فكادت تصيح به قائلة: كن مقيما على هواي؛ لأني لم أخنك قط، إلا أنها توقفت لأن احتجاجها الآن لا يجدي نفعا، وهي لا تريد أن يمس شرف والدتها، فاكتفت بأن قالت: يمكننا أن نعترف ولا يرى أحدنا الآخر إذا وجب، وسوف أكتم في صميم فؤادي سر فؤادك، حريصة عليه حرصي على كنز، ومهما يطل افتراقنا فإن روحينا تتحدان، فوداعا يا روجر. أنت تحبني ... وأما أنا فأعبدك عبادة!
وعجل افتراقهما وقع خطى الأميرال وزوجته، وكان قد عاد منذ ربع ساعة، ودهش إذ علم بوجود الكونت دي موري في البهو، وزاد دهشة لما علم أيضا أن ابنته في البهو كذلك، فاتفق مع زوجته على أن لا يدخلا عليهما، ولكن لما طال الوقت قلق وزوجته فعزما على إسعاف ابنتهما في موقفها أمام الرجل الذي طلقها وطردها، وكان عندهما شخص آخر جاء إلى البيت وقتئذ، فتركاه وتمشيا إلى البهو، فدخل الأميرال في الأول، فأبصر لورانس وروجر واقفين والانفعال باد عليهما، فحيا وقال: لقد رغبت في مقابلتنا أيها الكونت؟
فانثنى الكونت إلى لورانس وقال: لا أرى بدا من أن تسمعي الحديث الذي أتيت لأجله، فإن الحوادث الأليمة التي فرقت بيننا لم تقلل من احترامي لشخصك أيها الأميرال؛ ولذلك جئت أطلعك وزوجتك الفاضلة على أمر عقدت النية عليه، وهو يتعلق بابنتي.
قال الأميرال: ما هو؟ أجاب: لقد عزمت على تزويجها.
فصرخت لورانس: تزويج بوليت؟
قال: نعم، نشأ هذا العزم عندي منذ تفرقت أسرتانا، فإن حالتها باتت حرجة بالنظر إلى ذلك التفريق، وكنت قد قررت تزويج بوليت دون أن يقع الاختيار على الزوج، وأما الآن فقد وقعت حادثة مشئومة أكرهتني على اختيار الزوج الذي أكلمكم عنه، وسأطلعكم على اسمه، فهو المسيو أنيبال بلميري.
ولما تلفظ بهذا الاسم خفض صوته كالخجول، فجعل كل يردد ذلك الاسم غضوبا، وكأنما نزلت بهم جميعا نازلة ألزمتهم الجمود. فلبثوا هنيهة وكأن على رءوسهم الطير إلى أن تكلمت لورانس في الأول، فمدت يدها إلى جبينها تمسحه، ثم قالت: يوجد في هذه المسألة أمر خفي لم تتكلم عنه، ولا بد أن يكون ذلك الأمر قد أملى عليك هذه الكلمات التي سمعناها منك، فأوضحه لنا، وإنما اعلم أنك لا تستطيع أن تقول لي إنك عازم على تضحية ابنتي لشقيق المرأة التي اختلست مكاني دون أن تنبئني بما يدفعك إلى هذا العمل، فتكلم، إني مصغية إليك.
وكأنما تغيرت الحال؛ فإن الكونت دي موري طأطأ الرأس بعد أن كان يتكلم بلهجة السيد الآمر، فقال الأميرال أيضا: نعم، لا بد أن نعرف السبب ...
فأجاب بكآبة: «لذلك وحده أتيت، ولعلكم ترأفون في الحكم علي متى اطلعتم على جلية أمري، فاعلموا إذن أنني بعدما أصبت في حبي نزل بي مصاب آخر؛ خسرت في الأول شرف الزوج، ثم كدت أخسر شرف الرجل النبيل، وقعت لي أمور يطول شرحها ولا فائدة منه فأضرت باسمي وشرفي، ولا أزال حتى الآن هدفا للمحاكمة في محكمة الجنح.»
فصاح الثلاثة وهم مرعوبون: أنت! أنت! فأجاب: نعم أنا، ولكنني لا أظنكم ترتابون بسلامة نيتي ولا تتهموني إلا بالغفلة، ومهما يكن من الأمر فلما ظهر لي الخطر أيقنت بالخسارة، ولم يبق أمامي إلا سجن الأثيم أو رصاصة الرجل النبيل الذي تطارده الحكومة لذنب أتاه دون قصد، وفيما أنا كذلك جاء رجل فأخذ بناصري.
अज्ञात पृष्ठ