ودنت منه، فخفق قلبه، ورأى الاصفرار يعلو خدها النادي، وكأن حرج الموقف كاد يخرج قلبها من صدرها، فأدنت خدها من فمه فلمسه بشفتيه ولم يقبله، فأجفلت وقالت: هات فقد أعطيتك، قال: لا، إني لم أقبلك، وقلبك أعدل الشاهدين، فقالت: يا ربي، يا لله! ما أبخلك! فقال: يا قلبي، يا فؤادي، يا لله! ما أجملك! فضحكت زبيدة، وأدنت خدها ثانية؛ فوضع عليه نار شفتيه، وقد لذ ذلك للفتاة، وتحركت في نفسها الطبيعة الكامنة في النساء، فدنت منه كثيرا ودنا منها أكثر، وأطلق يديه، وقبض على رأسها، ووضع على شفتيها القبلة الأولى ...
ولقد جرت تلك القبلة هموم تلك العائلة وهموم غيرها من العائلات، هذه القبلة خلقت عواطف حب جديدة بين الشاب والفتاة البكر، ومن ذلك اليوم أصبحت زبيدة ملكا لإبراهيم.
وكانت أم زبيدة تحبها أكثر من عزيزة؛ لأن زبيدة صغرى الاثنتين، وتظن تلك الأم الشريرة أن من الحب ستر العيوب، فأسرت زبيدة أمرها لأمها، وشكت لها حبها لإبراهيم، وخوفها من الفضيحة، فهدأت أمها خاطرها بطيب الكلام، وكانت بعد ذلك تنتهز فرصة غياب عزيزة عن الدار، وتبعث إلى إبراهيم، فيأتي ويجلس مع زبيدة ويحادثها ويداعبها ويقبلها ويضمها ...
الفصل الثاني عشر
قال محدثي: وفي يوم من أيام الصيف، أتى إبراهيم إلى الدار، وكان الهواء حارا جدا، فطلب ماء باردا غسل به جسمه، ولم يكن في الدار غير زبيدة وأبيها العجوز المريض، وفي الفرصة التي كان إبراهيم يغسل فيها بدنه كانت زبيدة متقدة جدا، وكان في ضميرها عراك شديد بين العفة والرذيلة، أتدخل عليه الحمام وتضم جسمه العاري إلى جسمها، أم تسأله قبلة كما سألها هو منذ أيام، أم تصبر على ضيم طبيعتها البشرية الهائجة؟! وأخيرا خرج إبراهيم من الحمام، ولبس ملابسه، فأخذته زبيدة إلى قاعتها، وأجلسته على السرير، ثم قالت له: إنني متعبة جدا، وأرغب أن أنام، فأين أضع رأسي؟ فقال: ضعي رأسك فوق كتفي، فإن ذلك يجعلني أسعد رجل في الدنيا.
فأخذت زبيدة يده في يدها، وضغطت عليها ضغطا شديدا، وتغير وجهها، وذهبت عنه نظرة الإنسانية، وصار حيوانيا محضا - ويظهر من ذلك أنها لم تعد قادرة على كبح جماح شهوتها التي تغلبت عليها تغلبا شديدا - فدنت من إبراهيم وقبلته، فما كان منه إلا أنه قبلها؛ لأنه ظن أن قبلتها الأولى تحية، فردها بأحسن منها، ثم ضمها إلى صدره ضما عنيفا، فقالت له بخجل وحياء: إنك أتلفت ملابسي وهي جديدة، فدعني أفك أزرارها ... وبعد أن فكت أزرارها، وبان نهداها وصدرها، ضمها إبراهيم ثانية إلى صدره، وعند ذلك صرخت وقالت: إنك حللت شعري، فقال لها: دعيه ينسدل على كتفيك، وعند ذلك تركت زبيدة شعرها القسطني الجميل، فانسدل على صدرها وظهرها، فقال لها إبراهيم: إن شعرك أجمل شعر في الدنيا، ثم أخذ منه خصلة وقبلها، وكانت زبيدة في ذلك الحين متكئة على ذراعها، فخانتها قواها ووقعت، فانحنى إبراهيم ليقيمها، فانتهزت هذه الفرصة وأخذت بوجهه بين يديها، ونظرت إليه نظرة مملوءة بالحب، ثم أغمضت عينيها، وعند ذلك قبلها إبراهيم، وتغلبت عليه شهوته؛ فأخذ الفتاة بين يديه ... •••
وفي هذه اللحظة كان الرجل العجوز أبو عزيزة قد لحقه ضيق شديد في صدره، وكانت خادمته خرجت لتزور قريبة لها، فكان المسكين يتأوه ويصرخ بصوته الضعيف، وينادي زوجته فلا تجيب، ثم ينادي عزيزة فلا تجيب، ثم ينادي زبيدة فلا تجيب، ثم نادى المسكين ابنه الصغير، ولكن الولد كان مع أمه خارج الدار، وأخيرا تنهد العجوز المريض من قلبه، وقال: آه، وأظن تلك الآهة قد وصلت إلى أذن زبيدة فتجاهلتها، وظنت أنها لم تسمع تنهد أبيها، وكيف تبيع لذة الحياة الدنيا في مثل هذه الساعة، وتقوم لخدمة رجل عجوز ليس بينه وبين القبر إلا ساعات معدودة؟!
ويا ليت زبيدة قامت لتساعد أباها المريض؛ لأن عزيزة وصلت إلى الدار، وفتحت الباب بلا غاغة، ولا أدري ماذا حملها على ذلك، وربما حدثتها نفسها بالأمر، ودخلت عزيزة القاعة، فرأت زبيدة وثيابها ملوثة بدم عرضها، وهي صفراء ترتجف، وعيناها تنظران إلى الأرض، ورأت إبراهيم واقفا كالسائل المحروم بعد أن كان شامخ الأنف ...
وما أحرج ذلك الموقف! ... وقد تغلبت غيرة عزيزة على حبها لأختها، وخافت على حبيبها أكثر من خوفها على عرض زبيدة، وبقيت صامتة أمدا طويلا، ثم تناولت كرسيا كان في القاعة قريبا منها وضربت به إبراهيم، وقد هشم الكرسي وجه الشاب، واختلط دم جراحه بدم عرض الفتاة الذي أراقه، ونظن أن دم العرض أنقى وأشرف من دم وجه ذلك الخسيس الدنيء، وأمثال إبراهيم أقرب إلى النسوة منهم إلى الرجال، فإنه لما رأى تلك الإهانة من عزيزة هانت في عينيه فضيحة الفتاة، ولم يستح من عمله، وأخذ يسب عزيزة ويشتمها بأعلى صوته، وهم بها يضربها، وقد بعثت الصدفة أم عزيزة ومعها الولد الصغير، أما الولد لما رأى أخته زبيدة ودم عرضها يجري، خاف عليها وظنها مريضة، وأنها ستموت، فأخذ يبكي عليها وهو يقبلها ويكلمها وهي لا ترد عليه، مسكين هذا الطفل الصغير الذي يدافع عن أخته بصوته الطاهر، فإن كل دموعه ونحيبه لا ترد ما حدث، ولا تنجي زبيدة من موتها الأدبي الذي ماتته بعد أن فرطت في عرضها، وأما الأم - وهي تلك المرأة الخبيثة - فقد فهمت كل شيء ... وبدأت تهدئ روع إبراهيم، وتلوم عزيزة على تهورها واندفاعها.
وقد سببت تلك الحادثة الكراهية والبغضاء بين عزيزة وأختها وأمها، وبقيت العائلة في شقاق أمدا طويلا، ثم انفصلت عزيزة عن العائلة بمالها وثروتها.
अज्ञात पृष्ठ