आधुनिक अरबी विचार: फ्रांसीसी क्रांति का राजनीतिक और सामाजिक दिशानिर्देशन पर प्रभाव
الفكر العربي الحديث: أثر الثورة الفرنسية في توجيهه السياسي والاجتماعي
शैलियों
أمام عرش الحرية تفوح الأشجار بمداعبة النسيم، وأمام هيبتها تبتهج بشعاع الشمس والقمر. على مسامع الحرية تتناجى العصافير، وحول أذيالها ترفرف بقرب السواقي. في فضاء الحرية تسكب الزهور عطر أنفاسها، وأمام عينيها تبتسم لمجيء الصباح. أما البشر فمحرومون هذه النعمة؛ لأنهم وضعوا لأرواحهم الإلهية شريعة عالمية محدودة، وسنوا لأجسادهم ونفوسهم قانونا واحدا قاسيا، وأقاموا لأميالهم وعواطفهم سجنا ضيقا مخيفا، وحفروا لقلوبهم وعقولهم قبرا عميقا مظلما، فإذا ما قام واحد من بينهم وانفرد عن جامعتهم وشرائعهم قالوا: هذا متمرد شرير خليق بالنفي، وساقط دنس يستحق الموت. لكن هل يظل الإنسان عبدا لشرائعه الفاسدة إلى انقضاء الدهر، أم تحرره الأيام ليحيا بالروح وللروح؟ أيبقى الإنسان محدقا بالتراب، أم يحول عينيه نحو الشمس ليحيا بنورها ويحترق بنارها؟
والخلاصة أن مبدأ الرجوع إلى الطبيعة يعني في الحقيقة أن الإنسان ينظر إلى الطبيعة فيفيض عليها حياة من حياته، ويقيمها مقام المشارك له في عواطفه وأفكاره وأمانيه؛ وهذا هو جوهر الرومانتية. إلا أن من الرومانتيين من يتصور الحالة الطبيعية هي الحالة المثلى، ويرى أن لا أمل في العودة إليها، فيعتبر نفسه، والإنسان جملة، أشبه بملاك طرد طردا نهائيا من الفردوس؛ فهو حزين كئيب والطبيعة حزينة كئيبة.
44
ومن الرومانتيين من يشهد الفرق بين الحالة الطبيعية - الحالة المثلى - والحالة الراهنة، فيرسل الصيحة إلى النضال. ولئن تكن هذه الصيحة مبعثها في الغالب شعور يحس الهدف، ولا يرسم طريق الوصول، فإنها مع ذلك خير من رومانتية الندب والعويل.
بقي معنى لا بد لنا من ذكره، يقصده أدباؤنا ومفكرونا حين يقولون: «الطبيعي»؛ فلقد نظروا في أشياء الطبيعة وتصرفاتها، فإذا بهذه الأشياء والتصرفات لها خصائص ونواميس تسري عليها؛ فالحجر إذا أفلت من فوق وقع إلى تحت، وهذا طبيعي. والفحم إذا تمت فحميته اسود، وهذا طبيعي أيضا. ونظر أدباؤنا ومفكرونا في السياسة والاجتماع، فإذا للأمور والتطورات السياسية والاجتماعية خصائص ونواميس تسري عليها؛ فالاستبداد، مثلا؛ أي «حكم الحاكم بأمره» كما عرفه الكواكبي، له صفاته ومسالكه طبائع ملازمة له؛ ومن هنا كان عنوان كتاب الكواكبي «طبائع الاستبداد». ولا يجوز القول بأن أدباءنا ومفكرينا قبسوا هذا الاستعمال من أعلام الفكر الفرنسي وحدهم؛ فقد سبق إليه ابن خلدون إذ يقول مثلا: «من طبيعة الملك الانفراد بالمجد.»
45
ولم ننبه إلى هذا المعنى من معاني «الطبيعة» و«الطبيعي» لنبين محض طريقة من طرق استعمال الكلمة، ولكن لنظهر ما وراء ذلك من صحة وعمق فكر؛ فإن معرفة أدبائنا أن الأمور والتطورات السياسية والاجتماعية - كالأنظمة وأشكال الحكم والانقلابات - لها طبائع مخصوصة، إنما هي معرفة ثمينة تمكننا من انتظار ما يجوز انتظاره، أو يجب انتظاره، في شأن هذا الضرب من ضروب السياسة أو هذا النوع من الاجتماع، فإذا كنا أمام «حاكم بأمره» توقعنا الاستبداد والجور؛ لأن ذلك طبيعي، ولم يحق لنا أن نتوقع زوال الاستبداد والجور إلا بتغيير النظام الذي يحكم فيه حاكم بأمره؛ لأن طبيعة الشيء لا تتغير إلا بتبدل الشيء نفسه؛ فالفحم لا يخرج عن الفحمية إذا دهن بالطبشور، ولكنه ينقلب إذا صار ماسا.
وهناك درس آخر أفاده أدباؤنا ومفكرونا من الثورة الفرنسية وأعلامها الفكريين؛ ذلك هو فصل الدين عن الدولة. وقد شاءت بعض الجهات في الثورة الفرنسية أن تدخل في أمر الدين فترسم للناس عبادة جديدة هي عبادة العقل ممثلا في امرأة، لكن الرأي الأخير قر على أن يفصل الدين عن الدولة، ويحال بين السلطات الروحية والتدخل في الشئون الزمنية. وصحيح أن عددا من أدبائنا ومفكرينا، كالشدياق في «الفارياق» ونوفل الطرابلسي في سياحة «المعارف»، وقفوا موقف المستنكر من الثورة الفرنسية لمسها شأن الدين، وصحيح أيضا أن بعض مفكرينا، كالدكتور شاكر الخوري في «مجمع المسرات»، وقفوا موقف النقد من روسو وفولتير لأنهم خالوهما يريدان نقض
46
الدين، ولكن ليس من شك أن رجال الأدب والفكر عندنا أجمعوا على تأييد مطلب فصل الدين عن الدولة، وحصر نفوذ السلطات الروحية في نطاق خاص بها لا تتعداه، ومفهوم أن أوضاع الإمبراطورية العثمانية كان فيها ما يدفعهم دفعا إلى تأييد هذا المطلب، فشاع على الألسنة والأقلام الشعار التالي: «الدين لله والوطن للجميع».
अज्ञात पृष्ठ