Fiqh of Contemporary Issues in Worship
فقه النوازل في العبادات
शैलियों
من دروس الدورة العلمية بجامع الراجحي ببريدة لعام ١٤٢٦هـ
فقه النوازل في العبادات
القسم الأول
(الطهارة- الصلاة - الجنائز)
من إلقاء الشيخ:
أ. د / الدكتور: خالد بن علي المشيقح
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وبعد:
في هذه الدورة رأيت أن نتعرض إلى «النوازل التي تعنى بأمور العبادات»، فهناك نوازل كثيرة تتعلق بالطهارة والصلاة وكذلك أيضًا ما يتعلق بالزكاة والصيام كالمفطرات المستجدة..إلخ.
وسنبدأ بإذن الله بنوازل الطهارة ثم بعد ذلك نعرج على نوازل الصلاة، ثم بعد ذلك إن فسح الوقت لنا سنتعرض لجملة من نوازل الزكاة كحكم المتاجرة بأموال الزكاة والصدقات وغير ذلك مما سنذكره، وسنحاول بإذن الله أن نختصر الكلام لأن النوازل كثيرة وقد استقرأت كثيرًا من النوازل الموجودة الآن في الطهارة، هناك كثير من النوازل وجدت في المياه ووجدت في الوضوء ووجدت في الغسل ووجدت أيضًا في ما يتعلق بإزالة النجاسة..إلخ. وهذه النوازل يحتاج إليها الناس لأنهم يلابسونها وتلمس أمورهم العبادية.
وسنذكر تعريفًا لهذه النوازل على سبيل الإجمال ثم بعد ذلك نذكر تخريجها من كلام الفقهاء السابقين.
وقبل أن أبدأ بالنوازل أقدم بتعريف النوازل في اللغة والاصطلاح ثم بعد ذلك سأذكر طرفًا من أهمية دراسة النوازل والحوادث المستجدة في الفقه ثم بعد ذلك نشرع في نوازل الطهارة وسنحاول بإذن الله أن نأخذ كل يوم عشر مسائل.
تعريف النوازل
النوازل: جمع نازلة، وهي في اللغة: هبوط الشيء ونزوله.
وأما في الاصطلاح: فهي الحادثة المستجدة التي تحتاج إلى حكم شرعي.
1 / 1
حكم دراسة هذه النوازل
فرض كفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين، لأن تبين العلم وما يحتاج إليه الناس هذا واجب على الكفاية إذا قام به من يكفي سقط الإثم عن الباقين.
والدليل على أنه فرض قال الله ﷿: ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ﴾ (١) . فتبين العلم ونشره هذا واجب على العلماء وطلاب العلم. ومثل هذه النوازل بالنسبة للعامي قد لايحسن تخريج حكمها على ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وما ذكره العلماء ﵏.
إنما كان على سبيل الكفاية لأن هذا العمل يتعلق بالعمل ولا يتعلق بالعامل وقد سبق لنا في القواعد الفقهية أن بينا الفرق بين فرض الكفاية وفرض العين وأن الأمر إذا تعلق بالعامل فهو فرض عين وأما إذا تعلق بالعمل فإنه فرض على الكفاية، وهذا يتعلق بالعمل يعني المطلوب تحصيل هذا العمل سواء كان من هذا الشخص أو من غيره.
أهمية دراسة النوازل
دراسة النوازل له أهمية فمن أهميته:
أولًا: بيان كمال الشريعة وأنها صالحة لكل زمان ومكان، فما من نازلة من النوازل إلا ولها حكم في الشريعة جاء بيان ذلك في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ يعلم ذلك ويعرفه الراسخون في العلم،ودليل ذلك:
قول الله ﷿: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا﴾ (٢) .
وقال ﷾: ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ (٣) .
وقال أبو ذر ﵁: " تركنا رسول الله ﷺ وما من طائر يقلب بجناحيه إلا ذكر لنا منه علمًا " (٤) .-
_________
(١) آل عمران١٨٧
(٢) المائدة٣
(٣) النحل٨٩
(٤) رواه أحمد والطبراني
1 / 2
وقيل لسلمان الفارسي ﵁ علمكم رسول الله كل شيء حتى الخراءة قال نعم" (١)، يعني حتى ما يتعلق بآداب قضاء الحاجة فإن الشريعة جاءت ببيان هذه الآداب القولية والفعلية.
ثانيًا: الاستجابة لأمر الله وأمر رسول ﷺ فإن دراسة هذه النوازل من تبليغ العلم والعمل به.
وتبليغ العلم أمر الله به وأمر به رسوله ﷺ في سنته، فقال الله ﷿: ﴿وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ (٢) .
وقال ﷾: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ (٣) .
وقال ﷾: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ (٤) .
والسنة كثيرة جدًا من ذلك:
قول النبي ﷺ: " من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة " (٥) .
وأيضًا قول النبي ﷺ: " من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع" (٦) .
ثالثًا: التعبد لله ﷿ بدراسة هذه النوازل ن لأن دراستها هذه من تعلم العلم وتعليمه، والعلم من أفضل العبادات وأجل القربات فالتصدي لمثل هذه النوازل هذا عبادة لله ﷿ يؤجر عليها الإنسان.
رابعًا: كسب الثواب والأجر عند الله ﷿، لأن العالم والمجتهد إذا بذل جهده ونظره في تعلم حكم هذه النازلة وما هو حكمها هذا فيه أجر وثواب عند الله ﷿، وفي الحديث أن النبي ﷺ قال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد " متفق عليه.
_________
(١) رواه مسلم وأبو داود والترمذي
(٢) طه١١٤
(٣) الزمر٩
(٤) المجادلة١١
(٥) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن عساكر
(٦) رواه الترمذي وقال حديث حسن من حديث أنس
1 / 3
خامسًا: القيام بهذا الفرض وهو فرض الكفاية لأنه كما أسلفنا أن تعلم هذه النوازل هذا فرض على الكفاية فكون الإنسان يتصدى لمعرفته وتبينه للناس هذا قيام بفرض من فروض الإسلام.
سادسًا: منح المتصدي لدراسة هذه النوازل إلى ملكة فقهية.
وهذا طرف من أهمية وفوائد هذه النوازل.
النوازل المتعلقة بأحكام الطهارة
والنوازل في الطهارة كما ذكرنا أنها كثيرة جدًا، وسنذكر اليوم ما يتعلق بنوازل المياه وكذلك أيضًا سنذكر طرفًا ما يتعلق بنوازل الوضوء والغسل وسنكمل إن شاء الله.
فمن هذه النوازل:
المسألة الأولى: الماء المتغير بالصدأ
والمسألة الثانية: الماء المتغير بالمنظفات المستجدة مثل: الماء المتغير بالصابون وغير ذلك من المنظفات التي استجدت.
فعندنا هذان الماءان:
الماء الأول: المتغير بالصدأ هو الذي تغير بسبب مروره بمواسير المياه أو بسبب طول بقائه ببعض الأواني التي تحفظه كالخزانات والقدور، حتى صار لونه يميل إلى الاحمرار.
فما حكم هذا الماء الذي تغير بالصدأ بالنسبة للوضوء هل يرفع الحدث الأكبر والأصغر أو لا يرفع الحدث؟ وهل يزيل الخبث أولا يزيل الخبث؟ وكذلك أيضًا بالنسبة لمياه التي تغير بالمنظفات المستجدة، مثل الصابون وغير ذلك إذا وجدنا ماءًا قد تغير بهذا الصابون ونحوه هل يرفع الحدث ويزيل الخبث أم لا؟
لكي يتضح لنا حكم هاتين المسألتين نقول: بأن الماء ينقسم إلى أقسام ثم بعد ذلك سنخرج هاتين المسألتين على هذه الأقسام التي ذكرها العلماء ﵏:
* القسم الأول: الماء الباقي على خلقته،لم يتغير بنجاسة ولا بشيء طاهر ينقله عن اسم الماء المطلق ويغلب على أجزائه كالحناء أو الحبر أو الأصباغ.
هذا الماء طهور باتفاق العلماء يرفع الحدث ويزيل الخبث.
ودليل ذلك:
قول الله ﷿ ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا﴾ (١) .
_________
(١) الفرقان٤٨
1 / 4
وأيضا حديث أبي هريرة- ﵁ في ماء البحر أن النبي ﷺ قال:" هو الطهور ماؤه الحل ميتته " وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد والترمذي وأبو داود وابن ماجة وغيرهما وإسناده صحيح.
* القسم الثاني: الماء الذي تغير بالنحاسة، تغير طعمه أو تغير لونه أو تغيرت رائحته.
فنقول هذا ماء نجس باتفاق العلماء.
ودليل ذلك:
حديث أبي سعيد ﵁ أن النبي ﷺ قال "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" (١) .
فحكم النبي ﷺ على أن الماء طهور خرج عن هذه الطهورية بإجماع العلماء، فإن العلماء مجمعون على أن الماء إذا تغير بالنجاسة تغير طعمه أو ريحه أو لونه فإنه نجس لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث.
*القسم الثالث: الماء الذي تغير بأمر لا ينفك عنه الماء غالبًا.
يعني تغير بشيء ملازم للماء غالبًا، هذا نقول باتفاق الأئمة أيضا لا يسلبه الطهورية فإنه يرفع الحدث ويزيل الخبث وهذا مثل الماء الذي تغير بطول بقائه فهذا لا ينفك عنه الماء غالبًا نقول هذا يرفع الحدث ويزيل الخبث، الماء الذي تغير بالأشجار الموجودة فيه أو الأعشاب التي نبتت فيه هذا لا ينفك عنه الماء غالبًا هذا نقول بأنه لا يسلبه الطهورية يرفع الحدث ويزيل الخبث، الماء الذي تغير بالأسماك الموجودة فيه ... إلخ، الماء الذي تغير بتساقط الأوراق، الماء الذي تغير بما تلقيه فيه الرياح أو تنقله إليه السيول ... إلخ.
_________
(١) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي
1 / 5
*القسم الرابع: الماء الذي تغير بالتراب، أيضا هذا باتفاق الأئمة على أنه طهور يرفع الحدث ويزيل الخبث، لأن التراب بدل عن الماء والتراب أحد الطهورين وهو مطهر كالماء، ولهذا قال الله ﷿ في التراب لما ذكر التيمم: ﴿مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ﴾ (١)، وفي حديث أبي ذر الصحيح أن النبي ﷺ قال " إن الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين " (٢) .
فإذا كان عندنا ماء تغير بالتراب وضع فيه تراب أو مثلا إنسان وجد غديرا في الصحراء وحرك فيه رجليه حتى أصبح أحمر فنقول هذا يرفع الحدث ويزيل الخبث وهذا باتفاق الأئمة وذكرنا الدليل على ذلك، ما لم يكن هذا الماء طيينًا أي أصبح طينًا لا يسيل على الأعضاء فهذا قالوا لا يرفع الحدث ولا يزيل الخبث لكن لو أنه تغير بهذا التراب فقالوا بأن هذا لا يضر ويرفع الحدث ويزيل الخبث.
*القسم الخامس: الماء الذي تغير بشيء طاهر.
مثلًا تغير بحناء أو وضع فيه شيء من الحبر أو وضع فيه شيء من الأصباغ أو شيء من الشاي...إلخ هذا تغير بشيء طاهر، فهذا الماء فيه تفصيل وإن كان فيه خلاف بين العلماء ﵏ المهم والذي يعنينا القول الراجح في هذه المسألة.
فنقول: الماء الذي تغير بشيء طاهر إن سلبه اسم الماء المطلق وغلب على أجزاءه فإنه ينتقل عن كونه طهورًا لا نقول بأنه طهور يرفع الحدث لكن بالنسبة لإزالته الخبث نقول هذا شيء ثاني لأن إزالة الخبث أوسع من رفع الحدث كما سنوضحه إن شاء الله.
المسألة الأولى: عندنا الماء المتغير بالصدأ من أي هذه الأقسام؟
_________
(١) لمائدة٦
(٢) رواه الترمذي وكذا أبو داود والنسائي والدارقطني والحاكم وأحمد وغيرهم من حديث أبي ذر وقال الترمذي:
" حديث حسن صحيح "
1 / 6
نقول أن الماء المتغير بالصدأ هذا من قسم الماء الذي تغير بشيء لا ينفك عنه. كما قلنا الماء الذي تغير بأمر لا ينفك عنه في الغالب يلازم الماء غالبًا هذا طهور باتفاق الأئمة وعلى هذا نقول أن الماء الذي تغير بالصدأ:تغير بصدأ الأنابيب أو بصدأ الخزانات أو القدور ونحو ذلك نقول هذا ماء طهور باتفاق الأئمة يرفع الحدث ويزيل الخبث.
المسألة الثانية: الماء الذي تغير بالصابون وغير ذلك .. إلخ.
فهذا نقول يأخذ حكم القسم الخامس، إن كان هذا الصابون الذي تغير به الماء شيء يسير بحيث أنه لا يغير الماء لا يسلبه اسم الماء المطلق ولا يغلب على أجزائه فنقول أيضًا هو طهور يرفع الحدث ويزيل الخبث وإن كان هذا المغير سلبه اسم الماء المطلق وغلب على أجزائه فنقول بأنه لا يرفع الحدث وأما كونه يزيل الخبث فهذا يزيل الخبث كما سيأتي إن شاء الله أن نبينه.
والحنفية هم أوسع المذاهب في هذه المسألة يعني من جهة رفع الحدث ومن جهة إزالة الخبث فهم يرون أن الماء الذي تغير بشيء من المنظفات كالصابون وغير ذلك من المسحوقات الآن التي توجد ... إلخ يقولون حتى ولو غلب على أجزائه وحتى لو نقله عن اسم الماء المطلق يقولون هذا يرفع الحدث ويزيل الخبث.
بالنسبة لإزالة الخبث أيضا الماء المتغير بالصدأ يزيل الخبث باتفاق الأئمة.
مسألة: هل يشترط الماء في إزالة الخبث أو نقول بأن الخبث يزول بكل مزيل:
فيه قولان للعلماء ﵏:
القول الأول: أنه يشترط الماء لإزالة الخبث.
قال به أكثر أهل العلم من الشافعية والمالكية والحنابلة.
أدلتهم:
منها: حديث أنس وأبي هريرة في قصة بول الأعرابي في المسجد "أن النبي ﷺ دعا بذنوب من ماء فأراقه عليه" (متفق عليه) .
منها: حديث أسماء رضي الله تعالى عنها في الحيض وفيه قول النبي ﷺ:" تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه" (متفق عليه) .
وغير ذلك من أدلتهم.
1 / 7
القول الثاني: أن الخبث لا يشترط في إزالته الماء.
رأي الحنفية واختيار شيخ الإسلام ﵀.
أدلتهم:
منها: سائر أدلة الاستجمار، لأن المستجمر سيمسح النجاسة مسحًا ولن يزيلها بالماء يمسحها بالخرق أو بالتراب أو بالحجارة ... إلخ، ولا يزيلها بالماء.
منها: ما ثبت في صحيح البخاري (١) من عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت:" كان لإحدانا ثوب واحد تحيض فيه فإذا أصابه شيء من دم حيض قالت بريقها هكذا وقصعته بظفرها ". منها: حديث أبي سعيد في طهارة النعلين أن الإنسان إذا أراد أن يدخل المسجد وفي نعليه أذى فإنه يدعكهما بالتراب "طهورهما التراب " (٢) .
منها: وحديث أم سلمة وإن كان فيه ضعف في ذيل المرأة الذي تجره إذا خرجت إلى السوق قال النبي ﷺ: " يطهره ما بعده " (٣) .
الترجيح: أن الخبث لا يشترط في إزالته الماء وهذا القول هو الصواب.
_________
(١) باب هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه
(٢) رواه أبو داود في كتاب الصلاة " باب الصلاة في النعل "عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن زيد عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة عن الخدري قال: بينما رسول الله ﵌ يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى القوم ذلك ألقوا نعاهم فلما قضى رسول الله ﵌ صلاته قال: " ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟ قالوا: رأينا ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال رسول الله ﵌: إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا وقال: إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما " ورواه ابن حبان أيضا في " صحيحه ".
(٣) رواه مالك وأحمد والترمذي وأبو داود والدارمي.
1 / 8
وعلى هذا نقول هذا الماء الذي تغير بهذه المنظفات بالصابون أو غير ذلك إذا غلب على أجزاء الماء لا يرفع الحدث لكنه يزيل الخبث. وكذلك أيضا نقول بالنسبة للأشياء الأخرى التي ليست ماءا مثل: البنزين والغاز وغير ذلك أن هذه الأشياء لا ترفع الحدث ولكنها تزيل الخبث
المسألة الثالثة: التنظيف الجاف
والتنظيف الجاف: هو عبارة عن إزالة النجاسة والأوساخ بمزيل سائل غير الماء مع استعمال بخار الماء.
وهذا التنظيف الجاف العادة والغالب يلجأ إليه في الملبوسات التي تتأثر بالماء أي أن الماء يفسدها، وقد نص شيخ الإسلام وغيره على أن الأشياء التي إذا تنجست ويضر استعمال الماء فيها أنه يكفي فيها المسح مثل الأوراق النقدية، أو الأوراق والوثائق أصابتها نجاسة فإن ذهبت وغسلتها بالماء فسدت عليك، ومثَّل شيخ الإسلام بأثواب الحرير فلو غسلت لأدى ذلك إلى فسادها فهذه يقول شيخ الإسلام يكفي فيها المسح.
فكل شيء إذا تنجس يؤدي غسله بالماء إلى تلفه أو فساده أو مضرته ... إلخ فإنه يكفي فيه المسح، فالآن وجد غير المسح الآن وجد هذا التنظيف الجاف أو مغاسل البخار.
وعلى حسب المسألة السابقة التي ذكرنا وهي أن النجاسة تطهر بأي مطهر، فنقول ترد علينا هذه المسألة ونقول أن الحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا فالعلة هي الأذى فإذا وجد الأذى فالحكم باقي وإذا انتفى الأذى بأي مزيل فإن الحكم ينتفي.
المسألة الرابعة: تركيبة الأسنان الصناعية أو تركيبة الأسنان
بعض الناس يكون له أسنان صناعية يركبها أو له بعض الأسنان أيضا يركبها وهذه الأسنان تكون متحركة فهل يجب عليه إذا أراد الوضوء أو أراد الغسل أن يزيل هذه الأسنان المتحركة أو لا يجب عليه أن يزيلها؟
المشهور من مذهب الحنابلة ﵏ أن المضمضة والاستنشاق أن كلا منهما واجب وفرض في الوضوء وفي الغسل،وهذا من مفردات مذهب الحنابلة.
الحنفية يقولون بأن المضمضة والاستنشاق فرض في الغسل دون الوضوء.
1 / 9
الشافعية والمالكية يقولون المضمضة والاستنشاق سنتان في الوضوء والغسل.
فعلى رأي الشافعية والمالكية لا يجب لأنهما أصلا يرون أن المضمضة والاستنشاق أن كلا منهما سنة.
لكن بقينا في مذهب الحنابلة فهم يرون أن المضمضة والاستنشاق أن كلا منهما واجب وفرض في الوضوء وفي الغسل.
الراجح من هذه الأقوال هو مذهب الحنابلة أن المضمضمة والاستنشاق أن كلا منهما واجب وفرض في الوضوء وفي الغسل.
ودليل ذلك القرآن:
أن الله ﷿ -قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ﴾ (١) والأنف من الوجه لا أحد يقول بأن الأنف ليس من الوجه والفم أيضا من الوجه وإن كان مجوف إلا أنه في حكم الظاهر، ولهذا لو أن الإنسان تمضمض فإنه لا ينتقض صيامه.
كذلك أيضا حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي ﷺ -قال: " ثم ليجعل في أنفه ماء ثم لينتثر". وهذا أمر والأصل في الأمر الوجوب.
وفي حديث صفوان وإن كان فيه ضعف " إذا توضأت فمضمض..".
وأيضا الذين وصفوا وضوء النبي ﷺ ما يقرب من اثنين وعشرين صحابيًا لم يذكروا أن النبي ﷺ أخل بالمضمضة والاستنشاق.
وعلى هذا يبقى عندنا أن المضمضة والاستنشاق أنهما واجبان، فهل يجب على الإنسان أن يزيل هذه الأشياء أو لا يجب عليه أن يزيل هذه الأشياء؟
الشافعية: نصوا على أن الإنسان إذا قطع أنفه ثم بعد ذلك اتخذ أنفا من ذهب كما أرشد النبي ﷺ عرفجة بن أسعد لما قطع أنفه يوم الكلاب اتخذ أنفًا من فضة فأنتن عليه فأرشده النبي ﷺ إلى أن يتخذ أنفًا من ذهب (٢) .
_________
(١) المائدة٦
(٢) رواه أبو داود (٤٢٣٣، ٤٢٣٤) والنسائي (٢ / ٢٨٦) والترمذي (١ / ٣٢٨) والطحاوي في " شرح المعاني " (٢ / ٣٤٩) والبيهقي (٢ / ٤٢٥) وأحمد (٥ / ٢٥) .
1 / 10
فالشافعية نصوا على أنه إذا اتخذ أنفًا من ذهب أن هذا الأنف يكون له حكم الأنف الأصلي فلا يجب عليه أن يزيله وإنما يغسله مع الوجه، وكذلك نصوا على أن الإنسان إذا قطعت الأنملة منه واتخذ بدلا من ذلك أنملة من ذهب،أنه لا يجب عليه أن يزيلها عند الغسل وتكون هذه الأنملة كالأصلية يغسلها.
وعلى هذا نقول الصحيح في هذه المسألة:أن تركيبة الأسنان أو الأسنان الصناعية لا يجب على الإنسان أن يزيلها إذا أراد الوضوء أو أراد الغسل، والدليل على هذا دليلان:
حديث عرفجة بن أسعد رضي الله تعالى عنه" فإن النبي ﷺ أمره أن يتخذ أنفًا من ذهب" (١) . وهذا الأنف سيحجب شيئًا من مواضع الماء ومع ذلك لم يأمره النبي ﷺ أن يزيل هذا الأنف عند الوضوء أو عند الغسل.
أن الإنسان قد يشرع له أو يباح له أن يتخذ الخاتم ومع ذلك لم يرد أنه يجب عليه أن يخلع الخاتم أو أن يحركه، وقد يحجب الخاتم شيئًا من الماء،وكذلك النبي ﷺ اتخذ الخاتم (٢) ومع ذلك لم يرد أن النبي ﷺ كان يحرك خاتمه لم يثبت ذلك أو أنه كان ينزع خاتمه، فلما لم يرد ذلك دل على أن مثل هذا يعفى عنه، والخاتم سيحجب شيئًا من الإصبع فيكون هذا معفوا عنه.
فنقول مثل هذه التركيبة وإن كانت متحركة قد يكون في خلعها شيء من المشقة، فنقول أنها لا تنزع ولا تحرك فكما أن الخاتم الذي قد يباح للإنسان أن يتخذه أو قد يشرع لا يجب عليه أن ينزعه فكذلك أيضًا تركيبة الأسنان لا يجب أن تنزع.
المسألة الخامسة: طلاء الأظافر بالمواد الكيميائية (المناكير)
هذه المسألة وإن كانت ظاهرة إلا أنني أوردتها لأن بعض المفتين ذكر بأنها تأخذ حكم الجوارب وأنه لا بأس للمرأة أن تمسح عليها يومًا وليلة.
_________
(١) المصادر السابقة
(٢) حديث" أنه ﷺ اتخذ خاتما من ورق" متفق عليه
1 / 11
هذا الطلاء وإن كان فيه شيء من الضرر لكن إذا اتخذت المرأة مثل هذه الأشياء في وقت الوضوء أو وقت الغسل فإن هذا محرم ولا يجوز لأن استيعاب العضو بالغسل هذا واجب، والأئمة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) كلهم يتفقون على أن من شروط صحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة.
ودليل ذلك:
قول الله ﷿: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ﴾ (١)، فأمر الله ﷿ بغسل اليد وهذا يشمل جميع اليد، وأمر بغسل الرجلين وهذا يشمل جميع الرجلين،حتى الأظافر،ومن اتخذ هذا الحاجز (المناكير) الذي يمنع من وصول الماء إلى البشرة أو الظفر ... إلخ هذا لم يغسل جميع اليد ولم يمتثل الأمر.
حديث عائشة وعبد الله بن عمرو غيرهما أن النبي ﷺ قال:" ويل للأعقاب من النار " (٢)،والأعقاب جمع عقب وهو مؤخر القدم،وتوعده النبي ﷺ بالويل لأنه يغلب أن مثل هذه الأشياء يتساهل فيها الناس ولا يعنون فيها، فدل على أنه لابد من غسل الرجل كاملة،ولابد من إسباغ الوضوء الإسباغ الواجب.
فنخلص من هذا أن اتخاذ مثل هذه الأشياء التي تمنع من وصول الماء إلى الظفر في وقت الوضوء أو الغسل محرم ولا يجوز ولا يصح معه الوضوء والغسل، حتى لو نسيت المرأة واغتسلت فنقول بأن غسلها غير صحيح ويجب عليها أن تزيل مثل هذه الأشياء ثم بعد ذلك تعاود الغسل مرة أخرى اللهم إلا إذا تذكرت بعد الغسل مباشرة بحيث لم يطل الفصل وتمكنت من إزالة هذه الأشياء فإنه يُكتفى بأن تغسل الموضع الذي لم يصبه الماء لأن الترتيب ليس واجبًا في الغسل، وإنما تجب الموالاة على الصحيح والموالاة هنا قد استدركتها.
المسألة السادسة: تركيبة الأظافر الصناعية
_________
(١) المائدة٦
(٢) متفق عليه
1 / 12
وهي نوع من الأظافر البلاستيكية تشبه الأظافر الخَلقية تأخذها المرأة وتصبغها بأصباغ متنوعة ثم بعد ذلك تضعها على ظفرها أو تلزقها على ظفرها بمادة لاصقة.
هذه الأظفار حكمها حكم ما تقدم من الأصباغ الكيميائية (المناكير) "، فنقول اتخاذها وقت الوضوء والغسل هذا محرم ولا يجوز لما ذكرنا أنها تمنع من وصول الماء إلى الظفر، وتقدم لنا أن الأئمة كلهم يتفقون على أن من شروط صحة الوضوء هو إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، من طين أو عجين ... إلخ.
مع أن اتخاذ مثل هذه الأظافر يَظهر والله أعلم أنه محرم ولا يجوز،لأن الشارع أمر بقص الأظافر كم في حديث أبي هريرة في الصحيحين أن النبي ﷺ قال: (خمس من الفطرة الختان والاستحداد ونتف الإبط وتقليم الأظفار وقص الشارب) (١) .
ونص العلماء ﵏ على أن أخذ هذه السنن له ثلاثة أوقات:
الوقت الأول:وقت الاستحباب وهو إذا طالت هذه الأشياء،فإذا طالت هذه الأشياء فإنه يستحب للإنسان أن يأخذها.
الوقت الثاني:وقت الكراهة وهو ما إذا تجاوزت أربعين يومًا، إذا تجاوزت أربعين يومًا فإنه يكره للإنسان أن يتركها، ولهذا في حديث أنس ﵁ قال: "وُقِت لنا في قص الشارب وتقليم الأظفار ونتف الإبط وحلق العانة أن لا تترك أكثر من أربعين ليلة" (٢) .
الوقت الثالث: وهو إذا طالت وتفاحشت فإن هذا محرم ولا يجوز، يعني إذا ترك شاربه حتى طال وتفاحش،أو ترك أظافره حتى طالت وتفاحشت،أو ترك شعر الإبط أو ترك شعر العانة ... إلخ، فإن هذا محرم ولا يجوز لأمرين:
١-لما في ذلك من التشبه بالسباع والبهائم.
٢ - لما في ذلك من التشبه بأهل الكفر والشرك.
المسألة السابعة: أصباغ الشعر
من حيث الاستقراء يلحظ أن نوعية الأصباغ التي تستخدمها النساء تنقسم إلى ثلاثة أقسام:
_________
(١) أخرجه البخاري ومسلم
(٢) رواه مسلم وابن ماجه ورواه أحمد والترمذي والنسائي وأبو داود
1 / 13
القسم الأول: أصباغ نباتية وهذا مثل الحناء.
القسم الثاني: أصباغ معدنية،وهذه الأصباغ المعدنية عبارة عن مركبات معدنية تحتوي على الكبريت أو الرصاص أو النحاس.
القسم الثالث: مُبَيِضات الشعر أو مشقرات الشعر، وهي تتم باستخدام البروكسيد، أو ماء الأكسجين، فيؤدي ذلك إلى تكسير صبغة المِلَيين الموجودة في القشرة الخارجية للشعر فيتحول الشعر إلى اللون الأبيض أو الأصفر ثم بعد ذلك يصبغ مرة أخرى بحسب ما تريده المرأة.
هذا التقسيم الأول من حيث نوعية الأصباغ.
التقسيم الثاني من حيث الحكم الشرعي، نقول من حيث الحكم الشرعي هذه الصبغات تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: صبغات هي مجرد لون وهذا الغالب على هذه الأصباغ، يعني الأصباغ النباتية مثل الحناء ونحو ذلك، وكثير أيضا من الصبغات الموجودة اليوم هذه مجرد لون لا تُكوَّن جُرمًا على الشعرة ولا طبقة عازلة، فنقول هذه استخدامها من حيث الوضوء والغسل هذا جائز ولا بأس به لأن مثل هذه الأشياء لا تمنع وصول الماء وإنما هي مجرد لون يكسي الشعر بلون آخر.
القسم الثاني: أن يكون لهذه الصبغة جرم وطبقة يمنع وصول الماء إلى الشعرة بحيث تكون الشعرة سميكة وهو قليل، وهذا استخدامه لا يجوز لأن فترته تطول والمرأة بحاجة إلى الغسل عن الحدث الأكبر كالجنابة والحيض ونحو ذلك.
المسألة الثامنة: الرموش الصناعية
الرموش الصناعية: عبارة عن شعيرات رقيقة تصنع من المواد البلاستيكية تلصق على الجفن بواسطة مادة لاصقة توضع على طرف الرمش الأعلى.
هذه الرموش الصناعية من خلال النظر فيها ووضعها في الماء ... إلخ، يوجد أنها تتحلل كما أن لها فتحات من جهة الأسفل لا تمنع من وصول الماء إلى داخل الشعيرات (الأهداب) فإذا كان كذلك يعني هذه الرموش إذا وضع عليها الماء وتوضأت المرأة أو اغتسلت فإنه يلاحظ أنها تتحلل كذلك أيضا لها فتحات من الداخل لا تمنع من وصول الماء إلى رمش العين.
1 / 14
فإذا كان كذلك نقول هذه الأشياء لا تمنع وصول الماء إلى شيء من الأعضاء التي يجب غسلها فهي من حيث الوضوء والغسل نقول وضوء المرأة صحيح وكذلك أيضًا غسلها صحيح.
لكن يبقى استعمال مثل هذه الرموش هل هذا جائز أو ليس جائزًا؟
نقول الذي يظهر والله أعلم أن استعمال مثل هذه الرموش غير جائز لأن هذه الرموش الصناعية توضع على الرموش الطبيعية فيلاحظ أن مثل هذه الأشياء نوع من الوصل، والنبي ﷺ " لعن الواصلة والمستوصلة " (١) .
والواصلة: هي التي تصل الشعر بشعر آخر أو بما يماثله.
والوصل ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: أن يوصل الشعر بشعر آخر، فهذا محرم.
القسم الثاني: أن يوصل الشعر بشيء غير الشعر كشعر مصنوع من البلاستيك لكنه مثل الشعر أو قريب منه في الهيئة والشكل ... إلخ. هذا موضوع خلاف والذي يظهر والله أعلم أنه لا يجوز.
القسم الثالث: أن يوصل الشعر بشيء آخر ليس مثل الشعر بعيد عنه لا يماثله ولا يشابهه، مثل وصله بخرق ونحو ذلك بحيث إذا رأيته لا تقول أنه شعر،فهذا نقول بأنه جائز ولا بأس به.
فيظهر والله أعلم أن استعمال هذه الرموش الصناعية لا يجوز لا من جهة الوضوء والغسل ولكن من جهة أنه داخل في الوصل لأن العلة وهي الزور التي علل بها النبي ﷺ موجودة هنا.
_________
(١) وَعَنِ ابنِ عُمَرَ ﵄: " أَنَّ النّبيّ ﷺ لَعَنَ الْوَاصِلَةَ والْمُسْتَوْصِلَةَ والواشمةَ والمُسْتَوْشِمَةَ " مُتّفقٌ عَلَيهِ
1 / 15
مثل ذلك أيضًا الآن ما يوجد في بعض مشابك للنساء حيث يوجد فيها شعر، كون هذه المرأة تضع هذا المشبك الذي فيه شعر نقول من جهة الوضوء والغسل الذي يظهر أن هذا لا يؤثر. كذلك أيضًا بعض النساء تحشو شعرها بشعر آخر نقول أيضًا من جهة الوضوء والغسل لا يؤثر، لأن الماء سائل رقيق يتخلل مثل هذه الأشياء، لكن يبقى مسألة الوصل فهذه هي التي تؤثر على استخدام مثل هذه الأشياء.
المسألة التاسعة: استعمال الدهونات والكريمات والمساحيق
نقول أن هذه المسألة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: أن تُكَون هذه الدهونات والكريمات والمساحيق مجرد لون أو رطوبة أو جسومة مثل الأصباغ التي تضعها المرأة على وجهها أو ما تدهن به المرأة بدنها من الكريمات أو الدهونات، نقول أن هذه الأشياء التي تكون مجرد دسومة أو رطوبة أو مجرد لون لا تمنع من وصول الماء إلى البشرة فاستخدامها هذا لا يؤثر على الوضوء ولا يؤثر على الغسل.
ويدل لذلك أن الماء يتخلل هذه الأشياء،وكذلك أيضا استعمال الكحل هذا مأمور به في الشريعة،استعمال الحناء أيضا مأمور به، الخضاب للمرأة ... إلخ.
القسم الثاني: أن تُكَون مثل هذه الأشياء كثافة دهنية أو طبقة شمعية، بحيث تجد أن هذا الدهن يكون متراكمًا على البدن ليس مطليًا، فنقول بأن هذا يمنع وصول الماء إلى البشرة.
ومثل ذلك أيضًا ما يسمى اليوم بالكحل السائل تضعه المرأة، والكحل السائل هذا ينقسم إلى قسمين:
١:كحل يكون مادة بلاستيكية تمنع وصول الماء إلى البشرة هذا لا يجوز.
٢: كحل يتحلل بالماء ويتساقط، فهو لا يؤثر على الوضوء ولا على الغسل.
المسألة العاشرة: القَسْطَرة ومثل ذلك ما يسمى بالشَّرْج الصناعي وأثرهما على الطهارة
1 / 16
القسطرة:هي أن يوضع للمريض في مجرى البول قِسْطار (ماسور بلاستيكي) يسبب إخراج البول دون إرادة المريض ويتجمع هذا البول في كيس ويكون معلقًا في المكان الذي ينام فيه المريض، وإنما يلجأ الطبيب أن يضع للمريض هذا القسطار:
إما لأن المريض لا يقدر أن يتبول تبولًا طبيعيًا وإما أن المريض يشق عليه أن يذهب لبيت للخلاء،ويكون البول في كيس بجانب المريض.
أما الشَّرج الصناعي:وهو أن يبتلى المريض بسرطان القُولون بحيث لا يتمكن من أن يتبرز تبرزًا طبيعيًا، أو أن المريض يكون فيه تشوهات خَلْقية لا يتمكن من أن يتبرز تبرزًا طبيعيًا فيعمد الطبيب إلى أن يفتح في جدار البطن فتحةً، يسهل خروج البراز دون إرادة المريض عن طريق أنبوب،ويكون هناك علبة يتجمع فيها هذا البراز تزال بين فترة وأخرى.
فما أثر هذا البول على طهارة المريض وكذلك أيضًا على صلاته وكذلك أيضًا خروج هذا البراز على طهارة المريض وعلى صلاته؟
هذه المسألة تنبني على مسألة تكلم عليها العلماء ﵏ وهي صاحب الحدث الدائم (مَن حَدَثُه دائم لفرضه) هل يجب عليه الوضوء أو لا يجب عليه الوضوء؟ وإذا قلنا بوجوب الوضوء هل يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة أو يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة؟
هذه المسألة موضع خلاف بين العلماء ﵏،فللعلماء في ذلك ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو أشد المذاهب وهو مذهب الشافعية يقولون أن مَن حَدَثُه دائم يجب أن يتوضأ لكل صلاة مفروضة وإذا توضأ لهذه الصلاة مفروضة يصلي بهذا الوضوء ما شاء من الفروض والنوافل، فإذا أراد أن يصلي صلاة أخرى مفروضة فإنه يتوضأ مرة أخرى.
1 / 17
القول الثاني: مذهب الحنفية والحنابلة قالوا لا يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة وإنما يجب عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة، قالوا يجب عليه إذا دخل الوقت أن يتوضأ ويصلي ما شاء من الفروض والنوافل فإذا جاء وقت الصلاة الثانية فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويصلي ما شاء من الفروض والنوافل.
القول الثالث: مذهب المالكية وهو اختيار شيخ الإسلام ﵀ وهو أوسع المذاهب في هذه المسألة قالوا بأن الذي يخرج منه الحدث الدائم هذا لا يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة ولا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه حدث آخر غير هذا الحدث الدائم فإنه فيجب عليه أن يتوضأ، فمثلًا هذا المريض الذي يخرج منه بول دائم لا يجب عليه أن يتوضأ، لكن لو خرج منه ريح فيجب عليه أن يتوضأ لهذه الريح أو خرج منه غائط يتوضأ لهذا الغائط.
واستثنوا من ذلك مسألة:وهي ما إذا كان حصول الحدث في الوقت أمر يسير يعني غالب الوقت لا يخرج منه شيء ويخرج منه في وقت يسير فهنا قالوا يجب عليها الوضوء.
وأقرب المذاهب هو مذهب المالكية ﵏،ودليل ذلك:
حديث عائشة ﵂ قالت:جاءت فاطمة بنت أبي حبيش إلى النبي ﷺ فقالت يا رسول الله إني امرأة أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة؟ فقال رسول الله ﷺ: "لا إنما ذلك عرق وليس بحيض فإذا أقبلت حيضتك فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم ثم صلي" (١) .
فالنبي ﷺ لم يأمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة،وإنما أرشدها أن تتحيض في وقت حيضتها فقط،فإذا انقضى وقت الحيض فإنها تغتسل وتصلي وماعدا ذلك فأنه لا يجب عليها.
وأما ما يروى من قوله ﷺ: " توضئي لكل صلاة " فهذه الفظة مدرجة لم تثبت عن النبي ﷺ.
وإذا عرفنا ذلك نقول هذا الذي يخرج منه البول على سبيل الدوام لا يجب عليه الوضوء حتى يخرج حدث آخر غير هذا البول.
_________
(١) متفق عليه
1 / 18
كذلك أيضًا هذا الذي حصل له فرج طبيعي، إذا كان خروج الغائط مستمرًا لا يجب عليه أن يتوضأ له حتى يأتي حدث آخر غير هذا الحدث الطارئ، وإن كان خروج هذا الغائط غير مستمر وإنما هو أمر معتاد، كعادة الناس يخرج في اليوم مرة أو مرتين فهذا يجب عليه أن يتوضأ لخروج هذا الغائط.
المسألة الحادية عشرة: غسيل الكلى وأثره على الطهارة
أمراض فشل الكلى عن عملها يُعد من الأمراض المنتشرة في وقتنا الحاضر، والكلى تقوم بعمل رئيسي في بدن الإنسان،فهي تقوم بتخليص الدم من السموم والفضلات السائلة والأملاح الزائدة، وإذا مرض الإنسان بهذا المرض وفشل عنده عمل الكلى فإن هذا من الأمراض الخطيرة المخوفة على حياته،وعدم تدارك عمل الكلى هذا يؤدي بحياة المريض إلى الهلاك.
ومع تطور الطب ورقيه ظهر في وقتنا الحاضر ما يسمى بغسيل الكلى،وغسيل الكلوي ينقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الغسيل الدموي أو التنقية الدموية، وهذا هو الذي يكثر في وقتنا الحاضر.
والغسيل الدموي طريقته: هو أن الطبيب يقوم بسحب دم المريض عن طريق إبرة توضع في أحد الأوردة، ثم بعد ذلك يمر هذا الدم مع الجهاز الذي يقوم بتنظيفه من السموم والفضلات السائلة والأملاح الزائدة، الذي يعمل عمل الكلية الطبيعية ويضاف إلى هذا الجهاز أثناء عمله شيء من الأدوية والعلاجات والأغذية التي يحتاجها المريض.
ويكون هذا العمل ثلاث مرات أو أربع مرات في الأسبوع وتقدر كل جلسة بما يقرب من ثلاث أو أربع ساعات على حسب حاجة المريض.
هنا الآن خروج هذا الدم ثم بعد ذلك دخوله إلى البدن مرة أخرى بعد تنقيته هل هذا الخروج ناقض للوضوء أو ليس ناقضًا للوضوء؟ هذه مسألة خلافية اختلف فيها أهل العلم ﵏، خروج الدم ينقض أو ليس ينقض؟.
القول الأول:مذهب المالكية والشافعية وهو اختيار شيخ الإسلام بن تيمية قالوا بأن خروج الدم لا ينقض الوضوء سواء كان خروجه قليلًا أو كثيرًا.
1 / 19
القول الثاني: مذهب الحنابلة التفصيل في هذه المسألة قالوا إن كان خروج هذا الدم كثيرًا فإنه ينقض الوضوء وإن كان يسيرًا فإنه لا ينقض الوضوء.
القول الثالث: مذهب الحنفية قالوا إن خرج وسال نقض وإن خرج وتجمع الدم ولم يسل فقالوا هذا لا ينقص.
والصواب في هذه المسألة: هو ما ذهب إليه المالكية والشافعية وهو أن خروج الدم من بدن الإنسان ليس ناقضًا، ودليل ذلك:
حديث جابر بن عبد الله ﵁ -في قصة الأنصاري الذي بعثه النبي ﷺ مع أحد المهاجرين لكي يكون حارسًا في فم الشعب فضربه أحد المشركين بالسهم ثلاث مرات وخرج منه الدم ولم يقطع الصلاة بل واصل صلاته والدم يثعب منه. وهذا الحديث أخرجه أحمد وأبو داود، وصححه ابن حبان وابن خزيمة وغيرهما.
فخرج منه الدم ومع ذلك واصل صلاته فلو كان خروج الدم ينقض الوضوء لما واصل صلاته.
كذلك أيضًا عمر ﵁ -كما في صحيح البخاري صلى وجرحه يثعب دمًا (١) .
وكذلك أيضًا ورد عن ابن عباس ﵁ -أنه قال في الحجامة يعني إذا احتجم الإنسان: اغسل محاجمك ويكفيك ذلك. أخرجه البيهقي وإسناده فيه ضعف.
وكذلك أيضًا ورد عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما معلقًا في صحيح البخاري أنه عصر بثرة في وجهه وخرج منها شيء من الدم ومع ذلك لم يتوضأ.
وأيضًا يتأيد ذلك بالأصل وهو أن الأصل بقاء الطهارة فلا ننتقل عن هذا الأصل إلا بدليل يدل على ذلك.
_________
(١) أخرجه مالك (١ / ٣٩ / ٥١) وكذا رواه ابن سعد في " الطبقات " (٣ / ٣٥٠) وإبن أبي شيبة في " الإيمان " (١٩٠ / ١) ورواه الدارقطني في سنته (ص ٨١) وكذا ررواه. ابن عساكر (١٣ / ٨٥ / ٢) وأخرجه البيهقي (١ / ٣٥٧)
1 / 20