فدرس حياة الأديب عمل في غاية الأهمية. وهذا البعد بين أخلاق الأديب وأدبه، الذي نلمسه أحيانًا في أدبنا يزيد هذه الأهمية، ويحفزنا إلى الدقَّة والعناية بدرس أخلاق الأديب لندرس مقدار الصلة بينها وبين أدبه - وليس يكفينا أن نفهم غزل بشَّار دون أن نعرف شيئًا عن حبِّ بشَار: كيف كان يفهم الحب؟ وهل كان يحب هذه التي يتغزَّل بها؟
وإذا قرأنا فخر المتنبي وجب علينا أن نفهم شعور المتنبي بعزَّة النفس ويجب أن نفهم إباء المتنبي وكبرياءه. وإذا قرأنا مديحًا للبحتري وجب علينا أن نعرف مقدار تعبيره عما في نفسه وأن نعرف وفاء البحتري ومبلغ اعترافه بالجميل ...
دراسة الآثار الأدبية:
كل ما مرَّ بك إنما هو دراسة للرجل، والرجل بآثاره، بها يخلد، وبها يسمو على الألوف المؤلَّفة من أهل زمانه، الذين ضاعت أجسادهم في بطن الأرض، وضاعت أسماؤهم وذكرياتهم في بطن التاريخ، ونحن لا نصنع شيئًا حين ندرس الرجل ونهمل درس آثاره، ولا بدَّ لنا من العناية بهذه الآثار، ولا بد لنا من تحليلها وتصنيفها؛ واكتشاف مصادرها ومواردها، إذ إن الأثر الأدبي هو القسم المضيء من خط طويل غاب طرفاه في الظلام. ومن العبث أن نفتِّش عن فكرة أو صورة انبثقت من صدر صاحبها كاملة، ولم يكن لها بداية سبقه إليها غيره؛ ومن العبث أن نقول إن هذا الشاعر قد جاء بشيء جديد في جوهره وشكله، لأن النفس الإنسانية لا يخرج منها إلا ما دخل إليها من العالم الخارجي، فهي مصنع يأخذ المواد الأولية، ويعطي مصنوعات نافعة جميلة، ولكنه لا ينشئ شيئًا بلا مواد (١) ...
وإذا اعتقد بهذا إخواننا طلَّاب البكالوريا كان لهم في الاقتباس الشعري،
_________
(١) هذا هو رأي الفيلسوف لوك والتجريبيين. وهو نفحة من حديث: «كلُّ مولودٍ يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه أو ينصِّرانه أو يمجسانه» رواه البخاري.
1 / 52