التقى والورع، كما كان أمر الشيعة الذين ظلوا ينازعون الملوك والخلفاء سياسة المسلمين إلى الآن.
أما البلاذري فقد رأينا فيما سبق من هذا الكتاب أنه لم يذكر ابن السوداء ولا أصحابه السبئية في أمر عثمان، وهو كذلك لم يذكره في أمر علي إلا مرة واحدة في أمر غير ذي خطر؛ إذ جاء عليا مع آخرين يسألونه عن أبي بكر، فردهم ردا عنيفا لائما لهم على تفرغهم لمثل هذا، على حين كانت مصر قد فتحت وقتلت فيها شيعة علي.
وكتب علي كتابا يذكر فيه ما صارت إليه الأمور بعد تخاذل أهل العراق، وأمر أن يقرأ هذا الكتاب على الناس لينتفعوا به.
قال البلاذري: وكانت عند ابن سبأ منه نسخة حرفها. وابن سبأ عند البلاذري ليس ابن السوداء، وإنما هو عبد الله بن وهب الهمداني. والبلاذري يروي هذا الخبر كله متحفظا متوخيا للصدق ما استطاع، وهو كثيرا ما يروي بعض الأحاديث، ثم يعقب عليها بما يظهر الشك فيها؛ لأنها من اختراع أهل العراق.
والواقع أن الخصومة بين الشيعة وأهل الجماعة قد اتخذت ألوانا من الجدل والإذاعة ونشر الدعوة بعد أن استقام الأمر لبني العباس، كثر فيها المكر والكيد والاختراع، بحيث يجب على المؤرخ المنصف أن يحتاط أشد الاحتياط حين يصور هذه الفتن في عهدها الأول، وأي شيء أيسر من أن يكذب أهل الشام على أهل العراق، ومن أن يكذب أهل العراق على أهل الشام ولا سيما بعد أن يمضي الزمن ويبعد العهد ويصبح التحقق من الوقائع الصحيحة عسيرا؟! والذين استباحوا لأنفسهم أن يضعوا الأحاديث على النبي وأصحابه لا يتحرجون من أن يستبيحوا لأنفسهم وضع الأخبار على أهل الشام والعراق.
ومؤرخ هذا العصر الذي نحاول تصويره ممتحن أعسر الامتحان وأشقه من ناحيتين: إحداهما ناحية القصاص الذين كانوا يتحدثون بأمر الفتن في البصرة والكوفة فيرسلون خيالهم على سجيته ويتعصبون للقبائل المختلفة من العرب، ولعلهم كانوا يأخذون المال من أولئك وهؤلاء ليحسنوا ذكرهم ويعظموا أمرهم ويذكروا لهم من المآثر ما كان وما لم يكن، ويرووا في هذه المآثر من الشعر ما قيل وما لم يقل؛ ولذلك كان كل الناس شعراء يوم الجمل ويوم صفين، ولذلك رويت الأخبار التي لا تستقيم في العقل.
अज्ञात पृष्ठ