Fiqh of Worship by al-Uthaymeen
فقه العبادات للعثيمين
शैलियों
السؤال (١٨): فضيلة الشيخ، لكن إذا سئل الإنسان عن الإيمان هل يقول هو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان، أو يقول: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، كما قال الرسول ﷺ؟
الجواب: نحن نقول إنها القبول والإذعان، وإذا قلنا بهذا وأراد السائل أن نفصل نقول: تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ثم إن تفصيل الإيمان الذي أشرنا إليه يشمل الدين كله.
مفهوم الإيمان وأركانه
السؤال (١٩): فضيلة الشيخ، نريد أن نتوسع في مفهوم الإيمان، وكذلك نريد أن نعرف أركان الإيمان؟ الجواب: كنا تكلمنا عن التعريف الذي أشرنا إليه والتعريف الذي ذكره النبي ﷺ في حديث جبريل، التعريف الذي أشرنا إليه هو تعريف عام يشمل الدين كله، وهو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان، وهو الذي يتكلم عليه العلماء في الأصول، في كتب العقائد، أما ما جاء في حديث جبريل، فإنه مفهوم خاص للإيمان، لأن الرسول ﷺ سأله جبريل ﵇ عن الإسلام وبينه له ثم سأله عن الإيمان الذي هو العقيدة الباطنة. والإسلام هو الأعمال الظاهرة، وإلا فلا يشك أحد أن اعتقاد الإنسان بأنه لا إله إلا الله هو من الإيمان بلا شك، لكنه لما كان قولًا صار من الأعمال الظاهرة، التي هي الصلاة والزكاة والصوم والحج. والأركان التي بينها الرسول ﵊ ستة كما هي معلومة، قال ﵊ في جوابه لجبريل: "الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" (١)، ونتكلم على هذه الأركان الستة لأهميتها: أما الإيمان بالله: فإنه يتضمن أربعة أمور: الإيمان بوجوده، والإيمان بربويته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته. أما الإيمان بوجوده: فهو الإقرار التام بأن الله ﷾ موجود، ولم يفه أحد بإنكار وجود الله ﷿ إلا على سبيل المكابرة، وإلا فإن كل عاقل لا يمكنه أن يدعي بأن هذا الكون خلق أو جاء صدفة، أو جاء من غير موجد، لأن هذا ممتنع باتفاق العقلاء، فالإيمان بوجوده أو بعبارة أصح وجود الله ﷿ دلت عليه جميع الأدلة، العقلية، والفطرية، والحسية، والشرعية، هذه الأشياء الأربعة كلها دلت على وجود الله ﷿. أما الدليل العقلي: فإننا نشاهد هذا الكون في وجوده، وفيما يحدث فيه من أمور لا يمكن أن يقدر عليها أحد من المخلوقين، وجود هذا الكون، السموات والأرض وما فيهما، من النجوم، والجبال، والأنهار، والأشجار، والناطق، والبهيم، وغير ذلك، من أين حصل هذا الوجود؟ هل حصل هذا صدفة؟ أو حصل بغير موجد؟ أو أن هذا الوجود أوجد نفسه؟ هذه ثلاثة احتمالات لا يقبل العقل شيئًا رابعًا، وكلها باطلة إلا الاحتمال الرابع، الذي هو الحق. فأما كونها وجدت صدفة فهذا أمر ينكره العقل وينكره الواقع، لأن مثل هذه المخلوقات العظيمة لا يمكنك أنت أن توجدها هكذا صدفة، كل أثر لابد له من مؤثر وكون هذه المخلوقات العظيمة بهذا النظام البديع المتناسق، الذي لا يتعارض، ولا يتصادم، لا يمكن أن يكون صدفة، لأن الغالب فيما وقع صدفة، أن تكون تغيراته غير منتظمة، لأنه كله صدفة. وأما كون هذا الوجود أوجد نفسه، فظاهر الاستحالة أيضًا، لأن هذا الوجود قبل أن يوجد ليس بشيء، بل هو عدم، والعدم لا يمكن أن يوجد معدومًا. وأما كونه وجد من غير موجد فهو بمعنى قولنا إنه وجد صدفة، وهذا كما سبق مستحيل. بقي أن نقول: إنه وجد بموجد وهو الله ﷿، كما قال الله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (٣٥) (أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (الطور: ٣٥-٣٦)، إذا فهذا الكون دل عقلًا على وجود الله ﷿. وأما دلالة الفطرة: على وجود الله فأظهر من أن تحتاج إلى دليل، لأن الإنسان بفطرته يؤمن بربه، قال النبي ﵊: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" (٢)، ولهذا لو وقع على أي إنسان في الدنيا شيء بغتة وهذا الشيء مهلك له، لكان يقول بلسانه من غير أن يشعر: يا الله، أو يا رب، أو ما أشبه ذلك، مما يدل على أن الغريزة الفطرية جبلت على الإيمان بوجود الله ﷿. وأما دلالة الحس على وجود الله، فما أكثر ما نسمع من إجابة الله تعالى للدعاء، ومن إجابة الدعاء للإنسان نفسه، كم من إنسان دعا الله وقال: يا رب، فرأى الإجابة نصب عينه، ففي القرآن أمثلة كثيرة من هذا مثل قوله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (: ٨٣) (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) (الأنبياء: ٨٣-٨٤)، وفي السنة أمثلة كثيرة أيضًا، ومنها حديث أنس بن مالك ﵁، قال: دخل رجل يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع النبي ﷺ يديه وقال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، الله أغثنا"، وكانت السماء صحوا ليس فيها شيء من السحاب، فما نزل النبي ﷺ من على منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته ﵊، وبقي المطر أسبوعًا كاملًا حتى دخل رجل من الجمعة الثانية، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله أن يمسكها عنا. فرفع النبي ﷺ يديه، وجعل يقول: "اللهم حوالينا ولا علينا" (٣) ويشير بيده فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت بإذن الله، فخرج الناس يمشون في الشمس. وكم من دعاء دعا به الإنسان ربه فوجد الإجابة، وهذا دليل حسي على وجود الله ﷿. أما الدليل الشرعي: فأكثر من أن يحصر، كل القرآن، وكل ما ثبت عن النبي ﷺ من الأحاديث الحكمية والخبرية، فإنه دال على وجود الله ﷿، كما قال الله تعالى في القرآن العظيم: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) (النساء: ٨٢)، هذا أحد ما يتضمنه الإيمان بالله وهو الإيمان بوجوده. أما الإيمان بربويته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، فقد سبق القول المفصل فيها، حين تكلمنا على أنواع التوحيد الثلاثة. كيف نرد على الدهريين _________ (١) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، رقم (٨) . (٢) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، رقم (١٣٥٨)، ومسلم، كتاب القدر، باب معنى: كل مولود يولد على الفطرة، رقم (٢٦٥٨) . (٣) أخرجه البخاري، رقم (١٠١٤)، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، رقم (٨٩٧) .
السؤال (١٩): فضيلة الشيخ، نريد أن نتوسع في مفهوم الإيمان، وكذلك نريد أن نعرف أركان الإيمان؟ الجواب: كنا تكلمنا عن التعريف الذي أشرنا إليه والتعريف الذي ذكره النبي ﷺ في حديث جبريل، التعريف الذي أشرنا إليه هو تعريف عام يشمل الدين كله، وهو الإقرار المستلزم للقبول والإذعان، وهو الذي يتكلم عليه العلماء في الأصول، في كتب العقائد، أما ما جاء في حديث جبريل، فإنه مفهوم خاص للإيمان، لأن الرسول ﷺ سأله جبريل ﵇ عن الإسلام وبينه له ثم سأله عن الإيمان الذي هو العقيدة الباطنة. والإسلام هو الأعمال الظاهرة، وإلا فلا يشك أحد أن اعتقاد الإنسان بأنه لا إله إلا الله هو من الإيمان بلا شك، لكنه لما كان قولًا صار من الأعمال الظاهرة، التي هي الصلاة والزكاة والصوم والحج. والأركان التي بينها الرسول ﵊ ستة كما هي معلومة، قال ﵊ في جوابه لجبريل: "الإيمان أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره" (١)، ونتكلم على هذه الأركان الستة لأهميتها: أما الإيمان بالله: فإنه يتضمن أربعة أمور: الإيمان بوجوده، والإيمان بربويته، والإيمان بألوهيته، والإيمان بأسمائه وصفاته. أما الإيمان بوجوده: فهو الإقرار التام بأن الله ﷾ موجود، ولم يفه أحد بإنكار وجود الله ﷿ إلا على سبيل المكابرة، وإلا فإن كل عاقل لا يمكنه أن يدعي بأن هذا الكون خلق أو جاء صدفة، أو جاء من غير موجد، لأن هذا ممتنع باتفاق العقلاء، فالإيمان بوجوده أو بعبارة أصح وجود الله ﷿ دلت عليه جميع الأدلة، العقلية، والفطرية، والحسية، والشرعية، هذه الأشياء الأربعة كلها دلت على وجود الله ﷿. أما الدليل العقلي: فإننا نشاهد هذا الكون في وجوده، وفيما يحدث فيه من أمور لا يمكن أن يقدر عليها أحد من المخلوقين، وجود هذا الكون، السموات والأرض وما فيهما، من النجوم، والجبال، والأنهار، والأشجار، والناطق، والبهيم، وغير ذلك، من أين حصل هذا الوجود؟ هل حصل هذا صدفة؟ أو حصل بغير موجد؟ أو أن هذا الوجود أوجد نفسه؟ هذه ثلاثة احتمالات لا يقبل العقل شيئًا رابعًا، وكلها باطلة إلا الاحتمال الرابع، الذي هو الحق. فأما كونها وجدت صدفة فهذا أمر ينكره العقل وينكره الواقع، لأن مثل هذه المخلوقات العظيمة لا يمكنك أنت أن توجدها هكذا صدفة، كل أثر لابد له من مؤثر وكون هذه المخلوقات العظيمة بهذا النظام البديع المتناسق، الذي لا يتعارض، ولا يتصادم، لا يمكن أن يكون صدفة، لأن الغالب فيما وقع صدفة، أن تكون تغيراته غير منتظمة، لأنه كله صدفة. وأما كون هذا الوجود أوجد نفسه، فظاهر الاستحالة أيضًا، لأن هذا الوجود قبل أن يوجد ليس بشيء، بل هو عدم، والعدم لا يمكن أن يوجد معدومًا. وأما كونه وجد من غير موجد فهو بمعنى قولنا إنه وجد صدفة، وهذا كما سبق مستحيل. بقي أن نقول: إنه وجد بموجد وهو الله ﷿، كما قال الله تعالى: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ) (٣٥) (أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) (الطور: ٣٥-٣٦)، إذا فهذا الكون دل عقلًا على وجود الله ﷿. وأما دلالة الفطرة: على وجود الله فأظهر من أن تحتاج إلى دليل، لأن الإنسان بفطرته يؤمن بربه، قال النبي ﵊: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه" (٢)، ولهذا لو وقع على أي إنسان في الدنيا شيء بغتة وهذا الشيء مهلك له، لكان يقول بلسانه من غير أن يشعر: يا الله، أو يا رب، أو ما أشبه ذلك، مما يدل على أن الغريزة الفطرية جبلت على الإيمان بوجود الله ﷿. وأما دلالة الحس على وجود الله، فما أكثر ما نسمع من إجابة الله تعالى للدعاء، ومن إجابة الدعاء للإنسان نفسه، كم من إنسان دعا الله وقال: يا رب، فرأى الإجابة نصب عينه، ففي القرآن أمثلة كثيرة من هذا مثل قوله تعالى: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (: ٨٣) (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) (الأنبياء: ٨٣-٨٤)، وفي السنة أمثلة كثيرة أيضًا، ومنها حديث أنس بن مالك ﵁، قال: دخل رجل يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع النبي ﷺ يديه وقال: "اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، الله أغثنا"، وكانت السماء صحوا ليس فيها شيء من السحاب، فما نزل النبي ﷺ من على منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته ﵊، وبقي المطر أسبوعًا كاملًا حتى دخل رجل من الجمعة الثانية، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله أن يمسكها عنا. فرفع النبي ﷺ يديه، وجعل يقول: "اللهم حوالينا ولا علينا" (٣) ويشير بيده فما يشير إلى ناحية إلا انفرجت بإذن الله، فخرج الناس يمشون في الشمس. وكم من دعاء دعا به الإنسان ربه فوجد الإجابة، وهذا دليل حسي على وجود الله ﷿. أما الدليل الشرعي: فأكثر من أن يحصر، كل القرآن، وكل ما ثبت عن النبي ﷺ من الأحاديث الحكمية والخبرية، فإنه دال على وجود الله ﷿، كما قال الله تعالى في القرآن العظيم: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) (النساء: ٨٢)، هذا أحد ما يتضمنه الإيمان بالله وهو الإيمان بوجوده. أما الإيمان بربويته، وألوهيته، وأسمائه وصفاته، فقد سبق القول المفصل فيها، حين تكلمنا على أنواع التوحيد الثلاثة. كيف نرد على الدهريين _________ (١) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، رقم (٨) . (٢) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات، رقم (١٣٥٨)، ومسلم، كتاب القدر، باب معنى: كل مولود يولد على الفطرة، رقم (٢٦٥٨) . (٣) أخرجه البخاري، رقم (١٠١٤)، ومسلم، كتاب صلاة الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء، رقم (٨٩٧) .
1 / 28