Fiqh of Transactions 1
فقه المعاملات ١
प्रकाशक
مكتب الرسالة الدولية للطباعة والكمبيوتر
संस्करण संख्या
١٩٩٧
प्रकाशन वर्ष
١٩٩٨مـ
शैलियों
المقدمات:
مقدمة المؤلف:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونتوب إليه ونستغره ونسأله الهداية والتوفيق، نصلي ونسلم على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فهذه لمحات من فقه المعاملات، تناولنا فيها هذه الأحام بأسلوب سهل، وعبارة واضحة منتقاه، وترتيب دقيق حتى يسهل علي كل مطلع أن يعرف هذه الأحكام بسهولة ويسر، ويقف على دقة هذا الفقه، ومدى سعته، وشموله وتنظيمه لعلاقة الفرد بخالقه، وعلاقته بالمجتمع الإنساني بأسره.. ولا غرو فإن الفقه الإسلامي يشتمل على الكثير من النظم، والنظريات الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية مما لا نجده في أي تشريع أخر.
وسوف نقتصر في بيان هذه الأحكام على مذهب الإمام الشافعي ﵁، مع الإشارة إلى المذاهب الأخرى في المسائل الخلافية تتميما للفائدة، وحتى يجد فيها القارئ الكريم بغيته وغايته.
والله نسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم.
إنه نعم المولى ونعم النصير.
المؤلف.
1 / 3
مقدمة الكتاب:
مدخل لدراسة الفقه على مذهب الإمام الشافعي:
كثيرا ما يقع خلاف بين الأئمة فقهاء المذهب بل وفقهاء المذهب الواحد، إذ تختلف آراؤهم في المسألة الواحد تبعا لقوة الدليل الذي يؤيد هذا الرأي، أو ذاك.. وهذا أمر واضح يدركه كل من يتصدى لدراسة الفقه، أو يحاول أن يعالج بعض قضاياه من ينابيعها الأولى، ولهذا الاختلاف أسباب كثيرة من أبرزها، وأهمها تفاوت الفقهاء في فهم النصوص التي تستنبط منها الأحكام، أو أن بعضهم كان يفتي بحكم، ولا يعلم النص الذي يعارض ما ذهب إليه في حين أن غيره قد أخذ بهذا النص -وأفتى بمقتضاه، ومن هنا جاء الاختلاف.
ولذلك رأينا بعض الأئمة المجتهدين كالإمام الشافعي، حين قدم من العراق إلى مصر قد رجع عن كثير من آرائه التي دونها في العراق، وما ذلك إلا؛ لأنه قد ظهر له من الأدلة: ما كان خافيا عليه.
وإذا كان الخلاف يطول، ويترد في معظم مسائل الفقه وفروعه، فلا بد لدراس الفقه "في المذاهب عامة، وفي دراسة مذهبه بصفة خاصة" أن يعرف أوجه الخلاف ومراتبها، واتجاهاتها وذلك بفهم المصطلحات الفقهية، فإن معرفتها أمر له وجاهته، وأهميته في معرفة توجيه الخلاف، ونسبة الآراء إلى أصحابها، وبذلك تتضح السبل، وتتحدد المعالم، ويسير الدارس في دراسته على بصيرة من أمره، فلا يجهد ولا يتعب ولا يضل، ولا يشقى، والإمام النووي في كتابه المنهاج، وهو يحكي الخلاف في المذهب يعبر عنها تارة بالأظهر أو المشهور، وتارة أخرى بالأصح أو الصحيح، وطورا بالمذهب أو النص، وأزيد المسألة وضوحا فأقول:
1 / 5
إن الخلاف في المذهب إما أن يكون في الأقوال، أو الأوجه، أو الطريق وهو إما أن يكون قويا أو ضعيفا، وقوة الخلاف تتبع قوة الدليل، وضعف الخلاف ناتج عن ضعف الدليل أيضًا.
فالأقوال للإمام الشافعي والأوجه والطرق للأصحاب، وهم تلاميذ الإمام الذين أخذوا عنه قواعد المذهب، وتعمقوا في فهمه، وأصبحت لهم اجتهادات، يتفقون فيها مع إمامهم، وقد يختلفون.
فإن كان الخلاف في الأقوال قويا عبر عنه بالأظهر، وهنا يوحي بأن
المسألة فيها رأيان: أظهر وظاهر، والأظهر أقوى من الظاهر، فإن ضعف الخلاف عبر عنه بالمشهور، ويقابله رأي غريب لغرابة الدليل الذي يؤيده.
وأما الأوجه: فهي مسائل استنبطها الأصحاب من كلام الإمام أي أنها أقوال مخرجة للأصحاب، فهي أشبه بمسائل قياسية، وأما الطرق: فهي عبارة عن اختلاف الأصحاب في نقل آراء المذهب التي خلفها المتقدمون، وذلك بأن يحكي أحدهم في المسألة: قولين أو وجهين، أو أكثر فيقطع أخر بواحد، فالاختلاف في الطرق إنما هو في حكاية الآراء.
فإن كان الخلاف في الأوجه عبر عنه بالأصح أو الصحيح، والأصح أقوى من الصحيح، وإن كان طرقا عبر عنه بالمذهب، ومعناه الرأي الراجح في الأوجه، أو الأقوال المحكية عن الخلاف.
وقد اختار المصنف التعبير بالأظهر، أو المشهور في جانب الإمام دون الأصح، أو الصحيح تأدبا مع الإمام، وذلك؛ لأن التعبير بالأصح أو الصحيح مشعر بفساد ما يقابله، وليس من الأدب أن توصف أقوال الإمام بالفساد، فالمسألة: مجرد إصلاح لا فرق بينهما من حيث المعنى.
1 / 6
وأما النص فهو نص الشافعي، والمراد به الرأي الراجح عنده، ويقابله وجه ضعيف أو قول مخرج من نص له نظير المسألة لا يعمل به، وإذا قال: وقيل كذا فهو وجه ضعيف والأصح أو الصحيح خلافه، وإن قال: وفي قول كذا فالراجح خلافه، وإذا أطلق لفظ الإمام فالمراد به الإمام النووي، وإذا قال: في الجديد فالقديم بخلافه، أو قال في القديم فالجديد بخلافه، والمذهب المعمول به إلا أن ينص في مسألة: فيعمل بها في المذهب القديم، وذلك كامتداد مغيب الشفق الأحمر.
والمشور من رواة المذهب القديم أربعة: الكرابيس، والزعفراني، وأبو ثور، وأحمد بن حنبل، ﵃.
والمشهور منهم بمصر: المزني، والبويطي، والربيع المرادي، والربيع الجيزي.
1 / 7
في البيع
مدخل
...
الفصل الأول: في البيع.
تعريفه:
البيع لغة: نقل الملك في العين بعقد المعاوضة، يقال: باع الشيء إذا أخرجه من ملكه، وباعه إذا اشتراه وأدخله في ملكه، وهو من أسماء الأضداد التي تطلق على الشيء، ونقيضه كالقرء، فإنه يطلق على الحيض وعلى الطهر، وكذا شرى إذا أخذ وشرى إذا باع. قال الله تعالى: ﴿وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ﴾ أي باعوه، وذلك؛ لأن كل واحد من المتبايعين يأخذ عوضا، ويعطي عوضا، فهو بائع لما أعطى ومشتر لما أخذ، فصلح الأسمان لهما جميعا١، قال ابن قتيبة وغيره: يقال: بعت الشيء بمعنى بعته وشريته، والشيء مبيع ومبيوع مثل مخيط ومخيوط. ويقال للبائع والمشتري بيعان -بتشديد الياء، وأباع الشيء عرضه للبيع والابتياع: الاشتراء٢.
وأما معناه شرعا، فيعرف بتعريفات متعددة، من أحسنها ما ذكره الشيخ قليوبي في حاشيته بأنه عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين، أو منفعة على التأبيد لا على وجه القربة، فخرج بالمعاوضة الهبة، ونحوها إذ لا معاوضة فيها، وبالمالية، عقد النكاح؛ لأنه وإن كان فيه معاوضة إلا أنها ليس معاوضة مالية، وإنما هي حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر، وخرج بملك العين،
_________
١ لكن لغة قريش استعمال باع إذا أخرج البيع عن ملكه، واشترى إذا أدخله فيه، وهو الجاري استعماله الآن، راجع البهجة في شرح التحفة لأبي الحسن علي بن عبد السلام التسولي "ج٢ ص٢"
٢ راجع المختار من صحاح اللغة لمحمد محيي الدين بن عبد الحميد - محمد عبد اللطيف السبكي.
1 / 8
ومنفعته على التأبيد الإجارة؛ لأن الملك في الإجارة ينصب على المنفعة دون العين، فالمستأجر لعين من الأعيان كالسيارة، أو المنزل مثلا لا يملك تملك عينها، وإنما الانتفاع بالعين في مقابلة دفع الأجرة، كما أن المنفعة في الإجارة مؤقتة؛ لأن من شروطها التأقيت، والمراد بالمنفعة المؤبدة في التعريف: بيع حق الممر للماء إذا كان الماء لا يصل إلى محله إلا بواسطة ملك غيره١، وخرج بقوله: لا على وجه القربة: الوقف. فإنه تمليك منفعة مباحة على التأبيد للموقوف عليه، ولكن على وجه القربة.
وقد يعرف البيع بأنه تمليك عين مالية، أو منفعة على التأبيد بثمن مالي، وهذا التعريف للبيع الذي هو قسيم الشراء، وقسيم الشيء ما كان مباينا له، واندرج معه تحت أصل كلي، فيكون العقد مكونا من شقين أحدهما البيع الذي يسمى من يأتي به بائعا، ويعرف بأنه تمليك بعوض على وجه مخصوص، ويقابله الشراء الذي هو الشق الآخر الذي يسمى من يأتي به مشتريا، ويعرف بأنه تملك بعوض كذلك، والتعبير بالتمليك والتملك بالنظر للمعنى الشرعي، فإن الربا لا يقبل التمليك والتملك؛ لأنه محظور التعامل فيه شرعا، والتمليك دخول الملك في يد المشتري، وهو لا يحصل بمجرد الإيجاب من البائع بل بقبول المشتري، فلعل المراد بالتمليك ما يحصل به النقل من جانب البائع، وأما قول بعضهم البيع مقابلة مال بمال على وجه مخصوص، ففيه مسامحة تجعل البيع هو المقابلة إذ العقد ليس هو المقابلة، لكنه مستلزمها إلا أن يقال: عقد ذو مقابلة أي يستلزم المقابلة.
ولذلك عبر بعضهم عنه بقوله، وشرعا عقد يتضمن مقابلة مال بمال على وجه مخصوص.
_________
١ راجع حاشية المدابغي على الإقناع "ج٢ ص٢".
1 / 9
وقد يجاب عن هذا الاعتاراض بأنه عقد ذو مقابلة، فهو على حذف مضاف.
وقد يطلق العقد على الانعقاد، أو الملك الناشيء عن العقد، كما في قوله فسخت البيع: إذا العقد الواقع لا يمكن فسخه، وإنما المراد فسخ ما ترتب عليه، ويستفاد من كلام الشارح أن للبيع إطلاقات ثلاثة، فهو يطلق على التمليك ويطلق على العقد، وعلى مطلق مقابلة شيء بشيء، وأخيرًا يطلق على الشراء الذي هو التملك.
دليل المشروعية:
وقد شرع البيع بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة.
أما من الكتاب والسنة، فقوله تعالى: ﴿أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا﴾ ١، فالربا حرام، والبيع حلال وليس كل بيع حلال، كما يتوهم من عموم هذه الآية.
فإن الألف واللام فيها للجنس لا للعهد، إذ لم يتقدم بيع مذكور يرجع إليه، وإذا ثبت أن البيع عام، فهو مخصوص بما ذكرناه من الربا، وغير ذلك مما نهى عنه ومنع العقد عليه، كالخمر والميتة وغير ذلك مما هو ثابت في السنة، وإجماع الأمة النهي عنه٢.
وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ ٣، فقد حرم الله أكل أموال الناس بالباطل أي بغير
_________
١ سورة البقرة آية: "٢٧٥".
٢ راجع الجامع لأحكام القرآن للقرطبي "ج٣ ص٣٥٦".
٣ سورة النساء آية: "٢٩".
1 / 10
عوض، ولا هبة فذلك باطل بإجماع الأمة، ويدخل ضمن ذلك سائر العقود الفاسدة التي لا تجوز شرعا من ربا أو جهالة، أو تقدير عوض فاسد كالخمر والخنزير، وغير ذلك فإن كانت الأموال أموال تجارة فذلك جائز، فالاستثناء في الآية منقطع؛ لأن أموال التجارة ليست من جنس الباطل، وقيل: الاستثناء بمعنى لكن أي ولكن كلوا بالتجارة، والتجارة هي البيع والشراء.
وأما السنة، فقد روى عنه ﷺ قوله: "إنما البيع عن تراض" وخبر سئل رسول الله ﷺ: أي أنواع الكسب أطيب. قال: "عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور". والمبيع المبرور، هو الذي لا غش فيه ولا خيانة، والغش تدليس يرجع إلى ذات المبيع، والتدليس كتمان عيب السلعة عن المشتري. أما الخيانة: فأعم من ذلك؛ لأنها تدليس في ذات المبيع، أو في صفته، أو في أمر خارج، كأن يصفه بصفات غير صحيحة، أو يذكر له ثمنا كاذبًا١.
1 / 11
أركان البيع
مدخل
...
أركان البيع:
والأركان مع ركن، وركن الشيء جانبه الأقوى، والأركان هي الأمور التي لا بد منها لوجود العقد في الخارج. وهي ثلاثة: العاقدان والمعقود عليه والصيغة. ولذلك قيل: إن تسمية العاقد ركنا ليست على سبيل الحقيقة، بل هو أمر اصطلاحي؛ لأنه ليس جزءا من ماهية البيع التي توجد في الخارج؛ لأن العقد إنما يتحقق في الخارج بأمرين: الأول الصيغة التي هي الإيجاب والقبول.
والثاني: اللفظ الدال على العقود عليه، فالكاف في قول البائع بعتك تدل على المعقود عليه، فيكون ركنا حقيقيا.
والحقيقة أنه لا فرق بين العاقد والمعقود عليه، فإن تاء المتكلم في بعت تدل على البائع، كما أن الكاف تدل على المشتري، وإذا فلا فرق بينهما على الإطلاق.
وقد عبر المصنف عن هذه الأركان بقوله: وشرط البيع الإيجاب كبعتك وملكتك، والقبول كاشتريت، وتملكت وقبلت، وتعبيره عنها بالشرط هنا خلاف تعبيره في شرح المهذب عن الثلاثة بالأركان، ولعل مراده بالشرط ما لا بد منه، ليوافق ما في شرح المهذب من جعلها ركنًا١.
وقد بدأ بالصيغة؛ لأنها الركن الأهم.
قال العلامة النووي: والمحلي؛ لأن العاقد، والمعقود عليه لا يتحققان بهذه الصفة أي بصفة كون أحدهما عاقدا، والثاني معقودا عليه، إلا بالصيغة، أما ذاتهما فهي ولاشك متقدمة في الوجود على ذلك؛ لأن ذات العاقدان والمعقود عليه سابقة في الوجود على الصيغة.
_________
١ راجع حاشية الشيخ عميرة على الجلال المحلي "ج٢ ص١٥٢".
1 / 12
الركن الأول
مدخل
...
الركن الأول الصيغة:
والصيغة هي الإيجاب القبول، والإيجاب كما عرفت فيما سبق مأخوذ من أوجب بمعنى أوقع، ويكون من البائع الذي منه التمليك، والقبول وهو ممن يصير له الملك، فإذا قال البائع، بعتك هذا الكتاب بكذا فهذا هو الإيجاب، وإذا قال الطرف الآخر قبلت فهو القبول، وإذا قال المشتري بعني هذا الكتاب بكذا، فقال البائع: بعتك، فالأول القبول، والثاني والإيجاب، فالبائع في عقد البيع هو الموجب دائمًا، والمشتري هو القابل تقدم لفظه أو تأخر١.
فروع:
١- يجوز أن يتقدم لفظ المشتري على لفظ البائع، كما لو قال: بعني هذا العقار بكذا، فإذا كان بلفظ قبلت، فلا يصح؛ لأنه يستدعي شيئا قبله، فلم ينتظم الابتداء به، وبهذا صرح الإمام والأوجه الصحة في لفظ قبلت، كما جزم به الشيخان في النكاح٢ والبيع مثله، وهذا ناظر إلى المعنى والأول ناظر إلى اللفظ.
٢- ولو قال: بعني، فقال: بعتك، انعقد البيع في الأظهر، لدلالة بعني على الرضا، والثاني: لا ينعقد، لاحتمال أن يكون لفظ بعني مرادًا به استبانة الرغبة. والمذهب في النكاح القطع بالصحة، والفرق أن النكاح غالبًا يسبقه خطبة، فيتخلف فيه توجيه مقابل الأظهر٣.
وأشار المصنف بكاف الخطاب في صيغ الإيجاب إلى اعتبار الخطاب فيه، وإسناده لجملة المخاطب، فلا يكفي إسناده إلى بعضه، ولو كان لا يبقى بدونه حتى، ولو أراد التعبير بالجزء عن الجملة مجازًا، بأن قال مثلا: بعت يدك وهذا ما ذهب إليه الأسنوي. أما لو قال: بعت نفسك وأراد الذات صح.
والمعتمد أنه يصح إضافته للجزء، إذا أراد به الكل، ولو كان يعيش بدونه٤
_________
١ ويرى الأحناف أن الإيجاب ما صدر أولا من أحد طرفي العقد بائعا كان، أو مشتريا، والقبول ما صدر ثانيا، وإن كان بائعا؛ لأن الإيجاب عندهم بمعنى الإثبات، فالأول يريد إثبات العقد بانضمام قول الثاني إليه، فيكون القبول معناه الرضا بما قاله الأول.
٢ حاشية الباجوري على ابن قاسم "ج١ ص٣٤١".
٣ قليوبي وعميرة "ج٢ ص١٥٣".
٤ حاشية البجيرمي "ج٢ ص٥".
1 / 13
فلو قال: بعت يدك، وأراد بها كله صح البيع، وكذلك إذا قال: بعت عينك وما شاكل ذلك.
فلا بد إذن من أن يسند البيع إلى المخاطب، ولو كان نائبا عن غيره، وهو كذلك، فإن لم يسنده أو أسنده إلى موكله، فإنه لا يصح، ومثال ذلك ما إذا قال المشتري للبائع: بعت هذا بعشرة جنيهات مثلا، فيقول البائع: بعت أو قال: بعت موكلك، فقبل فالعقد غير صحيح بخلاف النكاح فإنه يصح، بل لا يصح النكاح إلا به، كما هو مبسوط في الوكالة.
ويستثنى من اعتبار الخطاب بيع متولى الطرفين، وكذا قوله: نعم في صورة ما إذا قال المشتري للبائع: بعني هذا الثوب بعشرة جنيهات، فقال البائع: نعم.
الصريح والكناية: وكما ينعقد البيع بصريح اللفظ كبعتك، وملكتك، واشتر مني ينعقد كذلك بالكناية في الأصح، ويكون لفظ البيع كناية إذا احتمل البيع وغيره، ومن ألفاظه جعلته لك بكذا، أو خذه بكذا أو بارك الله لك فيه ناويا البيع، فهذه الألفاظ كما تحتمل البيع تحتمل غيره، ومن ثم فلا ينعقد بها البيع إلا بالنية، ولو في جزء من الصيغة؛ لأنه لا يشترط اقترانها بكل اللفظ خلافا لمن قال بذلك. والثاني: أنه لا ينعقد بلفظ الكناية؛ لأن المخاطب لا يدري أخوطب ببيع أم بغيره، وهذا الرأي مردود عليه بأن ذكر العوض ظاهر في البيع، فوجوده قرينة عليه، وإذا توافرت القرائن الدالة على إرادة البيع، وجب القطع بصحته كما قال الإمام١. وما دام البيع بلفظ الكناية لا ينعقد إلا بالنية، فإنه لو شرط الموكل على الوكيل أن يبيع، ويشهد على البيع، فلا ينعقد جزما؛ لأن الشهود لا يطلعون علي النية. نعم إن توافرت القرائن على إرادة البيع قال الغزالي: الظاهر انعقاده، وأقره عليه في أصل الروضة، وصورة الشرط أن يقول: بع على أن تشهد، فلو قال: بع وأشهد لم يكن الإشهاد شرطًا، صرح بذلك المرعشي، واقتضاه كلام غيره٢. والأولى التعليل بالاحتياط؛ لأن ذكر العوض قرينة على النية، فيطلع عليها الشهود٣. _________ ١ قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلي "ج٢ ص١٥٤". ٢ النهاية لأبي الفضل ولي الدين البصير "ص٢١". ٣ حاشية البجيرمي "ج٢ ص٨".
الصريح والكناية: وكما ينعقد البيع بصريح اللفظ كبعتك، وملكتك، واشتر مني ينعقد كذلك بالكناية في الأصح، ويكون لفظ البيع كناية إذا احتمل البيع وغيره، ومن ألفاظه جعلته لك بكذا، أو خذه بكذا أو بارك الله لك فيه ناويا البيع، فهذه الألفاظ كما تحتمل البيع تحتمل غيره، ومن ثم فلا ينعقد بها البيع إلا بالنية، ولو في جزء من الصيغة؛ لأنه لا يشترط اقترانها بكل اللفظ خلافا لمن قال بذلك. والثاني: أنه لا ينعقد بلفظ الكناية؛ لأن المخاطب لا يدري أخوطب ببيع أم بغيره، وهذا الرأي مردود عليه بأن ذكر العوض ظاهر في البيع، فوجوده قرينة عليه، وإذا توافرت القرائن الدالة على إرادة البيع، وجب القطع بصحته كما قال الإمام١. وما دام البيع بلفظ الكناية لا ينعقد إلا بالنية، فإنه لو شرط الموكل على الوكيل أن يبيع، ويشهد على البيع، فلا ينعقد جزما؛ لأن الشهود لا يطلعون علي النية. نعم إن توافرت القرائن على إرادة البيع قال الغزالي: الظاهر انعقاده، وأقره عليه في أصل الروضة، وصورة الشرط أن يقول: بع على أن تشهد، فلو قال: بع وأشهد لم يكن الإشهاد شرطًا، صرح بذلك المرعشي، واقتضاه كلام غيره٢. والأولى التعليل بالاحتياط؛ لأن ذكر العوض قرينة على النية، فيطلع عليها الشهود٣. _________ ١ قليوبي وعميرة على شرح جلال الدين المحلي "ج٢ ص١٥٤". ٢ النهاية لأبي الفضل ولي الدين البصير "ص٢١". ٣ حاشية البجيرمي "ج٢ ص٨".
1 / 14
شروط الصيغة:
ولكن ينتج الإيجاب والقبول أثرهما، ويكون للعقد وجود معتبر شرعًا، يجب أن يتوافر فيه الشروط الآتية:
١- أن يكون القبول على وفق الإيجاب بمعنى أني يكون مساويًا له من حيث النوع والصفة، والقدر والحلول، والتأجيل، فإن كان كذلك دل على توافق الإرادتين، وتلاقي الرغبتين، فإذا لم يوافق القبول، والإيجاب كأن ورد الإيجاب على شيء، والقبول على شيء آخر مثل أن يقول أحدهما: بعتك عقاري هذا بكذا، فيقول الآخر: اشتريت سيارتك بكذا، أو يرد الإيجاب على شيء مفيد بوصف، ويدر القبول على ذلك الشيء مقيدا بوصف آخر مثل أن يقول أحدهما: بعتك داري هذه بألف، فيقول الآخر اشتريتها بخمسائة، أو قال أوجبتك بألف مكسرة، فقبل بألف صحيحة لم يصح العقد، ومحل عدم الصحة ما لم تساو قيمة الصحاح المكسرة، أما إذا تساويا فإنه يصح، كذا قيل، لكن ذكر البرماوي عدم الجواز أيضا، وإن تساوت.
وهذه الموافقة قد تكون موافقة حقيقية، وقد تكون ضمنية، فإذا قال: بعتك هذا العقار بألف جنية، فقال: قبلت بهذا، فتلك هي الموافقة الحقيقية، أما إذا قال: بعتك هذه السيارة بألف، فقال: قبلت بألفين، فالبيع في هذه الصورة ينعقد مع وجود هذه المخالفة الصورية؛ لأنها في الواقع موافقة، ذلك أن البائع إذا قبل بألف، فإن موافقته بألفين تكون من باب أولى.
1 / 15
٢- أن لا يتخللها كلام أجنبي عن العقد، والكلام الأجنبي هو ما ليس من مقتضيات العقد، كقبض ورد بعيب، ولا من مصالحه كشرط خيار، وإشهاد ورهن، ولا من مستحباته كخطبة، فلو قال المشتري بعد تقدم الإيجاب: بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، قبلت: صح. وهذا على رأي الرافعي، أما المصنف فقد صحح في باب النكاح عدم استحباب الخطبة بين الإيجاب والقبول، لكنه قال: إن ذلك غير مضر كما في النكاح.
فإذا تكلم المشتري بكلام أجنبي عن العقد، ولو يسيرا وكان مقارنا لإيجاب البائع بطل العقد، والكلام اليسير يصدق بحرف واحد بشرط الإفهام، وذلك قياسا على الصلاة، ويؤخذ من هذا القياس أنه لا يضر تخلل
1 / 16
اليسير سهوًا أو جهلا إن عذر، والمراد بالعذر، أن يكون ممن يخفى عليه ذلك، وإن لم يكن قريب عهد بالإسلام، ولا نشأ بعيدا عن العلماء؛ لأن هذا من الدقائق التي تخفى١.
ولو قارن الكلام الأجنبي صيغة المتأخر منهما، فالذي رجحه العلامة ابن قاسم أنه يضر أخذا من التعليل بالإعراض، ويؤخذ منه البطلان بمقارنة صيغة المتقدم أيضا، واغتفر الكلام اليسير العمد في الخلع، وإن قصد به القطع، والفرق أن ما هنا معاوضة محضة٢، أما في الخلف والجعالة، فكل منهما محتمل لجهالة العوض، وإذا كان كذلك، فيغتفر فيه التخلل بالكلام اليسير، ولو عمدًا.
٣- ويشترط: أن لا يطول الفصل بينهما بسكوت طويل، وهو ما أشعر بإعراضه عن القبول، فإن طال الفصل بينهما، ولو جهلا أو سهوا، فإنه يضر كما في الفاتحة على المعتمد، بخلاف اليسير، فإنه لا يضر إلا إذا قصد به القطع.
٤- ويشترط أن يصر الباديء على ما أتى به من الإيجاب والقبول، وأن يتلفظ كل منهما بحيث يسمعه من بقربه.. وإشارة الأخرس، وكتابته في العقود والدعاوي، والأقارير ونحوها كالنطق بها من غيره، فتصح بها للحاجة٣.
_________
١ حاشية البجيرمي "ج٢ ص١٢".
٢ قليوبي وعميرة "ج٢ ص١٥٤".
٣ النهاية "ص٢٢".
1 / 17
انعقاد البيع بالمعاطاة
والمعاطاة المناولة من عطى يعطي إذا تناول مفاعلة من العطاء، وهو أن يتفاوضا من غير عقد، أي بتسليم وتسلم، ولا يوجد لفظ، أو يوجد لفظ من أحدهما دون الآخر لكن استعملها الفقهاء في مناولة خاصة١.
والمشهور من مذهبنا أنه لا تصح المعاطاة في البيع لا في قليل ولا كثير، وبهذا قطع المصنف والجمهور، وهناك وجه مشهور عن ابن شريح أنه يصح البيع بالمعاطاة فيما يعده الناس بيعا؛ لأن الله تعالى أحل البيع، ولم يثبت في الشرع لفظ له، فوجب الرجوع إلى العرف، ولفظة البيع مشهورة، وقد اشتهرت الأحاديث بالبيع عن النبي ﷺ، وأصحابه ﵃ في زمنه وبعده، ولم يثبت في شيء منها مع كثرتها اشتراط الإيجاب والقبول٢.
وقد جرت العادة بين الناس بصحة بيع المحقرات، وأما النفيس فلا بد فيه من الإيجاب والقبول، ومعرفة المحقر والنفيس من الأشياء مرجعه العرف الجاري، فما عده من الحقرات صح فيه البيع، وإلا فلا. وهذا هو المشهور تفريعًا على صحة المعاطاة.
وحكى الرافعي وجهًا، أن المحقر دون نصاب السرقة، وهذا شاذ ضعيف، بل الصواب أنه لا يختص بذلك، بل يتجاوز إلى ما بعده أهل العرف بيعًا٣.
قال شارح المنهاج: وقيل ينعقد بها في المحقر، أي ينعقد البيع بالمعاطاة في الأشياء التي تكون قيمتها زهيدة لا يأبه بها كرغيف خبز، وحزمة بقل،
_________
١ المصباح المنير "ج٢ ص٤٩٧".
٢ للجموع شرح المهذب "ج٩ ص١٧٢".
٣ المرجع السابق "ج٩ ص١٧٣".
1 / 18
والبقل كل نبات اخضرت له الأرض، وقيل: في كل ما يعد فيه بيعا بخلاف غيره كالدواب والعقار، واختاره المصنف في الروضة وغيرها.
ويتحصل من ذلك أن بيع المعاطاة فيه ثلاثة آراء:
الأول: أنه غير صحيح لحديث ابن ماجه، وغيره: "إنما البيع عن تراض"، والرضا خفي، فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ، ومثل اللفظ الكتابة والإشارة، فلا ينعقد البيع من غير إيجاب، وقبول لا فرق في ذلك بين المحقرات كالخبز، واللحم وقليل الفواكه وغيرها كالعقارات والسيارات، والدواب؛ لأن البيع اسم للإيجاب والقبول، لا مجرد فعل بتسليم وتسلم.
الثاني: ينعقد في المحقرات مثل الخبز والبقل واللبن، والفاكهة وسائر الاحتياجات اليومية المتكررة.
الثالث: ينعقد في كل ما يعد فيه بيعا أي أن كل ما اعتاده الناس، وتعاملوا فيه وصححوا بيعه من غير إيجاب، وقبول فهو صحيح؛ لأن العرف أصل من أصول الشرع.
حكم المأخوذ بالمعاطاة:
وعلى القول المشهور بعدم صحة بين المعاطاة مطلقًا، فإن المأخوذ بها فيه ثلاثة أوجه:
الوجه الأول:
وهو أصحها، أنه يأخذ حكم المقبوض ببيع فاسد، فيطالب كل واحد منهما الآخر برد ما أخذه إن كان باقيًا، أو بدله إن كان تالفا، فإن كان الثمن الذي قبضه البائع مثل القيمة، فالغزالي في الإحياء يقول: هذا مستحق ظفر بمثل حقه، والمالك راض فله تملكه لا محالة، وظاهر كلام المتولى، وغيره أنه يجب رده مطلقا.
1 / 19
الوجه الثاني:
أن هذا إباحة لازمة لا يجوز الرجوع فيها، وهو وجه ضعيف؛ لأنه لو كان إباحة لكان له الرجوع، كما لو أباح كل واحد منهما لصاحبه طعامه، وأكل ِأحدهما ولم يأكل الآخر، فإن للآكل أن يرجع عن الإباحة، ويسترد طعامه بلا خلاف.
أما هنا فلو أتلف أحدهما ما آخذه، وبقي مع الآخر ما أخذه لم يكن لمن تلف في يده أن يسترد الباقي في يد صاحبه من غير أن يغرم له مذل ما تلف عنده، وهذا معناه أنه ليس من الإباحة في شيء.
الوجه الثالث: أن العوضين يستردان، فإن تلفا فلا مطالبة لأحدهما، ويسقط عنهما الضمان، ويتراد منهما بالتراضي، وهذا القول مردود على صاحبه؛ لأنه لا يرى ذلك في سائر العقود الفاسدة هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإن إسقاط الحقوق طريقة اللفظ، كالعفو عن القصاص والإبراء من عن الديون، فإن أقمنا التراضي مقام اللفظ في الإسقاط، وجب أن نقيمه في انعقاد العقد.
وهذا الخلاف المذكور في المعاطاة في البيع يجري في الإجارة، والرهن، والهبة ونحوها، أما صدقة التطوع والهدية، فعلى القول بصحة بيع المعاطاة، فهما أولى بذلك من البيع، وعلى القول بعدم الصحة، فالأصح عند جمهور فقهاء المذهب أنه لا يشترط فيهما الفظ، وحجتهم في ذلك، أن الهدايا كانت تحمل إلى رسول الله ﷺ فيأخذها، ولا لفظ هناك، وعلى هذا جرى الناس في جميع الأمصار، فقد كانوا يبعثون الهدايا على أيدي الصبيان الذين لا عبارة لهم.
اعتراض وجوابه:
فإن قيل بأن هذا من قبيل الإباحة، ولا يسمى هدية، ولا تمليكا أجيب عن ذلك بأنه لو كان باحة ما تصرفوا فيه تصرف الملاك، ومعلوم أن ما قبله النبي صلى الله وعليه وسلم من الهدايا، كان يتصرف فيه، ويملكه غيره.
ويمكن أن يحمل كلام من اعتبر الإيجاب، والقبول على الأمر المشعر بالرضا دون اللفظ، والإشعار بالرضا يكون لفظا ويكون فعلا، فالعبرة بالرضا في كل ما تقدم، والتسليم والتسلم دليل على الرضا، وقد قالوا: العبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ.
1 / 20
الركن الثاني: العاقد:
وإذا أطلق العاقد انصرف إلى البائع والمشتري؛ لأن كلا منهما له دخل في تحصيل التمليك بالثمن، والشروط التي ذكرها المصنف أربعة: الأول والثاني منهما عام يصدق على البائع والمشتري، والثالث والرابع خاصان بالمشتري، وفيما يلي نتكلم عن شروط العاقد، ثم شروط المعقود عليه١.
شروط العاقد:
والعاقد كما قال البجيرمي في حاشيته هو من له دخل في تحصيل التمليك بالثمن، وهو صادق بكل من البائع، والمشتري أو غيرهما.
وشرطه الأول: إطلاق تصرف، والمراد بالمطلق التصرف من أذن له الشارع في التصرف، فيدخل فيه الولي في مال موليه، وكونه لا يتصرف إلا بالمصلحة قدر زائد على إطلاق التصرف، وعبارة الشوبري إطلاق التصرف صحته ولو بالبيع، فلا يصح عقد الصبي والمجنون، ولو أذن له الولي في التصرف لقوله ﵇: "رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يكبر، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، أو يفيق"، ومن حجر عليه بسفه أو فلس لا يصح تصرفه بالنسبة لبيع عين ماله، أما شراؤه بثمن في
_________
١ حاشية البجيرمي على المنهج ج٢، ص١٤.
1 / 21
الذمة فيصح، من بلغ غير مصلح لدينه وماله، لا يصح تصرفه، قال البغوي: الصلاح في الدين أن يكون مجتنبا للفواحش، والمعاصي المسقطة للعدالة.
الشرط الثاني: عدم إكراه بغير حق، فلا يصح عقد مكره في ماله بغير حق لعدم رضاه قال تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾، ومحله إن لم يقصد إيقاع البيع، وإلا صح كما بحثه الزركشي أخذا من قولهم لو أكره على إيقاع الطلاق، فقصد إيقاعه صح القصد، فالصريح في حق المكره كناية، كما ذكروه في الطلاق١.
فإن كان الإكراه بحق صح عقده، وذلك كان توجه عليه بيع ما له لو فاء دين أو شراء مال أسلم إليه فيه، ومن الإكراه بحق أن يكون عنده طعام يحتاج إليه الناس، فيكرهه الحاكم على بيع الزائد على كفاية سنة، ويفهم من ذلك أنه لا يصح لو باعه، أو اشتراه بإكراه غير الحاكم، ولو كان المكره مستحق الدين، وهو ظاهر؛ لأنه لا ولاية له، نعم إن تعذر الحاكم، فتتجه الصحة بإكراه المستحق أو غيره ممن له قدرة عليه؛ لأن المراد إيصال الحق لمستحقه، ولصاحب الحق أن يأخذ ماله، ويتصرف فيه بالبيع، وإن لم يكن من جنس حقه، ويحصل حقه به، وأن يتملكه إن كان من جنس حقه؛ لأنه ظافر، ومنه ما يقع في مصر من أن بعض الملتزمين في البلد يأخذ غلال الفلاحين لامتناعهم من أداء المال الواجب عليهم، فيصح البيع٢.
ويصح عقد مكره في مال غيره بإكراهه؛ لأنه أبلغ في الإذن٣.
_________
١ راجع حاشية البجيرمي "ج٢ ص١٥".
٢ المرجع السابق "ج٢ ص١٦".
٣ حاشية الباجوري على ابن قاسم "ج١ ص٣٣٨".
1 / 22
الشرط الثالث: إسلام من يشتري له مصحفا، أو كتب حديث، أو علم فيها آثار السلف، والمراد بالمصحف هنا ما فيه قرآن مقصود، ولو قليلًا كرسالة أو تميمة، وأجاز ابن عبد الحق التميمة، والرسالة اقتداء بفعله صلوات الله عليه، وخرج بالمقصود ما كان على جدار أو سقف، وثوب أو نحوهما١، فلا يصح لكافر أن يتملك شيئا من ذلك بالبيع، أو بغيره ولو بوكالة مسلم عنه؛ لأن الملك يقع له، لما في امتلاكه للقرآن، وكتب الحديث، وآثار السلف من الإهانة، وكذلك لا يصح للكافر أن يستخدم مسلما لما في استخدامه للمسلم من الإذلال، وقد قال الله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ .
وعبر بالإذلال في جانب المسلم، وبالإهانة في جانب المصحف؛ لأنه يعتبر في حقيقة الإذلال أن يكون للمذلول شعور يميز به بين الحسن والقبيح، والمرتد له حكم المسلم فيما تقدم، لبقاء علقة الإسلام فيه، وعلقة الإسلام كما قال البرماوي: وجوب مطالبته بما مضي حال ردته من الصلاة، والصوم ونحو ذلك، ولا مانع من مطالبته بالإسلام، فإذا طولب به وأسلم، فلا يبقى تحت يد الكافر٢.
وخرج بملك المصحف وما بعده، إجارتها أو إعارتها ورهنها، فتقع صحيحة لكن من الكراهة في العقد على العين على كل لا تسلم العين إليه، بل يقبضها عن الحاكم، ثم يأمره وجوبا بإزالة ملكه عنها في إجارة العين، ويمنعه من استخدام المسلم لما فيه من الإذلال له كما قدمنا.
ويشترط: عدم حرابة من يشتري له عدة حرب كسيف، ورمح ونشاب،
_________
١ قليوبي وعميرة "ج٢ ص١٥٦".
٢ حاشية البجيرمي "ج٢ ص١٧".
1 / 23